سليم يونس الزريعي
الحوار المتمدن-العدد: 1428 - 2006 / 1 / 12 - 03:22
المحور:
القضية الفلسطينية
لعله من نافل القول الإشارة إلى أن الخارطة السياسية في المشهد السياسي الفلسطيني قد جرى عليها حراك جوهري لصالح قوى الإسلام السياسي ، إن بسبب من مظاهر العجز والشيخوخة وعدم مواكبة التطور المجتمعي بأبعاده الفكرية والسياسية لدى أطراف سياسية تاريخية فيما يسمى بالقوى الليبرالية وقوى اليسار، أو بسبب من نمو ظاهرة الإسلام السياسي الذي اتكأ على عوامل ذاتية محرضة ، اقتصادية واجتماعية ودعاوية وكفاحية ، إضافة إلى عوامل خارجية أعطت قوة المثل للإسلام السياسي كما في إيران ولبنان .
وهو حراك سياسي انتج ظاهرتين متلازمتين كل منهما تحاول تحقيق أكبر قدر من الإزاحة للأخرى ، على اعتبار أن قوة أي منهما ستكون بالضرورة على حساب الأخرى ،في تغييب إرادوي لعناصر المشهد الأخرى من قوى وتيارات سياسية وفكرية ، رغم أي حديث عن محدوديتها في الكم راهنا ،فرضته عليها عوامل ذاتية تتحمل هي مسئوليتها ، وعوامل موضوعية جعلها تقف على هامش هذا الصراع ، بحيث جرى ويجري اختزال الحالة السياسية الفلسطينية في ثنائية فتح ـ حماس .
وفي خضم ذلك بات واضحا أن القاسم المشترك بين القوتين المتصارعتين على صعيد الرؤية السياسية والفكرية في اللحظة الراهنة هي " الذات " ، فبينما ترى إحدى هاتين القوتين أن لها الحق في أن تكون المظهر العام بلا منازع في الواقع الفلسطيني انطلاقا من أنها تحملت عبء قرار الثورة وقرار ولوج عملية " السلام " عبر أوسلو مع استمرارها الإمساك بورقة المقاومة ،وهي من دخل وأدخل الجميع نفق عملية السلام !!!مع الكيان الصهيوني ، وهو شرط يعطيها وفق تلك الرؤية القدرة على حسن إدارة هذه العملية داخل ذلك النفق وخارجه في ظل التعفف الذي تبديه حماس وغيرها حتى الآن ، باعتبارها المؤهلة أكثر من غيرها على ذلك ، لأن مشروع أوسلو كان ولا يزال مشروعها السياسي ، وهو ما أكده الرئيس عباس من أن الانتخابات القادمة تجري حسب أوسلو .
فيما ترى القوة الأخرى أن مجريات الأحداث في المشهد الفلسطيني ، قد أكدت حضورها الموضوعي في الواقع ، زكته تجربة الانتخابات البلدية التي جرت في الأراضي الفلسطينية ، وهو الحضور الذي ربما فاجأ كل القوى السياسية الفلسطينية ، خاصة التاريخية منها ، وأولها حركة فتح ، لأن ذلك الحضور يشير بالمقابل إلى تآكل رصيد حركة فتح السياسي والجماهيري ، لأن أي انزياح باتجاه حركة حماس إنما يأتي بالمحصلة من تلك الكتلة البشرية التي كانت تتحلق حول حركة فتح بشكل أساسي باعتبارها صاحبة النفوذ السياسي والمالي ، وبشكل ثانوي من القوى السياسية الأخرى القومية واليسارية .
ولذلك باتت حماس تتصرف باعتبارها تملك الحقيقة ، عزز ذلك حجم الزخم الجماهيري الذي يحيط بها ، مما أعطاها مكنة القيام بدور اللاعب الأساسي خلال سنوات الانتفاضة الأخيرة على صعيد الفعل الكفاحي والسياسي والجماهيري ، دون أن يغمط ذلك من ، حق القوى الأخرى في مكونات الحالة السياسية الفلسطينية ، وهو ما ولّد لدى حماس الشعور بأنها تملك مفتاح القرار السياسي والكفاحي الفلسطيني على الرغم من أنها ليست في مقعد السلطة ، وهو ما يجب تحصل عليه .
ولأن هناك شيئا من الواقعية في هذه الرؤية ، فقد حملت تلك اليقينيات " الحمساوية " أكثر من بُعد ، إن لجهة حماس ذاتها أو لجهة حركة فتح بشكل محدد ، ويمكن القول أن ما ضخم تلك القراءة اليقينية لدى حماس هي حالة التآكل الداخلي في حركة فتح بعد غياب الراحل الكبير عرفات ، إن لجهة بروز الصراع الداخلي في الحركة خارج إطار محدداته وقنواته التنظيمية ، وهو في غالب الأحيان ينطلق من رؤية تغلب المصالح الذاتية الضيقة على مصلحة الوطن ، مما أضعف من قدرة الحركة على التوحد باعتبارها صاحبة المشروع السياسي الذي جرى ويجري ترجمته السياسية في الأرض الفلسطينية.
