"اننا عندما نقف على قبر صديق كاننا ندفن شيئا من انفسنا" بودلير
كشغاف باول الفرح ودمعة باخر الياس أرثيك شموعا في مهب الظلام تلألئها دموعنا كرصعات الياقوت في دهليز دامس،ادخل قبرك وحدي فانا الاول من دخل ابوابا لا تفتح بعد، انها مرايا لنهاياتنا الحرجة ا،رثيك الان ايها التائه بين شارع الصابئة وغرناطة،تحمل راس المعمدان نشيدا لقرابين عاهرة تتشفى بالنبوة..ها انذا انفلت الان مرة جديدة فالحزن كسر اقفالي،ولم تعطني فرصة الطاعة بحضرة رب. الحزن فاض على شواطئي فالعطشى يغرقون في الطوفان،والنحلة تغرق في بركة العسل،والاصداف تتقيء اللؤلؤ لتسكن المزبلة.هو ذا حزنك جعلني اول الخرس لا يعرف غير تهجئة النحيب،هو ذا ماتمك السكران بنبيذ البلابل في بستان زامل،لا تسكر من اقداحه الاغبياء وغلاض الرقبة،لا تقدم موتك عربونا للعدم المدوي في زوايا نفسي.اوحشهم بموتك هؤلاء الذين لا يجيدون صداقة القبر مثلنا..توحش ياصديق الدفلى ومروض الاعشاب البرية تلك الهامدة في النسيان..تغلّض ،في القبر متسع من الكسل..فذا لونك الاخير بعد ان دهنت جدرانك والارض بلون اسود.
هكذا اذن تموت في كبرياء الصمت ،فكإن الموتى العظماء اجمل من اكفانهم،كل العظماء حيث يموتون يجعلون للارض معنى الكعبة،فاينما وجدت عظيما فثمة كعبة اخرى تزاحم بيت المبدع الكبير،الخالق الاول،حيث يحرص ان يكون الابداع سلالته فيحيل كل قبر كعبة اخرى. أي شاهد سنرسمه على قبرك؟ ومن اين ناتي بفائق كي يرسم شاهدا لقبر فائق؟اه يابن الفراشة الطيبة،الولد اليتيم الذي كان لكبرياء وسامته صورة ابناء الملوك،وفتيان الف ليلة..اه يابن المدرسة الشرقية وسباخ الموحية وزيارات السيد خضير،كيف ارسلت سباخنا المملحة الى بلاد اللوز والسكر،ورسمت الكرنفال الابيض على طاولة بيكاسو حيث يشرب انخاب المرحلة الوردية،وتكون نبيا لالوان الارض،ملكا للون الزجاج. فائق ايها اللعين ياخائن صداقتي،ايها الولد المصمّت حتى الصلافة..كيف خنتنا اليوم واضربت عن الاستمرار في ورطتنا السمجة؟اهكذا عهد الصداقات تخوننا ميتا ونبقى احياء تعرت من همس كنت تدفعه فيستر عارنا..اهكذا تنزع منا ستر العار؟أي مخزي انت؟ أي كريه عهدك المخطوط على على رمل هائج..وحيث التقينا اول العمر وكتبنا العهد على جذوع نخل الناصرية،فوعدتني ان تكون رسول الاخضر في صحارى كوكبنا ، وقلت لي كلما شاهدت سعفة تذكرت فرشاة فان كوخ،وكلما تنهدت موجة مراهقة على شواطئ شارع الصابئة تبتلعك لوحة بيكاسو ثم تخبرنا انها تغص في مضغك كمن يختنق بلعومه في قطرة العسل. هل جاورتك النخلة في وله احلام نسيت احداثها،تلك اللحظات اليتيمة وهي تندف ذئابات حرير ذهبي على مشارف الغموكة فتلحس ضياءها اكواخ الجبايش،قم ايها الكسول سنحكم العراق بريشتك،خنتنا قبل معركة الريشة والدبابة..هل نحكمك بالاعدام وانت اسير ملائكة ارسلهم الله كي ترسم في قصره جدارية الجنة؟ لا ادري ان كان الله يشك في قدرته على الرسم فاختارك من غير مسوغ.انه الموعد الحرام لموتك،انه الوعد الكريه في لحظة الطمث الاولى. اهذا عزاء ميتافيزيقي؟ هل مطفات سجائر منسية؟تخبرنا الوانك كم عصرت زيت الخرافات لتمنحنا القدرة على لعق الاوهام او بلساننا،او نمسك الاجساد في احلامنا.
