أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم الريح العوض - خاتمة الحداثات وحداثة الأخر المخالف:الإعتراف المعلن والنفي المضمر في فكر طه عبد الرحمن















المزيد.....


خاتمة الحداثات وحداثة الأخر المخالف:الإعتراف المعلن والنفي المضمر في فكر طه عبد الرحمن


إبراهيم الريح العوض

الحوار المتمدن-العدد: 5523 - 2017 / 5 / 17 - 00:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


خاتمة الحداثات وحداثة الأخر المخالف:الإعتراف المعلن والنفي المضمر في فكر طه عبد الرحمن
لقد وضعَ فيلسوف الميثاق* طه عبد الرحمن مشروعاً فلسفياً بمختلف تقسيماتهُ ، ولا زال قلمهُ يعطي محاولا الإجابةَ على سؤال الأنوار العربي ، وفي نفس الوقت يكون جواباً كونياً أي شخصنةً مكوننةً ، ونتلمس هذه الأخيرة في مشروع الإبداع الفلسفي والحداثة الإسلامية ، إستقلال بداعي الخصوصية وحداثة خاصة بالأمة المسلمة تكون تطبيق لروح الحداثة وليس لواقع الحداثة،ولقد قدم طه عبد الرحمن منهجا يعتمد على التفكيك أي ؛ التفكيك والبناء ، والتركيب أي تفكيك الحداثة الغربية في كتابه الموسوم (سؤال الأخلاق: النقد الأخلاقي للحداثة الغربية )وبناء حداثةاسلامية في كتابه الموسوم(روح الحداثة :المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية)متفادياً ما وقع فيه الحداثويين العرب وهو التقليد والتبعية.
وإن اردنا أن نفهم مشروع طه عبد الرحمن اكثر وهو صاحب كتاب سؤال العمل علينا ان نفهم المقصدَ والغايةَ الطهائية ،ان طه بتغلغله في التجربة الصوفية فتح مداركه العلمية اكثر وان عمله لا ينفك عن علمه وارادة عمله ان يتقرب إلى الله كما هو غاية التجربة التي خاضها طه ،اي انه عملاً ثقيلاً ،لأنه مقترن بنية صاحبه ونيته هي تقرب لله(1)وهذا التقرب سنلحظه في الحداثة الإسلامية حين تنعكس في علاقتها بالأخر ،وتحمل لهم الوصايا كيف يحيوا وكيف يفكروا،هذه الوصايا تنطلق بها من دينها ، وبهذا ان العيش في كنف الحداثة الاسلامية سيفرض التأسلم (وهذا سنلحظه لاحقا في هذه الدراسة) ، مع العلم أن الحداثة الغربية لم تفرضْ التهود أو التمسح ، لقد وجد المشروع الطهائي في الأونة الأخيرة اهتماماً بالغاً حتى اطلق البعض في وطننا العربي والإسلامي أن القرن الواحد والعشرون قرن طهائي ولكن هذا الأهتمام ليس بالمختبر والفاحص والناقد للمشروع ، بل اغلب المهتمين احتفائيين لدرجة مبالغ فيها وبالخصوص عند تلاميذه أي(تلاميذ طه) وكأن ذواتهم انحلتْ وانصهرتْ في ذات طه ؛ وحتى اللذين اختلفوا مع طه عبد الرحمن لم يقدموا لنا اي خلل يصاحب المشروع وإنما اكتفوا بإطلاق كلمات تقذيمية لا غير، وتحصنوا في السياج الأخر(اي من داخل فكرانياتهم) واصبحوا يطلقون وينزلون مقولاتهم الجاهزة التي هي بالأساس طه منتقداً لها ،أي التي نقدها طه بالديني فهم ينقدونه باللاديني وبذا تصبح حالة الفحص دوغمائية لا غير ، والكل يتكلم من داخل سياجه . ويرى أن ما لديه هو الجواب و الافضل دون سواه ، وتقوم هذه الدراسة بعملية فحص من داخل المتن الطهائي نفسه ، وتحاول إستنطاق المخفى فيه ، إنها عملية تساؤل وفحص مصحوبة بنظرة تجلي وتجسد الفكرة كتجربة معاشة بدل نظرية. ولقد قدم طه عبد الرحمن منهجاً يعتمد على الفكيك اي ( تفكيك الحداثة الغربية ) والبناء والتركيب (لحداثة إسلامية بديلة) وتقوم هذه الاخيرة على العقل المؤيَّد بالدين متداركة امراض و عيوب العقل الأداتي الذي قامت عليه الحداثة الغربية.
