|
العرّاب خدام : تغيير المواقع
سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1434 - 2006 / 1 / 18 - 07:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقدر ما أثار تقرير القاضي الألماني ديتليف ميليس الثاني ارتياح الشارع الشعبي السوري والمؤسسة السياسية بكل أطيافها ، فقد جاء انقلاب نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام على سوريا ، ليعيد خلط الأوراق ويدفع بها إلى المربع الأول إعلاميا وسياسيا ، من خلال وضع سوريا في بؤرة الاتهام المباشر . ويكتسي هذا الاتهام أهمية استثنائية كونه يأتي من أحد صنّاع القرار في سوريا على مدى ثلاثة عقود ونصف ، ومن الرجل الذي أمسك بالملف اللبناني طيلة عقود ، شكل خلالها القناة الوحيدة لصناعة القرار السياسي في لبنان ، وبما حمل ذلك في ثناياه من جوانب اقتصادية وأمنية تركت تأثيراتها على مجمل الحياة اللبنانية ، لقد كان خدام عرّاب الحالة السياسية اللبنانية لأكثر من ثلاثين عاما ويزيد بامتياز . ولا يمكن النظر والحال هذه إلى حديث خدام بمعزل عن المشهد السياسي الإقليمي والدولي في مجمله ،ذلك لأنه يأتي في توقيت مدروس بعناية ، بعد أن ثبتت " صناعة " شهود الإثبات السوريين في المطبخ اللبناني المناوئ لسوريا ، ومن ثم تراجعهم عن شهاداتهم لأسباب مختلفة ، مما تسبب في انهيار أركان أساسية من " نظرية اتهام سوريا " ابتداء ، وهو ما جعل من قصر خدام في باريس محجا للاستخبارات الفرنسية والأمريكية والموساد الصهيوني وأيضا مخابرات أحد الدول العربية حسب صحيفة يديعوت أحرونوت. وعليه إذا كان تراجع شاهد الإثبات السوري هسام هسام قد مثّل ضربة في الصميم بالمعنى القانوني والسياسي والأخلاقي لتقرير ميليس في حينه ، لأن المحقق الألماني قد بنى نظريته الوحيدة في الاتهام ضد سوريا بناء على تلك الشهادة ، فإن دخول نائب الرئيس السوري السابق وأحد صنّاع القرار في سوريا والذي كان يمسك بمفتاح لبنان في يده كشاهد إثبات في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني ، لحري به أن يضع الشعب السوري والنظام السياسي في سوريا في أشد حالات الخطر، بمعزل عن صدقية ما يقوله خدام من عدمه . ومن ثم فإن من شأن الاجتماعات السرية التي عقدها ميليس مع خدام في باريس حسب صحيفة هآرتس أن تلقي الضوء على الجهات العديدة التي عملت على تهيئة المسرح لخدام ليقول ما قاله في الزمان والمكان المحددين ، ليكون هذا المستوى الرفيع في هرم السلطة في سوريا والذي يمثله خدام هو الرد الفعلي الصاعق على تهافت الشهود الذين جرى " إنتاجهم " في لبنان ، خاصة وأن خدام بحكم موقعة ومسؤولياته السابقة ، سيذهب بالاتهام وبخلاف الشهود الآخرين في نظرية ميليس الاتهامية إلى رأس السلطة السياسية مباشرة ، متجاوزا الحلقات السياسية والعسكرية والأمنية الأخرى، على اعتبار أن ذلك من الممكن أن يشكل انقلابا دراماتيكيا في مجرى التحقيق من شأنه أن يعيد ترتيب أوراق المشهد السوري اللبناني بشكل يخدم نظرية وزيرة الخارجية الأمريكية " الفوضى الخلاّقة " . ليس هذا فحسب بل إن خدام بموازاة ذلك قد وجه إصبع الاتهام إضافة إلى من شملهم تقرير ميليس من القادة الأمنيين اللبنانيين رموزا سياسية لبنانية وطنية وقومية من المستوى الأول سنية وشيعية ومارونية محسوبة على سوريا ليضعها في موقع الدفاع عن النفس بدلا من الوقوف مع سوريا من أجل إجلاء الحقيقة. لقد فعلها خدام وساهم في خلق لوحة مشهدية سياسية منح من خلالها مزيدا من أوراق الضغط إلى صانع القرار الأمريكي تفوق كل ما كان متوقعا ، وهي هدية تم تجهيزها في مطبخ أكثر من جهة استخباراتية قدمها نائب الرئيس السوري السابق إلى المحقق البلجيكي الذي سيخلف القاضي الألماني الذي ذهب ضحية تحيزه وعدم مهنيته التي كشفها شهوده الوهميون رغم مكابرته بالحديث عكس ذلك . وعلى ضوء ذلك فإن الحكمة تتطلب أن تعالج سوريا موضوع خدام بعيدا عن منطق ولغة الثأر الشخصي ، بل بتلافي كل الآثار السلبية التي تركها انتقاله إلى الخندق الآخر بالتأكيد على أن سوريا أيضا وأكثر من