|
موراليس.. فقراء ينتصرون بالديمقراطية.........
فيصل جلول
الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 10:34
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لم تستقبل أمريكا اللاتينية انهيار الاتحاد السوفييتي بالعويل والبكاء كما فعل البعض في عالمنا العربي على الرغم من أن نظام القطبين كان يتيح لشعوب الجزء الجنوبي من القارة الأمريكية فرصة مهمة لمقاومة طغيان الولايات المتحدة واستبدادها في ما تسميه ب “حديقتها الخلفية”. واذا كان صحيحا أن الثنائية العالمية القطبية قد وفرت الحماية للنظام الكوبي، كابوس واشنطن الأبدي، فالصحيح أيضا بل الأصح أن انهيار الحرب الباردة حرر شعوب أمريكا اللاتينية من وطأة الانتماء والاستغلال السياسي ودفعها قدما للامساك بمصيرها وثرواتها وبالتالي إيصال رؤساء إلى سدة السلطة سرعان ما تحولوا إلى كوابيس تقض مضاجع البيت الأبيض ومحافظيه الجدد. بوليفيا الوافدة لتوها إلى النادي اللاتيني المناهض لمفترسي الشركات الأمريكية والعالمية الكبرى ليست العلامة الفارقة الوحيدة على هذا الطريق فعدا كوبا انضمت برازيل لولا داسيلفا إلى هذا النادي، ومن ثم فنزويلا هوغو شافيز، وأرجنتين كرشنر وتشيلي التي استعادت أخيرا خط سيلفادور الليندي... والبقية على الطريق كما يؤكد الرئيس الكوبي فيديل كاسترو. واللافت في هذه السيرورة أن المسحوقين تمكنوا من تحويل الديموقراطية من وسيلة للسيطرة والإخضاع الدائم والتبعية للولايات المتحدة إلى وسيلة للمقاومة وانتزاع الثروات من حلق مفترسيها الأجانب وذلك عبر اختيار شخصيات من أدنى السلم الاجتماعي لا تحتفظ بحبل نسب سياسي معمر. لقد اعتلى ماسح الأحذية السابق لولا داسيلفا رئاسة البرازيل لكن الاختراق المميز وربما الأكثر خطورة في هذه القارة يتمثل في انبثاق إيفو موراليس رئيس بوليفيا المنتخب لتوه فالرجل الذي يعيش في غرفة واحدة في بيت جماعي بدأ حياته راعي ماشية ثم بائع خبز وعامل بناء ومزارعاً ثم مهندساً زراعياً ينتمي إلى الهنود سكان البلاد الأصليين الذين يتولون الحكم للمرة الأولى في تاريخهم وفي أمريكا بأسرها منذ اكتشافها قبل خمسة قرون، ما يعني أن هذا الانتصار ستكون له انعكاسات كبيرة على مجمل سكان القارة الأصليين، لكن فوز موراليس يحمل معاني أخرى لا تقل أهمية من بينها أن الرجل ينتمي إلى بلد يحمل وحده من بين كل بلدان أمريكا الجنوبية اسم سيمون بوليفار رمز التحرر اللاتيني الشهير، وفي هذا البلد سقط الثائر الكوبي الأرجنتيني الأصل أرنستو تشي غيفارا أواخر العام 1967 خلال حرب عصابات شنها في مناطق السكان الهنود لإسقاط حكم موال لواشنطن ومن أجل فك الحصار عن كوبا المهددة والمعزولة. سيخلف غيفارا مؤسس حرب العصابات البوليفية كثيرون من بعد، آخرهم الفارو لينيرا أستاذ الرياضيات والعلوم الاجتماعية الذي تخلى عن التمرد المسلح وانخرط في اللعبة الديموقراطية ليصبح نائبا للرئيس المنتخب والعقل المدبر لحركته، وهو يمثل شريحة واسعة من البيض الذين تحالفوا مع الهنود وساندوهم في معاركهم من اجل السيطرة على ثروات بلادهم المتعددة. ويحمل انتصار موراليس معنى اقتصاديا