أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمسيس حنا - المغالطات المنطقية (4): مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع















المزيد.....



المغالطات المنطقية (4): مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع


رمسيس حنا

الحوار المتمدن-العدد: 5420 - 2017 / 2 / 2 - 10:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


فى هذا المقال سوف تتم مناقشة خمس مغالطات فى مجال الحجج منقطعة الصلة بالموضوع و هى 1- مغالطة مناشدة الوطنية، و 2- مغالطة إنتهاج المباهاة و المفاخرة، و 3- مغالطة مناشدة التقاليد، و 4- مغالطة مناشدة سلطة (مرجعية) شهيرة و لكنها غير مناسبة و 5- مغالطة اللجؤ الى سلطة متحاملة أو متحيزة (متعصبة).

• مغالطة إنتهاج الوطنية أو النهج الوطنى (Patriotic Approach): و يُطلق عليها أيضاً "لف الشخص لنفسه فى علم الوطن": و تؤكد هذه المغالطة أن حجة أو موقف معين يكون صحيحاً أو صادقاً لأنه الى حد كبير أو حتى الى حد ما "موقف وطنى"؛ و هولاء الذين لا يوافقون عليه أو لا يتفقون معه يكونوا غير وطنيين. تضمن هذه الحجة بشكل أو باَخر إستدرار عواطف المتلقى نحو الوطن من ناحية و و مغالطة الإحتجاج على الشخص (الهجوم على الشخص) من ناحية أخرى. فعلى سبيل المثال نتخيل أن صحفياً أمريكياً إنتقد قرار الرئيس ترمب بحذر دخول أى أشخاص من دول إسلامية معينة الى الولايات المتحدة الأمريكية و تم إتهام هذا الشخص الصحافى بأنه غير وطنى أو أنه لا يحب وطنه أمريكا فهذا الإتهام مغالطة إنتهاج الوطنية. حيت أن إنتقاد الصحافى لقرار الرئيس غير مرتبط بالوطنية أو حب الإنتماء الى أمريكا. و مثل هكذا لو تجرأ كاتب أو صحفى سعودى و نقد فرض الحذر على أى شخص غير مسلم من دخول شبه جزيرة العرب فيتم إتهامه بعدم الوطنية أو سحب جنسيته السعودية فهذا الإجراء يعد مغالطة إنتهاج الوطنية. أو أن الحذر مبنياً على حديث عى رسول الإسلام و أفضل طريقة للتعرف على هذه المغالطة هو ملاحظة المصطلحات و العبارات الرنانة و المشحونة عاطفياً مثل "عروبتنا" و "مصريتنا" و "الهوية المصرية" و "الهوية العربية" و "الإسلام ديننا" و "القراَن دستورنا" و "وا أسلاماه" و "الشيوعية الملحدة" و "الشيطان الأعظم" و "إنتهاك حرمة المسلمين" و "الإمومة" و "الطفولة البريئة" و "الفردية المتوحشة" ... الى اَخر هذه الفرقعات العاطفية. فالمصرى الذى يتهجم أو يعتدى على شخص أجنبى لأنه إنتقد الحكومة المصرية على عدم إهتمامها بالنظافة ثم عندما يُسأل الشخص المعتدى لماذا فعل ذلك فيجيب بأن حبه لمصر و غيرته الوطنية دفعته لأن يدافع عن مصر فهذه هى مغالطة إنتهاج الوطنية. و عند نقد مسلسل تلفزيونى يتناول أوضاع المرأة السيئة فى مصر و تقول أن هذا المسلسل يسيئ الى سمعة مصر فإن ذلك يعنى إستخدام مغالطة "إنتهاج الوطنية". أو عندما ينتقد شخص بعض سلوكيات رسول الإسلام أو أحد صحابته فيطالب أحد المدافعين عن الرسول بسحب الجنسيه المصرية من الناقد فهذه مغالطة إنتهاج الوطنية؛ و بالطبع لا يوجد أتصال بين النقد و الرد عليه بالعقوبة. و عندما يترجم الأزهر الشريف أى نقد أو أى إقتراح كـ"بناء كعبة فى سيناء" مثلاً لجذب السياحة الدينية أو أى تحليل نفسى لأى شخصيات إسلامية على أنه إزدراء للدين الإسلامى فهذا السلوك مغالطة منطقية. و عندما يرد أحد على حجة فصل الدين عن السياسة بأن "الإسلام دين و دولة" أو أن "الإسلام هو ركيزة الوطنية" فهذا الرد مغالطة منطقية ... فالإسلام لا يمكن أن يكون دولة و حتى الذين يدعون أن الإسلام دين و دولة لا أعتقد أنهم سيتمنون ذلك إذا علموا أن الدولة يمكن أن تسقط فى أى وقت ... فهل إذا سقطت الدولة يسقط الدين؟؟

• إنتهاج المباهاة و المفاخرة (Snob Approach): و هو نوع من الإحتجاج بجموع الناس (argumentum ad populum) و لكن هذا النوع من الإحتجاج بالناس لا يؤكد على أن كل شخص يفعل هذا أو ذاك و لكنه بالأحرى يؤكد على أن: "الصفوة فقط المختارة من الناس أو عظماء الناس فقط أو علية القوم هم فقط الذين يفعلون أو لا يفعلون هذا أو ذاك." فمناشدة روح المباهاة و المفاخرة تركز على صفات المنتج أو سماته التى تتماشى أو تتناسب مع مستهلك يهمه التفاخر و التباهى (أو الفشخرة) بأمتلاكه هذا أو ذلك المنتج. و مناشدة المباهاة و التفاخر قد تركز على المنتج الفعلى نفسه أو تركز على تفرد (exclusivity) من يمتلكه. فعندما تقول الحجة أن: "سيارة كذا هى حصن الأمان الذى يضمن لك السيطرة على الطريق" فالتركيز هنا على المنتج الذى يعطيك شيئاً يتناسب مع ميولك للتباهى و التفاخر الذى يتمثل فى "سيطرتك على الطرق" لكى تتماشى مع المقولة الشعبية: "يا ارض إنهدى ما عليكِ كدى"؛ و عندما تركز المقولة على الشخص أو الأشخاص الذين يستعملون المنتج فأنها تريد أن تبرز الحصرية و التفرد (exclusivity)، كما يحدث فى مقولة الإعلان أن: "العظماء فقط هم الذين يركبون سيارة كذا" فإنه يركز على تفرد من يملك السيارة الفلانية. و كذلك عندما يُقال إن "أى شخص مثقف سيعترف بضرورة قراءة نجيب محفوظ" فمضمون هذه الحجة هنا هو أن أى شخص لا يستطيع أن يتعرف على حقيقة ما يهدف اليه نجيب محفوظ أو ما يؤكد عليه فى كتاباته لا يكون شخص مثقف أو مفكر، و هكذا فأنه من الأفضل للقارئ ان يعترف بهذه الحاجة أو الضرورة لكى يكون من زمرة المفكرين أو المثقفين. ففى الأمثلة السابقة فإن المقولة أو الحجة أو الجدلية ليست دليلاً على صحتها و لكنها مجرد تأكيد يتعلق بالناس الذين يتفقون أو يختلفون مع هذه الجدلية أو الحجة. و بالمثل عندما يتمسك أتباع الديانة اليهودية بمقولة أنهم "شعب الله المختار" بناءاً على نص سفر التثنية أصحاح 14 عدد 2: " لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض." و نفس الفكرة فى سفر اللاويين أصحاح 20 العدد 24: " أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب" و العدد 26 من نفس الأصحاح: "وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي " فهذه المقولات تمثل مغالطة إنتهاج المباهاة و المفاخرة و التى يقابلها فى أتباع الديانة الإسلامية مقولة "كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ" ، (سورة اَل عمران اَية 110). و إنتهاج المباهاة و التفاخر يتم من طرف على حساب طرف اَخر أو يتم من جماعة على حساب جماعة أخرى فاليهود يتباهون على بقية العالم بأنهم شعب الله المختار و المسلمون يتباهون على بقية العالم بأنهم خير أمة و أهل السنة يتباهون على الشيعة بل على العالم كله بأنهم شعب الله المختار؛ "صالح الوردانى: أهل السنة شعب الله المختار " الناشر مكتبة مدبولى الصغير 1996.

