|
هل نتعلم من سمكة الشبوط
بدو محمد ألهياس
الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 23:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يقال ان سمك الشبوط هو أكثر الأسماك حساسية للمتغيرات التي تحصل في محيطه، فهو يستشعر انحسار مياه النهر قبل ان تبدأ، فيغادر مبكا الى عرض النهر قبل بقية الأسماك، خوفا من ان تداهمه ضحالة الساحل فيعلق فيه. لذلك فأن العراقيين اتخذوه مثالا يضرب للشخص الحذر، الذي يستشعر الأخطار قبل وقوعها. لكن هل نحن امة وشعوبا وأفرا، نأخذ الأمثال درسا وليس مضربا فحسب؟ تأريخنا المعاصر يقول اننا لانفعل، بل ينطبق علينا مثل صاحب قشرة الموز التي شاهدها امامه وقل زلت قدمه بها مساءا، وقال يبدو انني سأقع مرة أخرى. في تأريخنا حكم وأمثال تحث على استشعار الخطر وعدم الوقوع في الفخ مرتين او ان تلدغ من جحر مرتين. لقد تغير نهر هذه الدنيا عديدا من المرات، وفي كل مرة تغادر اسماكه الساحل الا نحن، لا نعلم ماذا يحصل فينسر عنا النهر، ونعلق في المياه الضحلة، ونبدأ رقصة الموت، نصرخ بالأمم التي أمنت على نفسها كي تفيض علينا ماءا ينقذنا. عندما كنا تحت سيطرة الدولة العثمانية، لم تقدم لنا هذه الإمبراطورية سوى جباية الضرائب من شعب فقير معدم لا يكاد يجد قوت يومه، وكان عزاء هؤلاء الفقراء ان حليفتهم مسلما وحسب. وعندما مالت شمس الخلافة الى الغروب وأصبح الغرب يسميها الرجل المريض، بقينا خامدين في الساحل ولم ندرك ان الرجل عندما يرقد في فراش الموت فأن على ابناءه ان يجدوا طريقهم في الحياة... ومرة اخرى علقنا في المياه الضحلة عند الساحل. لم نعرف كذلك ان الحربين العالميتين، الأولى والثانية قد قامت من اجل الثنائي ألأزلي؛ المال والهيمنة. وقد صدقنا ان الإمبراطورية البريطانية تدفع بجيوشها وأساطيلها وأبناءها من أجل عيوننا السوداء الواسعة وبشرتنا السمراء الساحرة. وعندما ايقنت انها قد كسبت الحرب وأستقر الأمر لها مدت علينا لسانها الطويل وأصبعها الأوسط الطويل أيضا. ومرة أخرى وجدنا أنفسنا نتلوى في مياه الساحل الضحلة بينما الأمم تسخر منا في وسط الماء ألأزرق. ومرت سنينا وعقود من الزمن جربنا فيها ما يسمى بالثورة، وقد فهمناها خطأ انها دبابة الى القصر تأخذ الحاكم القديم وتبدأ حفلة قتل وسحل... لنعرف في اخر العمر ان ما حصل كان فجيعة لم نزل نفتأ نبكي منها وعليها. اخر مرة انحسر فيها نهر هذا العالم هي انهيار (اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية........)، وكان قبلها الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، رحمه الله وطيب ثراه، قد دق جرس الأنذال لكل الشعوب وفي مقدمتها نحن، ليقول انتبهوا فأن الدنيا ستتغير، ومياه النهر سوف تنحسر، فتحسبوا. كان ذلك في كتاب صغير اسمه (الزلزال السوفيتي)، تنبأ فيه بكل ما حصل، من انفراط عقد الدول التي يتألف منها ألأتحاد السوفيتي. وبعدها حذر في كل كتاباته بأن امريكا بعد هذا ستبدأ بالبحث عن عدو، فتجنبوا ان تكونوا هذا العدو... لكن (العراق العظيم) تطوع ليأخذ هذا الدور، وسط عاصفة من أوهام القوة وخرافات القرون السالفة، فكان اجتياحه للكويت هو الزلزال الذي ضرب انحاء العالم العربي. ورغم ذلك فلازلنا نتصرف ونقوم ونجلس بمنطق الحرب الباردة. ثم جاءت العولمة، لتفتتح الألفية الثانية بتغيير هائل وشامل لكل المعتقدات والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تغييرا شمل كل حياة البشر، نتيجة للتقدم العلمي وبشكل خاص مجال الاتصالات. كان هدف العولمة هو جعل العالم قرية صغيرة واحدة بكل المعاني. وفي ضوء ذلك عقدت الاتفاقيات والمعاهدات، لتحرير التجارة بين الدول وازالة كل القيود امام مشروع القرية. لكن الأعراض الجانبية الهائلة لهذا المشروع ما لبثت ان ظهرت، مثل الأعراض الجانبية غير المحسوبة لأي دواء جديد. ووجدت دولا عظمى مثل الولايات المتحدة ألأمريكية، وبريطانيا العظمى نفسها على قدم المساواة مع دول الصنف الثاني والثالث من الترتيب القديم، ولم تعد عبارة الدولة العظمى تحمل أي معنى. ,اصبح الشعار الذي رفع في بداية هذا