الخبز الحافي

آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 5523 - 2017 / 5 / 17 - 11:40
المحور: الادب والفن
    

في الخبز الحافي، الروائي محمد شكري، يعري نفسه، يعري الإنسان. وكما نقول دائماً الفن والأدب فعل تعرية، كشف الحجاب المستور. إنه الدخول إلى الأماكن الأكثر سريّة في عالم الأبدية للكون والإنسان. والرغبة، والجنس.
يدخل الروائي إلى عالم الرجل المخفي، إلى داخل الجسد الثائر، الملتهب، المتطلب، الشهواني الذي لا يهدأ ولا يكل. الذي يريد ويريد، جميع النساء، أجسادهن، الأماكن الأكثر سرية منهن. ينطلق من موقع الرجل في علاقته بجسده وبجسد المرأة. الرغبة تعميه، تأخذ بلبه، تغيب تفكيره منه، ولا يبقى له إلا أن يفرغ هذه الطاقة المشتعلة في داخل الكائن الطبيعي خاصة في فترة فوران الجسد.
رواية الخبز الحافي تحلل بنية النظام الأبوي، تسلط الضوء على تسلط الأب، وقسوته، ضربه للابن ولأمه. كما ينظر تماماً لوجود الاحتلال الإسباني، كشكل بطريركي مكمل للمجتمعات البطريركية المتخلفة في بلداننا، ورافد قوي لاستمرارهما. كل منهم يمد يده للأخر للقبض على السلطة والمال والنفوذ والثروة.
المرأة، في الرواية أم البطل، والتي تتعرض للضرب في النهار من قبل الأب، تتحول إلى كتلة جنس ملتهبة في الليل بين يديه. يسمع البطل صوت الشهوة، مواءها، صراخها بيد جلادها.
هنا يصور الروائي تلك المرأة، متواطئة مع الرجل ضد نفسها. بمعنى أن المرأة، في المجتمع المستلب تستمتع بالتعذيب، بأدوات النظام البطريركي. والسلطة. كلاهما، متواطئان على نفسيهما، وعلى المستقبل. ثم يتوغل الروائي في عالمه المتعدد، المكون من عوالم عديدة ومتنوعة في عملية انكشافه على نفسه وعلى المجتمع بقيمه وعاداته وتقاليده.
في التكوين النفسي للإنسان الشرقي، تناقضاته الحياتية، والانفلات من الضوابط والقوانين الإلهية، والوضعية، يرصد لنا الروائي محمد شكري عالم الماخور، ذلك العالم المطابق للمجتمع، لقاعه، لحقيقة الواقع، الذي كرسه الإنسان. وفي عملية الإزاحة، يحاول أن يتبرأ منه، أن ينفصل عنه، كشيء مخجل، على الرغم من أنه جزء من حقيقة واقعية متكاملة يعيشها.
في الماخور، يتحرر الجسد من القيود. ويسرح في فضاء الحرية. وينال ما يريد. حيث العاهرات الجميلات غير مكترثات بقوانين الأرض، ومتحررات منها ومتمردات عليها.
إنه الوجه الأخر لوجه الإنسان الواقعي المكمل لوجوده. في هذا المكان، يقف المرء وجها لوجه أمام حريته ويحلق بعيداً، في الفضاء الواسع، في محاولة للطيران والتخلص من ثقل الأرض وقسوة الحياة، والاستغلال والواقع المؤلم.
يسلط الروائي محمد شكري، الضوء على الجنس الفاضح، دون تورية أو إخفاء أو تعمية. يتعامل معه بانكشاف مذهل. يصور هذا النداء الحر، الصارخ الذي لا يتقيد بقيود البشر، المتطلب، الكائن الموجود في الوجود، المخفي والمعلن، السري، الذي يفرض حضوره. إنه ذلك الجني الذي يلعب في الذات، ينط ويرقص ولا يرحم. إنه كائن قائم بذاته، كائن في ذات الإنسان، يحرضه على الالتحام بالوجود، يحركه يفتته، يدفعه للخروج إلى الضوء والهواء، إلى البقاء واستمرار الحياة. يريد أن يعلن عن نفسه، وجوده أكثر من وجود الإنسان ذاته. هذا الكائن القابع في خفاء أنفسنا، إنه صوت الحرية، الصراخ الكوني، وحقيقته.
تتحول الرغبة الجنسية في سياق الرواية إلى دودة تعبث في شرايين صاحبها، فكلما أرادت الرغبة الخروج إلى الشمس، قمعت بالكبت وحبست أنفاسها، تقتل في العديد من المرات لكنها تستيقظ من جديد كما النور في داخله. هذا التناقض بين الإنسان المستلب، المأزوم والعبد وبين كيانه المتمثل بالجنس، أحدهما يخالف الآخر، بين الوعي لذاته، ووعي زائف آخر مراوغ وكاذب، القاتل لممرات النور في داخله. هذا التناقض بين الإنسان وداخله، بين الخارج المزيف والداخل المرتبط بقوانين الكون والحرية. إنها العلاقة، التناقض، بين الحرية والعبودية منذ أن حاول الإنسان الانفصال عن ذاته، الطبيعة والوجود.
ربما الماخور يكون صورة الهروب المؤقت من القوانين التي أحاطت ذات الإنسان وحاصرته، والماخور هنا هو الأكثر نقاء وحرية من الرتابة والحياة الروتينية، أكثر نقاء من حالة العبودية التي كبلت المرأة والرجل، وحولتهما إلى أدوات أو لربما أشياء. في علاقة حقيقية بين الروائي والمرأة، داخل الماخور ذاته، تظهر صورة الانقسام الاجتماعي بتراتبية عميقة، تتساءل المرأة:
هل صاحبك مسلم؟ يرد عليها بثقة:
ـ طبعاً إنه مسلم.
كلاهما كانا في المأخور، محمد شكري وصديقه القادم من تركيا إلى المغرب.
قال كمال التركي بعربية مكسرة:
ـ أنا مسلم. سألت خديجة، كمال التركي:
ـ أتعجبك صفية أم نختار غيرها؟ هناك كثيرات أجمل منها إذا شئت. يرد عليها:
ـ إنها رائعة. الفتيات المغربيات يشبهن كثيراً الفتيات التركيات.
يصور الروائي هنا، في مذكراته أو سيرته الذاتية، المجتمع كما هو دون تجميل أو مكياج أو تورية. يعريه، يدخل القاع، الأماكن القميئة والمشرقة فيه، بعيداً عن الزيف والكذب والتشويه. ويرصد علاقة السلطة بالمجتمع وتمزيقه
البنية العليا في الماخور هي السلطة، تغيب عن المشهد، تتوارى وتخفي ذاتها، وتترك الضحايا يمزقون بعضهم، وفي حالة هروب وهروب إلى الأمام. هذا واضح وذاك ملتبس. فالماخور، في البنية الاجتماعية، هو الأدنى، هو عالم المهمشين والفقراء، وفي داخل المبغى الكبير يسود الجوع والإقياء والحرمان والتفسخ. والأسر والأغلال.

#آرام_كربيت (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات