أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء














المزيد.....


الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5408 - 2017 / 1 / 21 - 16:26
المحور: الادب والفن
    


" قل لي أنك ستتخلى عني، فأرمي بنفسي فوراً إلى الوادي! "
كذلك خاطبتني " الشريفة " عند الممر المشرف على الهاوية في مصيف أوريكا. وعليّ كان أن أستعيد كلماتها فيما بعد؛ في مناسبتين، على الأقل: الأولى، لما أعلموني بخبر انتحار شقيقتي " شيرين " قفزاً من نافذة حجرة التحقيق في الدور الأخير من مبنى أمن مقاطعة مراكش. أما المناسبة الأخرى، فإنها جرت في شقتي، التي كانت أيضاً تقوم في أحد الأدوار العليا من عمارة كائنة بحيّ على طرف الجنوب الغربيّ لمدينة موسكو.
لاحقاً، تفكّرتُ في حادثة أوريكا تلك، وما إذا كانت مُدبّرة بخبث من لَدُن امرأة مأثور عنها المكر. إذ لم يكن مصادفة، أن تعمد " الشريفة " إلى وضعي أمام امتحانٍ رهيب، وتحديداً على أثر علمها بخوفي المَرَضي من الأماكن العالية. ولكنه كان إتفاقاً، ولا شك، أن أفكّر بالحادثة لدى مشاهدتي فيلماً هوليوودياً للمخرج " هيتشكوك "، هنا في شقة ستوكهولم أينَ أدوّن ذكرياتي على الورق: الفيلم، وعنوانه " دوّار "، يتحدث عن رجل بوليس يترك الخدمة بسبب معاناته من تأنيب الضمير، المعقّبة عجزه عن إنقاذ أحد زملائه نتيجة عقدة الخوف من الأماكن العالية. صديق قديم للبطل، يعرف بأمر الحادثة، فيقرر استغلالها لكي يتخلّص من زوجته الغنية.
بدَوري، وقعت لي حادثة مشابهة في الطفولة كان من شأنها أن تستبدّ بي ذات العقدة. آنذاك لم أكن قد بلغتُ بعدُ عقداً من أعوام عُمري، وكان الوقتُ صيفاً. بما أنّ بيت الأسرة يقع في سفح جبل قاسيون، فإنني كنتُ معتاداً على تسلق الصخور خلال العطلة الصيفية برفقة صديق من أبناء الجيران. ذات ظهيرة، رأيتنا نشرفُ على هاوية الوادي، لنراقبَ أشخاصاً ثمة مشغولين بحفر الصخور الكلسية، الناصعة البياض، بغية تفتيتها ومن ثمّ الإستفادة منها بأمور طلاء المنازل أو ربما بيعها. كنتُ في مقدمة الهاوية، منبطحاً على بطني، أتابعُ عملَ أولئك الرجال، حينَ شعرتُ فجأةً بتحرّك الأرض تحتي. أطلقتُ صرخةَ داخلي المرتاع، فيما كنتُ أتشبث بحافّة الهاوية المشكّلة من أحجار ناتئة. في اللحظة التالية، بدا كأن الأرض تحتي قد أنفصلت عن كتلتها الأساسية. برهة على الأثر، ثمّ أفقتُ مشدوهاً وأنا على مبعدة أمتار من الهاوية. رفيق المغامرة، كان هوَ من تكفّل سحبي على وجه العجلة وفي اللحظة المناسبة. وقد بقيت في حالة الإنشداه، لحين أن سقتني والدتي الماء في وعاءٍ فضيّ مزخرف بآيات قرآنية، يُعرف في اللفظ العامّي بنعت " طاسة الرعبة ".
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، عليّ كان أن أستعيد أيضاً قراءتي لإحدى روايات أجاثا كريستي، العائدة إلى مرحلة تالية من حياتي. في هذه الرواية، تساور التحرّي " بوارو " الشكوكُ بناءً على تأمّله للوحة بورتريه كان القتيلُ قد رسمها لإمرأة يعرفها: " إنهما عينا القاتل، وقد جسّدهما الرجلُ آنَ كان السمّ يسري في بدنه.. ". هذه القراءة، تجسّدت أمام عينيّ حينَ تذكّرتُ نظرات " الشريفة " وهيَ تمدّ لي يدها عند الممر المشرف على هاوية الوادي، هناك في أوريكا. إذاك، توهّمتُ أنها نظراتٌ متهكّمة، تمحضها امرأة شرقية للرجل كونها تجهل ماهيّة العقد النفسية. على أنني أستدركتُ فكرتي فيما بعد، لما أضحى لديّ معلومات وافية عمن ستصبح أماً لإبنتي الوحيدة: " لقد أمتلكت هيَ عينين آسرتين، ولكنهما مشوهتان بنظرات أفعى مُهلكة! ".
