|
لمحات من الفلسفة اليابانية القديمة
حارث زهير الحكاك
الحوار المتمدن-العدد: 5419 - 2017 / 2 / 1 - 13:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لمحات من الفلسفة اليابانية القديمة الشعب الياباني، كاي شعب عريق، يتمتع بخلفية حضارية كبيرة، من أهم ركائزها فلسفة خاصة بهم أطلق عليها حكمائهم الأقدمون أسم ( الزن) . وهي تمثل عندهم نوع من الإرتباط الروحي مع معطيات المحيط، ويتضمن هذا الأرتباط عدد من الأسس والتعليمات والتدريب الذهني والعملي على ممارستها في مواجهة الألغاز الذهنية التي تواجههم والمطبات التفكيرية وعواقبها، وكيفية تبسيط حلولها بأعتبارها متوارثة من الذهن نفسه. إن تبادل الآراء في هذا الإرتباط الروحي بين الطالب والأستاذ يكون عادة مليء بمكامن كثيرة ذات أعماق تفكيرية لا نستطيع نحن العرب أو الغربيون تصوره بالأخص فيما يتعلق بالخداع البراق في الروح أو فكرة أنت صاحب الذهن. لفد ثمن فلاسفة العالم مثل الفيلسوف الأمريكي- البريطاني آلن واتس بعض مفردات الفلسفة اليابانية القديمة، وقيموا فيها الكثير خصوصا فيما يتعلق بأهمية الهدوء والسكون والإنتظار لأختراق حاجز النفس الأدائي، وترتيب أحاسيس أصل الخوف والقلق، وأستقبال وأستخدام تفريغ الذهن الآني لطرد وتطهير أعمق الأخاديد العقلية. إن فهم (الزن) يُزهر معنى كلمة (الآن) والإحساس بالزمن العفيف لمن يفطنه على كونه بما تعرفه كحدث إرادي يزمن الحياة ولا يوقتها. ولقد أطلق اليابانيون على هذا أسم الحس القطبي، وهذا مطلوب للإستفادة على الأقل من ما يحتضنه أوائل المصدقين بالأمور المرتبطة بتدوين أحتفال الوجود. وهو في هذه الحالة ولادة أي مخلوق، وهي طبعا تحدث هنا وهناك، على شكل أرتباطا متداولا بين الناس ونضوجا نابعا ومنظورا من نفسه. فالفلسفة اليابانية تقول أن أي فرد يستطيع أن يحس أن الكون يولد وينضج تعريفيا في كل وقت، الآن ودائما وفي كل أعصابه وأحاسيسه لأنها في ذلك، للحظة ما، متوازنة وبطريقة غير حسابية. تعود بعض جوانب الفلسفة اليابانية إلى التعاليم البوذية، خصوصا فيما يتعلق بالإلحاح في تقييم حاجات الإنسان في الحياة، وما يصاحب هذا الإلحاح من قلق الإنسان بمبدأ الحاجة التي هي أصلا من أستنباط العقل نفسه. وهنا يجب القول أنه على الناس أن يعلموا بأن هذه الطريقة الفذة من الإحساس العميق في النفس، قد ولدت في شعوب معينة لأنها كانت مطلوبة في هيكلة مجتمعاتهما وبعيدة عن الطريق المستخدم في الغرب للتعرف على جوانب الحياة، وطبعا يكون هذا المنظور بعين الإنسان الساكن في الغرب فاليابانيون يمررون إلى أطفالهم وأجيالهم قصصا فيها الكثير من الحكمة والفلسفة اليابانية من أجل تدريبهم على فهم الحياة ولتنسيقها وعادة ما تكون بإطار مسلي أما مكتوبة أو مسموعة، وتكون أصلا نابعة من الأديان القديمة وتأثيرها في تسوية تراكيب ومفاهيم مجتمعات الإنسان، ومبنية في نفس الوقت على نوع خاص من التصور للإنسان الذي يعيش في مجتمعات الغرب والشرق الأوسط، خصوصا في بعض السلوكيات التي يقوم بها ذلك الإنسان في الحياة بسبب بعض الأمور والحوادث الموقظة للفراغ الذهني مثل المرض والقلق النفسي والكآبة وقلة النوم. وبما أن الفرد في مثل هذا النوع من الإجماع الشعبي لا يملك قابلية التصور لماهية المرض، فقد أنعكس هذا فيما نتخيل على أحترام كبير لقوة الحياة وكيفية التعامل بين الناس. أدناه أربع قصص طريفة مليئة بالحكمة يحكيها اليابانيون لأطفالهم :- الحكاية الأولى: كان رجلان يمشيان على ضفة نهر هدير سريع ألجريان فرأيا رجلا آخر متعلقا بغصن من شجرة مطلة على النهر، بعد قليل أنكسر الغصن وسقط الرجل في الماء وراح يتقلب بين التيار السريع وأمواجه المتلاطمة إلى أن تمكن من التعلق بإحدى الصخور البارزة وتسلق عليها، فذهب إليه الرجلان وسأله أحدهما :- ماذا دهاك يا رجل، ألم تكن خائفا من هذه المجازفة. فأجابه الرجل وكان من هيئته وملابسه طالبا في أحد المعابد اليابانية القريبة:- كلا لم أكن خائفا، لأن النهر وأنا غير مفصولين كما يقال، والذي حدث كان مداعبة بيني وبينه بإنشداد تفكيري زائدا بعض