|
الياس خوري في مملكة الغرباء ...رواية الحكايا المتداخلة
شكيب كاظم
الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 23:23
المحور:
الادب والفن
انها رواية من روايات الحرب الاهلية اللبنانية التي اندلعت في الثاني والعشرين من نيسان عام 1975 لتنتهي عام 1989 باتفاقية الطائف واذا كان الروائي العراقي الحاذق اسماعيل فهد اسماعيل قد ارخ لتلك الحرب في روايته الرائعة (الشياح) وجعلها وقفا لها فان الروائي الرائع الياس خوري في روايته المكثفة (مملكة الغرباء) الصادرة طبعتها الاولى عن دار الاداب اللبنانية عام 1993 والتي تقع في مئة وثمان وعشرين صفحة قد مست حوادث تلك الحرب المأساوية ووقف عندها فضلا على ايام الكفاح المسلح ضد العدو الغاصب ايام العقد الستيني من القرن العشرين فها هو الفضاء الروائي ينفتح امامنا على الراوي المركزي التي يتولى السرد بضمير المتكلم وهو عائد من غور الاردن رائحته مبللة بالتعب على رأسه غبار من ارض فلسطين.
الروائي الياس خوري في روايته هذه، استخدم في بناء سرده المشوق تقنية الحكايات المتداخلة، فهي ليست حكاية واحدة، بل حكايا عدة، يسرد علينا الراوي جزءا منها ليتركها نحو حكاية اخرى، ثم ما يلبث عائدا لاتمام حكايته الاولى منتقلا منها الى حكاية ثالثة ولا يكتفي بهذا، فنراه مرات يعود الى بعض هذه الحكايا موضحا ومناقشا ومضيئا ومقلبا الامور والمرويات على وجوهها المتعددة، كما استخدم شيئا من وقائع الحياة مثل لقائه بالروائي البريطاني، هندي الاصل سلمان رشدي وهو يقص عليه حكاية وداد الشركسية، هكذا كانوا يسمونها ولم يعرفوا لها اصلا، اشتراها اسكندر نفاع بخمس ليرات ذهبيات وعاشت معهم ستين عاما، ثلاثين مع زوجها اسكندر نفاع الذي ثار بوجه زوجته مدام لودي، وقد ضبطته متلبسا باحتضان وداد الشركسية خادمة المنزل وهي تتأوه بين يديه صارخة به – مع الصانعة يا كلب؟ اخرسي، صرخ بزوجته وتزوجها قال انه سيتزوجها وتزوجها عاشت معه ثلاثين سنة، واذ مات اسكندر نفاع زوجها، عاشت بعده ثلاثين اخرى.اخبرت هذه القصة لسلمان رشدي تصلح مادة لرواية، قال اعرف قلت لكنني اخاف من كتابتها لم يسألني لماذا اخاف، فالكاتب يعرف ان الكتابة هي العلاقة المطلقة بالخوف، صفحة الكتابة هي صفحة الخوف، والخوف ليس على الحكاية بل منها، تخاف ان تبتلعنا الحكاية وتحيلنا الى هامش فيها. اخبرت رشدي هذه الحكاية، حكاية وداد الشركسية عندما التقيت به في لندن عام 1988قبل ان يصدر كتابه (آيات شيطانية) وتتحول الكتابة الى مسار يجعل من الكلمات اشبه بحبل يتدلى نحو بئر الموت، كنت اريد ان اروي له حكاية طبيب القرية، ولكنني بدلا من ذلك اخبرته قصة الشركسية البيضاء، ص36. قلت ان الرواية مجموعة من الحكايات التي ربط بينها الروائي الياس خوري بفنية عالية ليقدم لنا عمله الروائي المدهش هذا (مملكة الغرباء) يتحدث السارد المركزي خلال لقائه بسلمان رشدي في لندن عام 1988 عن اعجابه بحكاية ثقوب الملاءة في روايته (اطفال منتصف الليل) حيث يقع الطبيب ادم عزيز في غرام مريضته نسيم من خلال النظر الى جسدها وفحصه عبر ثقوب هذا القماش الذي يرفع عازلا بين الطبيب الفاحص ومريضته، اذ لم يقبل ابو المريضة بان يقوم الطبيب بجس جسد ابنته المريضة والنظر اليها بغية الفحص، بل ابتكر طريقة، كان يوقف الفتاة ابنته خلف ملاءة، شرشف مثقوب، وتعرض من خلال هذا الثقب الجزء الابيض من جسدها واذ تكررت الزيارات، وكانت الفتاة العاشقة نسيم متمارضة لا مريضة، استطاع الطبيب ان يرى كل اجزاء جسم نسيم من خلال ثقب الفحص هذا، وانتهى الامر بسقوط الطبيب ادم عزيز في مهاوي العشق والغرام فضم الصور التي اختزنها عقله عن جسدها ليكون اخيرا امام صورة كاملة لجسد المتمارضة العاشقة نسيم وتزوجها.