عزيز الخرزجي
الحوار المتمدن-العدد: 5429 - 2017 / 2 / 11 - 10:33
المحور:
الادب والفن
محنةُ آلفكر ألأنسانيّ (2)
محنة الفكر؛ محنة كل الشعوب و الأمّم؛ هي محنة الأنسانيّة جمعاء مذ هبط أبينا آدم(ع) على الأرض, لذلك فإنّ علاجها .. هي علاج محنة الأنسانيّة كلّها بغضّ النظر عن الخصوصيات الفرعية الطبيعية من شعب لآخر و التي لا تخرج و لا تؤثر على السّياق الأنساني العام الذي يشترك فيه الجميع بنفس واحدة, و تلك كانت و ما زالت رسالتي في الحياة بعد ما تحملت أعباء حمل الفكر الكوني مبكراً يوم لم أكن محصّن إلّا بحصن الله تعالى و ولايته التي أغنتني عن كلّ شيئ!
مع إني علمت أيام صباي بأن الفوارق الطبقية و الظلم و الأجحاف الواقع بحق المعذبين من قبل المترفين قضية معقدة بل مترادفة مع البشر, ولا يمكن أن تنتهي يومأً .. إلا بظهور المنقذ و بإذن الله خارج المنظومة الفكرية البشرية التي هي السبب في إيجاد الطبقية و البرجوازية و الدكتاتورية و كل المظالم الأخرى التي شهدناها و نشهدها اليوم في كل الأرض!
لذلك و بعد ما رأيت الظلم مخيمٌ على جميع الشعوب تقريباً, رأيت من الأنسب جعل عنوان هذا البحث؛ (محنة الفكر الأنساني) بدل (محنة الفكر في العراق), خصوصاً بعد ما وجدتُ أنّ عقلاً (قومياًّ) للنّخاع قد إستخدم هذا العنوان بلا وعي إنساني للأسف و بنفسٍ قوميّ للغاية أجحف معها بحقّ الفكر و نظريات المفكريين الأنسانيين, و أسفي ليس لسبقه و إختياره للأسم .. بل حين أطلعت على الكتاب؛ تأسفتُ كثيرأً, حتى على صرف أكثر من ساعة على قرائته, لانهُ كان إسماً على غير مسمىّ و تشويهاً للحقائق, و لعلّ الكاتب أو من كتب حولهم؛ أشار لمسائل جانبيّة كثيرة إلا ما يتعلق بآلفكر الأنسانيّ الأصيل و جذور المحنة في العراق و في كل العالم, و تلك علامة تُعبّر عن حقيقة شيوع الثقافة السّطحيّة السّائدة في بلادنا و التشويه الفكريّ و العقائديّ الذي إنتشر بسبب التربية و المقالات و الكتب التكرارية – التراكمية, التي أشرت لها في الحلقة الأولى و التي نتجت الخراب و الحراب و الدّمار و الفساد و الفقر و الأرهاب في أمتنا, لكون بلادنا هي المصدر و المُصدّر لأسس تلك الأفكار و الثقافة للعالم, منذ أن تأسست مدينة بابل (بابلون) كأوّل مدينة على سطح الأرض و كذلك قبائل الجّهل و القنص و البداوة في الحجاز و غيرها من المدن و الحضارات العريقة العديدة التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين و شرقها في بلاد فارس جنوبها في مصر ثم اليونان شمالاً الهند, ثمّ تلتها في الهند و الصّين لتنتهي بعصرنا الحاضر المخيف .. الذي يتحكم به أسوء و أرذل خلق الله من قبل مجموعة صغيرة لا تتعدى ألـ (300) شخص تُسيطر على معظم موارد و منابع الأقتصاد في العالم عبر الحكومات و الأحزاب و المنظمات المنتشرة في كل بلدان العالم!
لذلك .. و كي يكون العنوان شاملاً و مناسباً لمتن البحث؛ فقد إخترت عنواناً أمثل و أدقّ, ليكون آخر بحث حول الأنسان الكونيّ, و هو:
[محنة الفكر ألأنساني].
