أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5413 - 2017 / 1 / 26 - 12:35
المحور: الادب والفن
    


نباحُ كلاب الحراسة، كان صداه يأتي من ناحية فيللات الأوروبيين. كان لكلّ فيللا مزرعة، أو بستانٌ أصغر حجماً. في ضوء النهار الساطع، تبدّت مساكن أولئك الأجانب عن بُعد أشبه بقصور مقارنةً بمنازل قرويي الضاحية. وهذه هيَ " الشريفة "، تشير إلى أحد تلك المساكن: " إنّ مسيو جاك، قد أمتلك ثمة أقدم مزرعة، ولو أنها ليست الأكبر. في زمن إنشاء الفيللا، لم يكن هناك حاجة لحفر بئر طالما أنّ الجداول كانت مغمورة بالمياه، المتدفقة من الوادي "، قالتها فيما كنتُ أتأمّل بنظراتٍ جانبية الرجلَ العجوز.
" إنّ زوجي رسامٌ، أيضاً.. "، أستطردت هيَ لتخاطبَ العجوز هذه المرة. وجهه الطويل، المخدد بالتجاعيد وخصوصاً حول عينيه الزرقاوين، غُمر بمسحة من الرقة والتعاطف كفعل الشمس مع زهرةٍ تحمل اسمها. كانت " الشريفة " تتكلم معه بدون تكلّف، على الرغم من الفارق الجسيم في العُمر بينها وبينه. رحتُ عندئذٍ أستعيد فكرة محمومة، تتعلق بسعي امرأتي إلى العودة للعمل في فيللات الأوروبيين وبتشجيعٍ من والدتها. هذه الأخيرة، كانت بدَورها قد قدّمت خدماتها للعجوز المتوحّد بصفتها طباخة ماهرة. لم تخفِ الأمر عني، بل كان مدعاة لزهوها وفخرها.
" يسرّني أن أعاين لوحاتكَ، مثلما أنني أرحب دائماً بزيارتك للغاليري "، قال لي العجوز بالفرنسية. لاحظتُ أن نبرته فيها شيء من الحياء، وهيَ من علامات الشيخوخة كما قرأتُ ذات مرة. يبدو أنّ الإنسان مع تقدمه بالسنّ، فإنه يتقهقر نفسياً إلى مواقع طفولته. غير أنّ " مسيو جاك "، لم يكن قد شاخَ بأيّ حال من الأحوال. ذلك عاينته من خلال تبادلنا الحديث، وما أظهره من حيوية عند مرافقته لنا في جولتنا عبْرَ دروب البساتين، المتربة والمعشوشبة. على ذلك، حقّ لي أن أدهشَ حينَ علمت فيما بعد أنه على عتبة السبعين. سأحصل على هذه المعلومة، ثمة في الفيللا، عندما قلّبتُ كاتالوغاً كبيراً مُرقشاً غلافه باسم الرجل، فيما متنه يضمّ صوَر لوحات ومنحوتات من أعماله. أسبوعٌ على الأثر، وكانت صلتي بالرسام الفرنسيّ قد أضحت من الحميمية أنني كان بوسعي زيارته دونما موعدٍ مسبق. ظهرَ لي الرجل من نوع أولئك الناس، الواجدين الراحة والدِعَة بصحبة من هم أصغر منهم سنّاً. في المرة الأولى، آنَ رأيتني أمتّع عينيّ بموجودات حديقة الفيللا، تذكّرتُ حالاً قصرَ الأميرة المحتوي بركة ماء واسعة وجسر خشبيّ على الطراز اليابانيّ.
" للّا عفيفة، هم م م..؟ أعرفها، بطبيعة الحال. كنا أصدقاء منذ فترة طويلة "، أجابني لما أبديتُ ملاحظة بشأن مشاهداتي في مزرعة الأميرة وتأثّرها بزيارةٍ لمرسم وحديقة الفنان " مونيه " في باريس. على أنّ تشديد الرجل على الفعل الماضي، قد أراحني ولا غرو. كذلك شفَّ من تغييره الحديث، إنه غير راغبٍ بإثارة ذكريات شخصية.
في الأثناء، وضعت " الشريفة " مولودنا المنتظر وكانت ما تفتئ في مرحلة النفاس. في هذه المناسبة السعيدة، حظينا بأول زيارة من المسيو للتهنئة بمولد ابنتنا. كانت لفتة طيبة، ولا مِراء، بالنظر لندرة معارف العائلة. وللمرة الأولى أيضاً، تفكّرتُ من ناحيتي بحقيقة عدم وجود رابطة قربى للعائلة وكأنما هيَ بدون جذور.
" لقد أهداني الرجل الغريب كرداناً ثميناً، حتى أنني خجلتُ قدّام والدتي.. "، خاطبتني امرأتي بنبرة حانقة مُفاجئة. ثم أردفت مع بسمة مسمومة: " كان عليّ أن أذكّرها مجدداً، بأنّ رجلي يقتصد الدراهم من أجل السفر! ". تلك، ستكون فاتحة للتغيّر الداهم، المقدّر أن يطرأ على خُلُق " الشريفة " بُعيد الولادة. لم أكن أحظى حتى بفرصة لضمّ ابنتي الحبيبة، دونَ أن يعقب ذلك مزيداً من الخصام مع أمها الموتورة. " للّا نفيسة "، كانت إذاك تلزم الصمتَ، مكتفيةً برمق ابنتها بنظراتٍ خبيثة تفصح عن مثيل هذه الجملة: " ألم أقل لكِ قبلاً، ألا تنتظري خيراً منه؟ ".
منذئذٍ، صرتُ أهرب من جوّ النكد في المنزل ميمماً شطري إلى ناحية الفيللا. كون الرجل يحيا في عزلة أرتضاها لنفسه، فإنّ نوعاً من الحرَج كان يتلبّسني في كلّ زيارة. ولكنه كان يرحّب بي دوماً، بل ويتصرف عندئذٍ كأنه ينتظرني لكي يريني أشياء جديدة من أعماله الفنية. كنت كذلك أتفقّد معه المزرعة، وكانت تحتوي على حظيرة فيها بعض المواشي فضلاً عن حصانين أصيلين. وقد أشار لأحدهما ذات ظهيرة، وكان بلون يميل إلى السواد، قائلاً: " إنه حصان امرأتي الراحلة، وهوَ من النوع العربيّ الأصيل ". ثمّ تابع كلامه، فيما كنتُ أتنفّس بعسر نتيجة عدم إعتيادي على رائحة الحظائر الحرّيفة: " كانت كاتبة موهوبة، مع أنّ نتاجها كان قليلاً. وما كانت تدوّنه، سرعان ما تجعله غالباً طعمة لنيران الموقد، نظراً لعدم إقتناعها بجودته أو لأيّ سبب آخر. كانت تفعل ذلك، بنفس طريقة الإنسان المازوشي، الواجد لذته بتعذيب نفسه. على أنّ امرأتي كانت تحب الحياة أكثر من الفن، فتقضي جلّ وقتها في الزيارات والسهرات. في المقابل، كانت تفعل كل ما بوسعها لتشجيعي على الرسم والنحت وتهيئة الجوّ المناسب لعملي "
" أنتَ محظوظ.. أعني، كنتَ محظوظاً بامرأة مثقفة وأديبة "
" نعم، أفهم عليك! من الصعب على الفنان أن يحيا في جوّ غير ثقافيّ، بله في بيئة تحتقر الفنّ والأدب. المال والجاه، هما ما يمنحان المرء الإحترام في المجتمعات المتخلّفة "، قالها متمعّناً في عينيّ كمن يجتاس أعماق الآخرين بغية سبر حقيقةٍ ما. بالطبع، لم يخفَ عليّ تلميحه إلى وضعي، كوني أنا من أثارَ المسألة. لدى عودتي إلى المنزل ليلاً، كانت بانتظاري مَن وُهِبَت أيضاً بالمقدرة على قراءة أفكار الآخرين ولو من خلال عيونهم. قالت لي " الشريفة "، فيما كانت تشدّ اللحاف إلى جسدها المرتعش من البرد: " هل تشكو حالك معي إلى مسيو جاك؟ على الأقل، تعلم منه كيفية سوق أعمالك وجني المال من بيعها. إنه كَاوري، ومع ذلك فضّل ترك أوروبا والإقامة في مراكش منذ أن كان شاباً. المرء يعيش هنا في الفردوس، ما دام يملك المال! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2