لم يكن ممكناً تأويلي ذاك، المَوْصوف، دونما معونةٍ من المرأة نفسها؛ الأفعى. هذا جرى ثمة، في منزل الحميدية، حينَ صرت وإياها كياناً واحداً عقبَ حبلها مني. إلا أنّ الحقيقة، لا تصبّ فجأة كما المطر في نهارٍ غائم.. بله على لسان امرأة داهية وماكرة. كان على الأصباح الصحوة أن تمر بنا، محمّلة بنسائم الخريف المنعشة، قبل أن تفتح " الشريفة " بئرَ أسرارها الملطخ جوانبه بدم الجريمة. عندئذٍ، كان الحبّ قد أعمى طبيعة الحذر لديها. علاوة على ما كان من أمومتها، الوشيكة. إلى ذلك، كانت والدتها تضغط على جراح روحينا سواءً بمسلكها المستهتر أو مطالبها المادية اللجوجة.
" إنني مضطرة لمراضاتها، مع علمي بكونها جشعة وذات مآرب دنيئة..! "، قالت لي وهيَ تهتز تأثراً على أثر مشادة وقعت بيني وبين أمها في صالة البيت التحتاني. كنا عند ذلك قابعين في حجرة نومنا، الكائنة في الدور العلويّ، وقد غشى المكان أول خيوط الغروب. المشادة، كانت مألوفة في أيام العسر والشدّة تلك، التي وجدتنا فيها بعد تركنا العمل لدى " سوسن خانم ". من ناحيتي، كنتُ أيامئذٍ متوترَ الأعصاب بسببٍ ضافٍ؛ قضية إحالة شقيقتي للقضاء بتهمة قتل " مسيو غوستاف ". هذه القضية، أستغلتها بشكلٍ شائن حماتي، " للّا نفيسة "، في وقتٍ حَرجٍ كنتُ فيه أفكّر مهموماً بطريقةٍ تساعدني على السفر مجدداً إلى الفردوس الموعود، السويديّ.
" لا، إنك لستِ مضطرة للإذعان لوالدتك. حتى هذا البيت، فإنها مجرّد ضيفة فيه "، أجبتُ امرأتي الملولة. أشاحت بوجهها إلى ناحية النافذة، وراحت تردد بسهوم: " آه، إنك لا تعرف شيئاً.. لا تعرف شيئاً.. "
" ما أعرفه حقاً، أنتِ قلتِهِ بنفسك؛ وهوَ أنّ لأمك مأرباً دنيئاً من وراء دفعك للعمل مرة أخرى لدى أحد أولئك الأوروبيين ممن يملكون المزارع في الضاحية "
" بلى. ولكنني مجبورة على الرضوخ، بما أننا بلا موارد تقريباً "
" هذه حجّة واهنة. إننا حقاً لا نعيش في سِعَة هذه الأيام، غير أننا لا نجوع! وعلى أيّ حال، أمك تعلم بكوني أستعدّ للسفر إلى الخارج.. "
" أنتَ لا تعرف شيئاً.. لا تعرف شيئاً.. "
" لِمَ ترددين نفسَ الكلام، كمن به مسّ؟ "
" لأنني لا أريد أن ألقى مصيرَ شيرين..! ".



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 3
- الجزء الثاني من الرواية: القاف 1
- الجزء الثاني من الرواية: القاف
- سيرَة أُخرى 42
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 3
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد 2
- الجزء الثاني من الرواية: الصاد
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 3
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الفاء


المزيد.....




- -كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد ...
- أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون ...
- بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
- بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر ...
- دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
- -الخرطوم-..فيلم وثائقي يرصد معاناة الحرب في السودان
- -الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
- فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
- أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
- إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء