أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلدون النبواني - سوريا من مزرعة الأسد إلى مزرعة الحيوان














المزيد.....

سوريا من مزرعة الأسد إلى مزرعة الحيوان


خلدون النبواني

الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 23:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كثيراً ما تُستدعى رواية 1984 للروائي الإنجليزي جورج أوريل للحديث عن الأنظمة المخابراتية التي تراقب البشر في حركاتهم ونأماتهم، بل وفي أفكارهم وأحلامهم حيث لا مفر تقريباً من رقابة "الأخ الأكبر" . ومما لاشك فيه أن هذه الرواية ـ كما هو حال الأدب الجيد عموماً ـ تعطي للتحليل السياسي والاجتماعي والنفسي عمقاً وبعداً يتجاوز أدوات التحليل السياسيّ أو مفاهيم العلوم الاجتماعية البحتة، ولهذا كانت هذه الرواية مرجعاً للحديث عن أنظمة قمعية استبداية من نوع نظام البعث الأسديّ المخابراتي في سوريا. لكن الرواية الأُخرى التي سأستعين بها هنا للحديث وربما للتحذير من مآلات مخيفة ومؤسفة لما بعد انتهاء الحرب في سوريا هي رواية أوريل الأخرى المشهورة جداً بدورها مزرعة الحيوان. كثيراً ما عُدت هذه الرواية المنشورة عام 1945، أي مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، نبؤة مبكِّرة لتفكك ما كان يُدعى بمنظومة الاتحاد السوفيتي سابقاً وتصور رؤيويّ لمصير الستالينية التي سادت في تلك الحقبة بوصفها صدع سيستمر ويتوسع وستعود الثورة البلشفية لتقع فيما ثارت عليه. لا يحتاج عداء أوريل للشيوعية التي حاربها في إسبانيا دليل كبير ولا يخفي هذا الحقد نفسه على تلك المنظومة، بل وعلى فلسفتها ككل نفسه ابتداءً من عنوان الرواية وصولاً إلى آخر سطر فيها مروراً بأوصاف قادتها وقذارتهم وشجعهم وخبثهم فقد وصفهم أوريل بالخنازير في مزرعته الشهيرة. لكن بغض النظر عن هذا الكره المعلن للشيوعية والنظام السوفيتي فإن ما يجعل من هذه الرواية رواية عالمية لا تزال راهنة رغم مرور أكثر من 70 سنة على تأليفها هو تجاوزها لوصف الثورة البلشفية لتصبح قراءة لمرحلة ما بعد الثورة أية ثورة وحلماً يتحول إلى كابوس بعد زمن لتدرك الثورة ـ إن هي لم تحمي نفسها من الذين يتاجرون باسمها ـ أنها تعيد إنتاج النظام السابق الذي ثارت عليه، هذا إذا لم تنتج ما هو أسوأ منه. والدليل على ذلك كثير عبر التاريخ الحديث ابتداءً من ثورة البلاشفة في روسيا 1917 وصولاً إلى ثورة 25 يناير 2011 في مصر الموؤدة هذا فضلاً عن الانقلابات العسكرية في معظم البلدان العربية والتي سمّا زعماؤها انقلاباتهم تلك بأسماء الثورات كثورة الفاتح من سبتمبر 1969 في ليبيا القذافيّة أو الحركة التصحيحية لحافظ الأسد عام 1970 في سوريا. بل حتى الثورات العربية ضد الاستعمار لم تنتج على العموم بديلاً أفضل من الاستعمار حيثُ حل بواسطتها الاستعمار الداخليّ مكان الاستعمار الخارجي وتبدلت أسماء اللصوص وملابسهم بينما بقي الظلم الاجتماعيّ والمحسوبية والقمع والفوقية وعلاقات القوّة هي السائدة هذا إذا لم تنحدر أعمق ممّا كانت عليه. لا شك أن هذا المآل ليس قدراً محتوماً لا مفر منه للثورة، ولكن أية ثورة لا تحمي نفسها من أبنائها، بل وتحميهم من أطماعهم عبر القانون ومؤسسات الرقابة الشعبية والبرلمانات المنتخبة شعبياً لا شكلياً والقادرة على محاسبة المسؤولين الخ، فإنها ستنتهي من حيث بدأت فلا يتغير من السكين المسموم سوى الغمد ويظل النصل مزروعاً في الخاصرة ولعل المثال الليبي هنا دليلٌ ممتاز على كيفية تحوُّل ذاك الضابط الشاب العشريني الكاريزميّ والثوريّ إلى أحد أشهر طغاة الأزمنة الحديثة بعد أن حوَّل ليبيا إلى مزرعة لعربدة أبنائه وأتباعه ومخبريه.
سوريا اليوم على المحك. فالحرب ستنتهي عاجلاً أم آجلاً ويبدو هناك ظلال حل سياسيّ ترتسم في الأفق وهنا يطرح السؤال حول مصير سوريا ما بعد الحرب. لكن وبعد أن حصل كل ما حصل في هذا البلد المنكوب من دمار وتخريب وقتل ومجازر وإخراج السوريين جميعاً نظاماً ومعارضة من دائرة القرار السياسيّ فإن سوريا لن تخرج على ما يبدو من مزرعة الأسد إلا لتدخل في مزرعة الحيوان بالمعنى الذي تصوره لنا رواية أوريل. فبعد رهن جميع الأطراف المتصارعة في سوريا بلدهم إلى الخارج فإن تسويات الخارج ستنتهي إلى تسليم وكلائها مقدرات البلد الذي باعوه مقدّما وقبضوا الثمن. وعلى ما يبدو أن لا مخرج من هذه النهاية التراجيدية إلا إذا نهضت من تحت جلد هذه الطبقة العفنة إرادة شعبية وطنية حُرة قلبها على الوطن لا على مصادر القوة والمال والنفوذ والسلطة والدين. ولا سك أن في سوريا هذا المخزون الوطني المدني العلمانيّ الشاب الذي بدء الثورة وقام بها قبل أن تخنق صوته شعارات الوطنيات الزائفة والبلاغات اللفظية الفارغة وأكاذيب أُجراء الإعلام وأصوات الرصاص والقنابل ورايات الموت السوداء وبراميل النظام والصواريخ الروسية.
اليوم هو الوقت إذن ليعيد هذا الكامن الوطني الشاب ترتيب بيته وتنظيم ما تبقى من وطنييه لفرض نفسه كقوة سوريّة نظيفة وإلا فإن مصير سوريا سيظل كارثياً ولن يكون "التغيير" فيما بعد انتهاء الثورة إلا تغييراً في الاسم فقط كأن تتحول سوريا من مزرعة الأسد إلى مزرعة الحيوان...