• مناشدة التقاليد (Appeal to Traditions) أو (Argumentum ad Traditionem): هذا النوع من الحجية يستند الى التأكيد على أن حجة ما أو مقدمة منطقية ما لابد أن تكون صحيحة لأن الأباء و الأجداد كانوا يفعلون أو يؤمنون بذلك. و بالمقابل أيضاً قد يُحتج بأنه كما كان لهذه المقدمة أو الحجة المنطقية تأثيرها و فعاليتها فى الماضى فسوف يكون لها تأثيرها و فعاليتها فى الحاضر و فى المستقبل تطبيقاً لمقولة "طالما لم ينكسر الشيئ أو يعطب فلا يحتاج الى إصلاح أو تعديل أو تغيير. و المثل الشائع "من نسي قديمه تاه" هو دليل واضح على مغالطة "مناشدة التقاليد. و حجة إتباع التقاليد تبدو أنها تناشد الذوق العام؛ و لكن هذا لا يعنى أن الذوق العام يتسم بالنقاء أو الإنسانية بل كثيراً ما يكون الذوق العام سيئاً و مجحفاً و ظالماً. فالذوق أو الحس العام فى مصر أسهل بالنسبة له أن يتقبل فكرة الثأر من أن يتقبل فكرة التسامح أو فكرة عدم الأخذ بالثأر. و الذوق العام فى مصر يتسامح مع جريمة التحرش أو الإغتصاب إذا ما إكتملت الجريمة بالزواج و لا يتسامح مع علاقة بين رجل و إمرأة خارج إطار الزواج حتى و لو كانت علاقة عمل. و الذوق العام فى مصر قد يتقبل بناء بيوت دعارة أو خمارات من أن يتقبل بناء كنيسة. و قد نقابل أناس كثيرين يترحمون على زمان و أيام زمان و ينسون أن الزمن و الأشخاص يتغيرون، و ما كان يصلح فى الماضى ليس بالضرورة صالح للحاضر أو للمستقبل. و عملياً ما زالت الحكومات المصرية المتعاقبة منذ سقوط الأمبراطورية العثمانية و حتى الاَن تطبق ليس الخط الهمايونى فقط بل العشرة شروط المجحفة لبناء الكنائس التى وضعها القربى باشا وكيل وزارة الداخلية فى وزارة عبد الفتاح يحيى باشا سنة 1934. و من الجدير بالملاحظة أن تلك الشروط ليست شروطاً بل هى إجراءات تعسفية لتعيين المكان المقترح لبناء كنيسة و تحديده بطريقة هى فى الواقع رفض الطلب لدرجة أنه يمكن وقف أو رفض بناء الكنيسة لمجرد ان مزاج الموظف ليس رأئقاً، و لو كان مزاج الموظف رائقاً فسيعلم أن الأمر يختص ببناء كنيسة فلن يعير الطلب أى إهتمام و سوف يلقى به فى سلة المهملات. و مناشدة التقاليد هى دعوة صريحة لممارسة حياة الماضى حتى و لو كان هذا الماضى بشعاً و كريهاً. فجماعات الأصولية الدينية فى مصر و فى العالم يريدون فرض حياة الماضى على الناس بمقولة إتباع السنة و لم يسألوا أنفسهم أبداً ألم يكن من الوارد أو الممكن لرسول الإسلام أن يغير سنته و أحاديثه و مقولاته و قراَنه لو عاش فى الوقت الحالى. فإذا كان التعليم يعنى التفكير فى الحاضر من منظور مستقبلى فإن تعليم التقاليد يعنى التعامل مع الحاضر و المستقبل من منظور ماضوى مما يعنى أن الأجيال الحالية عاجزة عن أن تبدع أو تضيف الى ما توصلت له الأجيال السابقة. ألا يمكن خلق و إتباع سياسة بديلة تكون أفضل من السياسة التقليدية القديمة تجاه أقباط مصر و تجاه التعليم و التصنيع و الزراعة و التجارة؟ الا يستطيع الشيوخ و الدعاة أن يحببوا الناس فى العمل و بذل الجهد من أجل رفع مستواهم الأقتصادى بدل من إقحامهم فى مسائل فقهية لا تغنى و لا تسمن من جوع؟ ألا تتغير الظروف و الأحوال مما كانت عليه من عشر سنوات او عشرين أو ثلاثين سنة فكم بالحرى بعد الاَف السنين؟؟

