|
تجليات الرمز وتشكيل النصوص بالكلمة
احمد الباسوسي
الحوار المتمدن-العدد: 5487 - 2017 / 4 / 10 - 00:07
المحور:
الادب والفن
تجليات الرمز وتشكيل النصوص بالكلمة عند حسن الجوخ قراءة في مجموعته القصصية "الجدة حميدة" في مجموعته القصصية " الجدة حميدة" الصادرة عن سلسلة الكتاب الفضي التي يصدرها نادي القصة 2001 تستطيع بسهولة أن تتعرف على عالم الكاتب حسن الجوخ، المنحدر من أصول ريفية هيمنت على مقدرات خياله وتفكيره وعقله الباطن أيضا. والكتاب بجانب احتوائه على عدد ثمانية قصص قصيرة يتضمن اهداء يعكس بجلاء شخصية الكاتب في بساطته، وشغفه بالماضي، واصدقاء الصبى وأهالي كفر عزام وكذلك ملهمة هذا العمل المتميز "الجدة حميدة". إن بساطة الكاتب المدهشة في عكس عالمه الداخلي في سياق لوحات سردية بسيطة، عميقة، سابرة للغور المركب المعقد رغم بساطة واقع الأحداث، وكذلك شخصياته، وحتى حبكته الدرامية، إنما تترك غصة لايتمكن القلب من التخلص منها بسهولة فور انتهائه من قراءة نصوصها. والكاتب يثق فيما يكتب بوضوح، ويعلم ما الذي يريده بوضوح أيضا. خلال قصص المجموعة الثمانية يمكنك بسهولة استكشاف تفرده وتمايزه في آن واحد. من السهل ان تتعرف على عالمه، ومفرداته الأثيرة في نص أدبي حتى من دون توقيعه أن يكون ممهورا بتوقيعه. فهو يكتب القصة من منظور فلاح حقيقي، يعايش الواقع ويكابده، وليس من منظور أحدهم عاش في الريف مدة زمنية ثم انتقل الى المدينة يكتب عن بؤساء الريف بينما يبسط جهاز التكييف هواءه البارد المنعش في أارجاء غرفته محكمة الغلق. إن المحاور المركزية التي تهيمن على مقدرات فكر وقلم الكاتب وعقله الباطن أيضا بسيطة ومدهشة، يمكن اختزالها على النحو التالي: اولا: إنشغاله بعالم القرية، وهموم التفاصيل الدقيقة، وهؤلاء الأبطال المساكين المهمشين الساعين لمجرد طلب حق الحياة لاأكثر، كما في قصص المجموعة باستثناء القصة الأخيرة "سفر الروح" التي تتميز بتجربة خاصة مختلفة في الشكل وفي المصمون ايضا، وسنعرض لها لاحقا. ثانيا: استخدامه الخاص لمفردات سردية تناسب البيئة المحلية مسرح الأحداث والحكي. وجرأة المغامرة في تدوال مفردات غير معتادة الإستخدام في النصوص السردية، لكنها تلائم السياق وتتطابق معه مثل " لبدت تحت جناحها،ص12، الدحديرة ص14، قدام دار محمد..ص15، شفتها،ص16، يبشبش ص17، شافها ص20،(الجدة حميدة)، افتكر ص28، (موسى الغريب)، يحطها في السيالة، ص29(موسى الغريب) بص على بهائمه ص28(موسى الغريب)، تحط في عينيها الكحل، ص29(موسى الغريب)....الخ. ثالثا: توحد الأبطال وبيئة الحكي عموما بما هو موروث من تراث وتقاليد هيمنت على روح النصوص، فالجدة حميدة تحولت الى اسطورة يتردد صداها بين السنة اهل القرية عقب اختفائها الغامض. واحتفاء أهل القرية الفقراء بيوم شم النسيم على طريقة اجدادهم القدماء، قبل أن يثور موسى الغريب على المحتفين في النهر انتقاما لغرق ولده الوحيد، ويمسك برقبة بياع البيض الذي يعتقد إنه تسبب في غرق ابنه ويضيعا معا في النهر مثلما ضاع ولده. وفي قصة الجورة يكون هناك صدى للتراث من خلال تلك الأغاني التي قهر بها الأنفار الفقراء بؤسهم وايامهم القاسية في موسم نقاوة الدود " وطلعنا الجبل، يوحه. ننقي سبل،يوحه. سبل مالقينا، يوحه. وشاهين ما مات،يوحه. خلف بنات،يوحه....الخ.ص48. رابعا: لم ينشغل الكاتب بأهمية تشييد حبكة درامية تقليدية تلازم كل قصة من قصص المجموعة قدر انشغاله بتأسيس لوحات سردية محبوكة الشكل، وبناء بيئة درامية تتصارع فيها صور الأبطال مع بيئتهم وتراثهم بطريقة مدهشة في هدوئها واتزانها، وعبقريتها أيضا. كما استخدامه للرمز ومدلولاته في بنائه الدرامي يبدو متسقا الى حد بعيد مع الصورة البسيطة التي نحتها من مفردات البيئة البسيطة، ففي قصة الجدة حميدة نتابع هذه السيدة الفقيرة منتوفة الجذور، وهي تخوض في شوارع القرية وازقتها، تستلب حب الجميع، وتملك مستودع اسرار الشباب والبنات، ثم ينهار بيتها وتختفى، وتتحول الى اسطورة يمكن مصادفتها في كل مكان. والمعنى الرمزي الذي اراد الكاتب ادراكه ربما إن الحب والجدية والعطاء قيم لايمكن ان تموت، وقد تصادفها في كل