أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم جابر أبوساق - عن الديموقراطية – كارل بوبر















المزيد.....


عن الديموقراطية – كارل بوبر


إبراهيم جابر أبوساق

الحوار المتمدن-العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 11:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


/ ترجمة: إبراهيم جابر أبوساق

كارل بوبر – عن الديموقراطية

نظريتي في الديموقراطية بسيطة جدا ومتاحة للجميع كي يفهمها . لكن مشكلتها الأساسية أنها مختلفة جدا عن النظرية القديمة التي يسلم بها الجميع ، يظهر ان هذا الفرق عصي على الادراك لسهولة النظرية . انها تتجنب تلك الكلمات الرنانة التجريدية مثل ( الحكم ) و ( الحرية ) و ( العقل ) . انا بالفعل أؤمن بالحرية والعقل ، ولكني لا أعتقد أن أحدا يقدر على استخراج نظرية عملية ومثمرة من هذه الكلمات . انها موغلة في التجريد وقابلة لسوء الاستخدام ، ولا فائدة مرجوة على الاطلاق من تعريفها . هذه المقالة مقسمة الى ثلاثة أقسام رئيسية ، القسم الأول يتناول باختصار ما يسمى بالنظرية التقليدية للديموقراطية ، أي نظرية حكم الشعب لنفسه . القسم الثاني سيكون عرضا مختصرا لنظريتي الأكثر واقعية . القسم الثالث ، في الاغلب ، يتضمن عرضا للتطبيقات العملية لنظريتي في إجابة على سؤال : ” ما هي الفروق العملية التي تصنعها هذه النظرية الجديدة ؟ “




النظرية التقليدية

هذه النظرية التقليدية ، باختصار ، تقول بان الديموقراطية هي حكم الشعب ، وأن الشعب له حق الحكم . لإثبات أن للشعب هذا الحق ، تم تقديم العديد من الأسباب ، ولكن لن يكون ضروريا الخوض في تلك التفاصيل هنا . عوضا عن ذلك ، سأعرج على الخلفية التاريخية لهذه النظرية والمصطلح .

افلاطون كان أول منظر يضع نظاما مستنبط من الفروقات بين ما كان يراه أشكالا للحكومات. كان يفرق بين : (1) النظام الملكي ،أي حكومة الرجل الصالح ، وبين الاستبداد ، أي النسخة المشوهة للملكية . (2) الارستقراطية ، أي حكومة الرجال الصالحين ، وبين حكومة الأقلية الصادرة عنها . (3) الديموقراطية ، أي حكومة الأكثرية . لم يكن هنالك شكلين للديموقراطية . لأن الأكثرية كانت من الغوغاء ، ولذلك فالديموقراطية بحد ذاتها كانت مشوهة .

اذا نظر أحد بتمعن الى هذا التقسيم ، وسأل نفسه عن المشكلة التي كانت في رأس أفلاطون ، لوجد أن الجواب لا يجيب فقط عن تقسيمات ونظرية أفلاطون فقط ، بل أيضا عن كافة النظريات الاخرى . منذ أفلاطون وحتى كارل ماركس وغيرهم ، كانت المشكلة الرئيسية هي : من الذي يجب أن يحكم ؟ ( أحد نقاطي الرئيسية ستكون عن وجوب استبدال هذا السؤال بآخر مختلف بالكلية ) . إجابة أفلاطون كانت بسيطة وساذجة : أفضل القلة ، الأرستوقراطيين . ولكن بالتأكيد ليس الأكثرية ، الغوغاء والعوام .

