أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - الإمتحان الشفاهي















المزيد.....

الإمتحان الشفاهي


عبدالله البقالي

الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


هاهو يكسب نصف جولة و ينجح في اجتياز الإمتحان الكتابي في انتظار أن يخسر الجولة بكاملها
في كل السباقات التي خاضها ، كان دائما ذلك المتسابق الدؤوب لكنه بعد أن يقطع عشرات الأميال كان يفاجأ دوما بأن الإشارات مصرة على مغالطته . كل الشواهد التي نالها وجدها لا تصلح سوى لتغطية الثقوب و التصدعات التي تشكو منها جدران غرفته . لكن هاهو الآن ربما يجمل التأشيرة التي ستسمح له بمغادرة الحلقة المفرغة التي ظل أسيرها .
دفتر من فئة أربعة و عشرين صفحة ضمت سير أهم رواد الأدب الفرنسي . و أفكارا عامة عن أهم مميزات بعض المدارس الأدبية . لم يكن يعرف ما سيفعله لولا مساعدة ذلك الأستاذ . فخبرته العلمية بدت بلا جدوى و لا نفع
حل يوم الإمتحان . دخل القاعة . حاول أن يعطي انطباعا إيجابيا عنه من خلال مظهره . لم يجلس إلا حين طلب منه ذلك . تطلع إليه الممتحن ثم سأله بلغة فرنسية رشيقة : هيا عرفنا بنفسك .
حاول أن يكسب صوته طابع الثقة و الإتزان ثم أجاب : الفقير عبد الغني من مواليد بني وليد 1970
صمت الممتحن مدة ثم قال : أهذا كل شيء ؟ ... بالمناسبة لماذا لا يذكر جل المغاربة يوم مولدهم و يكتفون فقط بذكر السنة ؟
لم يتوقع عبد الغني سؤالا كهذا ووجد نفسه بعيدا عن دفتره السحري فرد متلعثما : أعتقد أن المرء حين يجد أن حياته لا قيمة لها ، ماذا يجديه أنذاك ذكر تاريخ بدايتها ؟ بل ماذا سيضيف هذا أو ينقص ؟
ــ لكن هذا أمر غريب بالنسبة لنا . فهذا اليوم مهم بالنسبة لنا لحد أننا نخصص لها عيدا كل سنة
ــ ربما يرجع ذلك إلى موقف المجتمع من الإنسان كقيمة
ــ طيب ، دعنا من هذا الآن ، هل تقرأ الكتب ؟
أحس عبد الغني بالفرحة وهو يحس أنه صار قريبا من صفحات الدفتر الذي يحفظه عن ظهر قلب و أجاب : بغزارة يا أستاذ
ــ حين تكون في مكتبة ما ، ما الذي يجعلك تختار كتابا دون آخر ؟
أحس عبد الغني أن الممتحن قد نحا بعيدا عن الدفتر . فكر لحظة ثم قال : أشياء كثيرة ليس أقلها أن أحس و أنا أقرأ الكتاب أني أحلق في فضاءات حرة لا أحتاج فيها إلى جواز سفر أو تأشيرة .
ــ وما هي أقاصي تلك الحدود ؟
فكر عبد الغني لحظة ثم أجاب مستفسرا الممتحن : هل قرأت قصة عنزة السيد "سوغان" ؟
رد الممتحن بحماس واضح : جميل ...ا أظن أن كل من مر بالمدرسة في الخمسينيات و ما بعدها لا بد أن يكون قد قرأ هذه القصة الرائعة . لكن لماذا ؟
ــ أتذكر حين فرت العنزة إلى الجبل و أطلت منه على بيت السيد سوغان ؟
ــ نعم . لقد بدا لها بيت السيد سوغان صغيرا جدا لحد أنها بدأت تتساءل كيف كانت تدخله
ــ هل تعتقد أن العنزة كانت مخطئة فيما ذهبت إليه ؟
ــ وهل في ذلك شك ؟
ــ ما رأيك إن أكدت لك العكس ؟
ــ هذا غير ممكن ...أ
ــ طيب . العنزة كانت في بيت السيد سوغان مربوطة بحبل . وحين كانت تتحرك فهي كانت ترسم دائرة . كم قطر هذه الدائرة يا ترى ؟ عشرون مترا ؟ أربعون ؟ خمسون مترا ؟ . الآن وهي في الجبل قد صارت حرة . ومعنى ذلك أن المعمور بامتداده هو ملك لها ، إذن إن قارنا فضاءها الجديد مع ذلك الذي كانت تتحرك فيه ألن يبدو الأخير أصغر مما بدا لها ؟