فائق فيك التشهد شاهدي
وعلاقما جئنا نلاحسها
فيلحسنا الشهد
سلاما لفرات فيك ما نضبت
دوارقه زمردا في عسجد
اللوحة الان تحلب دمها الاخير..الدمعة الان ترتمي متعبة ومترعة في التشهّي،والزنابق التي آخيتها في شوارع مشيغن،يشيعنك كما لو انك اول من ستقتله رصاصة اميركية،وكنت البدء وقربان المنتهى. ترى هل صدفة تموت بين هذه المارشات والارمادا؟ الم اعلمك ايها الاميّ اللعين بان الناصرية لم تخربها اقدام المارينز؟ كيف عزمت على الموت قبل ان تشاهد الخراب السرمدي هذا؟ لقد اخطات ايها الصبي ايها الامير الغبي لا تلعب النيرد مع القبور،وكذبت على كلما كنت تقول لي (ياحبيبي ياريحة هلي).
فائق سانبش قبرك واعذبك من جديد..لم ادعك صامتا هذه المرة كما كنت حيا لا تجيد الا الصمت،ساجلسك على شاهد القبر واجر لسانك باصابعي كي تحدثني أي حلم طعنك بالنوم الطويل،كيف قبيل يومين لم تكتب لي بانك اقتربت من فم الرفيق الاول..اجل اجل انا مستهتر بك وكثيرا ما رفضت الحديث معك،لانك لا تعرف الا كيف تصمت ولا تملك الا ان تكرر الناصرية كل يوم،وتحاول ان تلحقني بموتك،وانا اكره الموت مبكرا،لانه رفضني مرارا..لقد اضجرتني رسائلك المكررة واخافتني لوحاتك العجيبة،هكذا كنت استهتر كلما ظهرت على الماسنجر لاني لا اريد ان اشاهد جحيم دانتي من ثقب الباب،وانت الثقب الذي يدخلني الجحيم كل مرة. كالئام اطردك كل يوم،كالحقراء اتهور معك كما لو كنا اولئك الحفاة الصغار بين بساتين الناصرية نتحضر لسرقة رمان جديد. كم كنت مزعجا حيث تخطفك الوان الرمان وتاخر هروبنا فياتي البستاني ليكسر عصيا على عجائزنا..دائما كنت تتاخر حيث يتدلى العنب كاثداء مراهقة،والماساة تريدني كل مرة ان اغرق في دماغك وروحك كي افسر ما تفكر به..اتعبتني منذ طفولتك اتعبني صمتك ايها المتكبر بانفه الذي يشبه عرنين مركب هندي مزخرف.
فاجر كنت وانت تخدعنا بكشف اسرار جميلة عن عاهرة اسمها الحياة.
لماذا ورطتنا كل هذا الوقت بتقبيل عنقها ،حيث ترسمه كل يوم ككل جنة؟
اليس من حقي ان اقتل ميت؟
ساقتلك اطارد قبرك في كل نواحي الارض..ايها البشارة النحسة حيث النبوءة زارتني بالامس.
اجل كنت اتخاطر معك ،ففي موتك تنطق الاخبار القادمة في كل ماهو سيء.
هكذا كنت مثل انتحار شاعر لبنان حاوي حين دخل البرابرة اول بيروت.