كان التطبيق في أثينا ، حتى قبل ولادة أفلاطون ، على العكس من ذلك تماما . فالعوام كانوا هي من يحكمون . جميع القرارات السياسية المهمة كقرارات الحرب والسلم كانت تتخذ عن طريق مجلس يضم كافة المواطنين ،و هذا ما يسمى الآن بالديموقراطية المباشرة . لكن يجب ألا ننسى أن المواطنين كانوا أقلية ضمن الشعب . من هذا المنطلق ، كان الديموقراطيون الأثينيون يرون ديموقراطيتهم هذه على أنها بديل عن الاستبداد وحكم التعسف . في الحقيقة كانوا يعلمون أن قائدا شعبيا قد يكون محملا بقوى استبدادية عبر التصويت العام . لذا علموا أن التصويت العام قد يكون عنيدا وصلفا حتى في تناول أهم الأمور وأخطرها . ( العرف القائل بالنفي كان يعي هذا ، فالشخص المنفي كان يطرد كإجراء محاكماتي فقط ، كان لا يخضع لمحاكمة ولا يتم اعتباراه مذنبا ) . الناس في أثنيا كانوا محقين ، القرارات الناتجة عن عملية ديموقراطية ، بل وحتى القوى التي تحصل عليها حكومة ما جراء انتخاب ديموقراطي ، قد تكون خاطئة . من الصعب ، بل من المستحيل بمكان ، بناء دستور يحمي نفسه بنفسه من الأخطاء . هذا أحد أقوى الأسباب خلف إيجاد ديموقراطية تقوم على هذا المبدأ العملي لمنع الاستبداد عوضا عن الحق الشرعي المقدس للشعب في أن يحكم نفسه .

مبدأ الشرعية ( الفاسد في نظري ) يلعب دورا كبيرا في التاريخ الأوروبي . فبينما كانت الجيوش الرومانية في أوج قوتها ، كان القياصرة يسندون قوتهم الى المبدأ القائل بأن الجيش هو مصدر شرعية الحاكم . لكن ومع انحدار الإمبراطورية ، فإن مشكلة الشرعية أصبحت ملحة . هذا ما شعر به Diocletian حين حاول دعم التشكيل الجديد لأيديولوجية ” الله- القيصر ” عبر اعتبارات دينية تقليدية وكذلك بالألقاب المختلفة : Augustus ، Herculius و Jouvius ( نسبة الى Jupiter المشتري ) . ومع ذلك ، يبدو أنه لا زالت هناك حاجة الى شرعية أكثر سلطوية وأعمق دينيا . ففي الجيل التالي ، كانت عقيدة التوحيد المتجسدة في المسيحية ( التي انتشرت الى حد بعيد رغم عدد الموحدين المتوافرين آنذاك ) قد قدمت نفسها الى Constantine كالحل المثالي لتلك المشكلة . ومنذ ذلك الحين ، كان الحاكم يحكم بمباركة الرب – الواحد والأوحد عالميا . النجاح الكامل لنظرية الشرعية هذه يوضح الروابط والتوترات بين القوى الدنيوية والروحية التي أصبحت تعتمد على بعضها البعض ومن ثم تتنافس فيما بينها البين خلال القرون الوسطى .

إذا ، في القرون الوسطى ، فإن إجابة سؤال ” من يجب أن يحكم ؟ ” أصبحت هي المبدأ : الله هو الحاكم ، ويحكم عبر ممثليه البشريين الشرعيين . لقد كان هذا المبدأ ذاته هو ما تصدت له بقوة ولأول مرة حركة الإصلاح البروتستانتي ومن ثم الثورة الإنجليزية 1648-1649 التي اعلنت حق الشعب المقدس في أن يحكم . ولكن في تلك الثورة تم استخدام ذلك الحق المقدس مباشرة لتأسيس دكتاتورية Oliver Cromwell . وبعد وفاته ، كانت هناك عودة الى الشكل الأقدم للشرعية وكان ذلك خرقا وتعديا على الشرعية البروتستانتية على يد الملك جيمس الثاني مما أدى الى ” الثورة المجيدة ” عام 1688 وتطور الديموقراطية البريطانية عبر تدعيم تدريجي للقوى البرلمانية والتي بدورها أوصلت William و Mary الى الشرعية والحكم . السمة الفريدة في ذلك التطور كانت هي الخبرة بان المشاجرات اللاهوتية والفكرية حول من يجب أن يحكم لا تؤدي إلا إلى الكوارث . عمليا ، كان لا زال هنالك حكما ملكيا ولكنه ذا شرعية مشكوك بها بفضل البرلمان والقوى البرلمانية المتزايدة بثبات . البريطانيون أصبحوا متشككين بخصوص تلك المبادئ التجريدية . والسؤال الأفلاطوني ” من يجب أن يحكم ؟ ” أصبح غير ذي أهمية حتى أيامنا هذه .

