|
الأبقار تحلم أيضاً
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 5523 - 2017 / 5 / 17 - 09:51
المحور:
الادب والفن
الأبْقارُ تحلمُ أيضاً
تأليف: جاسون دياكيته تصوير: ماريا باجت الترجمة إلى العربية: حميد كوره جي
WANÅS KONST
أتعلمون أنّ الأبقار أيضاً تحلم؟ ليست الأبقارُ مثلَنا. إنّنا نحلمُ حين نستلقي. بينما الأبقارُ تحلمُ واقفةً. نحلمُ على الأغلب ليلاً. بينما الأبقار تحلمُ طوال اليوم تقريباً. البقرة العادية تحلمُ بالحشيش و البرسيم، و التبن وأوراق الهندباء. بعضها تحلمُ بثورٍ خاصّ أو ببقرة خاصة في حياتها.
لم تكن سام بقرة عادية لأنّها أوّلاً كانت تعيش في حقل أنيق جدّاً يقع إلى جانب قلعة بيضاء كبيرة. كانت سام ترنو إلى هذه القلعة الجميلة من حظيرتها خلال النافذة. كانت سام تعيش مع 400 بقرة أخريات. كانت تعرف جميعهن تقريباً. قسم منهن كنّ في غاية اللطف، و أخريات مملّات شيئاً ما، لكن لم تكن أية واحدة منهن دنيئة تجاهها. إنً الأبقار تُجيد الإخلاص بحقّ بعضها البعض. وإنّها قبل أيّ شيء آخر تُحسنُ أكل العشب. تعبتْ سام من الأكل و الحلم. ورأت ْ أن الحياة في الحقل كانت رتيبة. كانت الأبقار ُ تستيقظُ كلّ صباحٍ مبكّرة بعد ليالٍ تحلمُ فيها بتناول حشيش حزيرانيّ أخضر ريّان. وعندما يحين أوان الاستحلاب يدخلُ البشر إلى الحظيرة. و بعده تخرج الأبقار إلى المرج للرعي. كنّ يتناولن العشب بالتناوب، و يحلمن بتناول العشب بالتناوب أيضا. شعرت سام أنّ البقرات في الحقل غدون كُسالى، إذ لم يعدن يحلمن أحلاماً كبرى. -ألا يمكننا أن نعمل شيئا مختلفاً و غير متوقع اليوم؟ طفقت تسأل كل صباح حين كانت تقف في الدور خلف ماكينة الاستحلاب. لكنّها كانت تتلقى من صديقاتها البقرات نفس الجواب وهو النظرات المتعبة منهن دائماً في كلّ مرة.
كانت الزيارات التي كان يقوم بها الضيوف لهن في حظيرتهن الشيء الوحيد الذي يثير أحاسيسهن .كان يحدث هذا لهن بين آونة وأخرى حيث يأتي الناس عندهن من قريب وبعيد. رأت سام أن الأكثر إثارة كان حين يتبادل الفلاح و الضيف الحديث عن الفنّ. كانت سام تحبّ أن تصيخ السمع للأحاديث التي تجري حول الفن.
كان ثمة سور حجري خارج حظيرة سام و في الجانب الآخر من السور توجد القلعة في حديقة واسعة مليئة بالفنّ بشكل واضح. فنّ، فنّ فنّ. سمعتْ سام كثيراً عن كلمة الفنّ، لكنها لم تعرف ما هو الفنّ. والجواب بالتأكيد كان متوفراً في الجانب الآخر من السور الحجري. –"هل أنا الفن"؟ ، وجّهت سؤالها لبقرة مسنّة في عصر يوم ما حيث كان يرعى معها سوية في الحقل. - "ها!" ، قالت البقرة. الفن؟ استطيع أن أقول لك ما هو الفن.إنّ العثور على أفضل عشب هو فنّ. إنه فن قضم أوراق العشب في المكان المناسب تماما بحيث سينمو عشب جديد بسرعة مرة أخرى. ثمة أبقار كثيرة تقوم بقضم العشب عميقاً بالقرب من قاع الجذور فيلزم بعده وقتاً طويلاً للعشب الجديد كي ينمو مرة أخرى ما يخلق في المراعي الكثيرَ من البقع الجرداء والبنّية، إذ ينبغي أن يكون المرعى أخضر وناعماً ومفعماً بالعشب الطريّ. ثم كما تعلمين أن هذا المرعى ترعى فيه البقرات الفنانات حقا. جعّدت سام فمَها. - أنا أعتقد أنك على خطأ، قالت ذلك وهي تسير خائبةً باتجاه أطراف المرعى، مقتربةً ما يمكن من القلعة. ينبغي أن أجد طريقة ما يمكنني بها أن أنتقل إلى الجانب الآخر من السور الحجري. فالجواب الكافي الذي أنشده موجود في الحديقة الواسعة للقلعة.