اجل..اجل..اعرف ان ناصريتك بين بربريتين..ولكن ثق ببؤسنا على الاقل،ثق بنخلة نلوذ بها كغبار منسي على خرائب اور..سوف لن يرانا احد،لاننا سنلعب الغميضة مع الملائكة،ونلبس اصواتنا طاقية الاخفاء..الم نتفق؟ قلت لي ساسافر الى تشيلي،وكنت ادري كنت تسافر لموت مجهول،كي تجاور حبا عتيق قد لا ينجح كما نجح ماركيز بعد عقود من الجوع والبؤس واليباس والبحث عن القناني الفارغة بين النفايات،اجل..اجل قد لا تاخذ نوبل،لانك اخذت اكبر اخذت كل الرافدين هذا المعلم الاول. الم تحدث ماركيز عن ناصريتك السحرية؟ انا متاكد انك لا تحب الثرثرة الا عنها،حتى لتبدو لمحدثيك مضجرا.نصحتك ان لا تتصل بي بعد 35 عاما لم اراك،لانك ستكون عزيز سماوي اخر،انني اخاف نفسي الان،لان عزيز مثلك استعادني قبل الموت،وكان كل الغائبين لا يموتون قبل الاتصال بي..شريف الربيعي ايضا،وكنت اخشى على كثير ممن اهملهم الان،انا فتى الناصرية المشاغب،سيد القلق وزعيم اللاجدوى،الشيطان الصغير الذي شكته الحيطان والمياه والشجر،الذي تشربه عشتار كل لحظة،ويجرب الاخطار في كل الامم،يدخل المقابر المخيفة،يكسر طوق الرهبة،وينادم المستحيل:ان اركع ايها المستحيل تحت اقدامي،ساحملك بعيني،لماذا مررت بي قبل الموت؟ كنت اقول لشعبان الصابئي الجميل الذي تخافه:شعبان ارجوك اذهب لزيارة فائق لانه جائع لا ياكل غير الخبز والشاي،وانه الفتى الذي الهب غرناطة بالابيض والازرق الامير الازرق يحزن بالاخضر ويثور بالابيض انت،انه رمز ظلامي الابيض،وكنت مكابرا على جوعك كمن يدخل جسده متطفلا على يديه،ويديك تخلق الخالق،يديك تخلق اصابعك،ومن خلقك انت لاصابعك تخلق حناجرنا..يقول لي شعبان انه بخير يحب حزنه وعزلته وخوفه،معتصما كالجلجلة التي تكره الباكين على دروبها،اه ما اجمل ان يرفض الجرح النازف ان تسقط دمعة على مصابه..كم هو هائل ذلك الذي يبكي من شفتيه بلاغة الكبرياء..هكذا اذن ايها العملاق تاكل الخبز والشاي وتطاردك امراة من البيرو،فكنت اخر عمالقة العصر الانطباعي ،كنت اخر فان كوخ في الارض حيث مات جوعا ولم يبع لوحة من لوحاته..وها هو الان بعشرات الملايين يباع..كم قذرة هذه البشرية تصنع المآثر من قربان؟كيف ابكيت نيزكا لا ينحني للظلام..هكذا ابكيتني انا الجنرال المتجبر ذلك الذي يبحث عن هزائمه في انحناءة زنبقة او موت زهور الليلك،وبصوت عال كانت قصيدي انتحاب يتهدج كوهاد الليل في قلب رابعة العدوية حيث التشهد والتحلل في المعشوق يخفق قلبها،ينهب كل مافيه وتقابل عشيقها كمن نسي قلبه في لحظة القلب الاخيرة،وقبلة الرحمة الاخيرة،ونحار لحظتها ان ندعي للمحبوب اننا بلا قلب لانك اخذته فجئناك كالمتجبرين بكل هزائمنا..انتحبت على قبر فالنتينو ولم ارسل مخطوطتي بعد..مر العيد ومر فالنتينو وانا مؤجل الحب،مؤجل الكراهية ابحث عن جدوى بعد ان بددت الوصال على شفرة سيف قطع الحشاشات الحميمة.ثمة حب لم احدثك عنه،لانك لم تشجع صراحتي وانت صاحبت الموت كبستان زامل!!ثمة حب بددني من صحبتي واخذني للعراق اعمى يسير على حقول العاكول والالغام،لا اريد سابرة النجاة،فاي حب عظيم تاتيه طلبا للنجاة؟ أي وصال هذا المقيت ان لم تكن الخسارات محرابه،نعشق كي نتبدد،نحب كي نتدمر وللحظة الاخيرة،كلما قاربت الهاوية تاكد انك العاشق اكبير،كلما جثت لقبرك بلا ندم كنت اجمل الموتى،كلما ادركت الفضيلة تغريك بثوابها فابصق بوجهها.