• مناشدة سلطة (مرجعية) شهيرة و لكنها غير مناسبة (Argumentum ad Verecundium): هذه المغالطة تعنى الإعتماد الكامل على شعبية إنسان و شهرته فى علم أو فرع معين من العلوم بعيد الصلة عن موضوع الحجة أو المقدمة المنطقية المطروحة؛ و بمعنى اَخر فإن الأستشهاد بشخصية شهيرة كمرجعية و كدليل على صحة أو خطأ حجة ما هو بالضبط كإستدلال أولاد يعقوب بالدم (و هو دم شاة أو خروف) المُلَطخ به قميص أخيهم يوسف على أنه دم أخيهم لإثبات أن وحشاً فى الخلاء قتله؛ فلا الدم دم أخيهم و لا الوحش قتله. و كذلك عندما إدعت بعض إذاعات و صحف الدول العربية و الإسلامية أن "نيل ارمسترونج" (Neil Armstrong) رائد الفضاء و أول من هبط على سطح القمر سمع صوت الأذاَن هناك، فلما زار القاهرة بعدها بفترة و سمع الأذان أشهر إسلامه بعد عودته الى أمريكا فما كان من زوجته إلا أن طلقته و ما كان من وكالة ناسا إلا أن فصلته من العمل بها. الغريب أن هذه الإكذوبة ما زالت تتردد على صفحات الشبكة العنكبوتية حتى الاَن رغم تكذيب نيل ارمستروتج (Neil Armstrong) للخبر؛ و لما أراد بعض العقلاء أن يدللوا على كذب الخبر بأنه لا يوجد هواء على سطح القمر و لا فى الفراغ الواصل بين القمر و الأرض كوسيط لإنتقال الصوت قالت الأذاعات و الصحف التى نشرت الخبر أن الموضوع هو معجزة لإثبات أن الأذان تشريع إلهى (http://montada.sptechs.com/islamic-forum/topic15752.html) و (http://forum.brg8.com/t22032.html) و (https://www.youtube.com/watch?v=-hfmIfv4cQw) و (http://www.omanya.net/vb/showthread.php?s=57635d0695b957dc9550418cc538a2f0&p=35142067). و نسيت هذه الصحف و الإذاعاث كيف تم تشريع الصلاة أصلاً (https://islamqa.info/ar/145725)، ثم بعد ذلك تم تشريع الأذاَن بناءاً على حلم عبدالله بن زيد (https://islamqa.info/ar/7945). و مثل هكذا لا تدخل الحجة المراد حسمها فى نطاق أو مجال أو تخصص هذه الشخصية المرجعية؛ فهم يريدون إثبات مشروعية الأذان عن طريق شخصية مرجعية شهيرة غير متخصصة لا فى التاريخ و لا علم الإجتماع و لا فى الأديان و بالأخص الدين الإسلامى. و تحاول مغالطة اللجؤ الى مرجعية موثوق بها (أو الأستشهاد بشخصية مشهورة) (Argumentum ad Verecundium) أن تلعب على مشاعر الأحترام و على شعبية و شهرة هذه الشخصية أو المرجعية الشهيرة لكى تستمد صحتها و قوتها من هذه الشخصية المرجعية و ليس من ذات و منطقية الحجة. و لكى يكون الأمر جلياً و أكثر وضوحاً ً فإنه ليس من الخطأ أو المغالطة أن يكون للحجة مرجعية ذات سلطة أو قوة مُعَترف بها إذا ما كانت خبرة و حرفية هذه الشخصية المرجعية تدخل فى مجال هذه المعرفة البحتة التى تتعلق بها الحجة. فعلى سبيل المثال فأنه من المغالطة أن نستشهد باينشتاين (Einstein) و هو عالم مرجعية فى الفيزياء لنحسم جدلية أو حجة تتعلق بالتعليم؛ و بالمثل فإن الإستشهاد بدارون (Darwin) – و هو عالم و ذات سلطة و مرجعية فى الأحياء – فى أمور أو مواضيع أو حجج دينية؛ فإن هذا الإستشهاد بدارون (Darwin) فى المسائل الدينية هو مغالطة منطقية. و العكس صحيح أيضاً: فالإستشهاد بالأنبياء أو رجال الدين فى أمور و قضايا علمية هو مغالطة منطقية. فلا نستطيع أن نعتبر يشوع إبن نون مرجعية فى علم الفلك لمجرد أن نقرأ فى سفر يشوع أصحاح 10 عددى 12 ، 13: "12 حينئذ كلم يشوع الرب يوم اسلم الرب الاموريين امام بني اسرائيل وقال امام عيون اسرائيل يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي ايلون. 13 فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من اعدائه.اليس هذا مكتوبا في سفر ياشر.فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل." إنتهى الإقتباس من سفر يشوع. و أى كان التفسير لوقوف الشمس فى كبد السما و هل يُقصد به توقف الأرض عن الدوران حول نفسها، و توقف القمر عن الدوران حول الأرض و الغرض الوحيد لعملية توقف الطبيعة تلك هو لإتاحة الفرصة لشعب إسرائيل للإنتقام من أعدائه، فلا يمكن التسليم بهذا كواقعة أو حدث طبيعى أو غير طبيعىى و لا يمكن تفسيره إلا بالأخذ فى الإعتبار الحالة النفسية التى كان عليها كاتب النص مع تابعيه. فهل التفكير المنطقى السليم يقبل مثل هذه الإدعاءات؟ و كأن الله قد خلق الشمس و القمر من أجل عيون بنى إسرائيل (هذا الطفل المدلل الذى تصوره التوراة) لغرض واحد فقط هو الإنتقام من الأموريين (الذين صورهم النص كما لو أن الله لم يخلقهم أو قد خلقهم إله اَخر هو عدو لله)؛ فالحدث لو تم لكانت له نتائج علمية تختلف تماماً عما جاء فى سفر يشوع. و لكن المطلوب هو التخلى عن العقل و الإقرار بوجهة نظر يشوع بن نون. و بنفس الطريقة لا يمكن أن نتخذ رسول الإسلام و نصوصه مرجعية فى علم الفلك لرصد النجوم فى مجرتنا "درب التبانة" - و منها شمسنا – لمجرد أن ذُكر فى النص الدينى أن الشمس تغيب فى "عين حمئة" كما جاء فى سورة الكهف اَية 86 "حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا."