المزيد.....




- وفاة الممثلة البريطانية الشهيرة ماغي سميث
- تعزيز المهارات الفكرية والإبداعية .. تردد قناة CN العربية 20 ...
- بسبب ريال مدريد.. أتلتيكو يحرم مطربة مكسيكية من الغناء في ال ...
- إصابة نجمة شهيرة بجلطة دماغية خلال حفل مباشر لها (فيديو)
- فيلم -لا تتحدث بِشر- الوصفة السحرية لإعادة إنتاج فيلم ناجح
- قناة RT Arabic تُنهي تصوير الحلقات القصيرة ضمن برنامج -لماذا ...
- مسلسل حب بلا حدود 35 مترجمة الموسم الثاني قصة عشق 
- نضال القاسم: الأيام سجال بين الأنواع الأدبية والشعر الأردني ...
- الإمارات تستحوذ على 30% من إيرادات السينما بالشرق الأوسط
- رواية -الليالي البيضاء- للكاتب ضياء سعد


المزيد.....

- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق
- البنية الدراميــة في مســرح الطفل مسرحية الأميرة حب الرمان ... / زوليخة بساعد - هاجر عبدي
- التحليل السردي في رواية " شط الإسكندرية يا شط الهوى / نسرين بوشناقة - آمنة خناش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2