نهيم حبا لاننا لا نجد سببا لذلك،فمن وجد الاسباب بحب تصرف كالحداد مع اوتار قيثارة..وقرا لوركا بقلب سجان ..اه مت وانا على مشارف حب اخر،امراة تدلني على عراق محوته بنساء اخر،عراق محوته بزرقة السماء واخضر الارض الهائمة بالنعيم المغفل. نجحت اخيرا لانك لم تستمع لقصة ناصرية جديدة ولدت في اخر الياس كزنابقك البيضاء في ليل مثلج،يحوك ظلامه الضباب،انه سترنا الاناني نحن المتحجبون بالزجاج،المتسترون بالابيض،في بلاد زوروا حدادها بالاسود.
انك نذير شؤم ايها اللعين..ستاتي النبوءة خرابا على العراق،كانك اخر التكوين فينا كان لسان اشعيا يسخط في لباب موتك..اجل كيف اختارتك الاقدار بهذه الساعة الاخيرة؟وكيف اخترت موعدا في زمن الغبار الاصفر حيث النخيل سيتساقط ذبيحا بلا مودعين ولا عزاء؟ النخيل ينحني بلا كرامة بعد ان تكنس الرجال كالجنادب في الشوارع،ويشرب الفرات ذاته ويكون الابتلاع في من يبتلع. من اين جئت بكل هذه الصدفة؟ او تريد خداعنا..انك نذير شؤم..ايها الولد الموشى بالجنيات البيضاء المزركش بدانتيلات ستائر تهبط من السماء للارض.
ماذا حدثني قلبي بموتك؟ قال لي هذا انذار القيامة الاخيرة..فالعراق سيخر صريعا وقد تبرا النخل فيه عن لونه الاخضر..الفرات ستسفح دمه الرمال،ويهرب بين الجهات عن منقذ فلم يجد غير عواء الذئاب وخبث النسور المتربصة،نيرون سيجلس كما الجبناء لم يحرق المدينة من اجل حبيبته،ثمة لغز لم اعرفه بين النبوءة،ثمة اشارت قدمها جلجامش،خطفتها لقبرك الجديد..كم خطر انت لتعاقبنا بكل ذلك؟ من اين نصنع للنخلة ارجلا كي تهرب بين الملاجئ؟كم هو خطر اننا نسينا التعرف على بعض اشجار ركنت في اهمال ابصارنا. هكذا اذن تموت قبل ان ترى العراق مدفونا بدمه،وحتى التراب يخشى ان يهيل على عورة جروحه بعض الستر والحشمة..اذن انه النذير الاكيد على غياب نخلنا،ذلك الشجر الذي جاء من السماء،الكرنفال الاخضر هذا بقايا من جنة سقطت سهوا على ارضنا،فكان السهو يقين العراق.
والان (ساحنصك) اغيضك.. سارى النساء في الناصرية يبعن اللبن كما كن في سوق الصفاه.. المآزر الملونة،السجادات الامية والالوان المغفلة حيث تصفها انامل لا تعرف بيكاسو..اذهب لموتك ودعني احب امراة لا يدخلها الله في الجنة لاني اغار عليها من مديح الله، اغار من كرهه لها..اغار من مسكين يمتص رحمتها الشفوق..اغار حب امي لي كي تسلب بعض قلبي او جموحي لها.اما انت ما الذي بقي لك غير حفرة كتثائب النسيان في بيداء.