بارزا، فقد طرأ في بلد يعتبر صاحب احتياط الغاز الثاني في القارة بعد فنزويلا ما يعني أن التنسيق السياسي بين البلدين في مجال الطاقة من شأنه أن يتسبب بصداع في الرأس للشركات العالمية التي تقبض على ثروات الدولتين. ويحمل انتصاره معنى أيديولوجيا صارخا فهو يترأس تيار “الحركة نحو الاشتراكية” في عصر يدير ظهره للايديولوجيات وينتمي إلى حركة رفض العولمة التي تناضل من اجل عالم لا تسوده شركات النهب الدولية بلا حدود ولا قيود. وفي المعنى الشخصي للانتصار يلاحظ إصرار الرئيس المنتخب على اتخاذ مبادرات تجعله قريبا بل ملاصقا لمعاناة شعبه فقد قرر للتو تخفيض راتبه الرئاسي إلى النصف والامتناع عن ارتداء ربطات العنق والالتزام بمظاهر البروتوكول الغربي رغم الانتقادات التي وجهت إليه وإطلاق شعارات جذابة من نوع : “نريد شركاء أجانب لا أسياداً في بلادنا”. و”لا توجد في بوليفيا أسماء لضباط أو قضاة منا” في إشارة إلى سيطرة البيض على الرتب العليا في المؤسسة العسكرية. و”لا بد من تأميم بعض الشركات المتصلة بحياة المواطنين الأساسية وفي طليعتها شركة المياه التي تسيطر عليها بكتل الأمريكية”. و”لا بد لورقة الكوكا من أن تهزم ورقة الدولار”. و”لن نسمح بسيطرة 100 عائلة على الاقتصاد البوليفي على حساب الأكثرية الساحقة من الفقراء”. و”لا نريد العيش على مساعدات الصناديق الدولية فيما بلادنا تضج بالثروات الطبيعية”. هذه الشعارات تعطي سلطة موراليس معنى شخصيا ليس غريبا عن رجل يعترف من دون عقدة نقص انه كان في مراهقته يسير حافي القدمين ويأكل أحيانا قشور البرتقال التي يرميها المارة. يبقى القول أن الشعب البوليفي انتخب موراليس رغم الحملة المسعورة التي تعرض لها خلال الحملة الانتخابية في الخارج والداخل حيث وصف بالمجرم وتاجر المخدرات والإرهابي.. الخ، ما يعني أن ناخبيه ينتظرون منه أن يكون على صورتهم وليس على صورة النخب الفاسدة التي حكمت بوليفيا خلال قرون. يمكن القول بلا تردد أن بوليفيا سجلت نهاية العام المنصرم نصرا تاريخيا أراده فقراؤها مدويا ربما كصدى متأخر لشعار غيفارا الشهير.. “يجب ألا ندع العالم ينام على صدورنا”. العقبى لعربنا الذين لم يكفوا عن النواح على غياب حليفهم السوفييتي.
#فيصل_جلول (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق وسط كوابيس القرن العشرين
المزيد.....
-
ضد روسيا.. أستراليا تلوّح بـ-أقوى إجراء ممكن- إذا قُتل أسير
...
-
انتقادات قانونية لبايدن بسبب نجله
-
إنقاذ رجل وكلبه بعد سقوطهما في بحيرة متجمدة في بوسطن
-
لقاء مستشاري بايدن وترامب للأمن القومي لتسليم -الشعلة-
-
الكرملين: ننظر بتفاؤل حذر إزاء أنباء التوصل لاتفاق بشأن غزة
...
-
تيم كوك يكشف عن أول وظيفة له قبل ترؤسه آبل
-
أكثر من 3 آلاف معتقل من قطاع غزة يقبعون في مراكز احتجاز في إ
...
-
القوة الجسدية والجاذبية الجنسية.. دراسة تكشف سر العلاقة بين
...
-
الزيت الأكثر فائدة لكبار السن
-
الكرملين يتوقع إبرام اتفاقيات قطاعية مع إيران بعد توقيع اتفا
...
المزيد.....
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار *
/ رشيد غويلب
المزيد.....
|