كارل ماركس الذي لم يكن سياسيا بريطانيا ، كان لا زال محكوما بالسؤال الأفلاطوني الذي رآه على أنه : ” من الذي يجب ان يحكم ؟ الطيبون أم الأشرار ؟ العمال أم الرأسماليين ؟ ” . حتى الذين رفضوا فكرة الدولة بالكلية باسم الحرية ، لم يستطيعوا تحرير أنفسهم من أغلال المشكلة القديمة ، فهم يسمون أنفسهم أناركيين : أي معادين لكل أشكال الحكم . يمكن لأحدنا أن يتعاطف معهم في محاولتهم الفاشلة في الهروب من السؤال القديم ” من يجب ان يحكم ؟ “



نظرية أكثر واقعية

اقترحت في ” المجتمع المفتوح وأعدائه ” ان مشكلة جديدة كليا يجب الاعتراف بها كالإشكال الرئيسي في النظرية السياسية . المشكلة الجديدة المفارقة للمشكلة القديمة ” من يجب أن يحكم ؟ ” هي كالتالي : كيف يمكن للدولة أن تحكم بطريقة يخلع بها الحكام السيئين بلا عنف وإراقة للدماء ؟ على العكس من السؤال القديم ، هذا السؤال أكثر نجاعة عمليا وتقنيا . وما يسمى بالديموقراطيات الحديثة هي جميعها أمثلة جيدة للحلول العملية لهذه المشكلة ، حتى وان كان ذلك الإشكال غائبا عن الوعي حين تم بناؤها . لأنها جميعا تبنت الحل الأبسط للمشكلة الجديدة وهو المبدأ القائل بأن يمكن خلع الحكومة عبر تصويت الأكثرية . لكن نظريا ، هذه الديموقراطيات الحديثة لا زالت مبنية على ذلك الإشكال القديم ، وكذلك على الأيديولوجية الغير عملية إطلاقا بأن الشعب ، السكان البالغين جميعا ، هم الحكام الشرعيين بإطلاق . ولكن بالتأكيد ، لم يسبق للشعب أبدا أن حكم في أي مكان . الحكومات هي من تحكم ( وللأسف ، يحكم أيضا البيروقراطيون ، خدامنا المدنيون – أو الأسياد غير المدنيين كما يسميهم ونستون تشرشل – الذين من الصعوبة بمكان إن لم يكن مستحيلا ، محاسبتهم على أفعالهم ) .

ماهي عواقب نظرية الحكومة هذه البسيطة والعملية ؟ طريقتي في وضع المشكلة وحلي البسيط لها بالتأكيد لا تتعارض مع عمل الديموقراطيات الغربية ، كالدستور البريطاني غير المكتوب وغيره من الدساتير المكتوبة التي اتخذت البرلمان البريطاني بشكل أو بآخر نموذجا لها . إنه هذا التطبيق العملي ( وليس نظريتهم ) هو ما تحاول نظريتي – السؤال الذي وضعته والجواب عنه – أن تصفه وتتكلم عنه . ولهذا السبب ، أعتقد أنه يمكن لي تسميتها بنظرية ” ديموقراطية ” رغم أنها بالتأكيد ليست نظرية ” حكم الشعب ” ، ولكن عوضا عن ذلك ، حكم القانون الذي يفرض خلعا غير دموي للحكومة عبر تصويت الأغلبية .

نظريتي تتفادى بسهولة معضلات وإشكاليات النظرية القديمة . على سبيل المثال ، المشكلات من قبيل ” ما الذي يجب فعله إن صوت الشعب لإنشاء دكتاتورية ؟ ” بالتأكيد هذا مستبعد الحدوث إن كان التصويت حرا ، ولكنه حدث من قبل . وما الذي سيحدث ان حدث فعلا ؟ أغلب الدساتير في الحقيقة تشترط أكثر من مجرد أصوات الأغلبية لتعديل أو تغيير المبادئ الدستورية ، ولهذا قد تشترط نصابا ، ربما ثلثي أو ثلاثة أرباع الأصوات ” المؤهلة ” للتصويت ضد الديموقراطية . لكن هذا الاشتراط يظهر الاستعداد لهكذا تغيير ، وفي نفس الوقت عدم التوافق مع مبدأ أن إرادة الأغلبية ” غير المؤهلة ” هي المصدر المطلق للقوة – أن الشعب ، عبر اصوات الأغلبية ، له حق الحكم .