و ذات مساء بعد أن فرغت الأبقار من تناول علف المساء، وقبل أن تأسرهم أحلام الليل، لاحظت سام أن الباب كان موارباً. حدث مثل هذا من قبل أيضاً، حين كانت سام متعبة كثيراً بحيث عجزت عن مواصلة التحقق في الأمر. لكنها الآن رغم ذلك تفكرت : " لقد واتتني الفرصة الآن لأقاوم الأحلام و أكتشف ما هو الفن. يجب أولا أن أنتظر إلى أن تنام البقرات.
عندما يغفو البشر، نسمعهم عادة بشكل جيد على الأغلب . ويمكنك أن تسمع شهيقنا الثقيل، و في بعض الحالات الشخير العالي. ويوجد ناس يتحدثون في المنام. لكن الأبقار ، من جهة أخرى تفرق كثيراً عن الناس. الأبقار ضاجّة كثيراً حين تكون مستيقظة. إنها تمضغ الحشيش والتبن متلمظة شفاهها بصوت عالٍ. إنها تنفث و تلهث و تخور وتزفر بدون وقفة ، لكن حين تنام تغدو هادئة للغاية.
انتظرت سام إلى أن عمّت السكينة، بحيث استطاعت سماع الفئران وهي تفرّ في مخزن الحبوب فوق قضبان السقف. وحين وصلت إلى باب الزريبة، أدركتْ أن لديها مشكلة. إذ لو استيقظت إحدى البقرات لأيقظت بقية البقرات. صرّ الباب صريراً مروعاً. سهذه الأثناء سيارة على الطريق الحصوي. ربّما كان تراكتوراً يقترب. رأت أن الصرير ربّما قد حجبته قرقعة محرّك التراكتور. دفعت البابَ بأنفها فانفتح، متسللة إلى الخارج ماشية على أظلافها بحذر.كان عليها أن تتصرف بحذر شديد. الأبقار حساسة للصوت ولهذا تكون خفيفة النوم. وإذا استيقظت إحدى البقرات لاستيقظت في الحال البقرات الأخريات أيضاً. قرقعة التراكتور هي الضوضاء الذي اعتادت عليه البقرات منذ الأيام التي لم تكن سوى عجول. ولو سمعت بقرةُ نائمةٌ تراكتوراً لتصورت حالاً حينها انّ كل شيء قد استعاد حالته المألوفة ، ولواصلت هي نومها.