سارحل بمشاحيف الفجر على اكتاف غادة بين الجبايش وامد لساني لك غامزا لامزا ان اشبع موتا ايها المسكين،يامن تركت اليتم بين الوان الارض وخنت لوحاتك الانيقة..كم انت كسول على الحب. سازور السيد خضير وفوادة ام هاشم،واقول يا ام هاشم ياشفيعة العشاق خذي الله مني واتركي صورة حبيبتي..يا ام هاشم اوصلي البريد لفائق حسين انني لم انفذ امنيته واضعه في سجل الموتى او الخالدين،وابلغيه رجائي ان الطم عجيزته بالمردي ..يا ام هاشم من فارق من؟العراق ام نحن؟ كيف صبرتي على فتيانك القدامى كل هذا الدهر..ساذهب هناك للموتى: احمد امير انقل رفاته من برلين،لقاسم دراج،لجبار العبودي،لمهدي السماوي لجبر غفوري وشاعر الناصرية رشيد المصور،حيث اجلب من اسرائيل رفات حبيبته اليهودية ابنة الناصرية،فهل تستطيع الاوطان ان لا تكون كلها ناصرية كي تقطع اسرائيل حبا على دموع الفرات؟ ساصرخ يارشيد جهزت الكوماندوس وخطفت الموتى من قبورهم،كي اعيد القبلة من ضياع قديم للقيا اخيرة. ساقوم بمهمة في الجحيم واجعل الرفاتين يتعانقان واصرخ تسقط اسرائيل قاتلة الحب،يسقط العراق مفرق العشاق..ترى هل انا محارب سوريالي كي اخطف للشعر رفات حب ضاع فاقفل القلب جذوة القصيدة ولم تعرف القبلة ميلادا لها بعد هجير يهود الناصرية. يارشيد جئنا مقاتلين في حومة الشعر تركع لغضبنا سرفة دبابة. اواه يا فائق ستكون مقاهي الفرات خاوية ان لم يحضر صمتك فيها،ستكون الشوارع خائرة القوى حيث اقدامك المجعجعة وسيرك السريع لا ينبش الحصا من احشائها. ايها الجامح الذي تخاف النساء جماله ويجالسه الثرثارون كي يسمعوا صمته،أي ميشغن هذه،تعال ناكل الباجه عند سبيتي ودع الماكدولاد الابلق. أي سلاح نووي يخطفك من شعرنا،ودموع كانت سلالة الانبياء وملامح الله فينا..
انا ابكي انا اذن عراقي.
كل الذين لا يعرفون البكاء ليسو بعراق..سنفتح مدارس على هذا الكوكب تعلم ابجدية البكاء ورطن الانبياء.
لا احسدك اذهب بلعناتك يا من تجيد الانتقام كلما مت كثيرا،
اذهب لحتوفك يا من تجيد الرسم كلما اصبت بالاعماء
اذهب للنسيان يا من تجيد الحضور كلما ننساك.
اذهب الى المحو الاخير ايها المدوي بصمته
فتلك الرعود القادمة والمدافع لن تعلو صراخ صمتك فينا.
المجد يحفر باظافره تاريخ الانحناء للقرنفل
وعلى مهاوي الردى لا يمتلك الموتى غير ان يكونوا اجمل منا
الموتى الذين يصبحون اجمل الاحياء
الموتى الذين يستيقظون كلما ماتوا
الموتى الاحبة منهم لا يتركوا غير الندم فينا من صداقتهم.
ان كيف تتورط بحب من سيموت غدا؟
لم تنجب اطفالا لهذا الارعن؟
خذ قصطك من الموت ثم تعال لي بالابدية
حينها ساختار الموت وارمي بالابدية كاعقاب سيجارتي
لاني لا احب المذلة ولا المنة،اذ من المعيب ان تعيش بذكرى الغائبين.
من المعيب ان يكون اصد قاءا لك سياتون بعد الف عام.
كم من المخجل ان لا اجدك بعد الف عام،حيث وجدتك قبل خمسة الاف عام.
اهطل موتك على شقائق النعمان دمعا انيقا كلآلئ سوداء تلمع في ظلمة دامسة.
