|
رؤية في كتاب الاحزان ( أحببت إرهابيا )
مؤيد داود البصام
الحوار المتمدن-العدد: 5448 - 2017 / 3 / 2 - 12:07
المحور:
الادب والفن
رؤية في كتاب الإحزان.. ( أحببت إرهابيا ).. لريتا خان. - مؤيد داود البصام لم تجنس الكاتبة ريتا خان كتابها ( أحببت إرهابيا ). ولكن مثل هذا النوع من القص يصنف، قصة طويلة أكثر منه رواية، أنها تسرد عما حدث في مدينة الموصل بعد أن سيطر تنظيم داعش ما يسمى( الدولة الإسلامية )، على المدينة وإطرافها والقصة توضح الابعاد التي جرتها الاحداث منذ الغزو الامريكي لاحتلال العراق وما صاحب ذلك من اشكاليات غيرت الكثير من البنية الاجتماعية والاقتصادية والفكرية للشعب العراقي، وظهرت مستجدات لم تكن موجودة بل بعضها مستهجن في العرف والعادات العراقية، ولهذا تعتبر حكاية ريتا حبيب احدى الروايات التي تحمل صدق توجهها لتفسير ما حدث ويحدث، ونسمع القصة من قبل صوتين، بطلة الحدث مريم ويشاركها قيس الذي ترتبط معه بعلاقة حب، وكلاهما يسكن في احد إطراف مدينة الموصل، في قصبة تصفها مريم " تقع بلدتنا على الجبهة الشرقية من مدينة الموصل شمال العراق، هي مركز قضاء الحمدانية، احد الأقضية الخمس لمحافظة نينوى." وتسمى قره قوش، (الطائر الأسود ) كما سماها العثمانيون، وعادة ما تكون هذه المدن أكثر تحررا في العلاقات، وأكثر حميمية بين بعضهم البعض، وحتى في العلاقات العائلية، والشخصية المقابلة لريم في السرد قيس الذي هو مشروع فنان تشكيلي، طالب في كلية الفنون الجميلة في جامعة الموصل، وهي طالبة في كلية الحقوق، يقتل أخاها من قبل المتشددين الذين يدعون ممثلين للإسلام، ويقتل أخو قيس على أيدي المتطرفين الطائفيين ممن يدعون الإسلام أيضا ً، الذين يريدون فرض رأيهم وعقائدهم بالقوة، وكلا القتيلان برئ وليس له أي نشاط سياسي، أو حراك عرقي أو طائفي، وهي تختار حالتان متشابهتان وان اختلفت في التوجه والكيفية، ومن ديانتين الاسلام والمسيحية، وتترسخ علاقة الحب بين الطرفين لحين احتلال الموصل وقصباتها من قبل ( داعش ) لتكتشف مريم إن حبيبها، مسئول مجموعة في هذه الجماعة، وهو يقود المجموعة التي تعتقل المسيحين في البلدة، ومن خلال هذه الأثيمة البسيطة والمتكررة في علاقة الحب بين طرفين يعتنقان ديانتين مختلفتين، استطاعت الكاتبة ريتا من تقديم قصة ببناء متماسك، ورؤية واقعية تجوس قلب الحدث، وتتحكم بمتن الحكاية دون إن تتخلى عن جمالية السرد، استخدمت تقنية التضمين، والعودة للماضي لربطه بالحاضر، وتعدد الأصوات للسارد بتناوب السرد بينها وبين قيس، والحكاية تبدأ من لحظة دخول داعش مدينتهم واحتلالها حتى خروج مريم واهلها ألقسري من المدينة خلال 24 ساعة، استخدمت فيها الاسترجاع للحوادث والتذكر، والتضمين، وبهذا استطاعت إن تضعنا في قلب الحدث مع التشويق وملاحقة الاحداث، فقد كانت متمكنة من قدرتها السردية للسيطرة على المتن الحكائي، وبناء حبكة، لا تتخلخل بفعل الأفعال المباشرة للمتن، فمثل هذه القصص، كثيرا ما تقع بالمباشرة والخضوع للادلجة، لكنها هنا لم تتحول عن موضوعيتها، وقد ساعدها أنها اختارت الشخصية الرئيسية المقابلة ( قيس )، شخصية تتوفر فيها عدة محمولات مناقضة لما اختار إن يكون، وبهذا وضحت حقيقة كيف نجحت داعش في كسب الكثير ممن لا يؤمنون بها، ولكنهم أنظموا لها بدوافع شخصية، بعد أن ياسوا من استرداد حقوقهم بقوة الحل الاجتماعي او حل السلطة، وهذه