يمكن تجنب جميع هذه الإشكالات النظرية اذا تخلينا عن سؤال ” من يجب أن يحكم ؟ ” واستبداله بالسؤال الجديد والعملي : كيف يمكننا بطريقة أفضل تجنب تلك المواقف حيث يسبب فيها حاكم سيء أضرار كثيرة ؟ عندما نقول بأن الحل الأفضل المعروف لدينا هو دستور يسمح للأغلبية بخلع الحكومة ، إذا نحن لا نقول بأن صوت الأغلبية سيكون دوما على حق . نحن لا نقول حتى بأنه عادة سيكون على حق . نحن فقط نقول هذا الإجراء غير الكامل هو أفضل ما تم اختراعه حتى اللحظة . ونستون تشرشل قال مرة ساخرا بأن الديموقراطية أسوأ أشكل الحكومة – مع استثناء كافة الأشكال الأخرى المعروفة . وهذا هو مربط الفرس ، أي شخص عاش تحت حكومة دكتاتورية لا يمكن خلعها بلا سفك دماء سيعلم أن ديموقراطيةُ ،غير كاملة ، تستحق القتال لأجلها ، وأعتقد حتى الموت لأجلها . لكن هذا هو اعتقادي الشخصي . يجب ألا أطرحه على أنه الصواب كي أقنع الآخرين به .

يمكننا وضع نظريتنا كلها هكذا ، أنه لا يوجد سوى خيارين وحيدين : إما الدكتاتورية أو بعضا من الديموقراطية . ونحن لا نضع خياراتنا بناء على خيرية الديموقراطية التي يمكن التشكيك بها ، ولكن فقط على الشر في الاستبداد والدكتاتورية الذي لا يمكن الشك به أبدا . ليس فقط لأن المستبد مطبوع على الاستخدام السيء لقوته . ولكن لأن الحاكم المستبد ، وإن كان عادلا ، إلا أنه يمكنه سلب مسؤوليات الآخرين ، ومن ثم حقوقهم الإنسانية وواجباتهم . هذا مبرر كافي لتفضيل الديموقراطية – التي هي حكم القانون الذي يمكننا من التخلص من الحكومة . ولا اغلبية ، مهما كانت كبيرة ، يمكنها أن تكون مؤهلة للتخلي عن حكم القانون هذا .



التمثيل التناسبي

تماما كالفروقات النظرية بين النظريات القديمة والحديثة . على سبيل المثال على الفرق العلمي بين النظريات ، أقترح فحص مسألة التمثيل التناسبي . النظرية القديمة والاعتقاد بأن حكم للشعب ، عن طريق الشعب ، ولأجل الشعب يؤسسان حقا طبيعيا ومقدسا مستمدا من الخلفية التاريخية نفسها لصالح التمثيل التناسبي . لأن الشعب يحكم عن طريق ممثليه ، وبأصوات الأغلبية . لذلك من الضروري أن يكون التوزيع العددي للآراء لدى الممثلين عاكسا قدر المستطاع لتلك التي لدى المصدر الحقيقي للشرعية : أي الشعب ذات نفسه . ما سوى ذلك لن يكون فقط غير عادل ، بل مخالف تماما لكافة مبادئ العدالة . هذه الحجة تتهاوى ان تخلينا عن النظرية القديمة ، لكي نرى ، بلا عاطفة وتحيزات ، العواقب التي لا مفر منها ( وربما غير المقصودة ) جراء التمثيل التناسبي . العواقب المدمرة !

أولا ، هذا التمثيل التناسبي يضع ، وإن بطريقة غير مباشرة ، الأحزاب السياسية في منازل دستورية لا تملكها . لأنه لم يعد بإمكاني اختيار الشخص الذي اثق به لكي يمثلني ، أنا اختار حزبا فقط . والأشخاص الذين يمثلون هذا الحزب يتم اختيارهم عن طريق ذلك الحزب فقط . وفي الوقت الذي يجب فيه اعطاء الشعب وآرائه كل الاحترام ، فإن الآراء التي تتبناها الأحزاب ( التي هي أدوات تقليدية لخدمة الأغراض الشخصية ولكسب القوة ، مع كل الدسائس التي يمليها هذا الغرض ) لا يمكن وصفها بأنها افكار بشرية اعتيادية . إنها ايديولوجيات .

في دستور لا يحتوي على تمثيل نسبي ، فإن الأحزاب لا تحتاج لأن تُذكر أبدا . إنها لا تحتاج إلى إضفاء صفة رسمية عليها . الناخب في كل دائرة يرسل ممثله الى المجلس . ما إذا كان سيقف وحيدا هناك أم أنه سينضم إلى آخرين من نفس الحزب ، أمر متروك له . إنها علاقة ربما سيجب عليه أن يشرحها ويدافع عنها بين ناخبيه . واجبه هو أن يمثل مصالح أولئك الذين انتخبوه بأفضل ما يستطيع . هذه المصالح في أغلب الأحيان ستتطابق مع تلك التي لدى مواطني الدولة ، الأمة بأكملها . هذه هي المصالح التي يجب عليه أن يبحث عنها بكل ما يستطيع . إنه مسؤول بصفة شخصية عن أشخاص . هذا هو الواجب الوحيد والمسؤولية الوحيدة للممثل التي يجب أن يعترف بها الدستور . فإن كان يعتقد أن عليه واجبا أخر تجاه حزب سياسي ، فإنه يجب ان يكون هذا الواجب واجبا فقط من خلال اعتقاده بأن علاقته بذلك الحزب ستحقق هدفه الرئيسي أفضل مما لو كان يعمل لوحده دون انتماء لذلك الحزب . نتيجة لذلك ، فإنه من الواجب عليه ترك ذلك الحزب في أي وقت يرى فيه بانه يمكنه تحقيق هدفه الرئيسي بطريقة أفضل بدون ذلك الحزب ، أو ربما مع حزب آخر . جميع هذا مفروغ منه إن ضمن دستور الدولة التمثيل التناسبي . لأنه طبقا لذلك ، فالمرشحين يبحثون عن الانتخاب فقط كممثلين لأحزاب ، مهما اختار الدستور من كلمات لوصف لذلك . فإن تم انتخابه ، فإنه تم انتخابه فقط ولمجرد كونه ينتمي إلى ويمثل حزبا محددا . لهذا ، فإن إخلاصه الرئيسي سيكون لحزبه ، وللأيديولوجية التي يتبناها ذلك الحزب ، وليس للشعب ( باستثناء ربما رؤساء الحزب ) . وتبعا لذلك ، فإنه لن يصوت أبدا ضد حزبه .

في الحقيقة ، فإن النظام الذي كان انتخابه عن طريقه يسلب عنه مسؤوليته الشخصية ، إنه يجعله مجرد آلة للتصويت بدلا عن كونه شخصا له إحساس وفكر . في رأيي الشخصي ، هذا بحد ذاته حجة بالغة ضد التمثيل التناسبي . لأننا نحتاج في السياسة إلى أفراد قادرين على الحكم على الأشياء من تلقاء أنفسهم ، أفراد مستعدين لتحمل مسؤولياتهم الشخصية . هكذا أفراد من الصعب العثور عليهم في أي حزب ، حتى بدون التمثيل التناسبي – ويجب الاعتراف بأننا لم نجد طريقا حتى الآن للقيام بذلك دون وجود أحزاب . ولكن إن كان لا بد من وجود أحزاب ، فإنه لا ينبغي بنا ، باسم دستورنا ، أن نساهم متعمدين في عبودية ممثلينا لآلة الحزب وأيديولوجيته عبر الاعتراف بالتمثيل التناسبي . النتيجة المباشرة من ذلك النظام أنها ستزيد عدد الأحزاب . قد يكون هذا مرغوبا به للوهلة الأولى ، أحزاب أكثر تعني خيارات أكثر وفرص أكثر ، صلابة أقل ونقدا أكثر . وأيضا تعني توزيعا أكبر للتأثير والقوة . ولكن هذا الانطباع الأولي خاطئ بالكلية . وجود العديد من الأحزاب يعني تكتلا حكوميا لا مفر منه . إنه يعني مشاكل وصعوبات في تشكيل أي حكومة جديدة ، وفي الحفاظ على الحكومة مترابطة لأي فترة من الزمن .


حكم الأقلية

بينما التمثيل التناسبي مبني على فكرة أن تأثير الحزب يجب أن يكون متناسبا مع قوته التصويتية ، فإن التكتل الحكومي يعني عادة أن الأحزاب الصغيرة تستطيع القيام بتأثير كبير – وأحيانا حاسم – على تشكيل الحكومة و إعفائها ، وكذلك على جميع قراراتها . الأهم من ذلك ، أنه يعني تلاشي المسؤولية . لأنه في الحكومة الائتلافية ، هناك مسؤولية أقل لجميع الشركاء في التكتل .