مشكلة المثقف (العراقيّ) و (العربيّ) و حتى (العالميّ) تكاد تكون واحدة في خطوطها العامة, و هي: فقدانه لبوصلة الفكر الأنسانيّ الكونيّ ألأصيل, و ترك أصل الوجود و المبادئ الكونية و التشبت بنظرياتٍ لم يجزم حتى مبتدعوها بكونها الأفضل!
و قد تفاقم الأمر أكثر حين دخل عالمنا اليوم في (عصر ما بعد المعلومات)(1), كنتاج طبيعيّ لعدم معرفة الغاية من هذا الوجود و خلق الأنسان, و لعدم التفريق بين (الثقافة و العلم)؛ بين (الحضارة و المدنية)؛ بين (الفلسفة و العلم)؛ بين (المعرفة و الجّهل)؛ بين (الرّوح و الجّسد) بين (الفكر و آلتكنولوجيا), بل و الخلط فيما بينها, إحداها على حساب الآخر في مكوّن غير متجانس, بينما كلّ مفردة من تلك المفردات كـ (النظام) أو (الحضارة) أو (الثفافة) أو (الفلسفة) أو (العلم) أو (الرّوح) و (الجسد) تمثل ركناً من أركان و عوالم هذا الوجود الذي لا نهاية له على ما يبدو, فكل منها على حدة تُمثّل مجموعة من المعالم و القيم و المبادئ و الأسس المنتقاة من روح الرّسالات السماوية و الأديان و التراث و المجتمع و نتاجات الفكر .. و بعد تأثير المنظومات الأجتماعية التي سادت كحكومات ترعى و تُنمي تفاصيل الحياة السياسية و الأقتصادية و العلمية و التربوية و الثقافية و الرّوحية لتحقيق أهداف معيّنة سلباً أو إيجاباً!
أمّا المَدنيّة (العلم) (التكنولوجيا) فأنّها تُمثّل مُجمل ما حقّقه الأنسان من خلال البحث العلميّ - التكنولوجي – التّجربي ببعديه النفسي (الأنسانيّ) و آلآفاقي (الكوني) الذي يتجلّى و ينعكس على صحة و سلامة المجتمع من الناحية السّايكلوجية و البايلوجية و كذلك في الطبيعة, من خلال العمران و البناء و الشوارع و أنظمة المرور و قوانين البيئة و ما إلى ذلك من مظاهر مدنية تّخص البعد (الكوني)!
جميع المؤلفات التي طبعت بهذا الشأن, إما أنها لخّصتْ الأتجاهين بإتجاه واحد, بل إن الغرب و للأسف الشديد حاولت خلال العقود الأخيرة من القرن الماضي حذف الجانب الحضاريّ من مناهجها التربوية و الأكاديمية للتركيز فقط على الجانب المدني, و كانت فرنسا التي تعتبر أوّل دولة رفعت راية المدنية الحديثة من عصر النهضة لتُفرّط بجانبٍ على حساب الجانب الآخر؛ و هي بطريقها اليوم و بعد مؤشرات عديدة لأستئصال الجوانب الحضاريّة من مناهجها التعلمية و آلتركيز على الجوانب المدنيّة - التكنولوجية كحلّ نهائي لأزماتها الأجتماعية - الأقتصادية المعقدة, تطبيقاً لنهج (نيتشه) و أتباعه من المعاصرين كفوكوياما الذين إعتبروا التمسك بالأداب و الأخلاق و القيم الأنسانيّة من عمل الضعفاء و الفاشلين و لا أثر لها في سعادة و مستقبل الأنسان!
و رغم ملاحظة النتائج السلبية الكارثية و تفاقم الأوضاع الأجتماعية و الرّوحية بسبب هذا المنحى الخطير في معظم الدّول الغربية؛ إلّا أنّ الأنظمة الأجتماعية – ألسياسية - الأعلامية, و مناهج الاحزاب و المراكز التربوية ما زالت مصرّة على تنفيذ هذا النهج المتطرف الذي إعتبر ردّاً سلبياً على الأرهاب و التعصب الدّيني للجّماعات ألرّاديكاليّة المتطرفة!
لذلك يجب – بل ليس أمامنا سوى الحرص على الثقافة و المكونات (الحضارية) بنفس المستوى الذي نحرص فيه على التمدن و الأسس (التكنولوجية), لأن حدوث أيّ خلل في أحداها ستؤثر على الأخرى و تسبب خللاً فيها, لوجود تأثير متبادل بينهما, بسبب أندماجهما في الكثير من التفاصيل!