وأخيراً وقفت سام خارج الفناء المقابل للزريبة. كانت ليلة ساطعة بالبدر، فكانت ترى كلّ شيء بوضوح. كلما شهقت شهقة رأت غيمة كبيرة تتشكل أمام الزريبة. بدأت تمشي باتجاه السور الحجري. والآن حين تكون إحدى البقرات عصبية المزاج، ينتصب ذيلها عالياً. تسللت سام عبر الفناء وعلى الطريق الحصوي و ذيلها يرفرف منتصباً في الهواء. شعرت بالتعب لكن الإثارة و الرغبة في المغامرة أنسيتاها النعاس. فكرت مع نفسها: كم أتمنى أن لا تأتي السيارة فأنكشفُ . فمن الصعب، كما ترى، للبقرة أن تختفي. نجحتْ في الوصول إلى البوابة عند السور الحجري بدون أن تنكشف . كان جميع من في الحقل و في القلعة مستغرقين في المنام، ما عدا البوم و العناكب التي كانت مستيقظة. قالت سام لنفسها:" لن يهمهم و لن يعترضوا إن كنتُ فوق و أمشي". قدمت ظلفاً على الممر الذي يؤدي إلى الحديقة، تبعتها بظلف آخر، و بعده بظلف ثالث فرابع. الآن أصبح جسمها كله في الحديقة. أخذت سام تصرخ مبتهجةً:" ها أنذا، ها أنذا، لقد نجحتُ ، لقد نجحتُ". قامت ترقص واثبة بفرح على قدميها الأماميتين، و ثم قامت تقف على قدميها الخلفيتين، مثل ثور في مباراة البراعة. فجأة أصابها التشنج، وأطلقت ذيلها في الهواء ثانيةً. من بعيد، بجنب السدّ الكبير، تصوّرت أنها ترى شخصا في ضوء القمر. كانت صورة كائن يجثو على ركبتيه. تفكرت سام :" ينظر الإنسان في كل حال إلى الجهة الأخرى". ذهبت بحذر على أظلافها إلى الممر. ذهبت باتجاه أجمة في أقصى الحديقة حيث تستطيع أن تختفي بسهولة أكبر. لكن الشخص المذكور ظل جاثيا، ينظر إلى الأجمة. تساءلت سام: ماذا يفعل هذا الرجل خارج البيت في هذه الساعة من منتصف الليل البارد؟
" أيمكن أنْ يكونَ حزيناً؟ " اقتربت منه سام مدفوعة بمشاعر مختلطة من التعاطف و الفضول. أسرعت في المشي ما أمكنها. لم يسمعها أيّ كائن حيّ حتى حيوان الخلد، ممّا أثار العجب من أن لا أحد رآها وهي مثلها مثل البقرات الأخرى ضخمة الجثة ؟
وقفت سام مباشرة خلف ذاك الشخص الجاثي على ركبتيه وما زال كل شيء على وضعه لم يتغير. فحتى لو لم يسمع أيّ أحد سام، فلابّد أن يكون ثمة من لمح الغيوم الواسعة المنطلقة من فمها، لأنها كانت مضطرة أن تتنفس. لكن الإنسان المذكور لم يُبدِ أقل رد فعل، فخبطتْ سام على ظهره خبطة خفيفة، فاكتشفتْ إنه امرأة.
تصوّرت سام: ـ ربّما تجمدت من البرد. كان ظهرها متجلدا ومتصلباً. دارت سام حول المرأة محاولة منها للتعرّف عليها، لكن الأمر كان غريباً معها. كانت تشبه الميت أو المتحجر. تقف سام الآن أمامها مباشرة قريبة مثلما هذا الكتاب مقرب من عينيك في هذه اللحظة.
رغم كل ذلك لم تبدِ هذه المرأة الجاثية على ركبتيها أي رد فعل. همهمت سام: ـ شيء غريب. وقفت سام لفترة طويلة أمام المرأة، كأنهما تتحدثان إلى بعض بدون أن تتفوها بشيء. هذه المرأة الجاثية المتصلبة وهذه البقرة المتحيرة. تصورت سام أن المرأة نائمة. عيناها مغمضتان وتبدو مسالمة وهادئة. تنبهت سام فجأة إلى المرأة وهي تبول. ندّ عن سام صوت: : -أها، متفكرة أن المرأة قد خرجت لقضاء حاجتها وتريد أن تكون طبعاً في سلام. البشر خجولون جداً. البقرات لَسْنَ خجولات أبداً. تبول سام عادةً والبقرات الأُخريات في الحظيرة أمام بعضهن وليست ثمة بقرة تتصور أن يكون هذا الأمر غريباً. أهم شيء عندهن هو أكل العلف وهن على قناعة بأنّ بول البقرة مفيد للتربة ، هذا ما سمعته سام كثيراً من الفلاحين. الأبقار فخورة ببولها. وبعد برهة واصلت سام مشيها الى الحديقة، فرأت فجأة كرة حمراء كبيرة فوق شجرة. كانت الشجرة عجيبة. تساءلت سام: -كيف وصلت الكرة إلى هناك، وهل توجد شجرة ثمارها كبيرة بهذا الحجم؟ بعد مسافة قليلة إلى الأسفل من الممر المغطى بأوراق الشجر، لمحت سام شيئاً غريباً جداً، الباب المفتوح. كان أضيق بكثير من مدخل حظيرة سام. لكن رغم كل شيء فقد كان هذا هو الباب المفتوح. رأت نافذةً تشبه بالضبط النافذة الموجودة في حظيرة الأبقار. لكن الباب المفتوح كان بدون جدار. مشت متهادية بحذر نحو المنحدر مارة خلال المدخل رأت منضدة داخل الفناء العجيب وكراسي نمت حولها الأشجار بعضها نمت مباشرةً من داخل الكراسي.