التكوثر العقلي والعقل الموصل للحداثة الاسلامية:
وبعد أن قدَّم طه نقده للعقلانية المجردة من خلال وضعه لمعايير تعريف العقلانية "معيار الفاعلية" الذي يقول بتحقق الانسان عن طريق الأفعال ،و"معيار التقويم" الذي يقضي بأن تستند هذه الأفعال إلى قيم معينة ،و"معيار التكامل" الذي يجعل هذه الأفعال الموجهة متضافرة في ما بينها ومكملا بعضها لبعض(2)ومن خلال هذه المعايير يقدم طه نقدا للتعريف الأرسطي للعقلانية الذي يقول ان العقل "عبارة عن جوهر قائم بالإنسان يفارقُ به الحيوان ويستعد به لقبول المعرفة"(3) ومن ثم نقده للتعريف الديكارتي الذي يقرر أن العقلانية قائمة في معنى "استخدام المنهج العقلي على الوجه الذي يتحدد به في سياق ممارسة العلوم الحديثة ولا سيما العلوم الرياضية منها" فحسب طه عبد الرحمن أن هذه التعاريف لا تستوفى المعايير التي حددها لتعريف العقلانية ، فالتعريف الأرسطي لا يقوم بمقتضى معيار الفاعلية ، ولا بمقتضى معيار التكامل ، وإن قام على وجه محدود بمعيار التقويم(4) وأن المنهج الديكارتي أي المنهج العقلي العلمي الحديث، قد يطلب النسبية والتفاضل بدل الوحدة والتكامل، ويطلب الاسترقاق بدل التحرر، ويطلب الفوضى بدل النظام(5)،ولما ثبت لطه عبد الرحمن أن العقلانية الغربية بشقيها الأرسطي والديكارتي تخل بالمعايير الثلاثة التي وضعها لتحديد تعريف العقلانية السليمة ، أو تسيء استعمالها ، عدها طه عبد الرحمن من أدنى مراتب العقلانية وهي (مرتبة التجريد) فالعقل حسب طه متكوثر وليس وهو فعل ادراكيا وليس ذات مدركة ، لذا يقسم العقلانية إلى مراتب ثلاثة ادناها العقل المجرَّد واوسطها العقل المسدَّد وأعلاها العقل المؤيَّد وهذا الأخير هو الذي تقوم عليه الحداثة الإسلامية لأن العقلانية المؤيدة التي تتطلع دائما ـ إلى ربط العمل بالنظر ، والقول بالفعل ، والغيب بالعقل والقيم بالعمل، والشاهد بالغائب، لتبدع بعد ذلك حداثة مؤيَّدة أيقن وأعقل وأعمل، وهي بذلك تمثل روح مبادي الحداثة الإسلامية البديلة(6)
الحداثة بين الروح والواقع وكيفية الدخول إلى الحداثة الاسلامية:
يفرق طه عبد الرحمن بين جانبين اثنين هما"روح الحداثة" و "واقع الحداثة" فروح الحداثة هي جملة القيم والمبادئ القادرة على النهوض بالوجود الحضاري للإنسان في اي زمان واي مكان، وواقع الحداثة هو تحقق هذه القيم والمبادئ في زمان مخصوص ، وأن روح الحداثة تقوم على ثلاثة مبادئ أولها "مبدأ الرشد" ، ويقضي بوجود الاستقلال عن الأوصياء والأولياء ، ووجود الابداع في الأقوال والأفعال ؛ وثانيها "مبدأ النقد" ، ويقضي بممارسة التعقل في كل شأن من شؤون الحياة وممارسة التفصيل في كل أمر يحتاج إلى مزيد من الضبط ؛ والثالث "مبدأ الشمول" ، ويقضي بحصول التوسع في كل المجالات وحصول التعميم على كل المجتمعات ؛ فخصائص الروح الحداثية إذن راشدة وناقدة وشاملة(7) والدخول لهذه الحداثة أي الحداثة الإسلامية - حسب طه عبد الرحمن يتم بواسطة مدخلين اثنين الأول مدخل الترجمة أي الترجمة الموصلة إلى الاستقلال المسؤول ، والثاني القراءة الحداثية للقرآن التي ينبقي أن تكون قراءة ابداعية ، أي أنها حداثة مبدعة موصولة،وأن الحداثة حسب طه عبد الرحمن هي أن تنشئ من عندك الجديد وتولده وتاتي بما يندهش له غيرك ويتلقاه لا بعقله فقط بل ايضا بوجدانه وهو يحمل إليه قيمة او قيما جديدة،وهذا هو الإبداع الذي هو سر الحداثة(8) وحتى لا نخوض في استعراض المشروع كثيرا (فإن اسلوب القراءة والعرض قامت به العديد من الدراسات) ما يهمنا هو أن نتفحص علاقة الحداثة الإسلامية بالغير أو الآخر المخالف.