مكان. وفي قصة موسى الغريب ينشغل الكاتب بنفس فكرة الشخص منتوف الجذور الذي يتحول باجتهاده وعصاميته الى تاجر كبير يتزوج ابنة العمدة وينجب ولدا وحيدا يغرق في النهر ليلة الاحتفال بشم النسيم، ويتحول لديه الحزن الى حالة مستعصية من اضطراب التفكير، واتهاما للشخص الذي حاول انقاذ ولده إنه قاتله. وفي نفس الوقت من السنة ينفجر كل شيء داخله، ويمسك برقبة بائع البيض الفتى المتهم ويغرق معه في نفس مكان غرق ولده منذ سنوات. واستخدام الرمز هنا لايختلف كثيرا عن استخدامه في القصة السابقة، كأنه أراد ان يؤكد على قيمة الجذور لدى الانسان، وإن من ليس له جذور مصيره العدم او الغرق، فأهالي القرية ظلوا ينادون على موسى بأنه موسى الغريب على الرغم من عمره الذي أمضاه في القرية، وثرائه وما منحه للقرية من عطايا ومساهمات في المسجد والوحدة الصحية. لكن يبدو إن الطبيعة العنصرية متجذرة بقوة في نفوس هؤلاء البسطاء الذي لايتقبلون الغرباء، ويبدو إن ذلك كان سر احتجاج موسى وثورته ليس على بائع البيض الذي تسبب في قتل ولده فقط ، بل على القرية كلها حيث نزل ضربا بالفرقلة على ظهورهم العارية. وفي قصة الجورة استعراض تشكيلي بالكلمة لموسم جمع لطع القطن في القرية، والتصارع هنا بين العلم والاستغلال المفرط لجهود الفقراء، وحاجة هؤلاء الفقراء للمال من أجل العيش، وتكون الشائعات سلاح الفقراء ضد الظلم والجبروت، تظل الشائعات تتواتر بين حين وآخر تكشف عن مدى الانحدار الأخلاقي لمعاوني العمدة، وكذلك عن فساد وظلم العمدة واولاده الذي يمثلون الطبقة الحاكمة في القرية، وهنا اسقاط رمزي واضح الدلالة عما يعانيه الفقراء والمتعلمين من جراء الفساد والظلم بصفة عامة. وفي قصة البطل يخرج الكاتب من القرية ويعود اليها مرة أخرى من خلال ذلك الشاب الريفي الحاصل على وسام في الحرب بطريق الخطأ، هنا يبرع الكاتب في تصوير الخلجات الداخلية لهذا الشاب أثناء عودته الى البلدة في القطار يوم تقلده الوسام، توتر وقلق، واضطراب وأخيرا خوف من الحقيقة، أو خوف من إعلان الحقيقة. وأثناء احتفال اهل القرية به في محطة القطار حيث نزل تصارعت في رأسه كل هذه المشاعر والاضطرابات التي لم يتمكن أحد من أهل القرية في اصطيادها. ولم يكن مدهشا إن الشاب لم يكن مستعدا على أن يجرؤ على اعلان انه لايستحق هذا الوسام لإنه قضى فترة الحرب داخل مخبأه وإن هناك الكثيرون لم يحتموا بالمخابئ وماتوا ابطالا. لكن الأكثر مبعث على الدهشة إن الكاتب نفسه لم يجرؤ على البوح الصريح بأن هذا الشاب حصل على شيء لايستحقه، اكتفى بالتلميح، وكأنه اراد من ذلك ان يعلن رغم حساسية الموقف إن من حاربوا فعلا لم يحصدوا ثمار الحرب، بل حصد الثمار اولئك الذين اختبأو وتجنبوا ويلاتها، وهذا ما حصل فعلا. والكاتب نجح بمنتهى العبقرية في ايصال هذه الرسالة الى قارئه. وفي قصة حنين التي تختلف في الشكل والمضمون عن بقية قصص المجموعة نستمتع بصدى تجربة خاصة ومتميزة للكاتب، مناجاة على الطريقة الصوفية، تختفي فيها القرية والشخوص والدراما لصالح نص يحمل لغة الشعر، ومناجاة لحبيب رحل عن واقع حبيبه لكن تفاصيله دائما تنادي وتفيض في المكان بالنور والحنان والحب. إنه نص استعرض فيه الكاتب قدرته على سبر غور النفس البشرية بشفافية، وقدرته ايضا على البوح بصوت هامس جميل يفيض بالحب والروعة.
#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سائق الحافلة
-
أفهم (قصة قصيرة)
-
الكمساري (قصة قصيرة)
-
طلعت رضوان والسباحة ضد التيار
-
دراما رمضان 2016 وسياق متحي للثورات
-
رجل المقشة
-
رحلة السيدة العجوز
-
الأشباح تقتل في الظلام (قصة قصيرة)
-
البيت العتيق
-
صائد الذباب
-
قلق اجتماعي واضطرابات انشقاقية وجسدنة (المنزل المشئوم)
-
الانتكاسة والانهيار بعد العلاج /استغاثة قبل الخروج
-
آليات الدفاع النفسية ونظرية في الادمان وعلاجه
-
فتاة لا تغطي شعرها
-
اضطراب قطبي من النوع المسكوت عنه (الطبيبة الحائرة)
-
مزاج اكتئابي واحتراق نفسي
-
كيف تحمي مؤخرتك
-
- البدون - الحائر
-
العجوز والحرب (قصة قصيرة)
-
ممنوع عليك غلق باب الحمام
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|