|
إشكالية العقل الديني والتطور
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 17:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التجربة التأريخية عند العقل العربي والإسلامي غالبا ما تقتصر في كل مفاعلاتها على ما يدور على فكرتي الدين كظاهرة ملازمة للوجود، والتأريخ بصفته حدث ماضوي مرتبط أيضا بوجود العقل وإدراكاته، وبالتالي فكل تطور أو تحديث في ميكانيكيا النظام العقلي إن لم يلامس هاتين الفكرتين يبقى غريبا أو مستغربا فيه، لا ننكر أن بعض الإنجازات الفكرية الأخرى سواء أكانت علمية أو معرفية أكتسبها العقل أو نجح في ملاحقتها وتجسيدها لم تنطلق من ضرورياته فقط، بل كان الواقع العملي وتطورات حراكه قادت ومن خلال التلاقح الحضاري بمعزل عن مؤثرات الدين والتأريخ هي الفاعل الأول في حصولها. من مظاهر هذه الفريضة المنطقية أن الموصوف اليوم بالمجتمع العربي والإسلامي وبالرغم من أمتلاكه لفترات طويلة ومتعددة كل الأسباب المادية والضرورية لتجديد قواعد التجربة وأغنائها بالمستجدات وتلائمها مع تطورات الزمن وخضوعا لراهنيته المتحركة، إلا أن وجود التأثير الكهنوتي لظاهرة التدين وثقافة الحس التأريخي المتزمت في أصوليته عرقل المشروع العقلي الإنساني بدواع وأسباب يمكن تأشيرها هنا وفقا لدورها الفاعل: • فكرة نهائية وتمامية الدين وعدم إمكانية التسامح في التمدد أو محاولة تجاوز الحاجز النفسي والفكري لهذه النهائية من خلال تحريك النص عن سقفه التاريخي أما تأويلا أو تفسيرا، بمعنى القبول بالتأريخية النهائية المنتجة للنص وبالتوافق مع منح النص حرية الحركة داخل الزمن . • تحييد الفكرة الدينية وعزلها عن الواقع وحجزها في أطار واقعها الذاتي الذي نزلت فيه، هذا الواقع الموضوعي أكثر منه ضروري تعلق بسقف الفوقية الغيبية التي لا يسمح لأحد حتى مناقشة أصل الفكرة، وحيث أن الداع الديني عندما جاء بلرسالة وطرحها للناس لم يطرحها فكرة مكتملة تمثل علاجا وحلا تاما لإشكالية الإنسان في الوجود وبأعتبارها قضية ضرورية، بل طرحها على أنها إرادة الغيب مطلقا وما على الإنسان إلا أن يتحرك داخل هذا الأطار بطريقة الخضوع والأتباع وإلا سيكون الجزاء واضحا ولا جدال فيه، هذه الكيفية عزلت الدين وأطاحت بكل فرصة لأن يتحرك أفقيا وشاقوليا في داخل التجربة الإنسانية كفعل متعقل وعاقل. • هناك تعارض بين طريقة الوضع وبين نهائية الفكرة، فلو كانت الفكرة النهائية أساسا في صلب الدين ما كان له أن ينزل مرحليا وعلى مدى سنوات وأعوام، لان هذا التنزيل كان موافقا ومسايرا للتجربة في الواقع ومستجيبا لها، وحين يعلن الداع النهائية فأنه قطع بذلك ديمومة وسيرورة التجربة وجعلها تبدو أكثر واقعية منها أن تكون أفتراضية، وفند نظرية أن هذا الدين هو متكامل في نقطة البداية وأصلا وما التنزيل إلا تجزئة لغرض التسهيل والتيسير، هذا التقاطع بين الفكرة والتجربة سببت شرخا في صورة التجربة من جهة وفي حقيقة أن الفكرة الدينية مبتدعة أو هكذا تبدو، وما علينا أما أن نبقى مسايرين لتطور التجربة ورفض النهائية وتجاوزها من خلال منح النص (الفكرة) حرية الأستجابة للمتبدل التغيري والمتحرك التوافقي لها، أو القطع أصلا بكون الفكرة الدينية أصلا بالتمام هي تجربة بشرية ذات طابع أبداعي وأغلقها الراع والداع لأسباب خاصة به، وعلينا أن نتخذ قرارا ما بما يتلائم مع ضخامة التجربة ذاتها. • ربط الدين بالتأريخ تمثل كأساس يفكرة التواصل من أول الرسل والأنبياء إلى أخر الدعاة والمبعوثين على أس واحد وأشتراكهم جميعا به، أي أن الدين ليس تجديدا للحياة بل تجديدا لفكرة تتعثر، هنا أيضا تقاطع الدين مع الزمن ولم يخدم قضية التجربة التاريخية للعقل، فهو يستغل الزمن لفرض تصحيح فكرة فيها الكثير من جوانب الخلل وإصرار على أن تكون هذه التجربة الدينية ناجحة ولو على مصلحة الإنسان، وكان المفروض منطقيا وعقليا أن يهاجم الدين الجديد فكرة الدين القديم لأنه لم يلحض قضية الإنسان وتخلف عن الحل لتمسكه براهنية الواقع، وعليه أيضا أن يدعو من خلال الفكرة إلى أن يتحول الدين بكل خطوطه إلى ورشة عقلية تقود الإنسان للتخلص من مسببات الفشل والأحباط