أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عبد اللطيف - -في هذه الايام..-، لغابريل غارسيا ماركيز














المزيد.....

-في هذه الايام..-، لغابريل غارسيا ماركيز


سعدي عبد اللطيف

الحوار المتمدن-العدد: 5489 - 2017 / 4 / 12 - 00:46
المحور: الادب والفن
    


"في هذه الايام.."، لغابريل غارسيا ماركيز

قصة: غابريل غارسيا ماركيز ترجمة :سعدي عبد اللطيف

بزغ فجر يوم الاثنين دافئا خاليا من المطر. طبيب الاسنان أوريليو اسكوفار استيقظ مبكرا تماما على عادته، وافتتح عيادته في السادسة. اخرج من علبة زجاجية أسنانا صناعية يغلفها الجص، ثم وضع على الطاولة كومة من ادوات رتبها حسب الحجم كما لو انها للعرض. كان أوريليو يرتدي قميصا مقلما بدون ياقة، ينتهي عند الرقبة بزر ذهبي، اما البنطال فمرفوع بحمالات.. يبدو معه الطبيب منتصب القامة، ونحيفا ذا نظرة لا تتطابق الا نادرا مع مهنته، اذ هي تشبه الطريقة التي ينظر بها الطرشان.

بعد ان رتب الأشياء على الطاولة، سحب أوريليو آلة حفر وتوجه نحو الكرسي الذي يجلس المرضى عليه عادة، وبدأ يجلو الاسنان الصناعية. لم يكن عمله يوحي انه يفكر بما هو يقوم به، غير انه كان يعمل بمثابرة، يضخ الهواء في الة الحفر، حتى ان لم تكن هناك حاجة لذلك.
بعد الثامنة، توقف برهة لينظر الى السماء عبر النافذة، فرأى صقرين ذاهلين على رافدة البيت المجاور يجففان انفسهما تحت الشمس. استمر في عمله فيما تشغل ذهنه فكرة انها ستعاود المطر ثانية قبل الغداء. صوت حاد، صدر عن ابنه الصغير البالغ احدى عشرة سنة من العمر، وضع حدا لتركيزه.
- "بابا"..
- "ماذا؟".
- "يريد العمدة معرفة ما اذا كنت ستخلع سنه".
- "قل له اني لست هنا".

كان أوريليو يجلو سنّا ذهبيا. امسك به على مدى الذراع. وتفحصه بعينين نصف مغلقتين. وثانية صرخ ابنه من غرفة الانتظار الصغيرة.

- "يقول العمدة انك موجود، فهو يستطيع سماع صوتك".

استمر الطبيب يتفحص السن. وعندما وضعه على الطاولة كعمل ناجز قال: - "كلما جلوته اكثر كان افضل".

شغل الة الحفر ثانية، واخذ بضع قطع من جسر اسنان موضوع في صندوق كرتوني حيث ابقى الاشياء التي ماتزال تنتظر دورها، وبدأ يجلو الذهب.
- "بابا".
- "ماذا؟".

لم يتغير من سيمائه اي شئ حتى الان.
- "يقول العمدة انك اذا لم تخلع سنه، فسيقتلك رميا بالرصاص".

دون عجلة، وبحركة هادئة للغاية، توقف عن ضخ الدواء في آلة الحفر، ونقلها بعيدا عن الكرسي وسحب الدرج الاسفل للمنضدة بكامله الى الخارج. تحسس المسدس هناك.
- "حسن، قل له ان يجيء ويطلق الرصاص!".

دحرج الكرسي، فتوقف مقابل الباب، فيما استقرت يده على حافة الدرج. أطل العمدة عند الباب. كان الجانب الايسر من خده حليقا، اما الجانب الآخر، فقد كان منتفخا، تكسوه لحية لم تحلق منذ خمسة ايام. تطلع الطبيب الى العمدة فرأى في عينيه الباهتتين اياما عديدة من الجزع، فأغلق الدرج بأطراف أصابعه وقال برقة : "اجلس".

فعل العمدة ذلك وهو يقول "صباح الخير".
اجاب الطبيب "عمت صباحا".

فيما كانت الادوات تغلي، اسند العمدة جمجمته على مسند الرأس فأحس بأرتياح. انفاسه كانت باردة الى حد بعيد. بدت عيادة الطبيب بائسة، كرسي خشبي، وآلة للحفر، وعلبة زجاجية مع قناني خزفية. وكان يوجد مقابل الكرسي نافذة، ذات ستارة، بارتفاع الكتف، عندما احس العمدة باقتراب أوريليو، ثبت عقبيه على الارض وفتح فمه.