غيرها تريد الحقيقة عبر منهج قانوني مهني ، لأن الحقيقة بالضرورة ليست في جعبة الحاوي خدام ، لأنه ليس من النزاهة الفكرية والأخلاقية أن يقذف خدام بكل الموبقات التي هي أصلا فيه الآن ، بعد أن انتقل إلى معسكر أعداء سوريا ، في حين أنه كان يجب أن يحاسب هو وغيره من الفاسدين قبل ذلك بكثير عندما زكمت رائحة فسادهم الأنوف . ومع ذلك يجب أن يكون واضحا أن أحد استهدافات حديث خدام هو إثارة الذعر في الأوساط الشعبية السورية من خلال الشعور بانعدام اليقين والثقة بالنفس ، بخلق حالة من الشك في قدرة النظام على الصمود ومواجهة هذا الكم من التآمر الإقليمي والدولي ، بعد أن طال الاتهام مباشرة رأس السلطة ووزير الخارجية وسط حملة مدروسة تقوم بها وسائط إعلام مرئية ومسموعة ومكتوبة إقليمية ودولية تستهدف سوريا وتتناغم مع الضغط والترويج الصهيوني الذي يحاول بث سيناريوهات قاتمة لمستقبل سوريا . وهو من جانب آخر يساهم في تسعير التناقض بين فريق من اللبنانيين وسوريا لقطع الطريق على أي محاولة لتخفيف ذلك الاحتقان الذي حاولت الجامعة العربية أن تقوم به ورفضته تلك الأطراف اللبنانية ، إضافة إلى أن خدام قد جهد على نقل وتسعير هذا التناقض إلى الحالة اللبنانية رأسيا وأفقيا وليشمل كل الطوائف لتعود أجواء الاحتقان الداخلي لتخيم على سماء لبنان معيدة إلى الأذهان أجواء الحرب الأهلية التي طحنت لبنان في السبعينات من القرن الماضي . ومع ذلك فإن معطيات العقل والحكمة تقتضي معالجة موضوع التحقيق في مقتل الحريري بعيدا عن ردات الفعل ، بل بالسعي من أجل كشف الحقيقة ، لأن الحقيقة هي من سيخدم سوريا ، رغم أن بعض اللاعبين الدوليين لا يبحثون عن الحقيقة بقدر ما يبحثون عن تصفية الحساب مع سوريا لدورها الممانع للهيمنة الأمريكية ، ومن هنا فإن التعامل بعقلانية وثبات وبما يحفظ السيادة والكرامة ويعلي من شأن الحقيقة من شأنه أن يعزز موقف سوريا وأصدقاء سوريا والأمة العربية في مواجهة التغول الأمريكي الذي يعتبر أن القانون والعدل هو حيث تكون المصلحة الأمريكية ليس إلا . عندها يمكن لسوريا أن تثق أن كل جماهير الأمة العربية وأحرار العالم تقف إلى جانبها ، وسيكون الموقع الطبيعي لأي " خدام "هو مع من خانوا أمتهم وشعوبهم .
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفوضى والفلتان : فتح تعاقب فتح
-
فتح وحماس : - الذات - بين الخوف والتضخيم
-
فتح وحماس : -الذات - بين الخوف والتضخيم
-
حماس : بين مصداقية الفعل والقول
-
دموع شارون والقطعان : وحملة العلاقات العامة
-
الخروج من الجغرافيا : على طريق الخروج من التاريخ
-
الإرهاب الصهيوني : يوحد المشهد الفلسطيني
-
ما أروعكم ياأطفال وطني
-
خطاب الجماعات الإسلامية : بين الواقع والمتخيل
-
الانكفاء من غزة : والفرح المؤجل ..
-
القوى الديمقراطية : ودور يبحث عمن يقوم به
-
حماس : والكلمة الأعلى
-
قضايا الحل النهائي : والسير معصوبي الأعين
-
حذار: من النفخ في شرارة الفتنة
-
حق العودة : وتصويب المفاهيم
-
فتح ـ حماس : وفخ ثنائية الاستقطاب
-
شجرة الفساد : من التقليم إلى الاجتثثاث
-
الكيان الصهيوني ـ موريتانيا : مَنّ يستخدم مَنّ ؟
-
ديمقراطية بوش : بئس المثل
-
يانواب التشريعي : الزمن دوَّار
المزيد.....
-
بيونسيه تتوج مسيرتها بجائزة طال انتظارها ونانسي عجرم تطوي صف
...
-
فرنسا: هل ينجو بايرو من حجب الثقة؟
-
أمريكا - إسرائيل: أي حدود للتحالف بين ترامب ونتنياهو؟
-
بعد تبرعه بـ 100 مليار دولار للأعمال الخيرية، هل يترك بيل غي
...
-
شتاينماير يطالب من الرياض بإطلاق الرهائن وبتطبيق حل الدولتين
...
-
-مازلت متعطشا-.. نوير مستمر في حراسة عرين بايرن ميونيخ
-
ترامب يعلن رغبة بلاده في الحصول على المعادن من أوكرانيا مقاب
...
-
-زومبي من أجناس متعددة-.. زاخاروفا تعلق على عدم قدرة أوروبا
...
-
رئيس البرلمان البولندي يدعو أوروبا لتقليص الاعتماد على الولا
...
-
بيسكوف: لا يوجد أي تقدم في عملية تنظيم لقاء بوتين وترامب
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|