#خلدون_النبواني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة الإلكترونية والولوج في العوالم الأُخرى
- الكتابة عن صادق جلال العظم
- ثلاثة أيام بصحبة هابرماس في باريس
- فيزيقا الغياب
- المتوحش
- مع الأكراد ضد الأكراد في تأسيس دولتهم
- تأمل في العلاقة الإشكالية بين القانونية والشرعية في الديمقرا ...
- حوار فيسبوكي حول الإيمان والإلحاد
- ثورة الاتصالات وتفكك بنية العائلة التقليدية
- ثمانية أسباب تبرّر تأجيل أوباما لموعد ضربته العسكرية
- قراءة في الأزمنة الدرويشية:
- خلدون النبواني - فيلسوف ومفكر - في حوار مفتوح مع القارئات وا ...
- حافظ الأسد الميّت الحيّ أو الحيّ الميِّت
- ما بين أخلاق العبيد وأخلاق الأحرار:
- النص الأدبفلسفيّ
- كهف أفلاطون والتعصب للهوية وللمعتقدات:
- من المعلم الدكتاتور إلى الأستاذ الديمقراطي
- لماذا تتعاطف قطاعات واسعة من اليسار التونسي مع نظام الأسد؟
- مَنْ كَتب حكاية: ذات القبعة الحمراء المعروفة عندنا بقصة ليلى ...
- كيوبيد الأحول


المزيد.....




- الكونغو الديمقراطية: مصرع 50 شخصًا على الأقل في حريق قارب شم ...
- برفقة ابنته.. كيم جونغ أون يدشّن مجموعة جديدة من المباني الس ...
- بوتين يهنئ تروفانوف بإطلاق سراحه من قطاع غزة ويقول: علينا إب ...
- بيسكوف: بوتين وويتكوف لم يناقشا الملف الإيراني في اجتماع بطر ...
- وسائل إعلام: إيقاف ثالث مسؤول في البنتاغون عن العمل على خلفي ...
- مفتي مصر السابق يثير تفاعلا بحديثه عن هجوم 7 أكتوبر
- ربما هناك أمل.. ماسك يشيد بقرار المحكمة العليا البريطانية حو ...
- حكومة نتنياهو تصف الوضع بالـ-خطير على أمن إسرائيل- وتتحرك لإ ...
- إعلام: الرسوم الأمريكية قد تكلف ألمانيا نحو 290 مليار يورو ب ...
- دوديك: على الغرب التوقّف عن شيطنة روسيا و محاولة فهم ما تريد ...


المزيد.....

- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خلدون النبواني - سوريا من مزرعة الأسد إلى مزرعة الحيوان