أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - نصف غربة














المزيد.....


نصف غربة


فاتن واصل

الحوار المتمدن-العدد: 5407 - 2017 / 1 / 20 - 14:13
المحور: الادب والفن
    


أول مرة قابلتها كانت في مكان موحش يشبه تلك الشقة ذات الضوء الأبيض المبهر.. وكانت أقدامنا لا تلمس الأرض، كأننا نقف على طبقة من ضباب . كان الخوف يعتصر أحشائي خشية السقوط، وكنت أسمع لغواً ولغطاً بصوت مرتفع جداً لا يُحْتــَمـَل، يشوش تركيزي.. يومها اقتربـَت مني وربتت على ظهري كما لو كانت تسكت طفلاً عن البكاء، ملأني هذا الحنان بشعورعميق بالطمأنينة، بعدها، سحبتني من يدي إلى مكان آخر، هو أشْبه بسفر إلى عالم بعيد!! عالم أقل وحشة، يغمره صمت مطبق، خدّر أعصابي فشعرت بالارتياح. وقتئذ قالت وابتسامة تشبه عقداً من اللآلئ تعلو شفتيها :
- إضرب الأرض.. ولا يهمك، ما تخافش الأرض صلبة تحت رجلك وهتشيلك.. ما تقلقش.

في ذلك اليوم كنت أود أن ألقي برأسي المتعب على كتفها، لتحتويني بذراعيها مثل أمي .. لكني تراجعت عندما لاحظنا مياهاً تتسرب من أسفل حوائط الغرفة، وترتفع لدرجة بللت ثيابنا وأصبحنا نخشى الغرق، ففزعت وأسرعت بالخروج وتركتها.!!
كم ندمت بعد هذا اليوم أني تركتها....

اليوم كانت جالسة وحيدة كعادتها في ركن قصي من المطعم الأنيق، يموج رأسها بالأفكار وتغوص بكل كيانها داخل قصاصة ورق، أعطاها رجل للنادل وانصرف مسرعاً، بعد أن طلب منه أن يسلمها للسيدة .. وأشار له نحوها قائلاً: هناك .!

جلستُ على مقربة منها، وأخذت أراقب تعبيرات وجهها دون أن تلحظني، ظلت تفتح الورقة وتقرؤها ثم تطويها وتعيد فتحها، حتى أخيراً أطبقت يدها عليها بعصبية، ووضعتها بجيب معطفها المُلقى على مقعد مجاور لها بإهمال. سدّدتْ بصرها كرصاصة من خلال النافذة الزجاجية صوب الشارع للحظات، بوجه جامد يغلب عليه الشرود، ثم شرعت في تناول باقي طعامها بآلية حتى انتهت منه . نهضت ولملمت أشياءها في عجالة كما لو كانت قد تذكرت شيئاً خطيراً لتوها.

أسرعْتُ الخطى في أعقابها، وحين وصَلتْ إلى الشارع كانت قد قــَطـَعت مسافة كبيرة، دلفتْ بعدها إلى مدخل بناية قديمة معتم مثل جوف وحش أسطوري. دخلت في إثرها دون أن تشعر هي بي.. أبطأت قليلاً خوفاً من أن أتعثر فقد كان المدخل حالك الظلمة، لكني استطعت أن أتبينها تصعد السلّم بثبات، ثم دخلت شقة على بابها لافتة بأسماء أطباء ففهمت أنها عيادة، كان ضوء أبيض مبهر ينبلج من الداخل أعمى بصري، وتصدر من الشقة أصوات لأحاديث بشر كلامهم غير مفهوم .. لكن هذه المرة بنبرة رتيبة لا تعلو ولا تخفت .. وإذ بي أجد السيدة قد اختفت وسط دخان كثيف، والأصوات مستمرة، وأصبحت خافتة لا سيما بعد ظهوري عند الباب، ولكن لا أثر لأصحاب الأحاديث، ترددت ؛ هل أدخل أو أعود من حيث أتيت ؟ تسمرت قدماي في مكاني !! الرجل الذي أعطى النادل الورقة يقف في منتصف الردهة يرمقني بنظرة تعني أنه يعرفني وأنه في انتظاري وابتسامة مفتعلة كشفت عن أسنان صفراء كست وجهه الغريب.

عدت أدراجي إلى الشارع مسرعاً، فقد كنت أحتاج أن أفكر قليلاً قبل أن أقدم على أي خطوة .. وقفت أستنشق بعض الهواء النقي.. وفي رأسي ألف فكرة وسؤال.