التمثيل التكافؤي – والعديد الكبير من الأحزاب كنتيجة – قد يكون له تأثير ضار على القرار الحاسم بالتخلص من الحكومة عن طريق التصويت ضدها ، الانتخابات البرلمانية على سبيل المثال . يتم اقتياد الناخبين للاعتقاد بأنه ربما لن يحصل أي حزب على أغلبية مطلقة . مع هذا الاعتقاد في مخيلتهم ، بالكاد يصوت الناس ضد أي حزب . نتيجة لذلك ، في يوم الانتخابات لا يتم اقصاء أي حزب ، لا حزب محكوم عليه ذلك اليوم . وفقا لذلك ، لا أحد يرى يوم الانتخابات كيوم الحساب . كيوم تقف فيه الحكومة المسؤولة لتحاسب على أعمالها وسقطاتها ، نجاحها وفشلها . كيوم تقف فيه المعارضة منتقدة هذا السجل وشارحة لما كان يجب على تلك الحكومة القيام به ولماذا . خسارة أحد الأحزاب لـ 5% أو 10% من الأصوات لا يراه المصوتين ” ذنبا ” . إنهم يرونه عوضا عن ذلك كتقلب وتأرجح مؤقت للشعبية . ومع مرور الوقت ، يعتاد الناس فكرة انه لا يمكن محاسبة الأحزاب السياسية ولا قادتها على قراراتهم التي فرضت عليهم عبر ضرورة تشكيل تكتل .

من وجهة نظر النظرية الجديدة ، فإنه يجب رؤية يوم الانتخابات كيوم للحساب . كما قال Pericles الأثيني عام 430 قبل الميلاد : ” رغم أن القلة قد تصدر نظاما ، إلا أننا جميعا نملك حق الحكم عليه ” . بالتأكيد قد نحكم عليه خطأ ، وفي الحقيقة نحن نفعل ذلك أغلب الوقت . ولكن إن عشنا مدة تمتع احد الأحزاب بالسلطة والقوة وعواقب ذلك ، فإننا نملك على الأقل بعض المؤهلات لكي نصدر حكما عليها . هذا يفترض أن الحزب الحاكم وقادته مسؤولين مسؤولية كاملة عما يفعلون ، وبالتالي يفترض حكومة أغلبية . ولكن مع التمثيل التناسبي ، حتى في حالة ان هناك حزبا حاكما بأغلبية مطلقة وتم إقصاؤه بأغلبية مماثلة عبر مواطنين تحرروا من سيطرة ذلك الحزب ، فإن الحكومة قد لا تتخلى عن الحكم . بل عوضا عن ذلك ستبحث عن أصغر حزب قادر بما فيه الكفاية على الحكم بمساعدتها .

لهذا السبب فإن القائد المكروه للحزب الأقوى كان ولا يزال مستمرا في قيادة الحكومة – في معارضة صريحة ومباشرة لأغلبية الأصوات بناء على المساعدة المتلقفة من أحد الأحزاب الصغيرة التي سياساتها ، نظريا ، قد تكون بعيدة كل البعد عن ” تمثيل إرادة الشعب ” . بالتأكيد لن يكون الحزب الصغير ممثلا بقوة في الحكومة الجديدة ، ولكن قوته ستكون كبيرة لأنه بإمكانه الإطاحة بالحكومة في أي وقت . جميع هذا يشكل خرقا كبيرا للمبدأ الذي نبت منه التمثيل التكافؤي : أي الفكرة القائلة بأن تأثير أي حزب يجب أن يتناسب مع عدد الأصوات التي يجمعها .


نظام الحزبين

لكي نجعل حكومة الأغلبية ممكنة ، نحتاج شيئا ما مقاربا لنظام الحزبين في بريطانيا والولايات المتحدة . ولأن تطبيق التمثيل التكافؤي يجعل ذلك الأمر صعبا ، فأنا اقترح أنه من مصلحة المسؤولية البرلمانية أن نقاوم أي إغراء أو ميل الى الفكرة القائلة بأن الديموقراطية توجب التمثيل التكافؤي . عوضا عن ذلك يجب أن نكافح لأجل وجود نظام الحزبين ، أو على الأقل شيئا مقاربا لذلك . لأن نظاما كذلك يشجع استمرارية ” نقد الذات ” لدى الحزبين . لكن رؤية كهذه قد تستثير اعتراضات معتادة لنظام الحزبين مفادها أن : ” نظام الحزبين يقمع تشكيل أحزاب أخرى ” . هذا صحيح ، ولكن هناك تغيرات وتطورات كبيرة تحدث داخل الحزبين المسيطرين في بريطانيا وأيضا في الولايات المتحدة . لذا فالقمع لا يجب أن يكون إنكارا للمرونة .