ومن ثم فإن المرء لا يحتاج إلى كثير عناء ليدرك أن حالة الفلتان والفوضى والتطاول على القانون والتعدي على مقدرات الوطن ، إنما هي التجلي الصارخ لأزمة حركة فتح الداخلية البنيوية ، والتي نجد تعبيراتها في هذا الصراع على المواقع والمكاسب السياسية والاقتصادية ، تحت عناوين ولافتات مختلفة ، في ظل أنه لم تعد هناك من ضمانات لأحد على ضوء الخارطة السياسية التي بدأت تتشكل في الحياة السياسية الفلسطينية والتي سترسّمها نتائج الانتخابات القادمة ، ذلك أن من يقوم بالتعدي على المواطنين والقانون هم عناصر فتح التي هي السلطة في الوقت ذاته ، في حين واجبها كسلطة أن تحفظ الوطن والمواطن والقانون من التعدي من أي جهة جاء .
ولا يبدو مجافيا للحقيقة والحال هذه القول أن هاجس الحفاظ على الذات وبأي ثمن لدى البعض من فتح دون أن يلحظ المتغيرات في الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية وفي غياب ثقافة تداول السلطة وقبول الآخر ، قد يدفع هؤلاء إلى جر الوطن إلى محنة الفوضى وانعدام النظام العام وربما بما أسوأ ، لأن ذلك البعض لا يتصور أن يكون له شركاء في السلطة سواء كانت تنفيذية أو تشريعية ، لأنه تعود ثقافة اللون الواحد ، باعتبار أن ذلك هو حقه المكتسب على مدى عدة عقود .
وإذا ما حاولنا التدقيق في الصورة كي نحدد ملامحها بدقة ، لقدرنا أن هذا الكم الهائل الذي انتمى إلي حركة فتح قد فعل ذلك لأنها السلطة والنفوذ بكل مفرداته دون أن يكونوا أهلا لذلك ، فيما غيبت السلطة أصحاب الحقوق الآخرين من أبناء الوطن ، لوجدنا أن من تسلق حركة فتح بحثا عن مغنم سيكون أول المغادرين لمواقعهم دون حرج انطلاقا من الخوف على الذات ، ومن ثم فإن الأقرب إلى مغادرة مواقعهم هم من لم يستطيعوا تحقيق مصالحهم الشخصية ، وذلك من شأنه أن يبهت من صورة حركة فتح ويضعفها ، في ظل هذا الصراع الداخلي مختلف العناوين والتي قد يكون بعضها غير برئ ، في وقت يشعر بعض فتح الآخر بالخوف على فتح " الحركة والبرنامج " أي ذات فتح ، وهنا تكمن المشكلة حيث يمكن أن ترتكب الأخطاء من الجانبين .
ويبدو أن هذه القراءة قد جعلت حركة حماس تشعر بنشوة التفوق قبل أوانها ، وهي ترى أن ما منافسين جديين في ظل الصراع الداخلي في حركة فتح رغم الحديث المرتفع عن الوحدة ، وجدية ذلك الشعور يمكن لمسها بوضوح من خلال تضخيم الذات لدى حماس ، حتى بات ذلك يشكل أحد مكونات خطاب حماس بتجلياته المختلفة ، وبشكل مبالغ فيه ، بل و" مستفز " للآخرين في غالب الأحيان ، رغم محاولات البعض من حماس تغليف ذلك الخطاب بشيء من التواضع في الأقوال ،بحيث يراعي ترك مساحة ما للآخرين في الدائرة التي تقررها ذات حماس لمكونات الحالة السياسية الفلسطينية .
ويجب أن يكون واضحا أن قراءتنا هذه لا تنطلق من مفهوم الحجر على أي قوة سياسية في أن تعبر عن نفسها ، ومن ثم حقها في الرؤية السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني وفق ما تعتقده صحيحا وصائبا ، غير أن هذا الحق يجب أن يلحظ وجود الآخرين في الواقع ، ولذلك عليه أن يستند إلى حالة التنوع الموضوعية التي تثري الحياة السياسية والفكرية الفلسطينية ، دون مصادرة لحقوق الآخرين أو الوصاية الفكرية أو السياسية عليهم ، باعتبار أن الجميع شركاء في الوطن ، بالقدر الذي تقرره مساحة الالتفاف الجماهيري حول هذا الطرف أو ذاك عبر صناديق الاقتراع بعيدا عن الضغط والإكراه بمعناه الفكري والسياسي والمالي .
ولأن الاستحقاق التشريعي القادم ، إذا ما جرى في موعده وبعيدا عن التجاذبات الانتخابية التي ترخص مفهوم العمل السياسي وتضحيات هذا الشعب المقاوم ، من شأنها أن تشكل محطة مفصلية هامة تعيد ترتيب المشهد السياسي الفلسطيني لسنوات قادمة، فإن من الأهمية بمكان أن لا تكون الذات بمعناها الضيق والفئوي هي محور ومنطلق قراءة النتائج القادمة ، حتى لا يقع الوطن ضحية ذات لا ترى أيا منهما الأخرى ، أحدهما يحكمها هاجس الخوف على الذات والأخرى يحكمها هاجس تضخيم الذات ، الأمر الذي يخشى معه أن يقوم البعض من هذا الطرف أو ذاك باللجوء إلى العنف لحل ذلك التناقض في القراءة والرؤية ، على اعتبار أن الذات هي مركز الاهتمام ومفتاح القراءة ، وهو ما يجب أن يحذر الجميع الوقوع فيه ، ذلك أن ذات الوطن تعلو كل ذات ..
#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