• و عن مناشدة (أو اللجؤ الى) مرجعية غير مناسبة تتفرع مناشدة (أو اللجؤ الى) سلطة متحاملة أو متحيزة (متعصبة) كما فى حال الفتاوى التى تحرم على المسلمين تهنئة المسيحيين بأعيادهم حتى لو كان المسيحيون يهنئون المسلمين بأعيادهم؛ و يقول صاحب الفتوى أن تهنئة المسيحيين بأعيادهم "أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه... إلخ" و الكلام لمحمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية أبى عبد الله فى كتابه " أحكام أهل الذمة " جزء 1 ص 441 (http://ia600206.us.archive.org/3/items/Ahl_Zemah/Ahl_Zemah.pdf) و (http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=105164). فهل لنا أن نتخيل أن إلها يحكم بأن مجرد تهنئة شخص لشخص بعيد ما (المسلم للمسيحى بعيد من أعياد المسيحيين) فهذا عنده "أى عند الله" أشد قبحاً و مقتاً من أى كبائر أو معصيات يرتكبها المسلم كالقتل و الزنى و شرب الخمر. و هنا نعلم جيداً الى أى مدى يتقرر مصير السلام و الأمن الإجتماعيين بفتوى تخرج من فم الشيوخ؛ كم ندرك الى أى درك سفلى وصل اليه العقل العربى عندما يتلاعب به و يتقاذفه الشيوخ بين أقدامهم. فما بالك بالتعاملات و المعاملات الأخرى التى تطلب مشاركات أو تعاونيات أو جيرة بين المسلم و الذمى. لقد وصل الأمر أن يُنهى المسلم عن مبادأة اليهود و النصارى بالسلام. ففى حديث رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة أن رسول الإسلام قال: "لا تبدؤوا اليهود و النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم فى طريق فإضطروه الى أضيقه." و فى الصحيحين عن عبد الله بن عمر أن الرسول قال: "إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم: السامُ عليك. فقل: و عليك"؛ (إبن القيم الجوزية: أحكام أهل الذمة الجزء الأول ص 409 الطبعة الأولى1997، رمادى للنشر، الدمام، المملكة العربية السعودية). و لنلاحظ جيداً كيف يصيب الشيوخ بفتاواهم المؤمنين بمرض البارانويا (paranoia) فى حديث رسول الإسلام: " فإنما يقول أحدهم: السامُ عليك ". و الحديث يجعل المؤمن يشك و يرتاب و لا يثق فى أى شخص غير مسلم فيسئ المؤمن فهم أية ملاحظة أو إشارة أو عمل يصدر عن الآخرين ويفسره على أنة ازدراء به ويدفعه ذلك إلى البحث عن أسلوب لتعويض ذلك فيتخيل أنه عظيم وأنه عليم بكل شيء. و هذا هو مرض البارانويا و هو إضطراب عقلى ينمو بشكل تدريجى حتى يصير مزمناً، ويتميز بنظام معقد يبدو داخليا منطقيا ويتضمن هذاءات و توهمات عقلية (mental delusions) مفادها الاضطهاد (persecutions) والشك والارتياب. أليست هذه هى حالتنا تماماً فى الشرق الأوسط فنسئ فهم أية ملاحظة أو إشارة أو عمل يصدر عن الاَخرين و نفسره على أنه إزدراء بنا أو بديننا و يدفعنا ذلك للبحث عن تعويض فنتخيل إننا عظماء و إننا عليمون بكل شيئ؛ و ما أدل على ذلك من الحكم على أطفال بنى مزار المنيا بالسجن خمس سنوات لإتهامهم بإزدراء الدين الإسلامى. لقد وصلت بنا البارانويا الى حد عدم الثقة فى زوجاتنا و بناتنا لدرجة أن الشيوخ أفتوا لهم أن "كل فرْج مكتوب عليه إسم ناكحُه" رغم أن درجة الحديث "لا يصح" ؛ و لكن الغرض منه هو إذلال و تحقير و تخويف و إرهاب المرأة لأن المؤمن فى منتهى البساطة قد فقد ثقته بكل أحد حتى زوجته و أصبح يعانى من بارانويا مزمنة: (https://www.youtube.com/watch?v=NpDsFwu8jp4) و قد تصل البارانويا الى درجة أن نضيع كثيراً من الوقت و الجهد و التفكيرو الهوس بإمور تنم عن بارانويا متعمقة فى عقل الرجل حتى نحو زوجته؛ فى هذا المقطع من الفديو (https://www.youtube.com/watch?v=StOmGDqnXN4) تناقش فيه مقدمة البرنامج ما إذا كانت رطوبة فرج المرأة طاهرة أم نجسة ... فتخيلوا معى أن الرجال كانوا يتعاملون جنسياً مع نسائهم و لم ينشغلوا أبداَ بمثل هذا الأمر المصيرى لاَلاف السنين و لم يسألوا عن طهارة أو نجاسة السائل الذى يُفرز من أعضائهما الجنسية قبل عملية التداخل الجنسية (sexual intercourse) لأنهم يعرفون أن هذه السوائل تعمل كمشحم (lubricant) و كمطهر (antiseptic) للأعضاء الجنسية حتى أتى شيوخ الدين لكى يفتوا لنا أن سوائل الرجل طاهرة أما سوائل المرأة نجسة و إذا مسها عضو الذكر لابد من غسله لأن إفرازات المرأة تنجس أما إفرازات الرجل لا تنجس. و بالطبع فإن مثل هذه الأدعاءات لا سند لها من المنطق أو الصحة أو الطب ... و لكن يمكن التعرف على بواعثها أذا عرفنا الإتجاه النفسى لمصدر النص نحو المرأة و لماذا يريد تحقيرها و إذلالها.