المهم هو انه في نظام الحزبين ، الحزب الخاسر مطالب بأن يحمل خسارته على محمل الجد . لذلك قد يضطر إلى إحداث تغييرات داخلية في أهدافه. إذا خسر الحزب مرتين أو ثلاث ، فإن البحث عن أفكار ورؤى جديدة قد يصبح محموما ، وهذا بدوره تطور صحي . هذا وارد الحدوث حتى وإن كانت الخسارة في الأصوات طفيفة .

أما تحت نظام الأحزاب الكثيرة والتكتلات ، فهذا نادر الحدوث . خصوصا عندما تكون خسارة الأصوات قليلة نسبيا . رؤساء الحزب ميالون الى القيام بالتغيير بشكل أكثر تحفظا . إنهم يرون ذلك جزءا من اللعبة – في ظل غياب مسؤوليات واضحة لدى أي حزب . الديموقراطية تحتاج أحزابا اكثر حساسية ، وإن لزم الأمر ، أن تكون دوما على أهبة الاستعداد . هذه هي الطريقة الوحيدة التي من خلالها يمكن للأحزاب ان تكون ناقدة لذواتها . فعلى الجهة الأخرى ، فإن النزعة إلى نقد الذات بعد خسارة الانتخابات ظاهرة وجلية في الدول ذات نظام الحزبين أكثر منها في دول نظام الاحزاب المتعددة . عمليا إذا ، نظام الحزبين أكثر مرونة من نظام الأحزاب المتعددة ، خلافا لذلك الانطباع الأولي .

يقال بأن : ” التمثيل التكافؤي يمنح الفرصة لظهور حزب جديد ، بلا ذلك فإن الفرصة غير موجودة أبدا . وأن مجرد وجود حزب ثالث قد يطور بشكل كبير أداء الحزبين الكبيرين ” . قد يكون هذا هو الحال ، ولكن ماذا لو ظهرت لنا خمسة أو ستة أحزاب جديدة ؟ كما رأينا ، حتى الحزب الصغير قد يمتلك قوة غير تكافؤية إن كان في صدد اختيار أي الحزبين الكبيرين سينضم إليه لتشكيل تكتل حكومي . وأيضا يقال : ” نظام الحزبين يتعارض مع فكرة المجتمع المفتوح حيث التقبل للأفكار الجديدة وفكرة التعددية ” . الرد على ذلك : بريطانيا والولايات المتحدة كلتيهما منفتحتين جدا على الأفكار الجديدة . الانفتاح الكامل قد يكون مدمرا لذاته ، تماما كالحرية الكاملة . أيضا فالانفتاح الثقافي والانفتاح السياسي شيئين مختلفين . والأكثر أهمية حتى من الانفتاح أكثر وأكثر هو السلوك المناسب والتوجه نحو رؤية يوم حساب سياسي .



#إبراهيم_جابر_أبوساق (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- إغلاق المخابز يفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، ومقتل وإصابة أل ...
- هل يهدد التعاون العسكري التركي مع سوريا أمن إسرائيل؟
- مسؤول إسرائيلي: مصر توسع أرصفة الموانئ ومدارج المطارات بسينا ...
- وزارة الطاقة السورية: انقطاع الكهرباء عن كافة أنحاء سوريا
- زاخاروفا تذكر كيشيناو بواجبات الدبلوماسيين الروس في كيشيناو ...
- إعلام: الولايات المتحدة تدرس فرض عقوبات صارمة على السفن التي ...
- الولايات المتحدة.. والدة زعيم عصابة خطيرة تنفجر غضبا على الص ...
- وفاة مدير سابق في شركة -بلومبرغ- وأفراد من أسرته الثرية في ج ...
- لافروف يبحث آفاق التسوية الأوكرانية مع وانغ يي
- البيت الأبيض: ترامب يشارك شخصيا في عملية حل النزاع الأوكراني ...


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم جابر أبوساق - عن الديموقراطية – كارل بوبر