الحداثة الإسلامية أو خاتمة الحداثات والأخر المخالف:
حين نتحدث عن حداثة اسلامية انه لحديث نحتاجة بالفعل ولكن كيف يمكن للحداثة الإسلامية أن تتعامل مع من خارج دائرة الأنا الإسلامية ؟ وفي تعاملها معه أي احساس ستفرضه عليه ؟ وأي تصور يتصوره هذا الأخر المخالف في مخيلته تجاه الحداثة الإسلامية؟
فالحداثة حسب منطقها عند في فكر طه عبد الرحمن يتم تحديد افضليتها بأخذها بالدين والأديان ليست واحدة ، فبعضها اعقل من بعض ، وبعضها اشمل من بعض ، وبعضها أعنى بأمور الدنيا من بعض ، وبعضها وحي من الله ، وبعضها وضع من الإنسان؛(9) إذا السؤال البسيط ماهو أفضل دين ؟ اجابته عند طه والمسلم عموما هو الإسلام ، ولكن هذا الجواب سيكون عند كل معتقد تجاه معتقده فالمسيحي يقول بأفضلية دينه واليهودي كذالك ...الخ لأنه لولا هذه الأفضلية التي يراها لما اعتقد بهذا الدين؛ وحسب طه عبد الرحمن أن الحداثة طالما عرضت السياسات والفلسفات على محك النقد، تعقيلا وتفصيلا ليتبين صوابها من خطئها ، كان ينبغي عليها أن تعرض الديانات هي الأخرى على هذا المحك ليتميز صحيحها من باطلها حتى تستفد من صحيحها في تدبير الشأن العام....(10) ولكنها لم تفعل ذلك كما يوضح طه ، وانطلاقا من خاتمية الدين الإسلامي وأفضليته على سائر الأديان أسس طه الحداثة الإسلامية بعقلها المؤيد وهذا العقل وبناءا على هذه الأفضلية هو أفضل من عقول الأديان الأخرى ؛ فالحداثة الإسلامية طالما تأسست على الدين فهي حداثة قيم وليست حداثة زمن، تبدأ بتحديث الأخلاق ثم الأفكار ثم المؤسسات ثم الألات أي حداثة تبدأ بتجديد الإنسان اولا ، هذا التجديد الذي يحدث للإنسان المسلم سنجده يحاول أن يحدث التأثير في الأنسان الأخر، فإن التطبيق الحداثي الإسلامي ، بفضل رصيد الإسلام الغني من القيم ، يمتلك من الاستعدادات الروحية ما يمكن أن يزود به الأخرين لتحقيق حداثتهم ، وأن يسهم في تخفيف الشقاء المعنوي عن بعضهم(11) وطالما قيم الدين الإسلامي هي الأفضل عند طه ، فإزالة هذا الشقاء بقيم الدين الإسلامي تفرض بالضرورة التأثير ومن ثم التحول والتأسلم ، وإذا اخذ هذا الأخر بهذه القيم من غير تحول ففي هذه الحالة يصبح في حالة مرضية وانقسام نفسي يعتنق ويعتقد بهذا ويأخذ بقيم ذاك؛
فإذا كان المشروع الحداثي الغربي لا كونية فيه حسب طه وإنما هو تطبيق محلي فرضه اصحابه والزموا الشعوب به ، أو محلي رفع إلى رتبة الكونية عنوه ، وقريباً من هذا المسار الكوني الغربي يظهر المسار الكوني للحداثة الإسلامية الذي هو ليس ببريئ ايضا، حداثة إسلامية تدعي كونيتها التي هي سياغية غير اطلاقية(12) فمنطق الحداثة الإسلامية وانبناءها على العقل المؤيد بالدين الخاتم هي افضل من الحداثات الأخرى التي هي دونها حسب منطق الحداثة الإسلامية ، أي أنَّ الحداثة الإسلامية هي حداثة الحداثات ؛ إما أن يؤخذ منها لأنها افضل أو انها انانية ، أو بمعنى أخر أنَّ الحداثة الإسلامية