زنبقة سوداء ستعلو ياقة قميصي في اول الحب
حين مت بدلنا ورد فالنتينو باللون الاسود
وخطنا ثوب الحداد ورديا كليلة عرس اولى واخيرة
نحن العراقيون "نردح" في الاحزان العظيمة كي نتقيء اجسادنا
لا مكان يسد فيضنا
ولا جسدا يوقف تمددنا حتى الرحاب الشاسعة
نحن الفيض حتى في اليباس تخاف البيد يبابنا
ويخاف البحر من ابتلاع موجنا
نحن الذين نحن
فتنة كوكب باكمله
مزعجون كالحب
كريهون كنايزك لا تحب اللمعان.
هكذا اذن ثالث من ماتوا بين يدي على الماسنجر حين رفضتك وانت جئت وداعي،اجل كان علي فودة الذي زففناه بموكب حزين وبائس بين قصف الطائرات،وادم حاتم الذي دفنه اربعة غرباء لا يملكون سعر كفن ولن يجدوا من يصلي على كافر مثله،مات سكرا، وكنت وحدي ابحث عن قبر مجاني ادفن فيه بعضي وبعض العراق..لم اجد غير حفار قبور تحزنه حيرة ميت،فاتفقنا ان ندفن الجثة على جسم شهيد ،هكذا ضاع ادم في الموت وضيعناه حيا،فالشاهد للجندي وليس للشاعر.
الجنود يقتلون الانبياء
الجنود يزاحمون الشعر حتى في الموت
الجنود لم يبق للعراق حتى فسحة نسيان.
اما انت الذي كنت ثروة عراقية تاكل الخبز والشاي فيما قادة التحرير يولمون بالملايين لعشاءات الغدر الاخيرة.
من يدعي ملكيتك غيرنا،نحن الذين رضعتنا مهانة الفقر الاولى،ودلجنا البساتين بحثا عن "الاسميسمله" ؟ من ينسبك لحزب وانت كل الاحزاب؟ من يدعي وطنيتك وانت كل الاوطان:غرناطة،لبنان فيروز التي عملت معها،تشيلي،اميركا،كولومبيا البيرو ..اواه من تجار الحزب والقضايا الوطنية. اقول اقفلوا افواهكم بالاحذية البالية هذا عزاءنا نحن المصابين بلوثة الشعر. اصمتوا ايها الرعيان في حقول الله ومرتع الجنة في العراق. اغلقوا مزاليج عاركم ايها الانذال الموبوؤون بالخساسة حيث تموت الزهور على ياقات قمصانكم الانيقة بلا مدفن،وبلا كرامة،وكما نتم نفايات الارض تلقون بزهرة الحب الاولى في سلال قذاراتكم.
خذوا الاحزاب والوطن،خذوا الحروب والمقابر والاوسمة،خذوا المواخير والجوامع،خذوا الاديان والنفط وبعرانكم الثورية،خذوا صناديق الاقتراع وكرامات التحرير،خذو مجد الحروب واعطونا كرامة الهزائم،خذو الاموال وامنحونا البؤس،خذو كل الصراخ وامنحونا الصمت.
فهذا الفائق لنا نحن دروع الجمال
ونيازك الشعر لا نلمع الا في ظلام الوطن،ولا نختفي الا بفرح ظهيرة ايلول..
خذوا عراق البرابرة وناخذ عراق الشعر،
خذو عراق الهذو والتزوير وناخذ عراق الاوابد البائسة على اطلال اور.