واذ ابدى اعجابه بحكاية ثقوب الملاءة، فانه يسرد على مسامع رشدي ما يقرب من هذه الحكاية، حكاية طبيب القرية، قرية المنصف بالشمال اللبناني حيث كان طبيب القرية الدكتور لطفي بركات يجول بين القرى راكبا حماره، كان لطفي بركات من اوائل خريجي معهد الطب الفرنسي في بيروت بداية القرن العشرين وكان معروفا بمغامراته النسائية وكان ابناؤه الشرعيون يؤكدون بان لهم اخوة غير شرعيين في كثير من قرى جبل لبنان اما كيف كان يفحص النساء؟ فاليك تفصيله اذ كان يحظر على الطبيب رؤية جسد المرأة او جسه، حتى ولو كانت تحتضر ابتكر هذا الطبيب المراوغ المحتال طريقة موحية سيفهم رمزها القارئ النابه كان لطفي بركات يحمل في حقيبته تمثالا صغيرا لامرأة عارية ويحمل بيده قضيبا قصيرا يمرره على التمثال العاري طالبا من المرأة المريضة اعلامه عند وصوله الى مكان الالم واذ يصل الى مكان الوجع يرتفع الصراخ كانت المريضة تصرخ كحيوان جريح والطبيب يشد على المكان بالقضيب والصراخ يتعالى صراخ وانين واسنان تصطك وكأن المريضة تضع مولودا ويرفع الطبيب القضيب عن جسد التمثال فتسكت المرأة ثم ترتجف بالحرارة والعرق ويطلب من اهلها لفها بالاغطية السميكة كان الطبيب يعلم ان مريضته شفيت عندما يرى الارتجافة والعرق يجتاحان جسدها، كان يعرف ان المريضة شفيت..!في رواية (مملكة الغرباء) حكايا جميلة عن الايام التي عاشها ابناء الديانات الالهية الثلاث بمودة ومحبة، قبل زرع هذا الكيان الغاصب في جسد الامة، يسرد لنا الياس خوري حكاية وديع السخن اليهودي البيروتي الذي عاش شريكا لاسكندر نفاع المسيحي وتزوجت ابنة وديع السخن راحيل من البيروتي المسلم كامل الارناؤوط وكان ابو وديع شريكا لاسكندر نفاع كذلك، وهو الذي دفع عن الكثير من الناس غائلة الجوع ايام الحرب العالمية الاولى من خلال قدرة نسيم على تهريب القمح من حوران وبيعه ولكن الضربة جاءت من خلال هجرة ابنه موشيه الى اسرائيل من غير ان يخبر اباه، كانت قاصمة الظهر، اذ كان سنده في هذه الحياة الدنيا، ترك له رساله يخبره بانه هاجر الى اسرائيل يضطر الاب وديع السخن لبيع حصته الى شريكه او الى ابن شريكة جورج بن اسكندر نفاع، حصلت الهجرة عام 1959 بعد الحرب الاهلية القصيرة في لبنان صيف عام 1958 كان وديع السخن في اخريات عمره، ولا يريد ان يبدأ في بلاد الهجرة من الصفر لم يحتمل ان يصبح لاشيء، صفرا على الشمال، مجرد انسان متقاعد واختفى وديع السخن من الذاكرة بعد ست عشرة سنة تزور راحيل، وقد مات زوجها المسلم وهاجرت ابنتها الوحيدة اندريه نحو باريس للدراسة تزور الشريك القديم، طالبة منه مالا لغرض الالتحاق بابنتها الوحيدة، اخبرته انها سافرت الى قبرص لمهاتفة ابيها الذي اخرسته الايام والامراض وضعوا سماعة الهاتف على اذنه ليسمع صوت ابنته الوحيدة راحيل من غير ان يجيب.