أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - قدح شاي














المزيد.....

قدح شاي


عبير حسن العاني

الحوار المتمدن-العدد: 1441 - 2006 / 1 / 25 - 06:08
المحور: الادب والفن
    


أمضيت تلك الليلة أفكر بجدية بأصعب قرار في حياتي. وكان دافع الفرار مزيجا من فعل حقيقي ناتج عن قناعة تامة بالتواصل مع الحياة ومحاولة ((إيجادها)) أولا!! ورد فعل تجاه أزمات خاصة وتفسخ عام في كل شيء..
وحين استيقظت، كان القرار قد حُسِمَ واكتملت تفاصيله التي بدأت تنتظر التنفيذ.
هيأت طعام الفطور لوالدي، والشاي الذي هو أهم فقرات فطوره وكل فقرات فطوري!
كان والدي كئيبا ذلك الصباح ربما لان حدسه كان ينتظر حدثا سيئا. وبدأ بتناول فطوره، وحال إكماله اللقمة الأولى بصعوبة قال:
- لا أملك شهية للطعام وكأن هنالك شيئا ما يغلق فتحة المريء. أريد شايا فقط.
صببتُ له الشاي ولي أيضا، وكنت ما أزال أفكر بطريقة لأبدأ معه حواري، ولم أشعر يوما بعجزي عن إيجاد وسيلة ما للحوار الا تلك اللحظات، ليس لعدم مقدرتي على استحضار المفردات ، بل لأنني كنت أحاول تقليل ألمه قدر المستطاع.
بدأت اكلمه عن(واقعيات) مؤلمة يعرفها لأتدرج الى النقطة التي أبتغي الوصول اليها، ثم عن معاناتي كفتاة في هذا الزمن الحرج.. وكان هو يكلمني عن نضاله السياسي وعن أول مظاهرة خرج بها ضد الإنكليز حين كان عمره عشر سنوات وكيف بكى أثناء مراسيم رفع العلم العراقي حين تكلم مدير المدرسة بسوء عن العرب، فصرخ بأعلى صوته امام الجميع(( أنا لا أسمح لك يا أستاذ، فالعرب هم أفضل شعوب الأرض)) واعتذر له المدير ضاحكا بسخرية وحاول تهدئته ومسح له دموعه بيديه بتعجب.
كان أبي لا يزال هناك.. مع أحداث ثورة مايس و 14 تموز وحرب تشرين..
كنت أشعر بأنه كلما أراد أن يبكي وهو يتذكر أمرا ما، بادر بشرب الشاي كي يخفي دموع، كان لا يرغب في الإقرار بنزولها!
ثمّ تكلّم عن ذكرياته مع أمي الراحلة.. وكيف تحملت أعباء ومشقة حياة ليست بالعادية، وكيف كان منتسبو الأمن يعاملونها أثناء تفتيش المنزل للبحث عن منشورات وكتب او لغرض استعراض امكاناتهم((الرجولية)) في تحطيم أثاث منزلنا البسيط. وكم كانت قوية كالجبل حين قالت إنها على استعداد لأن تضحي بأعز ما تملك بابنتها الوحيدة من أجل مباديء آمنت بها برغم محدودية ثقافتها.
وكان يرغب بالحديث أكثر عن تفاصيل أهم، لكن قدح الشاي لم يسعفه فقبل ان يصل الى فمه كانت الدموع تتساقط بغزارة.
لقد زاد ذلك من حيرتي ، فحالة أبي النفسية كانت سيئة ذلك الصباح ولم أره من قبل بهذا الحزن فكيف ان أبلغته بقراري؟!
ولكني لم أستطع الانتظار أكثر وربما في لحظة أنانية صارحته كي انهي صراعي المؤلم، فقلت له بهدوء وأنا اطرق نظري للأسفل في قدح الشاي الممتليء:
- أبي.. قررتُ ان أسافر!
لم يُبدِ والدي أي رد فعل واضح- كعادته- ولكني استطعت ان أستقرئ أبجدية تجاعيده التي تغيرت فجأة!
وبعد دقائق صمت كانت أطول من دهر قال:
- والوطن؟
كان وقع الكلمة كالصاعقة.. فاجأني بالمفردة التي تخدش كل مشاعري لتصل الى لب أعماقي بسهولة متناهية.
لم اعرف بماذا أجيبه، وأخيرا استجمعتُ قواي وتكلمت:
- الوطن يبقى هنا(وأشرت الى قلبي).. ومن شدة حبي له سأرحل، لأنني لن أحتمل ان أراه وجراحه تنزف وأنا عاجزة عن تقديم أي شيء له..
- لن تحتملي فراقه يا ابنتي.. أنا أعرفك. ولكن الخيار لك وأنت تستطيعين تقدير الأمور.
ثمَّ نهض وفي يده قدح الشاي، وجلس على كرسيه الخاص المطل على حديقتنا الصغيرة.. الذي اعتاد أن يمارس كل طقوسه من عليه.. سماع الأخبار.. تأمل الطبيعة والسفر الى الماضي الحقيقي.. والحنين لرائحة أمي العبقة..
سحبَ مسبحته من على المنضدة.. وبدأ بالعد.. عد الأيام الأليمة والخيبات والأصدقاء الراحلين..
نظرتُ اليه من بعيد.. وبكيت. شعرتُ بالغربة قبل رحيلي.. وارتشفت آخر رشفة من قدح الشاي ومعها حبة هيل صغيرة مستقرة في قاعه وتساءلت(( هل هناك ألذ من شاي الصباح مع صوت أبي وحبة الهيل ورائحة أمي التي ما تزال تعطر كل الفضاءات؟!)).

عبير حسن العاني
بغداد – 2004



#عبير_حسن_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمر.. حمراء.. حُمر !!


المزيد.....




- عائشة القذافي تخص روسيا بفعالية فنية -تجعل القلوب تنبض بشكل ...
- بوتين يتحدث عن أهمية السينما الهندية
- افتتاح مهرجان الموسيقى الروسية السادس في هنغاريا
- صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا ...
- -القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب ...
- ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - قدح شاي