و لا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لرجال الدين المسيحى؛ فالمرأة التى تلد ذكراَ تكون نجسة مدة أربعين يوماً لا تدخل أثناءها الكنيسة؛ أما إذا ولدت أنثى فإنها تظل نجسة لمدة ثمانين يوماً لا تطأ قدماها ألكنيسة؛ و لم تستطع السيدة العذراء التى ولدت المسيح الإله المتجسد حسب إيمان المسيحيين أن تتشفع لبنى جنسها من النساء لدى رجال الدين المسيحى فى أن يرفعوا عن المرأة و صمة العار و النجاسة (stigma) التى تلحق بها عند و لادتها فهى فى جميع الحالات نجسة و الإختلاف فقط فى المدة؛ فرجال الدين المسيحى جعلوا حظ الأنثى من النجاسة مثل حظ الذكرين و هى الحالة الوحيدة التى تتفوق فيها المرأة على الرجل منذ أن كتب موسى كتابه "التوراة". فهل الحمل و ولادة الذكر أو الأنثى جرائم ترتكبها المرأة فتعاقب عليها بالصاق وصمة العار (stigma) و النجاسة (impurity, defilement) بها؛ أم هى حقد و غيرة و غطرسة الذكورية التى لا تستطيع أن ترى فى المرأة أنها واهبة و حاضنة للحياة و ليست منتجة للنجاسة. و لا نتعجب أن موضوع النجاسة و الطهارة عند المرأة لا علاقة له بولادة الذكر أو الأنثى بل هو نظافة شخصية (personal hygiene) مثل الرجل تماماً. فلا يوجد أى دليل على نجاسة المرأة بعد الولادة كما لا يوجد أى دليل علمى على نجاسة المرأة أثناء دورتها الشهرية.