أي تعديل لقيمها من قبل الحداثات الأخرى كي تأخذ بها لا تكن حداثة قيم كما سطرها طه عبد الرحمن ، أو تلزم وتفرض نفسها ، وبهذا تصبح كونيتها عبث ؛ فالحداثة الإسلامية معنوية تنطلق من الدين خلاف الحداثة الغربية المادية ، حداثة إسلامية تدعي الأفضلية إنها حداثة ثقيلة وباقي الحداثات خفيفة ، إنَّ منطق الحداثة الإسلامية كمنطق الأديان ، تتعدد الأديان ولكن افضلها الدين الإسلامي ، يتعدد الرسل ولكن خاتم الرسل محمد(ص) وخاتم الأديان دين الإسلام ، إنَّ الحداثة الإسلامية بمنطقها هذا فهي إذن خاتمة الحداثات تقر أنَّ هناك حداثات ولكنها حداثات خفيفة وأنها هي وحدها الأفضل لأنها تأخذ بالدين بل افضل الأديان ومن يرى الأفضل ولا يلج إليه ؟! اذن إزالة الشقاء المعنوي من الحداثات الأخرى الذي تقوم به الحداثة الإسلامية بأفضلية قيمها (كما سبق) يفرض التحول من المعتقد ، فالحداثة الغربية لا تفرض الإنسلاخ من المعتقد ، ولكن الدخول فيها إذا استعملنا مصطلحات المسيري يشييئك ويحوسلك ولكن الحداثة الإسلامية بمنطقها تفرض وتشرط الإنسلاخ من المعتقد والدخول في معتقدها ، ولنا حق التخيل واستحضار الهناك ،إذا ظلت الحداثة الغربية على حالتها واستمراريتها( والعقل الذي اتى بها قادر على إصلاح عللها وعيوبها) وقدر أن تنهض الحداثة الإسلامية المنتظرة من جنس هذا الخطاب الطهائي مع التعارض في المجال التداولي بين الحداثتين وكل حداثة في خطابها تدعي الأفضلية والمركزية ، فما الذي تنتظره الإنسانية في حالة هذا الخطاب الفارض والطامع بين المركزيتين وكل واحدة تريد أن تكن هي وحدها وتحوي الأخرين داخل عباءتها ؟! فإذا كانت الحداثة الغربية حققت انفصالات محددة اولا الانفصال عن سلطة الكنيسة الكاثوليكية مع حفظ الصلة بالدين المسيحي وهذا تم مع (ثورة الاصلاح الديني) والمحاولة الثانية الانفصال عن المسيحية مع حفظ الصلة بمبدإ الدين مع (الدين المدني لجان جاك روسو) والدين الوضعي مع اوغست كونت ، ثم انفصالا ثالثا وهو الانفصال عن مبدإ الإيمان الديني ولكن مع حفظ الصلة بالأخلاق التى يتضمنها الدين وهذا كان مع ( الثورة الفرنسية) وأن هذه الانفصالات لم تحصل دفعة واحدة بل كانت بالتدرج ، ولم يكن انفصالا كليا بل كان جزئيا(13) إذن كل هذا هو ما يدعوا لحداثة تنطلق من مجالنا التداولي وعدم تقليد الغير حتى لا نمر بمرحلته وانفصالاته عن دينه ما دفع خطابنا العربي الإسلامي وخصوصا مشروع طه يقف امام هذه التجربة ناقدا لها ومحاولا التأسيس لحداثة إسلامية بديلة ، فإذا كانت الحداثة الإسلامية بهذه الصورة التي يرسمها طه عبد الرحمن في مشروعة الفكري وادعائها بالأفضلية والكونية السياقية غير الاطلاقية ، ألا تنتج خطاب غربي (إن جاز لها أن تتجسد بحسب صورتها هاته ومحاولة كوننتها وإزالة الشقاء المعنوي للحداثة الغربية) مشابه لما مرت به خطاباتنا(خطاب الاستهداف والهيمنة والمؤامرة.....