القرن؛ (لقد كانت امريكا الإمبراطورية الأولى في القرن العشرين وستكون كذلك في القرن الحادي والعشرين) اصبح هذا الشعار في مهب الريح، في ظل دين عام قارب العشرين تريليون دولار، وبتية تحتية لم تجدد منذ عقود. لهذا وقف دونالد ترامب في حملته الانتخابية ليعقد مقارنة غريبة بين امريكا العظيمة و أمارة دبي!. وتغيرت مناسب النهر مرة أخري، عندما أصبح دونالد ترامب الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة ألأمريكية... لقد دخلنا في الحقبة الترامبية الجديدة، والتي رفعت شعار (لنعيد امريكا عظيمة من جديد) وهو شعار يختصر كل الشعارات. فهو يعترف اولا ويقرر أن امريكا لم تعد عظيمة. ثم ان امريكا لن تكون عظيمة الا بالقوة والمال. وهل كانت امريكا فيما مضى مهابة الا بعصا القوة وسلطة المال؟ لكن كيف يستعرض القوي قوته؟ وكيف يخيف العالم من جديد؟ بعد ان اضعفته سياسة الانكفاء والانكماش السابقة وجعلته اضحوكة بين الأمم وتجرأت عليه دولا من الصف ألأخير. لا شك انه سيختار عدوا مناسبا! ... عدوا يستطيع به ان (يؤدب) العالم من جديد، بسرعة وبخسائر قليلة. عدوا مستعد كامل الاستعداد لهذا الدور، كما فعل (العراق العظيم) في نهاية الحرب الباردة... عدوا يستحضر امجادا أفلت في عالم لا يحب الافلين. لقد بدأت الحقبة الجديدة، ويبدو انها اختارت عدوها، وسترمي رفا من العصافير بحجر واحد. انها أيران! الدولة الإسلامية التي أنشأت قبل عقود، فيلقا أسمته فيلق القدس، هو الأكثر نفوذا وقوة في المنطقة، ولا يخفى على أحد ان مهمة تأمين اسرائيل هي أولوية امريكية. بعد ان تم تدمير المحيط العربي لم ما يهدد اسرائيل سوى هذه الدولة، والتي تسابق الزمن لغرض كمال طريق، طهران -ديالى -صلاح الدين -موصل -حلب -(جرود عرزال). قد يتفرق الناس في رأيهم بهذا الطريق شيعا، منهم من يراه حلما امبراطوريا ساسانيا، ومنهم من يرى فيه مسيرة عقائدية الى أولى القبلتين، لكنه على اي حال ليس بطرا ولا لعبة من الاعيب السياسة، وهو ليس طريقا للحرير، بل هو طريقا للدم، يعرفه من أنشأه قبل ان يعرفه سالكيه. الهدف الأخر للنظام ألأمريكي الجديد، هو مثلث الطاقة الهائل (أيران -ألعراق -الخليج) ... من يتحكم بهذا المثلث سوف يتحكم بالهواء الذي يدخل ويخرج من رئة هذه الدنيا. وسوف يكون ملك (الغابة) دون منازع... الغابة التي بقيت دون ملك طوال العقد الماضي، بعد ان ألغت قوانين العولمة، النظام ألتراتبي للعالم ألقديم، وهي في طريقها لإلغاء الهوية الوطنية والقومية للأمم، من خلال مشروع (العالم قرية صغيرة) والذي قدم خدمات وتسهيلات لقوى التخريب والتفتيت، على حد سواء أو أكثر من تلك التي قدمها لدعاة البناء والتقدم. هذه الأهداف وغيرها هي ما ستفعله (الترامبية) الجديدة. ستعود حينها امريكا (العظيمة) الى البيت مساءا كسابق عهدها وبيدها عصا غليظة اثخنت بها الخارجين على قوانينها. السؤال ألأخير هو: هل سنفهم الدرس مرة واحدة في هذا العمر ولا نكون أول كومة حطب تُشَب فيها النار؟ امم اننا سننسى درس سمكة الشبوط ونجلس علو ضفة النهر نغني يا صيَاد السمج صيد لي بنيه شعجب انت حضري وانه ابدويهٍ
#بدو_محمد_ألهياس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترامب... استعادة الدوله وبداية غروب العولمة
المزيد.....
-
بوتين: نسعى إلى إنهاء النزاع في أوكرانيا
-
-رسائل عربية للشرع-.. فيصل الفايز يجيب لـRT عن أسئلة كبرى تش
...
-
برلماني مصري يحذر من نوايا إسرائيل تجاه بلاده بعد سوريا
-
إطلاق نار وعملية طعن في مطار فينيكس بالولايات المتحدة يوم عي
...
-
وسائل إعلام عبرية: فرص التوصل إلى اتفاق في غزة قبل تنصيب ترا
...
-
الطوارئ الروسية تجلي حوالي 400 شخص من قطاع غزة ولبنان
-
سوريا.. غرفة عمليات ردع العدوان تعلن القضاء على المسؤول عن م
...
-
أزمة سياسية جديدة بكوريا الجنوبية بعد صدام البرلمان والرئيس
...
-
هل أضافت عملية الاحتلال بجباليا شيئا لأهداف الحرب الإستراتيج
...
-
رفع حالة التأهب بإسرائيل بعد -هجوم المطار والميناء- في اليمن
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|