|
.. لكن هل يجوز أن تكون الرئيسة مطّلقة .. وعلمانية؟!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1435 - 2006 / 1 / 19 - 07:51
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
فى وقت واحد تقريباً .. حققت سيدتان انجازاً تاريخياً. الأولى هى السيدة إيلين جونسون سيرليف التى أصبحت رئيسة ليبيريا، وأول رئيسة فى قارة أفريقيا بأسرها. والثانية هى السيدة ميشيل باشليه التى أصبحت رئيسة شيلى، وأول رئيسة فى القارة الأمريكية كلها. وهناك اختلافات شديدة بين السيدتين، على الأقل من زاوية العلاقة مع الإدارة الأمريكية. فالأولى تمتعت بتأييد أمريكى قوى، ظهرت تجلياته فى حفل تنصيب إيلين سيرليف فى الهواء الطلق بالقرب من شاطئ العاصمة الليبيرية منروفيا، الذى ربضت قبالته سفينتان حربيتان أمريكيتان. كما كانت سيدة أمريكا الأولى ، لورا بوش ووزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، فى مقدمة المشاركين فى هذا الاحتفال التاريخى، جنبا إلى جنب مع شخصيات عالمية بارزة من الشرق والغرب، بينها الوزيرة الفرنسية لشئون التعاون والتنمية الفرنكفونية بريجيت جيراردين، ووزير الخارجية الصينى لى تشاو شينج ، والرئيس النيجيرى أو لوسيجون أوباسانجو. اما الثانية .. فيربطها بالإدارة الأمريكية ود مفقود وفتور فى العلاقات. ليس فقط لأنها مرشحة "اليسار"، وإنما أيضاً لأن والدها الجنرال، الذى كان من اخلص أنصار الرئيس سلفادور الليندى مات تحت وطأة التعذيب على أيدى قادة انقلاب أوجستو بينوشيه. وهو الانقلاب الذى تم بدعم أمريكى للإطاحة بالرئيس الاشتراكى المنتخب ديموقراطيا فى سبعينيات القرن الماضى سلفادور الليندى. كما أنها هى أيضاً قد تعرضت للتعذيب فى الفترة العصيبة من تاريخ شيلى. فضلاً عن أن الخطوط العريضة لتوجهاتها السياسية ليست متطابقة مع الأجندة الأمريكية. لكن رغم هذا الاختلافات بين أول رئيسة فى أفريقيا وأول رئيسة فى أمريكا الجنوبية، يبقى القاسم المشترك الأعظم هو أن الناخبين فى البلدين قد تحدوا تقاليد المجتمعات الذكورية التى دأبت على تهميش دور المرأة والتحقير من شأنها، وأعطوا ثقتهم – فى الحالتين – لامرأة. وكان الانجاز فى حالة رئيسة شيلى مضاعفاً، لأن السيدة ميشيل باشليه، البالغة من العمر 54 عاماً، والتى عملت طبيبة أطفال ووزيرة صحة ثم وزيرة دفاع فى الحكومة الاشتراكية السابقة، مطّلقة أيضاً. وقد حاولت الحملة الانتخابية لخصمها اليمينى التركيز على هذه المسألة، كما لو كانت جرحاً يمكن إضعافها بالضغط عليه. فضلاً عن الهجوم عليها من زاوية أنها "علمانية" أيضاً فى تلك الدولة التى تشكل فيها الكاثوليكية قوة روحية طاغية! بيد أن الناخبين فى ليبيريا الأفريقية وشيلى الأمريكية اللاتينية وجهوا ضربة موجعة لتلك التقاليد البالية، وهذه المفاهيم الرجعية. وهذه مسألة يجب أن نتوقف أمامها وأن نتأملها من أكثر من زاوية. الزاوية الأولى هى أن الديموقراطية لا يمكن اختزالها فى التوجه إلى صناديق الاقتراع، بل إنها عملية أشمل من ذلك وتغذيها روافد متعددة. من بينها رافد توسيع نطاق "المشاركة" التى لا يمكن أن تكتمل فى ظل تهميش المرأة. ومن بينها رافد التساند الوظيفى بين الديموقراطية والعلمانية، بما تفرضه هذه الأخيرة من فصل بين الدين والدولة ووقف الخلط