إن الذي يحدث لو تمّ عزلهما عن بعض؛
أو تقوية أحداها على حساب الآخر؛
هو أنحلال و فساد المجتمع و الأمة!
فلو تمّ تقوية الجانب المدني(التكنولوجي) على حساب الجانب التربوي و الأخلاقي؛ فأنها ستدمر الوجود الأنساني و تحطم ذاته و تنهي ضميره لتبقيه مسلوب الكرامة و خاضعة للمنظمة الأقتصادية العالمية!
أما لو تمّ العكس؛ تقوية الجانب الحضاري على حساب الجانب التكنولوجي؛ فأنها ستسبب النفاق و الأتكالية و آلأنتهازية من أجل التسلط على الآخرين من خلال الدّين, ممّا يُعمّق الفواصل بين الرّوحية و المعنوية بين القيادات و المراجع و بين عموم الناس الذين لا سيفقدون وسائل الراحة و الغذاء الكافي!
و كنتيجة طبيعة لفهم الدين في هذه الحالة (حالة فصل العلم عن الأخلاق)؛ فأن آلقيم الجاهلية و القبلية و الخرافات و الشعودة, ستنتشر بين الناس و تسبب في النهاية بروز رؤؤساء القبائل و الأحزاب و المشايخ و المراجع كنجوم إسطورية لا بديل عنها!
و من الجانب الآخر سيكون للعامل الأقتصادي الأثر الأكبر في تحديد قوة هذا الأتجاه, و هذا ما نلحظه اليوم بوضوح من خلال نهج (المنظمة الأقتصادية العالمية), و تأثيرها الكبير على كل البلاد و العباد و في كل دول و شعوب العالم, من خلال الشركات و البنوك و السيطرة على الأراضي و الممتلكات الزراعية و الصناعية و الوسائل الأعلامية الكبرى التي تمتلكها, و آلتي مكّنتهم في الأرض, بحيث تتعامل بشكل و كأنّ عموم البشرية قطعان من الأغنام أمامها, همّها علفها الذي يتحكمون بزراعته و مقداره و توزيعه, و لذلك بات كل شيئ عند الناس لأجل الحصول على هذا (العلف) لتُبقي أبدانهم متحركة تتنفس تحت ظلّ رحمة نجوم الأقتصاد و المضاربة في أسواق (وول ستريت) و (نسداق)!
إن (الوجاهة الأسطورية للأفراد) كانت و ما زالت هي الحالة الطاغية على الأوضاع الأجتماعيّة و السياسية و الأقتصادية و العسكرية كحكومة عليا و مرجعية عظمى بغضّ النظر عن أهدافها و إنسانيتها أو حيوانيتها ..
في البدء كانت (الوجاهة) محصورة بالمنسوبين إلى الآلهة, قبل و بعد (كلكامش) كأول إسطورة نجومية برزت في التأريخ و ربما مازالت بقاياهم موجودة هنا و هناك, ثم تلتها أنجم عديدة كحمورابي و نبوخذنصر و سرجون و فرعون و هامان و كورش، حتى تطورت و أصبحت لـ "العائلات" المنتقاة من قبل تلك الآلهة كما يقول الباحث أسامة عكنان!
ثمّ تطوّرت لتغدو الوجاهة (النجوميّة الأسطوريّة) التي يقوم عليها التغيير؛ نجوميّنة "أعراق" مُنِحت تمييزاً عنصرياً استعلائيا لسبب أو لآخر, ثم أخيراً (نجوميّة) المنظمة الأقتصادية العالمية, هذا في مقابل نهج إنساني كونيّ يناضل بقوة للتحرر من ربقة كل مواضيها البائسة و المتهالكة، لتغدو نجومية "أفكار" تُفسر الوجود، و تعيد إنتاج الواقع الموضوعي على أساس الفكر الكونيّ."