خذوا عراق الجنود ولنا عراق الانبياء
خذوا سيوفكم ولنا اوتار زرياب
خذوا الخصيان والجواري ولنا النائحات على قبر خضر الياس
ابنوا قبور ملوككم سنتوج صديقة الملاية رئيسة ضمائرنا
هكذا اذن مات فايق حسين الذي يخلق بالصمت لغة الفراغ الهائم بالتشيء..هكذا اذن تسقط الجياد الانيقة في فساح الحرية ولم تقفل عليها اطارات لوحة،الحمائم التي قدمتها لي،صياغات جمال امي لن يتقن القراءة والكتابة،اهملتها كي تخرق حصن الالوان الزيتنية وتطير حية،كيف استطعت ان تشارك الرب في حفلة موتك؟ هل اخذك كي ترسم في قصره جدارية العدم او مداخل الجنة حيث الرهبة تعلو احزانك كما كانت دموع اليغريكو تهطل بين فراق حبيبة وبين غباءات البابا وهو يقدم نصائح اللون الاحمر وازرق؟ انهم يا فائق يقدمون لنا نصائح حبك هؤلاء الذين رضعوا الكراهية من بيوض طائر النحس. امضي ثابتا نحو موتك مزق اكفانك لانك احمل منها،سنبني لك الفراغ والنسيان قصرا من رميم خرافاتنا الحميمة.امضي لموتك ولا تترك طرفة عين لوطن ينسى الاحياء فلا تذكره بموتك.
فائق حسين من مواليد الناصرية،عاش يتيما ولم يشاهد اباه،وقد ترعرع في ظل اعالة امه التي كانت تعمل فرشة في مدرسة واخته التي تعمل خياطة..عشت معه فترة الصغر والمراهقة الى جانب اصدقاء كثر كلهم اصبحوا من ذوي المواهب المبدعة،ومنهم من اعتزل الاستمرار بالمغامرة وكان يمكن ان يكون عبقريا ما،ولعل الاسماء لامعة وكبيرة،كان فائق مصابا بمرض الصرع منذ صغره،وقد اشتهر بقلة كلامه وكثرة صمته،وبعد 35 عاما التقيته على غرفة البيت العراقي في البالتالك،وكان يكتب معي يوميا معلقا بسخريته وكلمته الشهيرة على بعض المظاهر الغبية كلمة"هاي شنو القمنجه مال الناصرية" لم يتحدث الفصحى ويكرهها،يحاول استعادت مدينته،وقد سالني عن قرب العودة للعراق،فقال امامي خيارين،وهما اما اعود للناصرية او اعيش باقي العمر في تشيلي.عرفت عنه انه عاش تجارب حب مع امراة اسبانية وتزوج الكثير بما فيهن عراقية من تكريت ابنت الشاعر فالح عبد القادر،درس في جامعات كثيرة في اسبانيا والبيرو وشيلي،وحصل جائزة من النيورك تايم،وقد حدثني الوزير السابق عنه الاستاذ صلاح عمر العلي انه طلب منه ان يرسم عن الحرب العراقية الايرانية حين كان يعمل في جريدة الثورة كرسام،فقال فائق للاستاذ العلي انني اريد الاستقالة لانني لا ارسم لصدام او الخميني ولا احبهما. ولا اتذكر ان كان لديه وليدا من أي من النساء اللائي تزوجهن..كما عاش قصصا اخرى. كان شابا وسيما ابيض البشرة،وهو من اب كردي،كما يشاع،دون ان نساله ذلك حتى بطفولتنا لا نعرف مثل هذه الاسئلة. قبيل اربعة ايام ارسل لي بعض لوحاته لم اجد في حافظتي غير اثنتين،كما لم تبق رسائله التي يكتبها بالحرف اللاتيني ولكن بلهجة عامية.في ايامه الاخيرة كان جائعا وبائسا ولم ياكل الا الخبز والشاي وكان يصارحنا، وحدث هذا حين أقمنا ندوة بذكرى وفاة السياب في البيت العراقي عل البالتالك تساءل البعض لماذا نكرم مبدعينا بعد الموت فيما عاشوا جائعين وفقراء بيننا. كان فائق حسين موجود ويدخل باسم لوركا وله اسماء اخرى يعرفها القليل،فخرج على المايكرفون وتحدث امام اكثر من خمسين شخصا،محاولا ان يلمح عن ظروفه،قائلا انا من الممكن ان اموت من العوز والفقر في اية لحظة وسوف تنعوني وتلومون انفسكم كما الان تتحدثون عن السياب،مع انه لم يتحدث عن لوحاته التي ملأت المتاحف وبيوت غرناطه وقصورها الملكية وجدارياتها وزخرت جدران قصور الاثرياء والزعماء بلوحاته حيث كان غريب الاسلوب غزيرا حتى اللعنة،لم يتحدث عن جوائزه الرفيعة لانه مصاب بداء الصمت. في تلك اللحظة انبرى اخي وحبيبي الامير النزيه والطاهر الشيوعي وصديق مشترك بيني وبين فائق وهو داود امين ابو نهران،حيث تحدثنا جانبا حول مساعدته وقال نحن لدينا جمعية اهل الناصرية ولابد من مساعدته،قلت له هناك صديق لي جاره اساله عن حاله فيقول انه بخير،ودعنا نستوضح حجم المبالغة في كلامه،وبالنسبة لي انت تعرف ياداود ان احوالي ليست احسن منهّّّّ!!هكذا انتهى الحديث ولا احد يفكر بفائق،وانا ادعي وداود امين وكل ابناء الناصرية المخلصين نحن اهل فائق،وسوف استخدم ابشع ما عندي من سفالة ضد كل من يدعي تمثيل فائق بتنظيم او حزب او جهة.
