مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 1431 - 2006 / 1 / 15 - 09:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1-
- مع تزايد الضغوط الأمريكية على سوريا, والتي تسعى إلى إعادة تكييف السياسة السورية لتصبح متوافقة وداعمة لمشاريع الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط, والساعية إلى تفكيك سوريا. تأتي خطوة عبد الحليم خدام بالانشقاق عن السلطة, لتساهم في تفكيك السلطة المرتبكة أصلا تجاه الأزمات التي تواجهها.
ورغم أني لست من أنصار "نظرية المؤامرة ". إلا انه لا يمكن تفسير انشقاق /عبد الحليم خدام/ وتوقيت إعلانه بعيدا عن الاتفاق مع أمريكا وفرنسا. وربما مع أطراف لبنانية عربية أيضا. لأنه ليس من المعقول أن يقوم خدام, وهو الذي تشربت عظامه بالسلطة, وقام بتربية أولاده على النهب, والتسلط, بتقديم خدمة مجانية لأمريكا وغيرها بدون مقابل. وهذه الخدمة بدأها أولا, بتأكيده بأن الرئيس بشار هدد الحريري بالقتل. وهو يدرك أكثر من غيره بان توريط الرئيس شخصيا في اغتيال الحريري يعني نقل المسالة من مستوى بسيط ( أفراد) إلى مستوى أعلى (الرئاسة). وهذا لا يعني توريط الرئيس شخصيا فقط, بل توريط النظام ككل, وبالتالي توريط سوريا بالكامل. ليس لأن الرئيس مطابقا لسوريا الكل, بل إن توريط الرئيس سيشكل المدخل الفعلي والعملي للتدخل الأمريكي المباشر في سوريا. وان هذا التدخل لن يتوقف عند حدود السلطة فقط, بل سيشمل إعادة تكييف سوريا ككل, دولة ومؤسسات وشعب, على الطريقة العراقية. وبذلك يكون خدام قد انتقم من النظام الذي أبعده عن مواقع السلطة الفعلية التي كان يتمتع بها خلال مرحلة الأب ولأكثر من ثلاثين عاما, ورشح نفسه كبديل تبحث عنه أمريكا. و ما تسرب عن اجتماعات بين الحريري الابن وخدام والشهابي برعاية أمريكية فرنسية واتصالات أمريكية مع الإخوان المسلمين, خلال الأشهر الماضية, لا يشكل إلا جزءا يسيرا مما يجري في الخارج لتشكيل البديل الممكن, وخاصة بعد رؤية أمريكا أن شخصا مثل " الغادري " قد لا يكون مفيدا لها في المستقبل, بالمقارنة مع خدام أو الشهابي, وخاصة بعد تجربتها مع " الجلبي " في العراق.
- وكما افرز اغتيال الحريري واقعا جديدا لسوريا ولبنان. تمثل قي استغلال أمريكا لحادث الاغتيال للحد الأقصى ضد سوريا. فان انشقاق خدام يعتبر محطة هامة وخطيرة في مرحلة تفكك الاستبداد, والتي بدأت مع رحيل الأسد الأب. وسيحدث هذا الانشقاق آثارا هامة للغاية, وسيكون لها دورا هاما في تحديد ملامح مستقبل سوريا.
أولها: إن انشقاق خدام هو بحد ذاته مؤشرا هاما على التفكك الداخلي للنظام, وإلا فان خدام لن يقدم على مغامرة كهذه. فالصراع على السلطة داخل النظام, والذي لم يكن واضحا في السابق, دخل مرحلة جديدة مكشوفة سينكشف لاعبوها الرئيسيون في الفترة القريبة.
وثانيها: إن سلسلة الانشقاقات لن تتوقف عند خدام. وستكون خطوته مشجعة للعديد من الذين ينتظرون الفرصة للنجاة بأنفسهم, وتحضير أنفسهم للسلطة في المرحلة القادمة, سواء كانوا من الحرس القديم الذين تم إبعادهم عن القرار, أو الحرس الجديد. فهذا الانشقاق ليس سوى البداية. لكن هذه البداية هامة للغاية. وخاصة انه سيتم فتح العديد من ملفات الفساد والتآمر بين الذين حكموا البلد في العقود السابقة. وكل واحد يعرف أن ملفه جاهز للتنفيذ كما يحصل الآن مع خدام. وهذا لن يقتصر أثره على أبناء السلطة فقط. إنما سيعمل على اهتزاز هيبة السلطة أمام المجتمع, ويساهم إلى حد كبير, في كسر جدار الخوف الذي يمنع السوريين من التعبير عن رأيهم بحرية.
وثالثها: من يتأمل في رد السلطة يدرك إلى أي حد وصل البؤس السياسي عند مؤسسات السلطة ( كما ظهر في مجلس الشعب). حين ردد الجميع بلغة رجل الأمن, وليس لغة السياسة وبصوت واحد: خائن, اخرجوا له ملفاته, واحكموا عليه بالإعدام. حيث لم يتجرأ أحد على الدعوة إلى فتح كافة ملفات الفاسدين الذين نهبوا الوطن, وأذلوا الشعب, وما يزالون في السلطة, وينتظرون الفرصة للهروب إلى أمريكا. لم يتجرأ احد الرد على تصريح خدام: "من سيحاكمني سيجد نفسه في قفص الاتهام ". وعن صفقة الخليوي والنهب المنظم الجديد. والتفرد بالسلطة. لم يتجرأ أحد على الدعوة إلى مكافحة الفقر والبطالة, والحريات والديمقراطية كما حاول تسويقها خدام. مع أن الجميع يعرف أن خدام قام بالنهب, والقمع, والفساد, منذ الحركة التصحيحية وحتى تاريخ انشقاقه. وان تسويقه كمدافع عن الفقراء والديمقراطية والمصالحة الوطنية لن يقنع أحدا. أي مجلس يمثل الشعب هذا!
ولاشك أن الأيام القادمة صعبة بالنسبة لكل رموز النظام. فبالإضافة إلى لجنة التحقيق الدولية والتي كسبت شاهدا هاما ضد سوريا. يأتي الإرباك الداخلي ليجعل من الزوبعة داخل السلطة عاصفة للغاية. حيث ستزداد المراقبة والتجسس والقبضة الأمنية على رموز السلطة. وستتم تصفيات جديدة, وإقامة معادلات جديدة, في محاولة لسد أية ثغرات في المستقبل. وهذا كله سينعكس على المجتمع والمعارضة.
والمطلوب من الجميع أن يتحمل مسؤولياته في هذه المرحلة الخطيرة. ومازال أمام الرئيس فرصة كبيرة لتأسيس مشروعية وطنية حقيقية وإنقاذ الوطن من خطر الانهيار, والتفتت والتشرذم إلى طوائف واثنيات, وقطع الطريق على الذين يسعون إلى التفتيت الطائفي للوطن تحت المظلة الأمريكية. وان مشروعا كهذا لابد أن يستند إلى أسس أولية لابد منها:
- تأسيس مشروع حقيقي لمكافحة الفساد. ودعوة المجتمع إلى تأسيس جمعيات أهلية مدنية للمشاركة الفعلية في مشروع كهذا, وفتح كافة ملفات الفاسدين الذين نهبوا الوطن, بما فيهم رموز كبيرة مازالت في السلطة, وتقديمهم لمحاكمة علنية أمام المجتمع.
- إغلاق ملف الاعتقال السياسي, وإزالة طغيان الأجهزة الأمنية, وإطلاق حرية الرأي والتعبير, والحريات السياسية, وإصدار قانون للأحزاب ينظم الحياة السياسية من جديد.
إن إجراءات كهذه هي الرد الحقيقي على خدام ورفعت والغادري وغيرهم. وهي التي تمنعهم من العودة للسلطة باسم " الديمقراطية " على الطريقة الأمريكية.
إن الثقة بالمجتمع وضرورة المصالحة الوطنية الداخلية, هي المقدمة الضرورية لإنقاذ الوطن. وربما خطوة أولى على طريقة ملك المغرب بتشكيله "هيئة الإنصاف والمصالحة ", والاعتذار من المجتمع, ومواساة ضحايا العنف الذي مارسته الدولة في العقود السابقة, قد تفتح الباب أمام هذه المصالحة وتعيد الثقة المفقودة بين السلطة والمجتمع. وسيكتب التاريخ فيما إذا كانت السلطة ستتحمل مسؤولياتها, وتستفيد من الفرص الأخيرة المتاحة. أم ستكون المسؤولة رقم واحد عن الانهيار الذي يحدث للوطن.
-2-
كذلك إن انشقاق خدام سيضيف للمعارضة إشكالية جديدة. فهل يمكن أن تحضنه وتجعله زعيما للمعارضة الديمقراطية طالما عبرت في أكثر من مناسبة بان دعوتها مفتوحة لكل من يريد أن ينضم إليها من حزب البعث من اجل التغيير الديمقراطي؟ لكن هل يختلف خدام عن رفعت الأسد كمستبدين أذلوا الشعب ونهبوا ثرواته عبر العقود السابقة؟
والخطورة الجديدة هي بداية تشكل محور جديد استبدادي/طائفي مستندا إلى الضغط الأمريكي يسعى لان يكون البديل عن الاستبداد القديم, وباسم الديمقراطية! وليس مصادفة أن يكون أول المؤيدين لخدام: فريد الغادري الذي تم صنعه في البنتاغون الأمريكي, والإخوان المسلمين الذين يسعون إلى دولة إسلامية لا يمكن أن تكون بتركيبة سوريا الاجتماعية الراهنة إلا دولة طائفية, وغيرهم ممن سينضم لهذا الحلف الذي يسعى إلى السلطة ومكاسبها, وليذهب الوطن إلى الجحيم! إن الصراع الراهن على السلطة يذكرنا بالمآسي التي خلفها الصراع بين الإخوان/العراق, والسلطة في الثمانينات. ويجعلنا نتلمس خطر الصراع القادم الذي يدمر الوطن بدلا من إعادة بنائه.