ترى من هذه السيدة ؟ أنا متأكد أننا التقينا من قبل .. أين ؟ هل أتتبعها لأسألها عن شكوكي وهواجسي؟ قد لا تستجيب لي، كيف أعرف رد فعلها ؟ قد تفزع، تصرخ، تستغيث، أو .. أو قد تبكي وتخلع ملابسها وتقف عارية وتنفش شعرها وتتهمني بالتحرش.

أفقت من أفكاري على صوت أبواق السيارات التي ارتفعت فجأة، وشاب يركب عجلة ويحمل على رأسه قفصاً تتراص فوقه أرغفة الخبز، يناور بحركة دودية وسط زحام السيارات وكاد أن يصطدم بي.

تراجعت إلى الخلف واستندت إلى حائط لبرهة . أستدرت ووقفت شاردا أمام واجهة محل لبيع الأدوات المكتبية وكان هناك تمثال صغير لإمرأة ترتدي ثوبا أبيض اللون.

ثم تذكرت أنه في حلم متكرر، كنت أراها ولكن ربما أصغر سنا، عشرينية تجمع شعرها بطوق وترتدي ملابس شفافة بيضاء، ناعمة رقيقة، وعندما كنت أقترب منها كي أحتضنها كانت تخترق رسغي شوكة حادة طويلة ناتئة من ظهرها فيتلوث الثوب الأبيض بدمائي. وأتلوى ألما من عمق الجرح.. لكنني لم أكن حزيناً مثلما انا اليوم.

ألقيت نظرة على الساعة في يدي، كانت السادسة والنصف، لافتة مضيئة على الباب تحمل اسمي : د/ محمود عثمان أخصائي الأمراض النفسية .. ولجت من باب العيادة فتتبعني السكرتير بابتسامته السخيفة وأسنانه الصفراء وعيونه الذابلة، في الصالة تجلس سيدة تحمل معطفاً فوق ساقيها ووجهها جامد.. شعرت أنني رأيتها من قبل لكني أكملت طريقي إلى غرفتي.
تبعني السكرتير وقال بعد أن أغلق الباب:
- سلمت الورقة للجرسون.. وهي برة .. أدخلها؟
- ورقة إيه ؟ وهي مين ؟
- الست اللي حضرتك طلبت مني أوصل لها الورقة في المطعم.

لم أفهم كلامه فصرفته وطلبت منه أن يُدخل المرضى بالدور طبقاً لمواعيد.



#فاتن_واصل (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عجايب
- عبودة الوحش
- قمصان شفافة
- وضع متميز
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الأخير)
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الثالث عشر )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الثاني عشر )
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء الحادي عشر)
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء العاشر )
- والقلب يعشق سراً . ( الجزء التاسع )
- والقلب يعشق سراً . ( الجزء الثامن )
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء السابع )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء السادس )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الخامس )
- والقلب يعشق سراً. ( الجزء الرابع )
- والقلب يعشق سراً ( الجزء الثالث )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الثاني )
- والقلب يعشق سراً .. ( الجزء الأول )
- مشهد لم يحدث في جنازة عائلية
- الأمنية الأخيرة


المزيد.....




- من دون زي مدرسي ولا كتب.. طلاب غزة يعودون لمدارسهم المدمرة
- فنان مصري يتصدر الترند ببرنامج مميز في رمضان
- مجلس أمناء المتحف الوطني العماني يناقش إنشاء فرع لمتحف الإرم ...
- هوليوود تجتاح سباقات فورمولا1.. وهاميلتون يكشف عن مشاهد -غير ...
- ميغان ماركل تثير اشمئزاز المشاهدين بخطأ فادح في المطبخ: -هذا ...
- بالألوان الزاهية وعلى أنغام الموسيقى.. الآلاف يحتفلون في كات ...
- تنوع ثقافي وإبداعي في مكان واحد.. افتتاح الأسبوع الرابع لموض ...
- “معاوية” يكشف عن الهشاشة الفكرية والسياسية للطائفيين في العر ...
- ترجمة جديدة لـ-الردع الاستباقي-: العدو يضرب في دمشق
- أبل تخطط لإضافة الترجمة الفورية للمحادثات عبر سماعات إيربودز ...


المزيد.....

- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن واصل - نصف غربة