ــ آه ... من هذه الناحية فتحليلك أجده منطقيا . لكن ما علاقة هذا بما كنا نتحدث عنه من قبل ؟.
ــ أنا أريد أن أقول أني عشت مسارا معاكسا لذلك الذي سارت فيه العنزة . فهي انتقلت من فضاء ضيق إلى فضاء واسع ، وأنا انتقلت من فضاء واسع إلى فضاء ضيق
صمت الممتحن مدة ثم قال : صراحة أنا لم أفهم قصدك
ــ ببساطة يا سيدي حين كنت و أقراني على المقاعد في المدرسة ، كنا نعتقد أن مسؤوليات جسام تنتظرنا في المستقبل ، و أننا مطالبون برفع شأن هذا الوطن . من خلال تطوير الإقتصاد و رفع مستوى التعليم وغير ذلك . لكن بعد تخرجنا ضاق ذلك الأفق و ضاق ، وتركز كل تفكيرنا حول نقطة بسيطة ما كان يجب أن تكون هي المشكل الذي يجب أن نعاني منها
ــ هل لي أن اعرف هذه النقطة ؟
ــ إيجاد مصدر للعيش . وهكذا إن كنت أنت مختارا حين فضلت القدوم إلى هنا من أجل امتحاننا و كان أمامك خيارات أخرى غير هذه ، فأنا لم يكن أمامي أي خيار آخر
تأمل الممتحن وجه عبد الغني في صمت ، ثم قال مستفسرا : هل يضايقك وجودي هنا ؟
ارتبك عبد الغني قليلا ثم قال : لا ... ليس كليا .
ــ ما الأمر إذن ؟
ــ حين كنت صغيرا لم أعرف ماذا كان يعجبني في الأجانب أمثالك . هل احترامهم لبعضهم ؟ هل هي طريقة حياتهم ؟ هل هو التزامهم وجديتهم ؟ ... تصور أني كنت أتمنى لو كنت منهم .
قال الممتحن بانشراح واضح : ولما كبرت ؟
اختلط علي الأمر . ففي الوقت الذي لا زلت أقدر فيهم بعض الأشياء ، صرت أدرك أنهم مساهمون بقسط وافر فيما نعيشه الأن -
ــ وهل لا زلت تتمنى أن تكون واحدا منهم ؟
قال عبد الغني بتلقائية : لا ... لقد تغيرت الأمنية
ــ ماذا صارت ؟
ــ أن أجلس أنا حيث تجلس أنت ، و أن تجلس أنت حيث أجلس أنا . وعوض أن تسألني عن ألبير كامي و إميل زولا ، أسالك عن ابن خلدون و سيدي قدور العلمي . ألست الآن في بيتي ؟
امتقع وجه الممتحن فجأة ، ونظر إلى عبد الغني و كأنه لا يصدق ما يسمعه . أزاح نظارته عن عينيه وقال بازدراء واضح : أمؤهل أنت لبلوغ هذا ؟
أحس عبد الغني أن الأمر قد نحا به بعيدا . ومتأخرا حاول أن يستدرك الأمر فقال : عذرا أستاذ . أنا لم أقصد الإساءة إليك . على العكس من ذلك أنا كنت فرحا جدا حين علمت أنك أنت من سيشرف على الإمتحان لأنك قادم من بلاد الآفاق الواسعة و الأفكار الحرة
قاطعه الممتحن بلهجة صارمة : أسمعت سؤالي ؟ هل أنت مؤهل لامتحاني ؟
أخس عبد الغني أن النتيجة قد حسمت ، و أن كبراءه في الميزان فقال : طيب . ألم تقل في البدء أن العنزة كانت على خطأ ؟
ــ بلى
ــ ألم توافقني في الأخير على أنها كانت على صواب ؟
ــ بلى
ــ من الذي جعلك تغير رأيك ؟
رد الممتحن بتعال : أنا لم أغير رأيي ، أنا فقط وافقت أن أنظر للأمر من الزاوية التي نظرت أنت منها . وفي مسائل من هذا النوع لسنا مضطرين لاستعمال مقياس موحد
وقف عبد الغني و قال بأسى : فعلا أنتم لا تقسيون الأشياء بقياس موحد . ولطالما تمنينا أن تقيسونا بالمقياس الذي تقيسون به أنفسكم ولو مرة واحدة . ثم اتجه نحو الباب و عين الممتحن تلاحقه



#عبدالله_البقالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقر وغنى
- قصة قصيرة: حفلات و أزمات
- الجحيم الأن
- من هزم غيوم .الحياة أم الأحياء؟
- حزيران مرة أخرى


المزيد.....




- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله البقالي - الإمتحان الشفاهي