الخ) طوال العقود السابقة وتبدأ مرحلة صدام الخطابات والحضارات والهويات بدوافع التحصن والخصوصية والكل ينظر لنفسه بأنه الأفضل والأسمى من الأخرين وكأن التاريخ هو عبارة عن تبادل هيمنات ومركزيات (مع العلم أن خاتمة الحداثات لا يختلف منطقها عن نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما فكلاهما يضع الحل النهائي!)، إنَّ مثل هذه الرؤية المتمركزة حول الذات وجعل الذات في موقع التفوق والأفضلية دائماً تجاه الأخر، تقودنا إلى قول (الدوس هاكسلي){ فالمزابح المنظمة لا تنتج إلا عن اطروحات تتعلق بأسئلة كالتالية:ما هي افضل أمة؟وما هو افضل دين؟وماهي افضل نظرية سياسية؟وماهو افضل نظام سياسي؟لماذا يتسم الأخر بالغباء والخبث لماذا لا يمكنهم إدراك مدى نبلنا وذكائنا؟لماذا يقاومون جهودنا النبيلة لإخضاعهم لسيطرتنا وجعلهم على شاكلتنا؟}(14) فإذن كيف سيكون شكل الكونية إن اردنا ان ننطلق من دين اوحادي مع اقرارنا بأنه الدين الخاتم ولكنه في نفس الوقت لم يقر به الأخر مع اقراره بدينه وادعائه ايضا بكونيته ، فماذا سيكون شكل هذه الكونية؟!
فحداثة تنطلق من مجال تداولي وتحاول مسح المجالات التداولية الأخرى ، فيصبح بذلك مخصوصها كلي يفرض هذه الكلية بتلك الخاتمية والأفضلية التي يقر بها مجالها وتخصها، ولكن كل حضارة تقف شامخة وتحس بأنها في المركزية والأفضلية تحس بالغرور وتزعم الإصلاح او الإعمار سواء عن طريق الاستعمار و الحرب كما فعلت الحداثة الغربية أو الدعوة وبعث المصلحين والدعاة ...الخ كما حدث اثناء الحضارة الإسلامية ، ووعد الحداثة الإسلامية اللاحق باسلوب جديد وهو الفكر والمنهج أو خلافة من الأساليب الناعمة ، فبهذا تولد في الأخر المستهدف بغرض الإصلاح او الإعمار او إزالة الشقاء المعنوي نظر العدائية لها ، لأن هذا الأخر سيحس بأنها تريد أن تقتحم مجالهم و تسحب عنهم خصوصيتهم وتلبسهم جلبابها ، فثقافة التفوق والتميز والأفضلية هي دائما التي تنتج الخطاب الأمبريالي واحتقار الأخر وتجعل العلاقة بين المتفوق والمحتقر في حالة توتر مستمر. فخاتمة الحداثات ترى الحداثات الأخرى التي هي دونها(حسب منطقها) منحلة وتحتاج لمن يصلحها ويقومها ويرشدها وهذا هو دورها بأفضليتها المنبنية على افضل دين وخاتميته وبذلك نؤسس للأخر حسب رؤيتنا؛ فلنا الحق أن نتساءل إذا كان طه يروم لحداثة على شاكلة التى وضعها فأين الروح الخاصة التي تميز الجواب الإسلامي ،التى تؤمن للأمة المسلمة حق الإختلاف في فكرها عن الأمم الأخرى(15)أي طالما اعطى لأمة روح الجواب فكيف يكون للأمم الأخرى ايضا روح الجواب من خلال فكره المتعدي(اي أن يفكر المسلمون على اساس أن فكرهم يتعلق بغيرهم بقدر ما يتعلق بهم) وهنا تظهر الأفضلية فكرنا يتعلق بغيرنا وفكرهم لا يتعلق بنا! وإذا كان في دعواه(أي طه) احساس بالماهية المطلقة فبمثل هذه الدعوى أما يفرض إلزامية الفكرة على الكافة؟ أو كما دفع بدعواه ذرائع الذين يرومون حرمان الأمة المسلمة من حق الإختلاف الفكري اما يتذرع فكره هو الأخر بالهيمنة على الأخرين بحقيقته المطلقة؟ فالحداثة الإسلامية قبل أن تولد تقسم الحداثات في موقع هرمي وتقف هي في أعلى الهرم ، وهذا يوضح ايضا التفاضل الموصل للطغيان أو بلغة طه نفسة متى عرفنا الأمة الأقوى دأبها قد تطغي(16)، وهو ما حصل بالنسبة للحداثة الغربية وتعميمها الثقافي الذي هو من جنس التعميم الكرهي وليس الطوعي بلغة طه عبد الرحمن ، وإن جاز أن تتحقق هذه الحداثة الإسلامية في المستقبل المأمول( حسب اشواق الكثير من محبي الفكرة ) وتصير أفضل من الحداثة الغربية لأنها تداركت اخطائها وأسست نفسها على أساس متين وهو الدين، فبعد تحققها وانتشال الأمة المسلمة مما هي عليه الأن وتكون كما تصورها وسطرها طه عبد الرحمن ، ففي لحظة الميزان هاته علينا أن نسأل ألا تمارس هذه الأمة على الغير هذا الإكراه لعدم تكافؤها وتفاوتها وتفاضلها؟ وسرعان ما نتلمس الجواب عند طه فيقول:{....هذا امر مشروع ويفقد مشروعيته في حالة الإكراه....)(17)ولكن يجب أن لا نقفل أن القوة والوقوف من أعلى الأخرين قد تجعلك تفرض نفسك على الأخرين (والتاريخ الإسلامي يوضح لنا الكثير بل في حالة الضعف يحمل خطابهم وفعلهم العنف على الأخر المخالف في انتظار فتح روما)* فالحداثة الغربية لم تفرض نفسها وهيمنتها إلا بعد تقدمها ورأت الأخرين دونها(وهذا كانت بذوره في الفكر المؤسس لها ولم يقابل بالنقد في مرحلة التأسيس بل تم الترويج وظهر النقد لها بعد تجلي مساويها )والأنا تفرض نفسها على الأخر دائما من خلال افضليتها. إنَّ تفكير (النحنُ)و(الهُم)و(الأفضل)و(الأدنى)و(المتحضر)و(المتخلف)و(المسلم)و(الكافر) يجب أن يُراجَع ويَتراجَع ، ومنطق خاتمة الحداثات الذي يحمل في احشائة محاولة إلغا الأخر وتحويله إلى الدين الإسلامي يجب أن يُفحَص أكثر ويُنقد. فالعقل المؤيَّد الذي تقوم عليه الحداثة بدل الأداتي الغربي متحيز للإسلام ينطلق منه وله وبالتالي كونيته هي حالة تزيين تحاول أن تدفع تهمة الإنغلاق على الذات ، ان طه بتجربته وعلمه وعمله قد يتقرب إلى الله ولكنه قد لا يقرب بين الإنسانية فيحقق مقصده وينسى مقصد الإنسانية العيش في سلام،فالعالم ليس ذاتا واحدة وانما ذوات متعددة ومجتمعات متنوعة ، فحين ترى الذات انها لها الأحقية والأفضلية في لم الذوات الأخرى تحت ظل شجرتها وقطع اشجارهم فهذا قد لا يرضيها وينتج حالة صدام .
فالحداثة الإسلامية يكفي صداها فقط والذي يولد محاكاتها وأن يحس الأخر بالجمال من غير أن تأمر وتفرض تأثيرها في الذوات الأخرى ولا تسعى للوسائل التي تمكنها من التأثير في الغير فيكفي أن تكون المساحات بين الحضارات مفتوحة أو بلغة ادغار موران اننا محتاجين لنسق كلي يحوي الجميع أي كل ما في المركبة الكوكبية ، ولكن هذا الإحتواء لا يطمس الخصوصيات ويؤدي إلى إفولها بل تظل محتفظة بما هو خاص بها مع احترامه من شريكاتها في النسق ومع الإلتزام بالناظم بينهم .