كان اخر ايامه يصاب بهذيان مفزع وهو منذ ازمنة بعيدة حيث يشعر ان امراة تطارده كالجنية،ويعيش عولم ملتبسة رهيبة تتشابك هنكبوتيا لتجعل يقتل اشباحه في الالوان الهاربة المتفزّعة،التي تنثال كنثار من هشم موجه او تشرد نسمة لن يراها غيره،فيجسد الفراغ بفراغ العن.
ثمة من يعتقد ككل العقول السياسية المجوفة التي تحاول ان تلحق الابداع والثقافة لها،بان ما يحيكه السياسيون عن انفسهم يشبه ما يحاك عن رهبنة المبدعين،بحيث يستعيبون ذكر حقائقهم ويدعون الانساب والثراء والمجد والتواريخ المتعالية المتطهرة،ونحن لا نحسدهم على هذه الحماقة التافهة،وهنا يهمني ان اذكر بان كل مبدعي البشرية جاؤوا من الفقر والحرمان والبؤس فلن تقدم الطبقة الثرية اديبا او مبدعا الا قلة منهم تولستوي،ولعل كشف اوراق البؤس والفقر عند مبدع ما هو الا فخرا له، يزيد من اسهم اعجوبته، فالاثرياء واصحاب الجاه هم فضلة نفايات وتطفل على البشرية لم يقدموا غير دمار البيئة والحياة،ولم يصنعوا سوى القبح والحروب والخراب،كل الانبياء بائسون،وكل الاولياء والفلاسفة والفنانين والمبدعين،وهذا جزء من عار الحضارة على هذه الديناصورات التي تقودها من سياسيين الى قادة الى اثرياء،ونحن نحلم ان تغادر هذه النفايات كوكبنا،لان العلم والانبياء والثقافة وكل جميل جاء من هذا العالم المهمش والفقير والبائس الملفوف بالعري والالم. فليس المسيح كثراء الكنيسة ولم يصلب على الذهب،وليس عليا كثراء ايات الله وتجار الخمس،وليس موسى وارميا كفحش المؤسسة الدينية اليهودية..كل الامل والجمال والابداع جاء من معاناة اب كادح او ام معذبة كام فائق،وقد تطول القائمة اذا ذكرنا اسماء كبيرة من اين جاءت. ومن يستعيب ان يقال عن فائق هكذا ففائق هو ملك الابداع والرهبنة ولا ينسب لا للحزب ولا لمصطلح اجوف وغبي،كما ننسب منير بشير وشاكر حسن ال سعيد وصلاح القصب والسياب انه ثروة وطنية بل ثروة كونية غير قابلة للملك لانها مشاع الجمال الخالد انه امير غرناطة الازرق..لوركا اخر يطلق النسيان عليه رصاصة الرحمة.
اميــــــــــــر الدراجي
(مثقفون بلا حدود)