تأمّلت سام: ـ شيء غريب. أيبدو كل شيء هكذا حين يغيب البشر فجأة يوماً ما وتستولي الغابة على بيوت البشر المهجورة؟ فالأشجار، طبعاً، هي بنات عم كبيرات للعشب. هذا ما رواه الثور العجوز لسام حين كانت عجلاً صغيراً.
و قال الثور أيضاً: ـ الأبقار تحبُ الحشائش وهي تحبّ بالتالي الأشجار. كانت ثمة أفكار عديدة أخذت تحوم في رأس سام حين وقفت في الغرفة السحرية عديمة الجدران والسقف. أفكار لم تفطن إليها ربما أية بقرة قط. لكن سام بالطبع لم تعلمْ أنها كانت أول بقرة قامت بجولة تفقدية في معرض فني. شاهدت سام صخور الجلمود الضخمة والأهرامات ومبانٍ زاهية الألوان. كما وجدت سام كذلك بيتاً صغيراً، مثل حظيرة منقوشة بمنمنمات، رغم أنه كان يبدو أنه لا يوجد أيَ باب. سمعت صوت رجل يأتي حين نظرت خلال النافذة.
تساءلت سام: أيجٌوز أن يبٌقى صوت الإنسان محقوظا في البيت حتى بعد مغادرته إيّاه؟ يعرف البشر أكثر مما اعرفه الأبقار بكثير. وهذا الشيء تعرفه الأبقار و أنها على دراية أيضا بأن للعشب فائدة غابت عن بال الإنسان. خاضت سام أخيراً مغامرة أحبتها. إن الكائنات العجيبة المقيمة في المتنزه جعلتها تنسى أين كانت والمسافة التي قطعتها في مسيرها. ولكن الآن تؤلمها أقدامها وفقد أنفها الإحساس. في هذه الأثناء رأت جداراً أحمر كبيراً. كان هائلاً، كأن أحداً قد شرع في بناء قلعة ،تعب بعد بنائه الجدار الأوّل ولم يواصل بناءها. كانت سام متعبة جداً بحيث لم تتحمل العودة طوال الطريق عبر الحديقة ، خارجة من البوابة على الطريق الحصوي لكي تمضي خلال الحقل وثم تدخل إلى حظيرة الأبقار ثانية . ذكّر اللون الأحمر على الجدران سامَ بحظيرتها.
تفكّرت سام: لأتخذ موضعاً لي هنا عند السور لأنام قليلاً، أستطيع بعده الذهاب إلى البيت. نهضت صاعدةً على تلّ صغير مقابل السور، إذ تُحبّ الأبقار التلال وسرعان ما نامت سام. نامت سام وحلمت بالكرات و الأشجار والصخور السوداء والأهرامات. استيقظت فجأة بعد سماعها أصوات بشرية، أطفال يضحكون وكبار يتكلمون. أشار الأطفال على سام. قالت فتاة صغيرة فرحةً: ـ أُنظروا، أنظروا، بقرة تقف أمام الجدار.
