|
إضراب الأسرى الفلسطينيين، المعنى والدور المطلوب
عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني
(Abdel Ghani Salameh)
الحوار المتمدن-العدد: 5495 - 2017 / 4 / 18 - 11:49
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
في السجن؛ حيث يُزجَّ بالأسير في جوف كتلة إسمنتية صمّاء، تحيطها القضبان والأسلاك الشائكة، يصير الوقت بطيئًا وثقيلا، والهواء مشبعا بطعم الملح، تفوح منه رائحة البرودة والخوف والانتظار المشوب بالقلق، وحيث يمزق صمتَ الليل أصواتُ المعذبين وآهاتهم، حين تهوي عليهم سياط البعد عن الأحباب، وتكوي جلودَهم نداءات أشواقهم المخنوقة، وتفترسهم أحلام التحرر وصور العالم الخارجي، حيث تنسكب أيامهم تباعا، ببطء وألم.. وتُسفك بدم بارد، شهرا بعد شهر، وسنة تلو أخرى.. يعيشونها برتابة مضنية على بصيص أمل وحيد؛ يوقدون جذوته كل صباح: التحرر..
وحسب مركز الأسرى للدراسات، يوجد ما يزيد عن 7000 أسير في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، يعانون من أوضاع بالغة الصعوبة، حيث تراجعت إدارة السجون عن كثير من المنجزات التي حققها الأسرى سابقا، وفرضت عليهم مزيدا من القوانين التعسفية التي تتعارض مع إتفاقية جنيف، وتفتقر لأبسط معاني الإنسانية، مثل منع الزيارات، العزل الانفرادي، الإعتقال الإداري، حملات التفتيش الاستفزازية واقتحامات الغرف ليلا، سوء الطعام كما ونوعا، النقل الجماعى، ظروف الاعتقال التى تفتقر للحد الأدنى من شروط الحياة الآدمية، الإهمال الطبى..
ولذلك؛ وبعد فشل وسائل الحوار والضغط الأخرى؛ وبعد مشاورات معمقة بين قيادات الحركة الأسيرة، سيخوض نحو 4500 أسير فلسطيني بقيادة "مروان البرغوثي" إضرابا مفتوحا عن الطعام.. للمطالبة بجملة من الحقوق الأساسية التي تكفلها القوانين الدولية لأي أسير..
والإضرابات أحد أهم الأشكال الكفاحية التي تعتمدها الحركة الأسيرة، والتي استطاعت بفضل تضحياتها الجسيمة تحسين ظروف الأسرى وانتزاع العديد من حقوقهم المشروعة، فبعد أن كان ممنوعا عليهم إسناد ظهورهم إلى الحائط طيلة النهار، وكانوا محرومين من أبسط الحاجات الإنسانية، حققوا بفضل الإضرابات منجزات بالغة الأهمية، مكّنتهم من الصمود.. ومع ذلك تظل ظروف الأسرى صعبة وقاسية، ودليلا على وحشية وعنصرية الاحتلال، سيما إذا قارناها بظروف السجناء الإسرائيليين، الذين يتمتعون بمزايا كثيرة، منها الزواج، وزياره أهاليهم، واقتناء تلفزيون...
وقد بدأ هذا الشكل النضالي القاسي والصعب عام (1969) في إضراب سجن الرملة، ثم تلاه 25 إضرابا جماعيا كان آخرها في (2012)، وأشهر تلك الإضرابات إضراب سجن عسقلان (1970) والذي استشهد فيه "عبد القادر أبو الفحم"، ثم إضراب سجن نفحة (1980) الذي استشهد فيه "راسم حلاوة" و"علي الجعفري" ثم إضراب سجن جنيد (1984) الذي استشهد فيه "محمود فريتخ".
ولهؤلاء الأسرى الأبطال حقٌ علينا؛ أن نتضامن معهم بكافة الأشكال المتاحة، أن نذكرهم باستمرار، ونتخيل شكل حياتهم، ونشعر بمعاناتهم.. لأنهم شهداؤنا الأحياء، وضميرنا الوطني، ورمز عدالة وأخلاقية نضالنا.. الذين ما زالوا في خندق الاشتباك المتقدم، يقارعون الاحتلال بإرادتهم وصدورهم العارية..
وقد أختير يوم البدء بالإضراب ليأتي متزامناً مع "يوم الأسير الفلسطيني"، وفي ذلك دلالات رمزية كبيرة، فهذا اليوم، يعيد تذكيرنا كل سنة، وتذكير العالم بأسره، بأن قضية الأسرى الفلسطينيين هي قضية الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وهي من بين أهم القضايا الإنسانية والسياسية والقانونية، التي تجاوزت كل حدود المعاناة، وتضعنا جميعا (شعبا، ومنظمات حقوقية ومؤسسات مدنية وفصائل وقيادة سياسية) أمام مسؤولياتنا الوطنية والأخلاقية تجاه الأسرى..