الأنبياء و الفلاسفة وحدهم من حاول القفز بالوجاهة إلى مراتب (الأفكار) و (القيم) و (العدالة) منذ وقتٍ مُبكّر، إلّا أنّ أتباعهم لم يكونوا بمستوى دعواتهم و فلسفاتهم على الأغلب، و لم يتحرّروا من .. ثمَّ من ربقة الوجاهات المقدّسة السّابقة على نجومية "الأفكار" .. هم من كانوا ينتكسون بأديان أنبيائهم و بأفكار فلاسفتهم، عبر تشويهها و تحريفها لمصالحهم ..
إما في المرجعية، و إما في الفهم، و إما في المرجعية و الفهم معاً، ليعودوا بها إلى نجومية "الأفراد" أو "العائلات" أو "الأعراق"، و هكذا يغدو الدِّين الذين دعا إليه النبي هو "النبي" ذاته أو (الوصي) ذاته، أو هو "عائلة النبي" وحدها، أو هو "أتباع ذلك الدين" فقط في أحسن الأحوال، و تغدو الفلسفة التي دعا إليها الفيلسوف، هي "الفيلسوف" ذاته، أو في أحسن الأحوال هي كيان عرقي تمترس خلف فلسفته و احتكرها لنفسه و لطلابه في أفضل الأحوال!
في زماننا الراهن و بعد شيوع (الديمقراطية) الغربية كغطاء لمآرب طبقة الوجهاء في (المنظمة الأقتصادية العالمية)، باتت تعمل كلّ المؤسسات الإعلامية، و مؤسسات الإنتاج الفني، و معظم مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بدءاًت من الأسرة، و مروراً بالمدرسة، و دار العبادة، و ليس انتهاء بالجامعة، و هي المؤسسات الأكثر تأثيرا في صياغة الذهن الإنساني؛ تعمل على الشّد بالأتجاه العكسي للتاريخ، إذ في الوقت الذي تنزع تقدميّة التاريخ الطبيعية إلى الدّفع باتجاه مبدأ نجوميّة "الأفكار"؛ فإنّ تلك المؤسسات تدفع باتجاه ترسيخ و هيمنة مبدأ نجومية "الأفراد المؤلَّهين"، أو نجومية "العائلات المنتقاة"، أو نجومية "الأعراق المميزة" أو "نجومية الأحزاب" في بوتقة واحدة تريد حصر المال و الأقتصاد لجعله تحت هيمنة (المنظمة الأقتصادية العالمية) التي تدير العالم بإجمعه!
لن نقفز إلى فضاءات الحضارة القادمة المختلفة عن كلّ ما سبق و التي يبدو أنها تؤكد على تركيز الأصالتين الفردية و المجتمعية لا لصالح المجتمع ككل .. بل لصالح الوجهاء، لذلك لن تتراجع مستويات الصراع التناحري و العنف الذي يشهده العالم، إلا عندما نعيد لحكومة و نجومية "الأفكار" و "القيم الأنسانية العليا" لتحكيم العدالة الأجتماعيّة التي وحدها تقضي على الأرهاب و الظلم و تحقيق سعادة الأنسان كأوّل و أسمى هدف في هذا الوجود .. بدءاً بالدّنيا التي تعتبر ممّراً للآخرة و الحياة الأبدية ، على حساب نجوميات "الأفراد" و"العائلات" و"الأعراق" و "الأحزاب" و "الديمقراطيات" المستهدفة التي تُحدّد و تُقلّص حرية و حركة و حقوق الأنسان و مبتغاهُ و سبب وجوده في هذه الدُّنيا!
لذلك .. أرى من الواجب - بإعتباري وارث آلفكر الأنسانيّ المُمْتد من آدم و إلى يومنا هذا - بيان جذور و فلسفة رسالات الأنبياء و نظريّات الفلاسفة و المفكريين الكونيين و بسطها للنّاس الذين كرّمهم الله تعالى في هذا الوجود, لمعرفة الغاية و الهدف من الخلق بإسلوب علميّ رصين و واضح .. للوقوف على الحقيقة المذبوحة على أيدي طلاب الدّنيا من الأحزاب و الحكومات و المنظمات و الدّيمقراطيات المستهدفة التي كرّست العبوديّة و الأرهاب و الفساد و الفقر في العالم, و لا حول و لا قوة إلا بآلله العلي العظيم.
عزيز الخزرجي
مفكرّ كونيّ
#عزيز_الخرزجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