ردّ عليها أحد البالغين:
ـ إنها مجرد عمل فنّي، يا صغيرتي! ، إن من خلق هذا العمل الفنّي يريد من ورائه ايصال رسالة ما إلينا. الأبقار ترمز ربّما إلى الطبيعة وإن الجدار هو المدن التي نعيش فيها. قالت فتاة: ـ أرى من السخافة أن تقف بقرة أمام السور. قال أحد البالغين: ـ بلى، لكن تصوري أننا ربما نكون سذّجاً حين نجلس في حجرة الجلوس وفي سياراتنا وحين نعتقد أننا في أمان من العالم حولنا، وننسى في الوقت ذاته الطبيعةَ. وقفت سام مذهولةً ونظرتها جامدة وذيلها صاعد في الهواء. ـ يبدو أن هؤلاء البشر يتصورون أنني من أهل الدار. كيف لهم أن يتصوروا ذلك؟ أهذا فنّ؟ أكانت المرأة الجاثية على ركبتيها فنّاً؟ أكانت الكرة العالقة على الشجرة فنّاً أيضاً؟ أكانت الغرفة الغريبة والحظيرة عديمة الباب فنّاً؟
فكرت سام مع نفسها: ـ أنا أفتهم، أخيراً افتهمتُ.
قالت الفتاة: ـ يبدو أن الأبقار سعيدة. ـ أُنظري، أُمي، أن ذيلها في الهواء، يبدو أنّها في غاية اللطف. كانت سام مبتهجة بعد أن حصلت على الخيط الذي يؤدي إلى حل اللغز الذي يسميه الفلاح الفنّ. ـ يبدو أن الفّن هو كل ّما يجري حين ينظر الإنسان إلى شيء ما. الفنّ موجود في عيون من ينظرون إليه.
كما رأتْ سام أنّ:
الفنّ هو ما يجعلنا نفكّر في شيء آخر غير ما نراه في الواقع. الفّن رواية عن شيء أكبر من الأبقار. إننا الآن في هذه اللحظة فّن. وربّما أن الفّن مغامرة مثل مغامراتي الآن، أنه رحلة مما هو موجود إلى ما هو غير متوقع ومختلف.
ظلت سام طوال اليوم واقفة أمام الجدار الأحمر. استمتعت بمنظر البشر الذين مّروا أمامها وتأمّلوها. بعضهم كان يضحك، بعضهم ينظرون إليها بجدّية فائقة. قَدِم رجل ذو بَشرة سوداء، أكثر سواداً من كل من كان في الحديقة وقف قريباً أمام سام والجدار. كان برفقته شابّان. بعد برهة أخذ يصرخ بصوت مرتفع: ـ رائع! إن هذه البقرة هي رمز العالم. أسود وأبيض. خيرُ وشرّ. نور وظلام. وإن الجدار يمثل الدم. لم تفهم سام شيئاً. ـ كيف يعتقد البشر أن يعني هذا كل هذه الأشياء المختلفة؟ وقد صعدتْ إلى التل الصغير لكي تنام. فكرت سام: أنا متْعبَة بكل ما في الكلمة من معنى. بعده بقليل وصلت مجموعة من الناس وقفوا مقابل الجدار يتفرجون. بدا أن جميعهم متفقون على أن وضعية سام أمام هذا الحائط الأحمر تعني أننا البشر قد قتلنا كثيراً من الحيوانات و بنينا جداراً من الدم. أصاب سامَ الدوار تماماً بعد وقوفها على التل واستماعها إلى البشر السذج الذين مّروا أمامها.
أخذت تفكر بحظيرة البقر حيث كانت تسكن الأبقار الأخرى. انتبهت إلى أنها تحلم بما تحلم به الأبقار دائماً: ألا وهو العلف!
وفي الأخير أتى المساء وساد الصمت والسكينة في الحديقة ثانية، و نامت على الأرجح البقرات الأٌخرى والفلاح. ويحتمل أن البقرات حلمت بالعشب بينما حلم الفلاح بالأبقار. تجولت سام في الحديقة. وتفرجت على الأعمال الفنية المختلفة. وعندما هدّها التعب، تهادت إلى الوراء، ماشية على الطريق المفروشة بالحصى، عبر الفناء المحاذي لمخزن الحبوب، عائدة بحذر إلى الحظيرة خلال الباب الذي كان لا يزال موارباً، حيث حلمت سام حلماً جميلاً بالفّن والبشر. شعرت بالسعادة وبسرور في كل كيانها لإدراكها أخيراً معنى الفَنّ. بين حين وآخر يلمح ناس يتجولون في الليالي المقمرة بقرةً تتمشى في متنزه التماثيل في وانوس. كما يشاهد الزوار أحياناً خلال ساعات النهار بقرةً ما في أحد الأعمال الفنية. وربّما على إحدى الشجرات، أو في مرات معينة في قمة أحد الأهرامات، ولكن على الأغلب مقابل هذا الجدار فتعني سام أكثر بكثير من كونها بقرة تأكل العشب وتعطي الحليب.حينها تكون سام بالتحديد هي الجواب على كلّ أسئلة البشر، ورمزاً لخطأ العالم. كما تستحيل حينذاك سام إلى الشيء الذي يتصوره البشر حين ينظرون إليها.
