أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - توفيق المديني‏ - تشيلي: تحديات الاشتراكية باشليه















المزيد.....

تشيلي: تحديات الاشتراكية باشليه


توفيق المديني‏

الحوار المتمدن-العدد: 1445 - 2006 / 1 / 29 - 12:35
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


في ظل مجتمع تشيلي محافظ، هو الأكثر محافظة في أمريكا اللاتينية ، حيث تعتبر الكنيسة الكاثوليكية قوية جدا، وحيث الاجهاض حتى الطبي لا يزال يعدّ جريمة، وحيث الطلاق لم يشرع الا قبل سنتين، كان من المستحيلات قبل سنوات أن تصعد امرأة إلى قمة السلطة لتخلف الرئيس الاشتراكي ريكاردو لاغوس في مارس2006.ومع ذلك فازت مرشحة يسار الوسط ميشيل باشليه (54 سنة) في الانتخابات الرئاسية التي أجريت الاحد15 يناير الجاري في تشيلي، وباتت المرأة الاولىالتي تصل الى الرئاسة بالاقتراع العام المباشر في بلادها، و القارة الجنوبية.‏
"أدعوكم لأن تكونوا شركاء في لحظة تاريخية جديدة بانتخاب أول امرأة لتولي الرئاسة. فلنصنع التاريخ". بهذه الدعوة، دشنت الاشتراكية ميشال باشليه شريط عصر جديد في تشيلي، إذ إن انتصارها يعزز اليسار اللاتيني المناهض للولايات المتحدة. وتفوقت "رئيسة المواطنين" على "برلوسكوني تشيلي"، الملياردير اليميني سباستيان بينييراـ الموالي لأمريكا ، والذي تدعمه الكنيسة الكاثوليكية واليمين المحافظ الذي وفر تغطية واسعة لحكم الديكتاتور الدموي السابق أغوستينو بينوشيه ـ بحصولها على 53,49 في المئة من الأصوات، في مقابل 46,5 لبينييرا الذي اعترف بهزيمته وهنأ باشليه، واصفا اياها بانها رمز " نضال ملايين النساء من اجل انتزاع المكانة التي يستحقنها"‏.
ويتساءل المحللون في الغرب، هل أن الرئيسة ميشال باشليه انتخبت بوصفها امرأة، أم بوصفها مناضلة اشتراكية؟‏
في الحقيقة هناك تقارب بين الإثنتين. لاشك أن انتصارها الباهر يعود إلى الأغلبية الاشتراكية الديمقراطية (يسار الوسط) التي تحكم البلاد منذ عودة الديمقراطية إلى تشيلي في عام 1990، و التي أصبحت تسيطر على مجلس الشيوخ لأول مرة، وحافظت على أغلبيتها في مجلس النواب، أولا . ولكونها امرأة، و أكثر من ذلك لشخصيتها الجذابة ثانيا. إنها امرأة شجاعة تمتلك قناعات راسخة، وتعطي الثقة للناس. وقد أثبتت قدراتها وصلابتها عبر مسيرة حياتها الحافلة، إذ ولدت ميشال باشليه في 29 سبتمبر 1951 في سنتياغو، وجابت في طفولتها كل ارجاء تشيلي، إذ كانت العائلة تتنقل تبعاً لانتقال مركز عمل الوالد الذي كان طياراً في الجيش.وعام 1970 بدأت دروساً في الطب وانتسبت الى الشبيبة الاشتراكية..وبعد الانقلاب العسكري الدموي في 11 سبتمبر 1973، على الحكومة الاشتراكية الديمقراطية المنتخبة بقيادة الزعيم سلفادور أليندي، واستيلاء الطغمة العسكرية بقيادة الجنرال بينوشيه على السلطة، الذي حكم البلاد بالحديد و النار،تحدت كل الأخطار بمساعدتها المناضلين الاشتراكيين الذين يعملون في السرية، وعائلات المساجين السياسيين.‏