و لا يستطع أحد أن ينفى تأثير هذه الإعتقادات على نفسية المرأة الشرقية أو على نفسية الرجل الشرقى. فالمثل الذى يقول على لسان المرأة: (لما قالوا ده ولد انشد ظهرى واتسند؛ ولما قالوا دى بنية اتهد سقف الدار عليا) يبين الى أى مدى سقطت المرأة فى إكذوبة فجة لا يوجد أى دليل على صحتها؛ كما يبين تلك النظرة الدونية التى تشعر بها المرأة نحو نفسها. فالواقع يشهد أن البنت أكثر حناناً و عطفاً و وجداناً من الولد نحو و الديها و خاصة أمها. و لكن ها المرأة نفسها صدقت أن الذكر هو عصب الحياة بالنسبة لها. لقد وصل كره المرأة لأنثويتها الى الحد الذى سبب لها قلقاً فى أحلامها البسيطة، فتلجأ الى الشيوخ لحل معضلتها النفسية المتمثلة فى أحلامها المزعجة. فها الشيخ يشرح لمريديه أن إمراة ألحت فى الإتصال به و عندما رد عليها كانت تتوسل اليه ألا يغلق هاتفه حتى تخبره بحلمها الذى يؤرقها الليالى؛ و بعد إضافة و حشو بعض البهارات و عناصر التشويق و الإثارة أعتبر الشيخ أن حلم المرأة رؤيا و يقول أن المتصلة (https://www.youtube.com/watch?v=fx6DgM9elSw) تحلم بأنها في القبر ويخرج من فمها ومن فرجها نار؛ و من ثم فأن الشيخ إستنتج أنها معتادة الزنى، و يقول الشيخ أن المرأة إعترفت بزناها رغم أنها مُحصنة أى متزوجة.