رغم أن الفلاح يعتبر سام بقرة ضاجّة ، و أنّ الأبقار ينبغي أن لا تتواجد في متنزه الفَنّ، إلا أنه أدرك أيضاً أن سام قد غدت جزءاً من الفنّ. أصبح مسموحاً لها أن تأتي وتذهب متى وكيف شاءت لأن الأبقار أيضاً جزء من الفنّ في وانوس. لكن الأبقار وحدها تعلم أن العشب في الحقيقة هو مبرر وجود القلعة والشجر والفنّ والبشر. فبدون العشب لا وجود لأي شيء.
Omslaget baksidan
بين حين وآخر يلمح ناس يتجولون في الليالي المقمرة بقرةً تتمشى في متنزه التماثيل في وانوس. كما يشاهد الزوار أحياناً خلال ساعات النهار بقرةً ما في أحد الأعمال الفنية. وربّما على إحدى الشجرات، أو في مرات معينة في قمة أحد الأهرامات. لكن البقرة سام هي التي تبحث عن الفنّ في المتنزه في الجانب الأخر من السور الحجري.
"الأبقار تحلم أيضاً"، هو الكتاب الثالث في سلسلة الكتب الفنية للأطفال عن سام في وانوس، البقرة التي تستمتع بالفن والمتنزه سواء في الواقع أم في الخيال.
كل عام يهرع كُتاب وفنانون جدد إلى وانوس لاستلهام مواضيع كتبهم التي سيكتبونها للأطفال. كانت سنة 2013 عام الفنانة ماريا جتس و الموسيقيّ جاسون دياكيته.
ماريا بايت فنانة من مواليد 1976. تقيم وتعمل في برلين وستوكهولم.
جاسون دياكيته موسيقيّ و مؤلف نصوص، من مواليد 1957 يقيم و ينشط في ستوكهولم.
الرسوم: ماريا بايت النص: جاسون دياكيته التحرير و الانتاج: اليزابث ميلكفيست، و ماتياس غيفيل مطبعة ليثوغرافيا في فينسلويف
ISBN 978-9-1-977558-0
ماريا بايت وجاسون دياكيته ومؤسسة معارض وانوس ، كينجسلينجه، 2013 الشكر الموصول إلى بوبكسوس
ÖVERSÄTTNIG TILL ARABISKA: HAMID KASHKOLI
فنون وانوس
WANÅS KONST
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حياتنا السويدية: مسكن المسنّين
-
حياتنا السويدية- المسبح
-
ذكريات وشجون
-
نهاية التكوين
-
تأمّلات فلسفية: هل الطبيعة ديالكتيكية؟
-
من رباعيات جلال الدين الرومي
-
طحين الشمس
-
حميد كشكولي - الأديب والكاتب اليساري – فى حوار مفتوح مع القا
...
-
المرأة واهبة الحياة
-
التين في ظلال النخيل- الجزء الرابع
-
قصيدة -السوريّة- للشاعر السويدي أريك آكسل كارلفيلدت
-
الشاعر السويدي نيلس فيرلين : أنغام اغنية شعبية
-
التين في ظلال النخيل-3
-
التين في ظلال النخيل- الجزء 2
-
التين في ظلال النخيل الجزء 1
-
تمرد الغيتو - مقاومة المحكومين بالموت
-
كشف الحقيقة في أعماق الظلام
-
قد حان لي وقت الصلاة - قصيدة لإميلي ديكنسون
-
رحلة موفقة ، سيدي الرئيس!
-
قصيدة غزل لحافظ الشيرازي- ياريح الصبا ، هلّا أتيتِني بنفحة م
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|