* ميشال باشليه - المشوار
إن ميشال باشليه هي ابنة ألبرتو باشليه، وهو ضابط برتبة جنرال في الطيران، من أصل فرنسي، وماسوني، وكان مقرباً جدا من الزعيم الاشتراكي الراحل سالفادور اليندي، وتوفي بعد ستة أشهر في السجن نتيجة التعذيب.. وفي العاشر من كانون الثاني 975 ، اعتقلتها اجهزة الاستخبارات مع والدتها واقتادتهما الى فيلا غريمالدي، احد مراكز التعذيب في تشيلي. ومع الافراج عنهما بعد 20 يوماً، سلكتا طريق المنفى قاصدتين أوستراليا ثم المانيا الشرقية حيث واصلت ميشيل تحصيلها الجامعي. وعام 1979، عادت ميشيل مع طفلها سيباستيان المولود عام 1978 الى تشيلي حيث حصلت عام 1982 على شهادتها في الجراحة، غير انها لم تتمكن من الحصول على وظيفة في القطاع العام "لاسباب سياسية".وقد افادت من منحة دراسية مكنتها من التخصص في طب الاطفال والصحة العامة ، وعام 1984 انجبت ابنتها فرانشيسكا.‏
وفي موازاة كل ذلك، عملت في منظمة غير حكومية تساعد أطفال ضحايا الديكتاتورية. وبعد الانتقال الديموقراطي في البلاد عام 1990، كثفت عملها طبيبة في قطاع الصحة العامة وعضواً في اللجنة الوطنية لمرض العوز المناعي المكتسب "الايدز" ومستشارة لمنظمة الصحة العالمية.وكانت باشليه ترى أن الحزب الاشتراكي الذي تنشط في صفوفه يهمل القطاع العسكري، فباشرت دروساً في الاستراتيجية العسكرية في سانتياغو وفي الدفاع القاري في واشنطن.وعندما وصل إلى السلطة الرئيس لاغوس في عام 2000، عهد اليها في وزارة الصحة وكلفها إجراء إصلاح واسع النطاق في هذا القطاع، كما كانت عام 2002 المرأة الاولى وزيرة للدفاع في أميركا اللاتينية ودعت في الذكرى الـ30 للانقلاب في تشيلي الى مصالحة بين المدنيين والعسكريين. ومع هذا الموقف تحديداً، اتسعت شعبيتها وحلقت.‏

* إنتصار مثلث
إن فوز باشليه الانتخابي، هو انتصار مثلث: انتصار لائتلاف يسار الوسط المتكون من الديمقراطيين المسيحيين، و الحزب الراديكالي، والحزبين الاشتراكيين، وانتصار للإشتراكيين، وانتصار شخصي لها. وهذا الفوز يظهر أيضا قوة اتحاد يسار الوسط الحاكم في تشيلي منذ نهاية الديكتاتورية عام 1989.‏
ماذا يمكن أن يظهر لنا وصول هذه الأم العزباء لثلاثة اولاد من والدين مختلفين انفصلت عن كليهما، والعلمانية، إلى قمة السلطة في بلد كاثوليكي تقليدي تطغى عليه النزعة الذكورية، وتحتل فيه العائلة مركزية القيم، على نقيض جيرانه الأمريكيين اللاتينيين الذين يعيشون حياة عاطفية و سياسية متقلبة جدا؟‏
إنه يظهر لنا الصعود القوي للنساء في الحياة السياسية في قارة أمريكا اللاتينية، كما في أماكن أخرى، وفي بلدان ليست بالضرورة متقدمة. إن تشيلي بلد محافظ جدا، بل متزمت في تشدده الديني. وكانت الكنيسة تبنت خطا سياسيا مغايرا في الثمانينيات من القرن الماضي، عندما جسدت القطيعة مع معظم الديكتاتوريات العسكرية التي حكمت أمريكا اللاتينية، لكنها ظلت دائما في خط البابا يوحنا بولس الثاني. ومع ذلك تبنى قسم كبير منها إيديولوجية لاهوت التحرير. فتحول بذلك القساوسة إلى شيوعيين ثوريين مدافعين عن الفلاحين الفقراء، وانخرطوا في حروب العصابات ضد الأنظمة العسكرية والديكتاتوريات التي كانت تحظى بدعم واشنطن وتأييدها. والحال هذه، فإن انتخاب الرئيسة ميشال باشليه يعبر عن ظاهرة تغيير عميقة في العقليات: إنه يظهر لنا أيضا أنه بعد خمسة عشر سنة من الإنتقال إلى الديمقراطية، أن تشيلي تحدثت بصورة عميقة.‏

