رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5467 - 2017 / 3 / 21 - 10:42
المحور:
الادب والفن
الأدوات العادية والتألق في قصيدة
"هذه الكأس"
عبود الجابري
ليس بالضرورة استخدام كلمات جميلة والفاظ بليغة لتكون القصيدة متألقة، فيمكن للشاعر أن يتعاطى مع كلمات عادية ويقدم صور/مشاهد يمكن لأي فينا أن يصيغها، لكن من الصعب علينا أن نقدم كل هذه الادوات العادية والمتواضعة بشكل متألق، مبهر، وهنا تكمن أهمية الشعراء، فالأدوات والعناصر/المادة الخام متوفرة، لكن ليس باستطاعتنا نحن العاديين أن نشكل منها لوحة شعرية، الشاعر "عبود الجابري" يقدم لنا قصيدة من أروع القصائد مستخدما مواد عادية، "ملقى على قارعة الطريق" ويقدمها لنا بشكل مذهل، ممتع، وكأنه أرادنا أن نتأكد بأنه شاعر متألق حتى عندما تكون أدواته/ مواده متواضعة.
يكمن ابداع الشاعر عندما جعل مفردات قصيدته متعلقة ب "الكأس" وبما يوضع فيه وبما يمكن أن يحدث له، فنجد هذه المتعلقات حاضرة في القصيدة: "فارغة، يطوح بها سكران، يسقطها طفل، تيبست شفاهنا، كأس شاردة، قنينة نبذ، نهر، بركة، اثاث بيتي، ليست لأحد، مقبرة زجاجية" هذه الالفاظ والمقاطع، تشير إلى تركيز الشاعر على ادواته/مفرداته/فكرته، فكلها متعلقة بالكأس، ومن خلالها يأخذنا إلى النهر، إلى البركة غير السوية، المختلقة غصبا من الأعداء، كل هذه المشاهد تم صياغتها بأدوات وصور عادية، لكننا إذا نظرنا إليها مجتمعة، بشكلها الكلي، نجدها مذهلة.
قلنا في موضع غير هذا هناك أعمال بحاجة إلى تفكيك حتى ندخل إلى جماليتها، وهناك أعمال إذا ما فككت نقضي على جماليتها، وهذه القصيدة من تلك التي لا يمكننا أن نفككها، لأنها كل متكامل، لهذا نقدمها للقارئ كما جاءت على صفحة الشاعر:
" هذه الكأس ليستْ لي
مادامت فارغة
وهي بالتأكيد ليست لكِ
لذلك لن نكترثَ
حين يطوِّحُ بها سكرانٌ
أو يسقطُها طفلٌ عن الطاولة
فلمْ نكن ننظرُ إليها بلهفة
حين تيبَّستْ شفاهنا
أو شفاه أطفالنا
كأسٌ شاردة
من قنّينةِ نبيذٍ فارغة
وربَّما من نهرٍ حوّل الأعداء مجراه
إلى بركة أناخوا قربَها جمالَهم
واشاروا إلى جواميسهم
كي تسبح قرب شريعته
وهي على أيَّةِ حال ليستْ لأحد
فلماذا يعدُّها البعضُ من أثاث بيتي
حين يبصرون ملامح القناعة على وجهي
، مادام قلبها لا يتَّسعُ
لتغدو مقبرةً زجاجية
حين افكر بالموت ؟
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