و ختاماً فإنه إذا أردنا حل كثير من مشاكلنا فلا يمكن القيام بذلك و نحن لا يمكننا نقد أنفسنا أو نشكك فى الإنتماء الوطنى لكل من يحاول أن ينتقد أى وضع أو سلوك سيئ فى مجتمعاتنا؛ و لا يمكن أن نتقدم و نحن نلهث وراء الفشخرة فنهتم بالمظهر الكاذب عندما يكون الباعث على سلوكنا هو مجرد المباهاة و المفاخرة على الاَخرين؛ و لا يمكن أن نحرز أى تقدم إذا ما أردنا إستحضار الماضى و معايشته بالتمسك بالتقاليد التى لا تتماشى و لا تتناسب مع عصرنا الحالى و نقتل ملكات الإبداع عند شبابنا و نثبط عزيمتهم لإيجاد حلول غير تقليدية لمشاكلنا؛ كما لا يمكن أن يكون هناك تصور لمستقبلنا و نحن نحاول أن نبرر أفعالنا و سلوكياتنا باللجوء الى سلطات و مرجعيات غير مناسبة لكى نضفى على سلوكنا حجية ليست أصلية عنه و لكنها دخيلة عليه؛ و أخيراً لا يمكن تحقيق العدالة و التعايش السلمى و نحن نسلم عقولنا الى مرجعيات لا تستطيع أن تتقوت إلا على تعصبها و تحاملها و تحيزها.

و الى لقاء قادم دمتم بخير و سلام
رمسيس حنا



#رمسيس_حنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المغالطات المنطقية (3): مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع
- المغالطات المنطقية (2) مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع
- لماذا تفجير البطرسية؟؟؟
- حالة عشق
- المغالطات المنطقية 1
- الدستور المصرى: دلالات الفالج فى المادة الثانية و المادة الس ...
- إرفعوا أيديكم عن سيد القمنى الدستور المصرى تحت مجهر إزدراء ا ...
- سيد القمنى وضع المعول على أصل الشجرة
- سيد الكلمة (الى سيد القمنى)
- الله و الإنسان ... هل هناك علاقة؟؟؟ 1
- العقل ... عندما يسقط
- المخ ، العقل ، الميتافيزيقا و الغيب الإسلامى
- مفهوم الغيب الإسلامى و فلسفة الميتافيزيقا
- مقدمة فى الحمل العذراوى
- المنير
- مفهوم العذراوية المريمية
- مفهوم العقل فى معجزات شفاء المرضى
- فاطمة ناعوت: رسالة
- نرجسية الإنسان فى النصوص الدينية
- نرجسية الأنسان فى النصوص الدينية


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمسيس حنا - المغالطات المنطقية (4): مغالطات الحجج منقطعة الصلة بالموضوع