|
ثقافة المساءلة ...غيابٌ اجتماعي !
عارف معروف
الحوار المتمدن-العدد: 5502 - 2017 / 4 / 25 - 15:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ثقافة المساءلة ...غيابٌ اجتماعي ! --------------------------------- 1- كُتب الكثير عن وقائع هامة ومؤثرة اجتماعيا ، مثل جريمة سبايكر ،او قبلها سقوط الموصل ( في الحقيقة مساحة تعدل ثلث مساحة العراق ، تقريبا ) في قبضة داعش ، على نحو مفاجيء ودون مسوغات معقولة من قوة او تفوق . وكتُب ، كذلك ، عن الكثير جدا من الوقائع المشابهة الكبيرة والاقل حجما . محدودة الاثر في الزمان و المكان ، او تلك المفصلية ذات الاثار العميقة والممتدة في المجتمع والزمن وعلى امتداد الفترة الزمنية منذ 2003 حتى اليوم . وعكست معظم ا الكتابات الجادة تساؤلات او مطالب هي انعكاس لمطالب اجتماعية في ضرورة المساءلة او التحقيق في المسؤولية عن هذه الوقائع وتحديدها ثم التصرف قانونا في ضوء ذلك .المساءلة التي هي اسٌ اساس يقتضيه تحقيق العدالة من جهة ، ودرء المخاطر بتلافي اسبابها من جهة اخرى . ولكن ذلك بدا ويبدو، حتى الان ، نوعا من العبث ، اذ دارت وتدور المطالبات والاسئلة في دائرة مفرغة لا تفضي الى شيء ، وان افضت فألى نتائج ضئيلة هي اقرب الى الاحتيالات والالتفاف حول الحلول الجادة ، منها الى حلول ونتائج حقيقية ونافعة ومطلوبة . 2- تنطلق هذه الكتابات و المطالب الاجتماعية التي تستند اليها من افتراض ان المساءلة واجب ومسؤولية ، وهي جهد منطقي وحقوقي واجتماعي وتربوي و فكري كذلك ، لا بد ان يعقب اية واقعة مؤذية او سلبية على صعيد الفرد او المجتمع او اية جريمة مؤثرة على كيان وحقوق الافراد او كيان وحقوق المجتمع وامنه وسلمه او اي سلوك يؤدي الى تهديد هذا السلم واقلاق هذه الهيئة سوآءا كان في مرحلة الاعداد او الشروع او الارتكاب وأن هذه المساءلة ستشمل بإطارها اطراف هذه الواقعة او الجريمة ، المباشرة وغير المباشرة ، سوآءا اتخذت جانب التنفيذ او التخطيط او اي شكل من اشكال المشاركة كالتحريض او الحث او التشجيع او الاغضاء او التسهيل ...الخ . 3- تتأسس المساءلة ايضا ، على مبدأ عدم افلات المجرم من العقاب مهما كان نوع الجرم وايا كان المرتكب ، لما في ذلك من اشاعة وتمكين لمبدأ العدالة والاحساس به واعتماده في تربية الناس وتحديد سلوكهم الأمثل والحث عليه. 4- لكننا على العكس ، من كل ذلك ، نرى ونلمس غيابا واضحا للأسس الحقيقية للمساءلة بصدد اي من الوقائع المؤثرة ذات الشأن ، ونرجع ذلك ، بتسليم ، الى حقيقة اعتماد النظام السياسي القائم والعملية السياسية الجارية ، بأطرافها الداخلية وقواها الخارجية ، على مساومة او توازنات قوّة ضمن اطارمن التوافق والصراع . التوافق على الاسس والصراع المستمر بغية تحسين المواقع والمكاسب ، ضمن اطار العملية ذاتها وتحت شروط الراعي نفسه ، و بقدر محسوب ومحدد من هوامش الخروج على النص ، هنا او هناك . 5- ولكن هل ان غياب او اضطراب او الضعف الشديد في جانب المساءلة ، كممارسة اجتماعية بجوانبها السياسية والقانونية والثقافية ، وليد ظروف العملية السياسية واشتراطاتها منذ 2003؟ ام انه واقع قديم وموروث ؟ 6- لم تفضِ، كما اسلفنا ، اي من الكوارث وليست الوقائع التي حصلت منذ 2003 بحق المجتمع وافراده الى مساءلة حقيقية الاّ في اضيق الحدود ، وبالنسبة لأدوات التنفيذ البائسة او بعضها فقط ، ولم يعرف الناس ، حتى اليوم ، مثلا ، اطراف هزيمة الموصل ورؤوسها الحقيقية ولامجزرة سبايكر ولا عشرات ومئات الجرائم الاخرى ، ذلك ان تلك الاطراف والقوى ما تزال في السلطة او انها مدعومة ومسندة من قبل اطراف نافذة فيها ، ولقد تعودنا ان تشمل المساءلة الخاسرين لا المنتصرين وفاقدي السلطة والحظوة لا المتمتعين بها او المتسلطين على عرشها ، ولذلك فان من يريد ان يرى مساءلة حقيقية او اقرب الى الحقيقية بهذا الشأن عليه ان ينتظر حتى اجلاء اطرافها او المسؤولين عنها عن السلطة ومركزالقرار ! 