ادار الطبيب رأس المريض بأتجاه الضوء، وبعد ان عاين السن المصاب، اغلق فك العمدة بأصابعه التي كانت تضغط بحذر.

قال الطبيب : "يجب قلعه بدون استعمال المخدر".
- "لماذا؟".
- "لأن فيه خراجا".

حملق العمدة في عين الطبيب، وقال محاولا ان يبتسم: "حسن". لم يقابله أوريليو بالمثل. بعد ذلك جلب حوض الادوات المعقمة الى طاولة العمل، واخرجها من الماء مع زوج ملاقط باردة. قام بكل ذلك بدون عجلة ايضا. دفع المبصقة بطرف حذائه وذهب ليغسل يديه في حوض الغسل. فعل الطبيب كل ذلك دون ان يلقي نظرة على العمدة الذي لم يحول عنه عينيه طول الوقت.

كان على أوريليو ان يخلع سن العقل السفلي، فأطبق عليه بكلاب حاد بعد ان باعد ما بين قدميه. تشبث العمدة بيدي الكرسي وثبت قدميه بكل ما اوتي من قوة، وشعر بألم رهيب في كليتيه لكن لم يند عنه اي صوت. حرك الطبيب رسغه فقط بلا حقد وبرقة تملؤها المرارة ثم قال:
- "الان يقتص منك رجالنا العشرون الذين ماتوا".

شعر العمدة ان عظامه تنطحن في فكه، فأمتلأت عيناه بالدموع. ولم يعب نفسا حتى أحس ان السن قد خلع وشاهده خلال الدموع. وبدا السن امامه دخيلا تماما على اوجاعه بحيث عجز ان يفهم اسباب عذابه في الليالي الخمس الماضية.
انحنى على المبصقة، وهو يلهث ويتصبب عرقا، ثم فك أزرار سترته القصيرة الضيقة، وتوصل الى اخراج منديله من جيب بنطاله. ناوله الطبيب قطعة قماش نظيفة قائلا: "امسح دموعك".

قام العمدة بذلك وهو يرتجف، وعندما كان أوريليو يغسل يديه، رأى السقف الذي يهيل ترابا وبيت العنكبوت المغبر مع البيوض والحشرات الميتة. وقال الطبيب وهو يجفف يديه: "اذهب ونم وتغرغر بالماء المالح".

وقف العمدة وقال وداعا، وأدى تحية عسكرية غير نظامية ثم سار باتجاه الباب وهو يمط ساقيه دون ان يزرر سترته.
- "ابعث قائمة بالحساب".. قال العمدة.
- "ابعثها على عنوانك ام على عنوان المدينة"..



#سعدي_عبد_اللطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دراسة عن الشاعر الكبير عزيز السماوي في جامعة مانجستر
- الضحك والحرية لميخائيل باختين
- في هذه الايام - لغابريل غارسيا ماركيز
- الكتاب العربي ضيف شرف دائم في معرض لندن الدولي للكتاب
- مسرحيات تاريخية تسلط الضوء على عبقرية شكسبير
- الماركسية والتفكيكية
- ما علاقة ميشيل فوكو بالثورة الإيرانية؟
- قتيبة الجنابي، شاعر الصورة الفنية بطريقته
- مسرحية -حفلة عيد الميلاد- بعد خمسة وخمسين عاما
- -مأتم الأم الكبيرة- لغابريل غارسيا ماركيز
- البرابرة
- رياض رمزي : نعي مثقف حي تم تأجيل موته عدة مرات
- أنطون تشيخوف والحب والحياة في دراسة لروزاموند بارتلت * / الق ...
- أنطون تشيخوف والحب والحياة في دراسة لروزاموند بارتلت * / الق ...
- أنطون تشيخوف والحب والحياة في دراسة لروزاموند بارتلت * / الق ...
- مئوية صالح الكويتي
- افضل شعراء في اللغة الانجليزية في القرن العشرين
- معرض تشيكلي روسي في لندن ولوحات لبيكاسو و سيزان و غوغان
- هارولد بنتر، الغائب الكبير في الفن المسرحي البريطاني
- ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد ا ...


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عبد اللطيف - -في هذه الايام..-، لغابريل غارسيا ماركيز