وفي الختام ان هذا المقال لا يعادي الدين والمتدينين ولا ينبذ الدين ويضيق بأهله إنما ينبذ الصدام الذي قد يحدث بسبب افضليات المعتقد وكوننة هذا الأفضل ، وإذا المسلمين يؤمنون بخاتم الاديان(الدين الإسلامي) فإذا كان الأخر يؤمن به لتحول إليه ولكنه يعتقد بدينه هو الأفضل وفي هذه اللحظة يظهر خطاب الأفضليات والتبشير بها ولا ندري ما يحصل من جنس هذا الخطاب في المستقبل ولكن التاريخ يؤكد لنا أن نتائجه كانت دموية. لذا علينا أن نطيل التفكير في مثل هذا الفكر أو كما يقول طه نفسه لأن الأصل في التفكير الطويل أن يفكر في عواقب الأمور؛ فيبادر بتداركها من اوائلها،(18) فيجب علينا أن نفكر في الكوني طويل حتى تسلم الإنسانية من كل المأسي والشرور (المضت والراهنة) بسب التحيز والمركزية والقصور في الفكر.
المراجع المتبعة:
*اطلقنا عليه هذا لانه يرد الأشياء إلى اصلها الأول منطلقا من الميثاق بين العبد وربه.
(1) طه عبد الرحمن ،سؤال العمل - بحث عن الأصول العملية في الفكر والعلم ـ المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ،المغرب،الطبعة الأولى،بيروت،2012،ص19
(2) طه عبد الرحمن ،سؤال الأخلاق- مساهمة في النقد الأخلاقي للحداثة الغربية – المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء،المغرب،الطبعة الأولى،بيروت،2000،ص ص61-62
(3) المرجع نفسه ص62
(4) المرجع نفسه ص ص62-63
(5) المرجع نفسه ص66
(6) طه عبد الرحمن ، العمل الديني وتجديد العقل- المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب،الطبعة الثانية،بيروت،1997،ص61
(7) طه عبد الرحمن ،روح الحداثة- المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية – المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى بيروت،2006،ص29
(8) طه عبد الرحمن ،الحوار افقا للفكر – الشبكة العربية للأبحاث والنشر ،الطبعة الأولى، بيروت،2013،ص86
(9) طه عبد الرحمن ، روح الحداثة، مرجع سابق،ص64
(10) المرجع نفسه، ص64
(11) المرجع نفسه، ص ص41-42
(12) المرجع نفسه، ص66
(13) طه عبد الرحمن ، الحوار افقا للفكر، مرجع سابق ص101
(14) مقتبس من،انور محمد فرج ،المركزية الغربية – من التمركز حول الذات إلى الهيمنة على الأخر – هيئة الأعمال الفكرية ،الخرطوم،الطبعة الأولى،2005،ص105
(15) طه عبد الرحمن ،الحق الإسلامي في الإختلاف الفكري – المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب،الطبعة الأولى ،بيروت،2005، ص17
(16) المرجع نفسه، ص31
(17) المرجع نفسه، ص27
* يشير الدكتور يوسف القرضاوي في في كتابه الموسوم(السنة مصدر للمعرفة والحضارة ص ص123_122) و تأويله للحديث الذي رواه احمد عن عبد الله بن عمرو:أن النبي (ص) سئل أي المدينتين تفتح أولاً:قسطنطينية أو رومية ؟فقال : (مدينة هرقل تفتح اولاً!)، أن مدينة هرقل و(المقصود بها القسطنطينية) فتحت على يد محمد بن مراد أي(محمد الفاتح كما يسمى) في عام 1453م ، وتبقى الجزء الثاني من البشرى أي فتح روما عاصمة ايطاليا وبه يدخل الإسلام اوربا مرة أخر ولكن هذه المرة حسب القرضاوي سيكون بالقلم واللسان ، لا بالسيف والسنان ، وبديل الأيديولوجيا الوضعية والفلسفات المادية هو الإسلام ، أي عند القرضاوي ستفتح اوربا هذه المرة بالعلم علم موجه للأسلمة ولم يقل بالسلاح لأنه لا يمتلكه لذا قال بالأول وفي ظنه أن الأول يمتلكة!ولكن الحداثة الإسلامية مع طه تحاول تأسيسة وامتلاك علم الفتح !
(18) الحوار افقا للفكر ، مرجع سابق، ص9

ابراهيم الريح العوض



#إبراهيم_الريح_العوض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إبراهيم الريح العوض - خاتمة الحداثات وحداثة الأخر المخالف:الإعتراف المعلن والنفي المضمر في فكر طه عبد الرحمن