ولأنه هناك فرق كبير بين صراع الطغاة على السلطة, والتغيير الديمقراطي الذي تدعو إليه المعارضة. لذلك على المعارضة تحمل مسؤولياتها, واستكمال مقومات هذا التغيير.
واهم هذه المقومات:
أولا: قيادة سياسية وطنية ديمقراطية
قادرة على تشكيل وقيادة تيار وطني ديمقراطي يضم أطياف المجتمع ومكوناته, وتعبيراته السياسية الديمقراطية المختلفة كافة. ويمتلك برنامجا سياسيا يجيب على استحقاقات الوطن .
ثانيا: حضور المجتمع
أن يكون هذا التيار ممتدا داخل المجتمع. حتى يكون تعبيرا حقيقيا عن المجتمع وليس متحدثا باسمه أو مدعيا تمثيله, كما هو حال العديد من الأحزاب السياسية التسلطية. لان التغيير الديمقراطي ليس انقلابا لأقلية ضد أقلية أخرى, أو طبقة ضد أخرى. أو أن حفنة من المثقفين الديمقراطيين يمكنها القيام بذلك. إنما هو تغيير بنيوي شامل في المجتمع وعلاقاته وثقافته. يرتكز على مصالحة وطنية بين كافة فئات وطبقات المجتمع المتناحرة, تستند على المساواة المواطنية أمام القانون, والى التوزيع العادل للثروة الوطنية. وان يؤدي إلى قيام مؤسسات دولة وطنية ديمقراطية تمثل الجميع ويقبل بها الجميع. وهذا لا يمكن أن يتم بدون هذا الجميع, أي المجتمع. لأنه إذا لم يكن هناك حامل اجتماعي للبرنامج السياسي الديمقراطي, فلن يكون هناك ديمقراطية مهما كانت الرغبات أو الادعاءات من قبل أي حزب سياسي بقدرته على القيام بذلك بمفرده. لأنه في النهاية الديمقراطية حالة كلية تعبر عن المجتمع(الكل), ولا يمكن أن ينجزها الجزء أو احد تعبيراته(الحزب), الذي يعتبر جزء من التعددية, والتي لا تقوم الديمقراطية بدونها. هذه التعددية التي تستند بالضرورة إلى المواطنة وليس إلى التعددية الطائفية, والتوافق الطائفي, كما هو الحال في لبنان والعراق.
ثالثا: تفكك السلطة/الاستبداد
ليس هناك مستبد في التاريخ تنازل بملء إرادته عن السلطة. إنما لابد من وجود قوى تجبره على ذلك. ويسبق رحيل الاستبداد تفكك في البنى الاجتماعية والسياسية والعسكرية التي يستند إليها. ولاشك أن هناك عوامل عديدة تقوم بذلك. منها داخل دائرة الاستبداد وما تحويه من صراعات على مراكز النفوذ, والثروة...الخ. بحيث يؤدي ذلك إلى خلخلة داخل الجسم الأصم الاستبدادي. ومنها بسبب القوى المناهضة التي تعمل على هذا التفكيك من خلال عملها السياسي والثقافي. بالإضافة إلى أن حضور المجتمع مطالبا بالتغيير هو بحد ذاته احد مظاهر التفكك الكبرى. وهذا كله ضمن الأزمات الداخلية والخارجية المختلفة التي تعصف بالبلاد وتكون السلطة عاجزة عن حلها.
وهذه المقومات جميعا هي في طور التشكل. إلا أن تزايد الضغوط الخارجية, تعمل على تفكيك النظام بسرعة كبيرة. وهذا يضع أمام المعارضة مسؤولية الإسراع والعمل الجدي تجاه إنضاج مقومات التغيير الديمقراطي. والمسالة ليست إصدار بيانات فقط ( إعلان دمشق – إعلان حمص – إعلان " الوطن في خطر" – إعلان المثقفين في باريس, والعديد من البيانات التي أصدرتها لجان ومنتديات مختلفة ) وتلقي التأييد عل الانترنت. إنما كل هذه الإعلانات مازالت تنتظر آليات ترجمتها إلى واقع عملي لتشكيل قطب وطني ديمقراطي مجتمعي, يكون ضمانة حقيقية للانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية. ومن الطبيعي أن يكون هذا القطب وطنيا وليس طائفيا. لان الطائفية هي الخطر الأكبر على مستقبل سوريا. وستكون حاضرة بكل استبدادها, وحروبها الأهلية المدمرة, إذا فشلت المعارضة الوطنية الديمقراطية بتشكيل قطبها المستقل وقيادة عملية التغيير الديمقراطي المنشود.
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