* في مواجهة النهج الليبرالي
إن التطورات التي أسفرت عنها العملية الانتخابية في أمريكا اللاتينية، مسألة جديرة بالاهتمام، إذ إن اليسار هو الذي يحقق انتصارات في الانتخابات، وهذا بدون شك يعزز المحور المناهض للولايات المتحدة الأمريكية في القارة الجنوبية. وعلى الرغم من أن بلدان أمريكا اللاتينية اعتنقت نهج الليبرالية الاقتصادية في سياق العولمة الرأسمالية المتوحشة التي تقودها واشنطن، فإن شعوبها زادتها العولمة فقرا على فقر، وفاقمت عندها التفاوتات الاجتماعية الحادة، عوض ان تنتشلها من واقعها المتردي الذي أوقعته فيها الديكتاتوريات العسكرية بعد مرحلة الاستقلال.‏
وهنا يطرح المحللون ماهو دور هذه الرئيسة الاشتراكية المعتدلة في الخريطة السياسية للقارة الأمريكية اللاتينية، التي أصبح يهيمن عليها اليسار أكثر فأكثر؟‏
إن ميشال باشليه ليست لها نفس الثقافة السياسية للرئيس الفنزويلي اليساري هوغو شافيز المأخوذ بالرئيس الكوبي الشيوعي فيديل كاسترو، الذي ما انفك يناهض السياسة الأمريكية، والذي التحق بالسوق الأمريكية اللاتينية المشتركة "الماركوسور" لإضفاء عليها "مزيدا من الاشتراكية". كما أن باشاليه تختلف عن الرئيس البوليفي الهندي الأصل إيفو موراليس، الذي يريد تأميم قطاع الطاقة، لاسيما الغاز، حيث تعتبر بوليفيا أكبر منتج له، وتمت خصخصته في عام 1996، والذي سيتجه بحكمه نحو اليسار، إذ يجمعه بشافيز وكاسترو، ولولا في البرازيل، العداء لأمريكا، وتحقيق مزيدا من العدالة الاجتماعية للطبقات الفقيرة والمحرومة.‏
إن الرئيسة الجديدة لديها تكوين سياسي قوي و ليست بحاجة إلى اللجوء للخيار الشعبوي. وهذا يعني أنها ستكون متأنية في إقامة علاقات جيدة مع موجة شافيز. فانتخابها بعد موراليس في بوليفيا، سيقوي التحول الى اليسار في اميركا اللاتينية. بيد أن ميشال باشليه، الاشتراكية، هي اقرب ايديولوجيا الى سيلفا منها الى موراليس او تشافيز. وقد اصطدمت افكارها الاشتراكية في بعض الأوقات مع أفكار الصفوة المحافظة في تشيلي، لكن قادة الأعمال يثقون في قدرتها على مواصلة السياسات الاقتصادية الحذرة للاغوس. ولن تتراجع عن اقتصاد السوق الذي تبنته تشيلي منذ عقود. فهي لا تريد أن ترعب رجال الأعمال الذين اسهموا في حملتها الانتخابية، و هي لا تريد أن تحيد عن خط الرئيس ريكاردو لاغوس، الذي أعطى اهمية كبيرة لليبرالية الاقتصادية. وهي تريد طمأنة المستثمرين الأجانب الذين يلعبون دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي الذي جعل من هذا البلد الأكثر تقدما في أمريكا اللاتينية.‏
إن اليسار التشيلي يعرف جيدا في أي أوضاع مأساوية تعيش المجتمعات الأمريكية اللاتينية، ويعتقد أنه يجب انتشال البلدان المجاورة نحو الديمقراطية ومساعدتها على إيجاد سياسات فعالة للخروج من أزماتها. فهذا اليسار ليس له كراهية أو خوف من "اليسار الاخر" المناهض للولايات المتحدة الذي تولى الحكم في بلدان لاتينية اخرى، مثل الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، والبرازيلي لويس لولا دا سيلفا، والاورغواني تابار فاسكويز، والارجنتيني نيستور كريشنر، والبوليفي إيفو موراليس. وينص برنامج باشليه على مواصلة الانفتاح على الاستثمارات الاجنبية، والدفاع عن تعزيز التوافق الإقليمي حول الماركوسور، باعتبارها الأداة الجوهرية لتطوير السياسات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية من أجل إنهاء معاناة الفقراء والمحرومين والاقليات، مع البقاء في الوقت عينه في إطار الاقتصاد الليبرالي. وتلعب تشيلي دورا ديناميكيا ومؤثرا على صعيد القارة الجنوبية.‏
فبعد سقوط الديكتاتوريات العسكرية في عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وموجة الديمقراطية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في عقد التسعينيات، ها هو اليسار الاشتراكي المناهض للسياسة الأمريكية يصبح معطىً جديدا في القارة الجنوبية.‏



#توفيق_المديني‏ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - توفيق المديني‏ - تشيلي: تحديات الاشتراكية باشليه