لا أن تقوده إلى ربط التجربة بكل التاريخ المتعثر وتلق بالتهمة عليه لأنه لم يستجب لخطواتها المتعثرة. • النقطة الأهم التي يركز عليه الفكر الديني أن وجود الدين ضروري بحد ذاته لأن دوما ما يحاول رسم خارطة طريق للإنسان بغض النظر عن الزمان والمكان، وفي هذه النقطة بالذات ناقض زعمه وعارض أصل الفكرة النهائية، والمعروف عقليا وعلميا أن التغيير التطوري يلحق دوما تجديدا في النظام العقلي، وبالتالي ما يبدو صالحا في فترة زمنية ليس من المؤكد والضروري أن يكون كذلك بما هو فيه من ثبات وتوقف إلا إذا منحنا حق للفكرة ذاتها أن تتحرك طبقا للضرورة وطبقا للمسار التجربة، فهنا أما أن نخضع للضرورة الدينية كاملا ونتوقف في حدود النص وحدود ما ينتج بغض النظر عن الزمان والمكان وما يشكل ذلك من تعارض لقانون الوجود وتخلفا عنه، أو نترك مبدأ الضرورية تلك ونستبدلها بالضرورية الوجودية التي تعني أن للحركة والزمن والتطور قدرة على خرق ما يسمى بالثوابت وننجح في تحريكها وزحزحتها موضوعا وذات. إذا المسألة المنطقية تدور في أطار الدين وأطار التأريخ ولا تدور في عجز العقل عن إستيعاب وتطوير التجربة، ومعلوم أن النظام العقلي ينتج طبيعيا كل ما يقدم له من مقدمات ومعطيات وواقع بما فيهن من ظواهر، فهو لا يحاول خرق هذه الأطر إلا إذا كان تجاوزيا نافذا وأستشراقيا وحتى هذا النموذج لا يمكن لنا بناءه في ظل هيمنة مطلقة لعناصر الدين والتأريخ على الواقع محل التجربة، قد تكون النبوة أو الفكرة الدينية قد نجحت في تحريك أجتماعي ومعرفي في زمنها وتأريخها وقد يكون هذا النجاح مبهرا في جوانب عديدة، ولكن التمسك بذات الطريقة الفرضية والأفتراضية ومحاولة العودة في كل مرة لها وخارج سياقات وأنساق الواقع المتجدد تجعل من هذه المحاولة مجرد عبث فكري يعيق العقل عن البحث عن حلول واقعية أو حتى تجديدية لأنه لا يلاحظ محدودية المحاولة بأنها تخاض خارج زمنها وخارج الحال الذي جاءت فيه. لو أردنا فعلا أن نعيد التجربة لنبوية اليوم لتحديث الواقع وأستحضرنا طريقة التفكير والمنهج ذاته الذي عمل فيه النبي في قومه، سنصطدم بالكثير من الفشل وعدم القدرة على مواصلة التجربة، لفروق مادية وموضوعية أستهدفتها فكرة النبوة أساسا، فإذا جاءت الرسالة الدينية لتصحيح أفكار تتعلق بالسماء والغيب وفكرة الميعاد والبعث والوحدانية والعدل الرباني وزرعها في عقل المجتمع، فهذه الأمور حاضرة وبقوة وبالتالي علينا أن لا نثيرها في التجربة الجديدة، وإذا تحدثت الرسالة عن الحق والعدل والحرية والمساواة بين الناس والعمل الصالح والخير وفكرة الخير والشر وكل القيم المثالية فأنها موجوده أيضا وبتنوع وتعدد وبأبعاد قد تكون أكثر تفصيلا وشمولية عنا في فكرة الرسالة، إذا ما بقي في الدعوة النبوية كي نحييها، الجواب هنا قد يكون في ترك الدعوة أصلا أو أعلان ثورة جديدة على هذا الواقع الذي صنعته فكرتي النهائية والتاريخية للبدء بعالم معاصر جديد أستجابة إلى إشكالية التجربة التأريخية في العقل وما توصلت له من واقع مغلق غير قابل للأجتياز إلا بعبور الفكرتين معا.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل غادر الشعراء من متردم
-
رسالتي إلى السيدة الأولى
-
المفيد
-
العراق ... وتخاريف الصغار
-
سوق المربد حيث تباع الكلمة بخسة ونخاسة
-
الشذوذ في عالمي السياسة والدين ح1
-
مشهد من فلم لم ترونه كاملا..............
-
المصير خلق التجربة وإثبات لدور المعرفة
-
حين يتكلم الفاسدون عن العفاف والطهارة والوطنية
-
نظرات أولية في نتائج تحرير الجانب الأيسر من الموصل
-
أنشودة الدم المسفوح في روح القصيدة
-
أمريكا وأحتمالات العمل العسكري في العراق
-
الدين وإنسانية القيم الأخلاقية
-
أمريكا وسياسة التوجه للداخل
-
تجريف التربة الصالحة للزاعة وتلويث المياه ... حرب بأيقاع أخر
...
-
ثورة الفقير ومشكلة السيد الأمير
-
هاجس الأمن بين حاجة المجتمع وتقاطعات حماية حقوق الإنسان ح2
-
هاجس الأمن بين حاجة المجتمع وتقاطعات حماية حقوق الإنسان
-
كتابات طائشة
-
هل كان الإنسان الأول عاقلا كاملا؟ ح3
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|