7- ثمة وقائع اخرى ، اشّد هولا واكثر تأثيرا ، ولا تنتمي الى الزمن الحالي ، غير انها تعكس بمجموعها مسارا واحدا متكاملا ، اتجاه مطلب وممارسة المساءلة الحقيقة ، الجادة والمثمرة . ورغم ان مفردة " المساءلة " قد شاعت بعد 2003 كملازمة للعدالة التي بنبغي على اساس منهما ان تتم تصفية ركام سجل اجرامي مظلم للنظام السابق ، فإنها لم تجر كما كان مؤملا منها ولم تتم مسائلة البعثيين اجتماعيا، بحق ، وكل ما حصل هو تأسيس هيئة رسمية كان واجبها الاساس الحجز على ملكية البعض مع منح السماحات او الاذونات وفق معايير لا علاقة لها بالمساءلة او تحقيق العدالة وانما وفقا لمقتضيات ومصالح اطراف العملية السياسية ! وبدلا من ذلك ، شهد الواقع اعمالا ثأرية او انتقامية مست البعض بشكل اعتباطي ، فافلت منها الكبار والمسؤولون وراح ضحيتها بعض الصغار . وهي ، في كل الاحول ، لا تمثل عقابا قانونيا رادعا ذا اثر اجتماعي تربوي . واختصرت مساءلة ثلاثة عقود ونصف من الطغيان والارهاب ومصادرة الحقوق والحريات والتخريب والخراب الشامل الذي شمل البشر والحجر على خمسة وخمسين مطلوبا ! 8- ان المساءلة كممارسة اجتماعية فعلية ، لا تنطلق من فراغ ، وهي مثل اية قيمة او ممارسة معاصرة ترتكز الى بناء اجتماعي مناسب . ومثلها مثل الديمقراطية او التداولية او النزاهة او القضاء المستقل او شرعة حقوق الانسان والحريات او حرية الصحافة ودورها كسلطة رقابية وغير ذلك من القيم والممارسات يمكن ان يغيب مضمونها الفعلي وممارستها الجادة رغم ان اسمها او مفهومها المجرد والدعائي يصم الاذان ويملأ الواجهات . 9- لم يشهد مجتمعنا ، قبل 2003 ، اية ممارسة حقيقية ومسؤولة ، نسبيا ، للمساءلة الاّ في اعقاب انهيار النظام الملكي اثر ثورة 14 تموز 1958 حينما حوكم بعض رجال الحكم الملكي محاكمات علنية توفرت فيها شروط التقاضي والعدل وفضحت ونشرت على الملأ بعض الوثائق بخصوص ذلك العهد ، رغم انها وياللأسف ، سرعان ما غرقت في دوامة ما هو آني وانفعالي ولم تستمر مثلما لم تستمر ثورة تموز نفسها كثورة . اما جل " المساءلات " التي اعقبتها فكانت افعالا انتقامية وممارسات ثأرية ودوامات عنف اسست لأفعال انتقام وعنف وممارسات ثأرية لاحقة او لكبت وحقد وشعور اليم وعميق بغياب العدالة والانصاف ! 10- ان غياب روح المساءلة لا يخص فقط النظام السياسي الحالي وتركيبته ، ولا النظام السابق وممارسته ، بل ويشمل الانظمة السابقة كذلك وينوخ بكلكله على المجتمع نفسه ، والممارسة السياسية لقواه واحزابه . لم يفتح احدٌ ، حتى اليوم ، ملف جرائم شباط 1963 وما اعقبها ولا ملفات جرائم الفترة من 1968 وحتى 2003 ناهيك عن الجرائم المروعة التي ارتكبت بحق الابرياء والمجتمع منذ 2003 وحتى اليوم ، كذلك شأن "حرب الاخوة " بين الحزبين الكرديين التي راح ضحيتها الالوف وخدمة لمصالح شخصية للقيادات جعلتها لا تتورع عن التحالف مع النظام او دول الجوار ضد بعضها ،او تضليل المئات من الشباب الشيوعيين وقيادتهم للتصفية ، وخضع كل ذلك ، لتسويات وتدويرات والتفافات لصالح الاقوياء والمنتصرين دائما ، ولم يتحرك اي من ذوي الضحايا انفسهم لمقاضاة او محاكمة القوى والجهات والاشخاص التي وقفت خلف تلك الممارسات ، لا حقوقيا ولا سياسيا او فكريا و اخلاقيا ، واكتفي بتسوية مالية لبعض ذوي الضحايا دفعتها الدولة ، عبر ممارسات فاسدة ، وغير عادلة او متساوية ، من مؤسساتها الحالية مثل مؤسسة السجناء او الشهداء ! 