في الرواية الرائعة هذه حكايا عن حصار مخيمي صبرا وشاتيلا ومن ثم اقتحامه، اقتحمه المسلحون المدججون بالكراهية ومقتل اسرة فيصل، فيصل الذي كان بحلم بالعودة ويوم حلم عائدا كانت بلاده تبدو امامه زاهية خضراء لكن كل سكان المخيم الذين كانوا معه ذهبوا الى بيوتهم وتركوه وحيدا ظل فيصل وحيدا وهو بين جثث اهله يذكر ثقل جسد شقيقته الصغيرة التي كانت في السابعة من عمرها، وكيف تيبس جسدها وصار كالحطب ثم ركض نحو الصحافيين الاجانب الذين كانوا ينقلون وقائع اقتحام المخيمين صبرا وشاتيلا في شهر ايلول 1982 ليعلن لهم هول الجريمة ظل فيصل يحلم بفلسطين، فلسطين جاءته عام 1987 رصاصة في الرأس وقبر في جامع مهدم.يوم هاجر الراوي المركزي الى نيويورك وهذه حكاية اخرى من حكايا الياس خوري التي يغدقها علينا من خلال رائعته المكثفة (مملكة الغرباء) لغرض اعداد بحث اكاديمي عن الحكايات الشعبية الفلسطينية في مكتبة جامعة كولومبيا يتعرف على اميل، كان اسمر كث اللحية، يتكلم الامريكية بلكنة شرقية كان من يهود بولونيا الذين هاجروا خوفا من الآلة الجهنمية الهتلرية هرب ابوه البير من بولونيا الى فلسطين، اميل دعاه بوصفه طالبا اسرائيليا يعيش في نيويورك لحضور فيلم قصير اخرجه احد اصدقائه عن ثلاث قرى فلسطينية دمرها الاسرائيليون فور احتلالهم الضفة الغربية عام 1967 واقاموا عليها باركا ومتنزها وملاعب للاطفال.اميل هذا خدم بجيش الدفاع الاسرائيلي خلال حرب عام 1973 ويسميها الاسرائيليون حرب يوم الغفران، لكن هذا اليهودي ذا الضمير الحي يضطر الى الهجرة بعد ان شاهد الفظائع واكثر ما اذاه منظر ذلك الكهل الفلسطيني الغزاوي الذي ركع على اربع وكان يتراجع من دون ان يولي ظهره لجنود الجيش الاسرائيلي خشية اطلاق النار عليه كان يريد ان يبقى في صورة الحدث بعد ذلك التجميع القاسي لكل رجال غزة من الرابعة عشرة حتى السبعين من اعمارهم وتحت شمس الصيف الغزاوي القائظ.
بعد نهاية خدمته في الجيش قرر اميل الهجرة نحو الحلم الامريكي او الكذبة الامريكية كما يسميها اميل بن البير آزاييف.
#شكيب_كاظم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النثر الفني في القرن الرابع الهجري من أروع ما كتب ... حديث ع
...
-
الباحث عن جذور السنديانة الحمراء ... محمد دكروب ينذر نفسه لم
...
-
جورج طرابيشي في الجزء الثاني من كتابه (هرطقات)..مناقشة عبد ا
...
-
مهدي شاكر العبيدي في منجزه (الجواهري شاعر وناثر)
-
بين طه حسين وعلي جواد الطاهر
-
الذي ألزم نفسه بما لا يلزم...حسن عبد راضي يدرس المفارقة في ش
...
-
نظرة إلى منجز الفكيكي الثقافي.. عبد الهادي شاعر وباحث ومحقق
-
موسوعي بأسلوب في الكتابة مميز مثابات شاخصة تخلّد اسم حميد ال
...
-
عبد الحميد حمودي يطوف بشخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي
-
حمودي يطوف بشخصيات وكتب ودراسات في التراث الشعبي
-
نخلة يكتب مقدمته المسيحية لكتاب نفسية الرسول العربي
-
إيماضة من الماضي الجميل.... معلمون مسيحيّون ودروز ومسلمون سن
...
-
إدوارد سعيد... الكتابة لديمومة الذكرى ومواجهة الفناء
-
هادي الحسيني يسرد عيش المثقف العراقي في الحامية الرومانية
-
لابد من مصر وإن طال السفر ...زيارة لمسجد سيدنا الحسين وخان ا
...
-
الأعرجي يدرس شعر الجواهري وحياته ما سبب حنق التركي المستعّرب
...
-
الحسيني مفتي القدس الأسبق بريء من المحرقة ...بعضهم بحاجة لقر
...
-
بهنام أبو الصوف.. صاحب نظريَّة عراقيَّة السومريين
-
جيمس جويس تحت المجهر..حين تكون الذاتُ خاويةً تُنْتِج أدباً ذ
...
-
وسطية الرأي ونزاهة القول.. الباحثة فاطمة المحسن تدرس الحياة
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|