|
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 5426 - 2017 / 2 / 8 - 09:44
المحور:
الادب والفن
لم أتعلم من " مسيو جاك " شيئاً يخصّ تسويق عملي الفنيّ، مثلما كانت تبغي امرأتي. ولكنّ الرجل، في مقابل ذلك، فتحَ لي قناة تواصل مع مخدومتي السابقة. جرى الأمر مصادفةً، حينَ زارت " سوسن خانم " الفيللا لكي تشتري لوحاتٍ سبقَ أن رأت نسخاً مصوّرة عنها لدى صديقة مشتركة. " لقد كانت مواطنتك هنا في فترة الظهيرة، وتركت لك رقم هاتفها.. "، أخبرني الرسام بذلك وهوَ يمد يده ببطاقة ما يفتأ يفوح منها عطرٌ أنثويّ أليف. تناولت منه البطاقة تلقائياً، كوني أحتفظ برقم هاتف الخانم في دفتر جيب صغير. لم يكن في نيّتي قط الإتصال بالرقم، بل كل ما في الأمر أنني تذكّرت لحظتئذٍ وجوده في دفتري. إلا أنّ صوتاً خفياً كان لا يني يهجسُ في داخلي، بأنه قد أزفَ، أوانُ الرحيل عن هذه الضاحية الكئيبة. كنتُ أحسّني أختنق في جوّ المنزل، الذي أضحى جحيماً حقاً. المشادات، كانت تحتدم لأيّ سبب مهما كان هيّناً. على ذلك، كان مفهوماً هربي الدائب إلى البراري القريبة أو فيللا الرسام الفرنسيّ. كنتُ أتبادل أحاديث فكرية وفنية مع الرجل، وفي الآن نفسه، أشاركه في النزوة المأثورة عن مواطنيه؛ أي شرب الخمرة: كان الأمرُ يُستهلّ بقدح مترع من النبيذ الأحمر، المجلوب من قبو الدار، ثمّ تكرّ على الأثر أقداحُ الويسكي الواحدة تلو الأخرى. المازة، كانت تقتصر غالباً على نوعٍ من الجبنة المعفنة مع العنب والبسكويت المالح. في ظهيرة اليوم التالي لزيارة الخانم، كنتُ أستعدّ لمغادرة المنزل آنَ سمعتُ بغتةً صرخةَ " الشريفة ". أطللتُ برأسي خِلَل باب حجرة نومنا، لأراها واقفة عند قاعدة السلّم الخشبيّ النحيل، المسنود على حائط مطبخ الدور العلويّ. شقيقها الصغير، كان إذاك قد تناهى إلى درجات السلم الأخيرة وقد بدا مرعوباً ويهمّ بالبكاء. أندفعتُ نحوَ السلّم بلمحة، لأرتقي إلى موقف الصبيّ المسكين. وعليّ كان أن أحميه من يد الشقيقة، لحين أن تهدأ غضبتها. فارتأيتُ أن أصعد معه إلى السطح، تحقيقاً لرغبة يبدو أنها طرأت لرأسه الجميل. هناك، رحتُ أهيم ببصري فيما حولي من مناظر مونقة، وقد غدت على هيئة مصغرة. أناس الضاحية أيضاً، ظهروا لعينيّ أكثر عزلة في هذا المكان الأقرب لأرواحهم وشخصياتهم سواءً بسواء؛ مكان، أرتضوه لأنفسهم بعيداً عن مستنقع مراكش، ثمة أينَ تطفو على مائه الراكد والمنتن زنابقُ الشهوة. " كاد أن يجلب لنا مصيبة، وها أنت ذا تضحك! "، قالت لي قرينتي لما نزلتُ من السطح. ثم أردفت مكفهرة القسمات " وماذا يهمّك من أمر البيت، طالما أنّ هناك خادمة عليها أن تفعل كل شيء لوحدها..؟ ". لم أنصت لبقية التقريع، سوى أنني جذبتُ الصبيّ من يده نازلاً به الدرجَ إلى البيت التحتانيّ. سلّمت الولدَ لأمّه المستلقية على الأريكة، والمتبدّية بجرمها الثقيل وثدييها الكبيرين ـ كبقرة صهباء، كسولة. تعقيباً على الحادثة، المروية على مسمعه، أكتفى المسيو بالقول وهوَ يلوّح بقدح الويسكي: " أظن أنّ ميمو سعيدٌ بأخته الصغيرة..؟ ". واستدرك في الحال " أعني، أنها بمثابة الأخت له بالنظر لعمره الغض ". أدهشتني معرفة الرجل للقب صبيّ العائلة، وحقّ لي أن أتفكّر فيها خلال عودتي للمنزل على موعد الغداء. ثمة عند عتبة الباب الرئيس، أجزتُ لنفسي أيضاً التسلي بفكرة أخرى؛ وهيَ التسلل للداخل دونما إحداث جلبة. فعلتُ ذلك بتأثير الخمرة، على الأرجح، وكوني موقناً بأنني سأكون موضوعَ حديث المرأتين على مائدة الطعام. " أنتِ أمّه، نعم. ولكنك تقسين عليه، وغالباً دون سببٍ حقّ.. " " والكردان المفقود، أتعتبرينه شيئاً تافهاً؟ " " رأيتِ الصبيّ يلعب بالكردان يومَ أمس، فلِمَ لم تخفيه في مكان لا يطوله؟ هذا، بفَرَض أنّ ميمو هوَ من أضاعه " " وأين إذاً أختفى الكردان، وقد بحثنا عنه في أرجاء المنزل كله؟ " " أستغفر ربي عن القول، بأن جوابَ سؤالك يمكن أن يكون لدى رجلك.. " " ماذا تعنين؟ " " لا شيء، لا شيء. قلتُ أستغفر ربي وكفى.. " " أدركُ ما يجول برأسك. إنك تفترضين بأنّ فرهاد بحاجة للمال من أجل السفر، ومن الممكن أن يكون قد أخذ الكردان بغية بيعه. أليسَ كذلك؟ "، لما طرحت امرأتي هذا السؤال فإنّ الأخرى طفقت صامتة. على أنني لم أنتظر بقية الحديث، بل عدتُ أوباً إلى الباب الرئيس. دلفتُ إلى خارج المنزل، وكان رأسي قد بدا أشبه بخلية نحل. طنينُ المرأتين، شاءَ أن يوقظ شياطين شكوكي بحقيقة ما نمّ إلى أذنيّ. إذ تساءلتُ قبل كلّ شيء، عمّن نطق الجملة الأولى من الحديث: " فلو كانت للّا نفيسة، وهذا لا ريب فيه قطعاً، فإنها تكون قد تكلمت عن الصبيّ بصفته ابن الشريفة وليسَ شقيقها. ولكن، آه..! ألم يبدُر مثل هذا القول عن المسيو جاك قبل قليلٍ من الوقت، وكما لو كان زلّة لسان؟ ". عند ذلك، طرأت لرأسي فكرة مجنونة هذه المرة؛ وهيَ أن أمضي إلى الفيللا لكي أصارح صاحبها بكلّ تلك المعميات، علّني أجد لديه تفسيراً ما. " لا، فإنه من نوع الرجال الكتومين والمتحفظين. فلن تجني من وراء ذلك سوى فقدانك لإحترامه وصداقته "، خاطبني داخلي فيما كنتُ أدور مجدداً متجهاً إلى ناحية المنزل. قررتُ أن أواجه " الشريفة " بما سمعته، وليكن ما يكون. لم يكن قراري معزولاً عن أمر آخر، لا يقل إلحاحاً: فإنني أستعدتُ وقتئذٍ ما قرأته من عباراتٍ مبهمة، وردت في مخطوطة شقيقتي، عن تعرّض " الشريفة " للإغتصاب منذ فتوتها المبكرة. بلى، كانت المخطوطة تتكلّم عما دَعَته " زنا المحارم " مسمّيةً الأب وابنه البكر ـ كشخصين متورطين وآثمين!
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
-
سيرَة أُخرى 46
-
سيرَة أُخرى 45
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
-
سيرَة أُخرى 44
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
-
الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
-
الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
-
سيرَة أُخرى 43
-
الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
-
الجزء الثاني من الرواية: الراء
-
الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
-
الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
-
الجزء الثاني من الرواية: القاف
-
سيرَة أُخرى 42
-
الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
المزيد.....
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
-
مخرج فرنسي إيراني يُحرم من تصوير فيلم في فرنسا بسبب رفض تأشي
...
-
السعودية.. الحزن يعم الوسط الفني على رحيل الفنان القدير محم
...
-
إلغاء حفلة فنية للفنانين الراحلين الشاب عقيل والشاب حسني بال
...
-
اللغة الأم لا تضر بالاندماج، وفقا لتحقيق حكومي
-
عبد الله تايه: ما حدث في غزة أكبر من وصفه بأية لغة
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|