وإذا كان متوقعا، كما جرت العادة، أن يُحدِث الإضراب ضجة إعلامية كبيرة محليا وخارجيا، وأن تنطلق سلسلة من الفعاليات الشعبية لمساندة الأسرى، وإظهار تضامننا معهم، فإنه في حقيقة الأمر أنما نتضامن مع أنفسنا أولاً؛ فقضية الأسرى هي قضية الشعب والمجتمع الفلسطيني برمته، إذْ أصابت عمليات الاعتقال المجتمع الفلسطيني بكل تكويناته، ويكاد لا يوجد بيت فلسطيني إلا واعتقل أحد من أبنائه أو بناته. وحسب إحصاءات لمراكز متخصصة، فإن نحو ثلث الشعب الفلسطيني دخل السجون على مدار سنين الصراع الطويلة مع الاحتلال، حيث يقدر عدد حالات الاعتقال منذ عام 1948 بنحو 800.000 حالة، في واحدة من أكبر عمليات الاعتقال التي شهدها التاريخ المعاصر.
ومن المتوقع أن يكون الإضراب الحالي أكبر الإضرابات الجماعية للحركة الأسيرة، وستسوده روح الوحدة الوطنية.. وعادة تلقى إضرابات الأسرى تعاطفا كبيرا من الشارع الفلسطيني، وخروج الشبان إلى نقاط التماس مع قوات الاحتلال، واشتداد حدة المواجهات الجماعية الشعبية، لذلك، سيشكل الإضراب رافعة جديدة للكفاح الفلسطيني، قد تصل إلى انتفاضة شعبية، تعيد الحالة الفلسطينية إلى حيث يجب أن تكون: في موقع الاشتباك مع الاحتلال، بحيث تخرج القوة الشعبية من القمقم التي حشرت فيه في مرحلة سلبية شهدت حالة من الضعف والتراجع.. وتعيد أيضا حركة فتح، إلى موقع الصدارة والريادة في قيادة الكفاح الفلسطيني، ذلك الموقع التي تربعت عليه عقود طويلة، والذي تزعزع بعض الشيء في العقد الأخير، بعد سلسلة من الإخفاقات والأزمات الداخلية، وتراجع الروح الكفاحية في صفوف الحركة..
وإذا استخدمت إسرائيل الأسرى ورقة ضغط ومساومة وابتزاز للفلسطينيين، فإنها فرصة للقيادة، لقلب المعادلة، والبدء بحملة إعلامية ودبلوماسية مكثفة لفضح صورة إسرائيل وكشف ممارساتها التعسفية، وطرح قضية الأسرى بمعزل عن قضايا الحل النهائي..
وتاريخ الحركة الوطنية الأسيرة كان وما زال عاملاً مؤثراً في تاريخ الثورة الفلسطينية، رغم ما تكبده الشعب الفلسطيني بشرائحه المختلفة من ويلات السجون والاعتقال، وطالما كانت السجون أحد أهم روافد الكفاح الفلسطيني، تمده بالكوادر والقيادات من جهة، وتلهب الروح الشعبية، وتنعش انتفاضاته بالدماء من جهة أخرى.. فقضية الأسرى والكفاح الوطني ترتبطان بشكل عضوي بالتطلع إلى الحرية، والحياة الإنسانية وإلى المستقبل..
أخيرا، ولمن يزعم أن "مروان البرغوثي" أراد الإضراب لتلميع صورته، نقول لهم: مروان ليس بحاجة لتلميع.. مروان قائد شعبي حقيقي، وقد مضى على أسره أكثر من خمسة عشر عاما، وسبقها خمس سنوات أخرى.. يعني أمضى ثلث حياته في الأسر.. وجل حياته في النضال.. وهو اليوم يمارس دوره الطبيعي في القيادة.. والبطولة..
وبغض النظر عن امتناع بعض الفصائل عن المشاركة في الإضراب، لنترفع عن الخلافات الحزبية، ولننطلق إلى أوسع مساندة شعبية لإضراب الكرامة: معركة الحرية التي يخوضها الأسرى بأمعائهم الخاوية، بإضرابهم المفتوح عن الطعام.
#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)
Abdel_Ghani_Salameh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في وثيقة حماس
-
تهجير المسيحيين العرب
-
حبر الشمس
-
حماس، وقبائل الزولو
-
المقدس عند نقابة الفنانين الأردنيين
-
ماذا يعني حل الدولة الواحدة؟
-
إدارة التوحش.. وبرنامج داعش العملي
-
المسيحية الصهيونية
-
مؤامرات شيطانية
-
هجوم على الشيعة
-
مظاهر الأبارتهايد في السياسات الإسرائيلية - دراسة بحثية
-
عن التغير المناخي، مرة أخرى
-
لنرحم الطفولة
-
صور من التخلف التعليمي
-
داعش، مرت من هنا
-
رحلة الحياة .. البدايات، والنهايات..
-
الموصل.. المعركة الأشرس والأخطر
-
المرأة والرجل.. ورد الاعتبار
-
المجاهدون الأجانب
-
هيلاري، الحرب والأنوثة
المزيد.....
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|