أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - بلا ذكريات














المزيد.....


بلا ذكريات


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 5497 - 2017 / 4 / 20 - 13:27
المحور: الادب والفن
    


بلا ذكريات
محمد الذهبي
وقف بجانب الجدار المقابل لداره وراح يتأملها طابوقة طابوقة وهي تسقط منهارة بفعل ضربات الآلية التي استأجرها، كان يغتصب نفسه اغتصابا، سقطت دمعتان نهرهما باستحياء، ماذا تفعل هذه الحياة وماذا تريد من احدنا، انها تضرب على رؤوسنا كما تضرب هذه الآلية على الطابوق المنهار، كان يطرد الخيالات بكل اتجاه، يهرب منها بالحديث مع هذا وذاك، ولايتيح لنفسه ان يسرح بعيدا، ذلك الخرطوم الذي يضرب سقوفها يحطم اضلاعه بين آونة واخرى، الرحيل القسري لم يترك لديه اية حجة للمفاضلة، مافقده هنا كان كبيرا وجسيما، لم يعد يستطيع النوم، خصوصا حين يدور في غرفهم ويتصفح صورهم، وخيالاتهم عندما كانوا صغارا، كل طابوقة كانت حكاية تدمي القلب، اربعون عاما مضت الثلاثون الاولى كانت سعيدة الا من النزر اليسير، لكن الاعوام العشرة التالية قلبت له ظهر المجن، وقف ليرتاح بعد ان تخلص من البعض الذين يريدون المواساة، الدار عزيزة، لكنك رأيت العجب فيها، اشاح بوجهه وهو يردد:
قفره والهوه طيّر طنبها
مسحها امن الارض ماظل طنبها
لعب بيها الوكت لمن طنبها
وانه اوياها كضيت اشلون بيّه
اكثر ما المه السدرة الكبيرة التي كانت تظلل عليها، لقد زرعها والده، وتعهدها هو بالرعاية، اعترض على قصها وهو بعد في الدار، طلب ان ينتقل الى مكان آخر، ويجري قطع تلك السدرة العظيمة فيما بعد، الدار كانت تقف بقدرة قادر، كل شيء قد تحطم ، وكأنها تريد ان تفصح عن النهاية، في الايام الاخيرة التي زامنت بيعها بدت وكأنها تعترض، تقع طابوقة من هنا، وينكسر انبوب ماء هناك، تتهالك بسرعة كبيرة، لم يكن واهما، كان لابد من مغادرتها، لقد فقد الكثير، ولم تعد سوى شبح ، يجهد في انارتها من جديد، لكنه بمجرد ان يتذكر ابنيه، حتى ينهار بالبكاء امام شواخصها، الذكريات كثيرة ومتشعبة وفرصة الهروب محدودة جدا، كان يود ان يصرخ عاليا، وكذلك كان يود ان يكون اخوته معه، ربما البكاء معهم يخفف عنه الكثير، سمع حكاية الناقة كثيرا، وقرأ عن حنين النوق، واكتشف كيف تتثقب اكباد الابل، وصدق الامر، اود ان احدو كما يحدو راعي الابل، عسى ان يرجع القطيع يتجمع ثانية، وهيهات ان يجتمع:
انكطع يادار منج بعد وصلاي
وسلامي لهل ودي دوم وصلاي
قسم بالصوم ها يادار وصلاي
من اشوفج خاليه اتشب نار بيّه
قلب الحجارة مرات عديدة، كان ينتظر ان يرفع العاملون البلاط ليستنشق تربتها ويرحل، كيف لهؤلاء ان يغادروا وطنا باكمله، يالقساوة قلوبهم، لكن الامر متشابه، فالذي يفارق آلاف الكيلومترات، يشبه الى حد ما الذي يفارق مترا واحدا، الوطن كالابناء لايتميزون بالكبر والوسامة، كلهم سواسية، أي متر من العراق، يعني العراق باكمله، لن ابقى اكثر، سيقتلني الحزن، لقد ذهب عمر اولاٍ، ثم تبعه علي، اسمان كان يفتخر انه بعيد بهما عن الطائفية، لكن غادره الاثنان، اتجه بوجهه نحو جاره الذي اغرقت عينيه الدموع، ( تعرف عمر كان طبيبا ناجحا، حتى مدير المستشفى قال انه سيصبح من افضل الاطباء، اما علي فيسمونه في وزارة النفط علي الذكي، فقد كان مهندسا بمعنى الكلمة)، دائما كانا يقرآن، لم يلتزما بالكتب المنهجية، كانا ( رفعة راس)، نشج الاثنان نشيجاً خجولا، واختفيا عن اعين العاملين، هنا بهذه الغرفة الصغيرة، كانوا ينامون جميعهم، وبذات الغرفة احرزا معدلات عالية، ادخلتهم الطب والهندسة، في زمن الدراسة الحقيقية، يالخسارتي الكبيرة والفادحة، مسح دموعه، واتجه نحو العاملين، انه بيت قديم، نعم هذا ماخرجت به من خدمة تجاوزت الاربعين عاما في دوائر الدولة، فتح كيسا لديه ، وضع حفنة من تراب الارض فيه، وغادر مسرعاً.




#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حزن معدان
- موت في السوق الميّت
- هيّه كوّه
- رجل المطر
- هكذا تبدأ النجوم رحلتها بكف عاشق
- قانون العشائر وقانون البراءتليهْ
- رائحة التظاهرات ورائحة القهوة
- صانع الاحذية
- سائق الكيّا
- ذهول القديس
- الحصان الاعمى
- الحمقى لايرقصون
- سليمهْ
- في الثورة
- الدور الثالث ضربة قاضية للتعليم في العراق
- عيد في العراق
- البحث عن صلاة الفجر
- الجثث لم تقل شيئاً
- الرجل الكلب
- خربها ابن الكلب


المزيد.....




- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
- الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو ...
- -ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان ...
- تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال ...
- جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - بلا ذكريات