11- لقد حوكم ، بعض رؤوس النظام السابق ، مثلا ، عن قضية مربكة ، تبدو هي الاقل قدرة على ادانتهم " قضية الدجيل " ، والابعد عن ان تحيط بجرائم وممارسات النظام السابق . فجرائم التعذيب والقتل في قصر النهاية ، التي افتتح بها النظام السابق عهده ، والتي شملت طيفا سياسيا واجتماعيا واسعا ، لم تتعرض لأية مساءلة او فضح وكذلك جرائم الاغتيالات المنظم والتعذيب المنهجي التي اعقبتها وشملت مرحلة السبعينات كلها . كذلك كان شأن تصفية المئات من قيادة واعضاء وجمهور الحزب الشيوعي وتغييب العشرات من عوائلهم ، ومثلها تصفية قيادة حزب البعث نفسه تحت ذريعة واهية ومفضوحة ومعه العديد من التنظيمات القومية والاسلامية ، بل ان جرائم انسانية كبرى مثل الأنفلة والتهجير والتجريد من الجنسية وشن حربين راح ضحيتهما عشرات الالوف ودمرت خلالها موارد لا تعوض ، لم تتعرض لأي سؤال او تحر او فضح رسمي ومنهجي ، حول الدوافع الحقيقية والاطراف المشاركة والغايات المحفزة ، مما كان يتيح تثقيفا وطنيا ومحليا واسعا بدوافع وغوامض الكثير من الممارسات المعادية للشعوب ويوفر حصانة ضد دعايتها او، على الاقل ، وعيا بحقيقتها . 12- قلنا ان قصور او غياب الوعي بالمساءلة واهميتها واقع اجتماعي ، لا سلطوي فقط . فقبل ايام ، على سبيل المثال ، ارسل او اصدر المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي ، رسالة او برقية اطمئن فيها على صحة " الرفيق الغالي " عزيز محمد " سكرتير الحزب الشيوعي العراقي طوال ثلاثة عقود ، تقريبا ، عن عملية جراحية لأصبع قدمه الذي كسر نتيجة " السقوط في داره بأربيل " حسب تعبير الرسالة او البرقية ، بعنوان " قلوبنا معك ايها الرفيق الغالي " . يبدو ان مئات وربما الوف الضحايا من الشابات والشباب والعوائل الذين عذبوا او قتلوا او شردوا بعد ان وضعتهم سياسات عزيز محمد ورهطه بين فكي مطحنة الموت خلال عقدين من السنين ، بلا طائل ولا مسوغ ، لم تثر قلوب الرفاق ولا تعدل اصبع قدم الرفيق وان السقوط في الدار لا يستدعي مناقشة والمساءلة بحق سقوط آخر ، في الفهم والممارسة السياسية ، كانت نتائجه او خسائره على صعيد الارواح والامال مفجعة ! انه مثالٌ آخر ، وليس اخير ، على غياب روح المساءلة وشيوع روح التسوية والالتفاف و التغاضي والترضيات ، لدى الجميع ، حيث ان الضحايا ، كل الضحايا ، لا بواكي لهم حقا ، وان المساءلة ، ان وجدت ، فستشمل المغلوبين والخاسرين فقط !
#عارف_معروف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جهاز رسمي في دولة كبرى ام عصابة...... برامج سرية وتنظيمات خي
...
-
صدام حسين ام فؤاد معصوم ؟
-
سياسة حافة الهاوية والابتزاز النووي ...امتياز امريكي !
-
روبوتات بشرية لزراعة القنابل والعبوات ! ( 5 )
-
إعداد القَتَلة ، بدم بارد وضمير مرتاح ! (4)
-
السيطرة على العقول ....وثائق الشر (3)
-
استشهاديون ام ممغنطون ، هل لبرامج الCIA العصبية والنفسية دور
...
-
استشهاديون ام ممغنطون ؟
-
مع السيد ارا خاجادور و- حزب العمل العراقي -...الدلالات والمض
...
-
البقاءُ .....للأضعف !
-
الشخصية العراقية والعنف .... وعيٌ ملتبس ! (4 )
-
هل ستنتخب ابو علي الشيباني ؟
-
الشخصية العراقية والعنف ....وعيٌ ملتبس ! ( 3 )
-
دماءٌ على الجسر ...
-
الشخصية العراقية والعنف .... وعيٌ ملتبس ! (2 )
-
الشخصية العراقية والعنف.... وعيٌ ملتبس ! ( 1 )
-
الغبيّ الذي فقد ظله
-
خياطون .....
-
الديمقراطية الليبرالية والشعبوية وهواة شراء البضائع الستوك .
...
-
بين جيفارا وباتيستا ....بين تشومبي ولومومبا .....
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|