الشيء، فعلاقتي معه علاقة أبدية مبنية على الإحترام المتبادل والإقتناع بأهمية كل واحد منا لهذه الطبيعة الخلابة. وهكذا يا صغار يكون أحترام الطبيعة بحسناتها وسيئاتها من أحترامنا لأنفسنا، لأننا جزءا منها. الحكاية الثانية: كان لرجل في واحدة من القرى فرسا جميلة ذات شهرة في قريته وفي القرى المجاورة، وكان يداريها ويرعاها ويعطيها العلف الجيد والمسكن النظيف الأمين لأنه كان يخاف عليها. في إحدى المغربيات قفزت الفرس من فوق سور المزرعة وأنطلقت هاربة ولم تعد. فأجتمع سكان القرية عنده ليواسوه على ضياع فرسه وسألوه إن كان يشعر بالأسى والحزن عليها، فأجابهم: (ربما) وسكت. بعد أيام عادت الفرس ومعها عدد من الخيول البرية. فأجتمع أهل القرية عنده بعدما أنتشر هذا الخبر ليهنئوه على عودة فرسه وما جلبت معها، وسألوه إن كان يشعر بالسعادة بهذا الحظ الكبير، فأجابهم : (ربما) وسكت. بعد يومين قرر أبن هذا الرجل أن يدرب أحد الخيول البرية التي جاءت مع الفرس، فسقط من عليه وأنكسرت ساقه، فأجتمعت القرية عنده لمواساته وسألوه إن كان هذا الحادث سيولد عنده شعور بالألم، فأجابهم: (ربما) وسكت. بعد عدة أيام جاء إلى القرية عدد من ضباط الجيش لتجنيد شباب القرية، فأخذوا كل الشباب وتركوا أبن الرجل بسبب كسر رجله، فسألوه أهل القرية هل هذا سيولد عنده بعض الشعور والإحساس بالراحة والطمأنينة والسكينة؟، فأجابهم: (ربما) وسكت. وهكذا يا صغار لا يعلم أحدكم ما هو جيد له في أي حال، لأن أي فرد هو بذاته ليس سيء أو جيد من نظرة الإنسان المتأمل الصريح، أو غير المصدق بوجود نوع واحد من الشعور بالنفس. الحكاية الثالثة: في زمن ما عرض تنفيذ أحد المشاريع المعمارية للتنافس بين المقاولين، ففاز به أحدهم. كان من ضمن المشروع بناء صالة كبيرة ذات ثمانية أضلاع، يرتكز سقفها على ثمانية أعمدة حديدية بطول 5 أمتار، واحد في كل زاوية من زوايا الصالة ، وعمود حديدي أسمك من الباقين وبطول 8 أمتار في الوسط ليحمل السقف. بأنتهاء بناء الجدران والأعمدة الثمانية، جاء العمال ليلا ليخبروا المعمار بأن منافسه الذي خسر العقد قد جاء ومعه عدد من العمال وقطعوا قطعة مقدارها 2 متر من العمود الأوسط، وأتلفوه. ولا يدرون بماذا سيعملون غدا صباحا. فأجابهم المقاول تعالوا غدا حسب الموعد ولا تبالوا بشيء. في الصباح أمرهم المقاول بتثبيت العمود في مكانه، ولما فعلوا ذلك وجدوه مطابقا تماما للثمانية أمتار المطلوبة، ففرحوا وأستفسروا هل كانوا على خطأ في ظنهم ،فأجابهم المقاول كلا، ولكنني توقعت أن يقوم ذلك المقاول بقطع 2 متر من العمود وعليه كنت أنا قد طلبت العمود من الشركة المصنعة له أن يكون بطول 10 أمتار، فتم البناء حسب ما هو مطلوب وفي الوقت المحدد له في العقد. من هذا أيها الصغار نتعلم أهمية التفاني في العمل وأحترام الإتفاقات التي تعقد بين الناس، ولا نكترث لمن يريد إعاقة نفوسنا عن الشعور بالسعادة والرضا. الحكاية الرابعة. جاء إلى أحد الحكماء إثنان من أحسن صانعي السيوف اليابانية، ليحتكما عنده عن صناعتهما، ومن الذي يصنع أمضى وأحسن سيف. فأخذهما إلى نهير صغير ولكنه جاري بسرعة. فاخذ أول سيف وغرز مقدمته بالطين وجعل حافته الحادة معاكسة لتيار الماء، ثم ابتعد خطوة عنه ووضع على سطح الماء قطعة من الورق طافية على الماء الذي أخذها بسرعة ,وضربها بحافة السيف فأنقطعت إلى قطعتين. ثم أخذ السيف الثاني وأعاد الكرة عليه، ولكن هذه المرة أخذ تيار الماء الورقة وأبتعد بها عن حافة السيف وبقيت سليمة. فقال لهما الحكيم أرأيتم ما حدث ؟ أن الغاية تبطل الوسيلة، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث بالمستقبل، وعليكما أن تجودا بعملكما لإراحة النفس والضمير وليس للأعتزاز بكلمة (الأنا). حـــارث زهيرالحـكــــاك / نيوزلندة
#حارث_زهير_الحكاك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمحات عن معتقدات وفلسفة الماوريين
-
حول فلسفة الحب والمحبة
-
العلم والإتصال الروحي
-
الأديان والأنانية
-
الفرد والمجتمع (نظرة فلسفية)
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|