المفارقة الغريبة قلما حدثت في شعوب أخرى إلا نادرا ً، إن ينتمي أشخاص لتنفيذ مهام تتعارض مع أفكارهم وتوجهاتهم الفكرية والاجتماعية من اجل الانتقام وليس كما هو معروف عن المرتزقة، أو تحصيل حقوقهم، فقيس يتخلى عن عالمه في الرسم والبحث عن قيم الجمال، ليأخذ بثأر أخيه الذي قتلته الهمجية الطائفية، ويمتهن القتل والإرهاب للحصول على ما لم يستطع الحصول عليه من مجتمع تشقق وفتت لحمته الاجتماعية، ومريم التي أحبت شخص مسلم تتخلى عنه في فترة مقتل أخاها، لان القتلة من دين حبيبها، وبهذا وضعتنا ريتا في مفارقة لتكشف عمق المأساة التي يعيشها العراقيون بعد احتلال بلدهم، على أيدي أمريكا التي قالت لهم سابني لكم دولة تكون محطة أنظار دول المنطقة، تجربة سيحتذي بها الجميع،( فيها تسود الديمقراطية، والمساواة، والحرية، وحقوق المرأة والطفل ) ولكن الذي حدث أنها فعلا تجربة أصبحت محط أنظار الجميع في عمق مأساة ما حل بالشعب العراقي وبالذات بالمرأة والطفل العراقي، ولكن ريتا تنحاز في النهاية لتجعل الحب هو الذي ينتصر على الرغم من البعد المأساوي الذي حملته المفارقة في علاقة الحبيبين، والتي تمثل مجمل معاناة العراقيين الذين يرفضون الطائفية والعرقية، ولكن القوى التي تريد تهديم العراق تفرض هذا الواقع بقوة السلاح من خلال داعش وتجار الطوائف وترسخ الجهل والتخلف في المجتمع الذي استغلته العديد من الاوساط لتستفيد في فرض سيطرتها على مقدرات الشعب العراقي، كانت كثيفة في جملها عميقة في طرحها، سهلة في لغتها، تتحرك بحرية بين الإحداث، وتشخص بموضوعية الإحداث، متمكنة من كشف دوافع ابطالها، وجاست في نفسياتهم، وأبعادهم الشخصية، وتركت لنا بصمة أن نفهم ما يدور في العراق، بعيدا عن الاعلام الذي هو مع ماساة الشعب العراقي او الذي ضده. تمكنت في اختيارها لشخصيات أعطتنا ابعاد الحراك الذي يدور في المجتمع الموصلي او العراقي، وكيفية معالجة قضية أختلف عليها الكثيرون، لماذا انظم قسم من الشباب الى تنظيم داعش مع كرههم لمبادئها وتوجهاتها؟ هذا السؤال المحير اجابت عنه ريتا عبر كشف المحنة التي وقع فيها العراقيين بين حكومة طائفية، وحركة تناهض هذه السلطة وتدعوا الى القضاء عليها. لتضع حقيقة ما يدور ضمن فهم لطبيعة المشكلة، ما بين الاحتلال وسلطة تنفذ اجندة الاحتلال للسيطرة على الشعب العراقي اجتماعيا واقتصاديا وفكريا، أنها بحق قصة الماساة التي يعيشها الانسان العراقي ومحنته التي اغلقت الابواب في وجهه ووضعته في حيرة وضياع.
#مؤيد_داود_البصام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-دوغ مان- يهيمن على شباك التذاكر وفيلم ميل غيبسون يتراجع
-
وسط مزاعم بالعنصرية وانتقادها للثقافة الإسلامية.. كارلا صوفي
...
-
الملك تشارلز يخرج عن التقاليد بفيلم وثائقي جديد ينقل رسالته
...
-
شائعات عن طرد كاني ويست وبيانكا سينسوري من حفل غرامي!
-
آداب المجالس.. كيف استقبل الخلفاء العباسيون ضيوفهم؟
-
هل أجبرها على التعري كما ولدتها أمها أمام الكاميرات؟.. أوامر
...
-
شباب كوبا يحتشدون في هافانا للاحتفال بثقافة الغرب المتوحش
-
لندن تحتفي برأس السنة القمرية بعروض راقصة وموسيقية حاشدة
-
وفاة بطلة مسلسل -لعبة الحبار- Squid Game بعد معاناة مع المرض
...
-
الفلسفة في خدمة الدراما.. استلهام أسطورة سيزيف بين كامو والس
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|