|
عندما ينطبق مبدأ العطالة الطبيعي على الإنسان، أو من العطالة المادية إلى العطالة الفكرية.
خلوق السرغيني
الحوار المتمدن-العدد: 5506 - 2017 / 4 / 29 - 04:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
عندما ينطبق مبدأ العطالة الطبيعي على الإنسان، أو من العطالة المادية إلى العطالة الفكرية.
إن الحديث عن مفهوم العطالة وما يجاوره من مفاهيم أخرى كالتعطل والتعطيل.. يجعلنا ندخل مباشرة في غياهب العلم الطبيعي بلغة صاحب كتاب "النور"، أي الفيزياء، هذا العلم الذي أخذ على عاتقة الاهتمام بالظواهر الطبيعية ذات الطبيعة المادية تخصيصا. غير أنه ولما كانت هذه الظواهر من طبيعتها العطالة والعجز الذاتي، أي أنها قاصرة عن الحركة الذاتية التي كانت تنسب إليها من قبل أهل النزعة الاحيائية، أمكن القول حينئذ أن هذا العلم لا يعمل في الأخير إلا على محاولة فهم هذه الظواهر وتسليط الضوء عليها عبر تحليل وفهم المبادئ المؤسسة لها. وليس من الخفي أن العلم الطبيعي يركن إلى جملة من المبادئ التي تؤول إليها المادة أو الاجسام موضوع الدراسة والتحليل، ومن بين أهم هذه المبادئ نجد مبدأ العطالة أو القصور الذاتي كما أعلن عنه صاحب "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية" أيضا، هذا المبدأ الذي يقر بقصور المادة وعجزها الذاتي عن الحركة كما السكون، إذ من الإستحالة القول بحركة الأجسام دون قوة خارجية تعمل على تحريكها، والوجه الآخر لمبدأ القصور الذاتي هذا يتمثل في استحالة توقف الأجسام التي توجد في وضعية حركة دون قوة خارجية تعتبر بمثابة عائق أمام استمرارية حركتها التي تكون مستقيمية بطبيعتها(واستقامة الحركة هو مبدأ آخر من مبادئ العلم الطبيعي). لكن إذا كانت الأجسام الطبيعية تخضع لمبدأ القصور هذا وبالتالي فهي عاطلة ذاتيا عن اتخاذ مسار حركتها واختياره أفلا ينطبق هذا على الكائن الانساني أم أن الإنسان بما هو كائن حر ومريد ينفلت من هذا القانون الطبيعي؟ يبدو أن الكائن الإنساني بامتلاكه لعناصر محددة مثل التفكير والتعقل والحدس..إلخ يخرج وينفلت من التحديد الطبيعي ذي الرهان الحتمي ليسبح في سماء المعقولات بلغة فيلسوف التنوير، ولما كان الأمر كذالك فإنه يخرج من حيث هو فكر من تحت دائرة شمول مبدأ العطالة الفيزيائي لينتمي إلى دائرة الفعل والفاعلية الإنسانية، لكن هذا ما يفترض من حيث المبدأ، أي أنه يتوجب على الكائن الانساني الذي تعتبر النفس خاصته والتفكير جوهره أن يسير ومبدأ الفاعلية المعيَّن من قبل خاصية الحرية التي يمتلكها كائن مملكة الحرية (أي الانسان) لا أن يسير وفق مبدأ العطالة الطبيعي، إلا أن الواقع يثبت العكس. كيف ذلك؟ إن المتأمل في عالم العيش اليومي ليجد الكثير من المعالم والشواهد الدالة دلالة صريحة على عطالة الكائن الإنساني(وهنا الحديث يخص الكائن العربي والمغربي بتخصيص، في مجملهما) عطالة ليست مادية، لا سيما وأن هناك حركة دائبة على الصعيد الفردي والاجتماعي، بل العطالة الحاصلة نجدها على الصعيد الفكري، وهو ما يعبر على الفقر الشديد الذي تعانيه مجتمعاتنا على المستوى المعرفي، إلا أنه إذا كان الفقير ماديا يسعا دوما لتجاوز فقره دون كلل ولا ملل، فإن الفقير فكريا(وقيميا وهذا هو الخطير) لا يهمه تحسين مستواه في هذا المجال، ذلك أن الانسان اليوم في مجتمعنا يمكنه أن يعطل كل شيء إلا ما تعلق بالمأكول، أو بالمشروب، أو بالمنكوح. ومنه فإذا كان الملاء هو سيد الموقف على مستوى الجسدي الرغباتي، فإن الخواء والفراغ والعطالة هم لوازم فكر مجتمعاتنا، وناذرا ما يتحرك، وإذا كانت الطبيعة تخشى الفراغ، فإن الملء عملية لا بد منها، لكن للأسف هنا يأتي الذي يأتي ونتمنى ألا يأتي، إنها التفاهة التي تملأ بياضات الفكر وفراغاته. بيان ذالك؟ إن أهم دليل في نظري يبين التدهور الذي أصاب المجتمعات العربية في عمومها(وربما كان منذ قرون) ويثبت عطالتها على الصعيد الفكري والثقافي، بل ودرجة الاغتراب التي أضحى يعاني منه أفرادها، هذا الدليل هو" ظاهرة كرة القدم المشاهَدة". فكيف تعبر كرة القدم عن العطالة الفكرية للإنسان المعاصر؟ يمكن أن نعتبر كرة القدم (ليست الملعوبة لأنها على الأقل تضمن حركة الجسد، بل المشاهدة) بمثابلة الوبال الحقيقي الذي أصاب مجتمعاتنا، فليس هم الشاب، وهنا الشاب يمثل طاقة فكرية هائلة، إلا معرفة هذه الظاهرة والإحاطة بها من كل الجوانب: النتائج، الألقاب، أسماء اللاعبين...إن كرة القدم هي بمثابة أفيون الشعوب الجديد، فهي إن دلت على شيء فإنما تدل على عطالة المشاهد فكريا واستلابه الثقافي، إذ تجده عديم الاهتمام بقضايا تهمه كمواطن وكفرد ينتمي إلى مجتمع له هموم ومشاكل وقضايا تخصه، وبدل التفكير في تلك القضايا يسافر ذهنيا إلى أرض ليست بأرضه، بل ويهتم بقضايا غريبة عنه، وعليه فكرة القدم المشاهَدة لا تعمل سوى على إنتاج العطالة الفكرية والاستلاب الثقافي. وليس ظاهرة كرة القدم إلا مثالا من ضمن بحر من الأمثلة المبينة لعطالة الإنسان العربي المعاصر، كالموضة، والمقهى نفسه حيث تحول الاخير من دوره الريادي في التنوير إلى وسيلة لهدر الزمن الثمين... يتبين إذن أن مبدأ العطالة يمكن أن يشمل الأذهان كما الأجسام، وهو ما يتحول الشخص بموجبه إلى كائن فاقد للقدرة الخلاقة التي تميزه عن "الباقين"، ككائن صانع ومنتج، الأمر الذي ينعكس سلبا على المجتمع حيث تسود قيم النمطية والتشابه والوحدة القاتلة(أي الروتين)، غير أن الخطورة تكمن في القابلية للتعدي الذي تسم مبدأ العطالة هذا، بحيث إن العطالة الفكرية تلزم عنها مباشرة عطالة قيمية أخلاقية، وإذا حلت هذه فانتظر الساعة ذلك أن الانسان شخص بامتياز، أي كائن لعقل عملي أخلاقي كما يؤكد صاحب الثلاثية النقدية.
#خلوق_السرغيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل طلق العرب القضية الفلسطينية؟
-
العنف وثقافة التحريم، أو في لزوم العنف عن المقدس.
-
في أولوية الناسوت على اللاهوت
المزيد.....
-
تطورات الحادث الجوي في واشنطن.. طائرة ركاب اصطدمت بمروحية عس
...
-
مصادر لـCNN: اصطدام مروحية عسكرية بطائرة ركاب بالقرب من واشن
...
-
فيديو استقبال محمد بن سلمان وأداء صلاة الميت على الأمير محمد
...
-
كيف تتم عملية تبادل الرهائن في غزة؟
-
اصطدام مروحية عسكرية أمريكية بطائرة ركاب تحمل 60 شخصا بالقرب
...
-
يكثر استهلاكه في المنطقة العربية.. الحليب الحيواني الأكثر فا
...
-
إسرائيل: 11 رهينة محتجزين في غزة سيتم الإفراج عنهم هذا الأسب
...
-
تصادم طائرة ركاب مع مروحية عسكرية قرب مطار ريغان بالعاصمة ال
...
-
عاجل | رويترز: طائرة ركاب تابعة لخطوط جوية أميركية اصطدمت بط
...
-
ترامب يستعد لإعلان قرار يهم طلاب الجامعات المتعاطفين مع حماس
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|