بين السياسة والدين. ومن بينها رافد مؤسسات الحرية وشتى منظمات المجتمع المدنى والأهلى التى لم يعد ممكنا تصور حياة ديموقراطية فى ظل تقييدها أو وضع أقفال من حديد على أفواهها. والزاوية الثانية هى أنه من المخجل أن يحدث هذا فى دولة أفريقية ربما لا يعرف الكثيرون من المصريين موقعها على الخريطة الأفريقية، وفى دولة أمريكية لاتينية لا يعرف معظمنا شيئاً عنها سوى إسمها، بينما مصر التى لا نتوقف عن التشدق بحضارتها وعراقة تاريخها مازالت غارقة حتى أذنيها فى الجدل السقيم حول ما اذا كان خروج المرأة من بيتها حلال أم حرام، وما إذا كان عملها بدون استئذان زوجها جائز أم غير جائز، وما اذا كان خلع الزوجة لملابسها فى اللحظات الحميمة مع زوجها مباح أم مبطل لعقد الزواج، وما اذا كان الرجل المسلم من حقه الاستمتاع بالجوارى والمحظيات غير الكتابيات، وما إذا كان الحجاب فرضاً ام اختيارياً، وما إذا كانت مصافحة المرأة للرجل ممكنة أم مكروهة، وما إذا كان "صوت" المرأة عورة .. فما بالك بصوتها الانتخابى؟! لذلك .. وبصراحة مطلقة .. فإننى بقدر ما فرحت لنجاح السيدة إيلين جونسون سيرليف فى الوصول إلى مقعد الرئاسة فى ليبيريا الأفريقية، ونجاح السيدة ميشيل باشليه، بقدر ما أحسست بالخجل من حالنا، ومن تخلفنا الشديد المصحوب بدرجة عالية من الغوغائية والافتتان غير المبرر بالذات. ولا أظن أننا يمكن أن نتوقع إنجازاً ديموقراطياً من خلال صناديق الاقتراع فى غيبة مؤسسات الحرية وبمعزل عن تحرير المرأة وتحرير العقول من تركة ثقيلة من الخزعبلات والخرافات والتفاهات التى تتناقض حتى مع ما ألفناه من قبل من طبيعة شعبنا المتحضرة، والتى تعرضت فى السنوات الأخيرة للتشوه. وبدلاً من الثرثرة الفارغة .. أدعو "هوانم" منظماتنا النسائية إلى دراسة تجربة الانتخابات الليبرلية والشيلية، وتأمل هذه التجربة ، والوقوف أمام تفاصيلها بتواضع من أجل التعليم واستخلاص العبر. وهى دعوة أيضاً لأحزابنا السياسية غير الدينية التى تكلست وفقدت القدرة على كسب ثقة الناس أو إثارة خيالهم وتحريك طاقاتهم الكامنة من أجل التغيير. مبروك لشعب ليبيريا وقارة أفريقيا بفوز السيدة إيلين جونسون سيرليف، وهنيئاً لشعب شيلى وقارة أمريكا بانتصار السيدة ميشيل باشليه .. رغم أنها مطلقة وعلمانية !! وعقبالنا.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النخب العربية فى مواجهة تحديات تجديد الدماء
-
رئيس تحرير تحت الطلب
-
أربع ساعات مع رئيس الحكومة !
-
شجرة الأرز اللبنانية .. وغابة أشجار الصبار العربية
-
حتى لا نكون نحن والزمن وعنصرية الغرب ضد السودانيين
-
تعالوا نتفاءل.. علي سبيل التغيير
-
من يشعل فتيل القنبلة النوبية؟
-
لماذا خطاب »الوقاحة«؟
-
أشياء ترفع ضغط الدم!
-
كمال الابراشى .. والسادات .. والسفير الإسرائيلي!
-
برلمان الهراوات والعمائم!
-
أخيراً.. جامعة في أرض الفيروز
-
هل الأزهر فوق القانون ؟!
-
احتفال -تحت الأرض- لجماعة -الأخوان-!
-
فقر العرب!
-
نريد المعرفة.. والحرية
-
أطاح بالملك فاروق .. وهزمه إخوانى -فرز ثالث-
-
-الاخوان- و-الأمريكان-
-
المواطنة.. لا تعني مساواة المسيحيين بالمسلمين
-
من الذي حول -طحينة- البحر الأبيض إلى -خل أسود-؟!
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|