|
إشكاليات العقل العربي من منظور ذاتي
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 04:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إشكاليات العقل العربي من منظور ذاتي
يتطور العقل العربي طرديا مع تكوين مجال بيئي يشجع خلق الحرية سواء أكانت هذه الأجواء ذاتية شعورية أو موضوعية حقيقية، هذه النقطة التي لم يلتف لها الكثير من دارسي الفكر والمعرفة ولم ينتبه لها دعاة الحرية في مستوى التنظير ولا في مستوى الممارسة العملية، أحيانا يتصور البعض أن الحرية اللازمة لتطوير العقل الإنساني هي أن تفتح للإنسان كل الأبواب الواقعية والممكنة والتي تؤدي مثلا إلى أشاعة ما يعرف بالحرية المعرفية كي يستطيع العقل عندذاك أن يكون منتجا وجادا في بناء الصرح المعرفي. هذه النظرية الطوباوية واحدة من أساسيات مشكلة العقل العربي المتهم دوما بأنه يعيش على الفتات كي يثبت لنفسه أولا من أصحال المائدة أو المدعوين لها، الحقيقة أن الحرية تبقى في أعلى درجات تبلورها إحساس ذاتي يقيني بأن العقل في جانب خلق المعرفة وأنتاجها، فلم يتطور العقل الغربي مثلا خارج سياق الزمن في شقيه الحر والمقيد، بل أن أهم أنجازاته على الأطلاق هو خلق حالة من الشعور بالحرية في مواجهة كل أشكال التعسف والأضطهاد وقيادة المجتمع إلى عالم الحرية، فهو لم ينمو في أجواء مثالية ولم يترعرع في ظل رومانسية حالمة، بل قاد نضالا مرا من أجل خلق مجتمع حر ونجح في ذلك لسبب بسيط أن كان حرا في ذاتيته ووجوده الشخصي. ما ينقص العقل العربي أشياء كثيرة بدأ من تجربة ممارسة الحرية في ذات العقل الفردي وأكتشاف الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها تجاوز عقبة التسلط والظلم والتعسف، ثانيا هناك ميل حالم لدى العقل العربي ويتخذ مبرر للكثير من ما يشكل خنوع وأستجابة وخضوع للظرف هو عدم قدرته على أن يصارع من أجل المعرفة ويصارع من أجل الحرية، هذا تبرير فاشل ومضلل فالحرية تنتج المعرفة والمعرفة الحقيقية تساهم في صنع ثورة الحرية، كلاهما يسيران في أطار واحد ويتخذان من العقل الفردي بيئة حيوية لذلك، التبرير الذي يمثل صورة من صور العجز والكسل غير قادر على حسم إشكالية العقل دون الإحساس والأعتراف أن الحرية تبدأ من الداخل ولا تمنح من الخارج ولا ترسم بموجب قوانين. إذن على العقل العربي وبالذات العقل المعرفي أن يتحرر أولا من وهم المطالبة بالحرية سواء أكانت المطالبة متوجهة للمجتمع أو للسلطة أو لكليهما، وثانيا أن يكون مستعدا أن يستعيد الثقة بنفسه كونه قادرا على أن يعيش الحرية الحقيقية في نظامه العقلي وأن لا يفرط بها تحت أي مسوغ أو مبرر، وثالثا أن التأريخ والعقائد والأيديلوجيا ثالوث يقيد الحرية ويسلب المعرفة الإنسانية قدرتها على تبني قضية الإنسان الأساسية وهي السعي الدائم للتخلص من محدودية الفكر وموضوعية المعرفة المؤطرة بأهداف مرسومة ومحددة مسبقا. إن إدراك إشكالية الحرية والمعرفة وأسترداد الوعي والخروج من محددات التحرر الثلاث أول ما يمكن للعقل العربي أن يتسلح بهما في مواجهة التخلف الأجتماعي والقهر السلطوي وأستاتيكية منهج صناعة المعرفة الإيجابية، وهنا نشير ومن خلال التجربة الثقافية التأريخية وحتى السياسية أن رواد الحرية في المجتمعات التي تمارس اليوم قدرا واسعا من الحرية، لم يكونوا إلا عقول تمردت على نظمها وأرتكبت طريق المجازفة الواعية والمدروسة بمسئولية، لتقود مجتمعاتها إلى عالم أكثر ليبرالية وديمقراطية أنعشت تطورا معرفيا لم يعد بالإمكان حتى ملاحقة تطوراته وقياسها بمقياس كلاسيكي. العقل العربي لا يختلف من حيث مستويات العمل والإدراك عن أي عقل أخر لو نشأ في بيئة مماثلة أو تحت ظروف متساوية في التقديم والتهيئة والمعطيات والرغبة في الخروج من عالم الرتابة والتقهقر، إن ما سلب العقل العربي ديناميكيته وجديته ونشاطه غير الفكر التاريخي والحجر السلطوي على حريته والخوف من أن يتمرد ضد الواقع السياسي والفكري، فأصبح نتيجة الكبت والضغط القهري الذي مارسته السلطة اللا واعية لحاجات الإنسان والمجتمع والغاصبة لحقوقه، خائفا مترددا شاكا حتى في قدرته على الفعل الإيجابي أو السعي للمطالبة بحريته من خلال القانون أو العقد الأجتماعي وهذه أسوأ أنواع الحرية وأغلاها ثمنا، أو حتى أنه يخشى أن ينتهك بذلك سيادة السلطة المتعسفة التي لا تقبل بالمواجهة الأفتراضية أصلا ولا حتى الشك في قدسية الإرث التاريخي. إن التراكم القهري وأصطباغ الواقع العربي سياسيا وحضاريا وثقافيا وفكرية بتناقض اللونين الأبيض والأسود واحدا من أهم أسباب كسل العقل العربي وسكونه في دائرة مزدوجة ومتناقضة مع ذاتها، فأما مع السلطة وتوجهاتها والدفاع عن ديكتاتوريتها وأنحرافها وتبرير وتسويق هذا الأنحراف وبالتالي الحصول على متسع في الحياة، أو الصدام والعداء والتناحر مع السلطة دون القدرة على التحاور والتقارب ومحاولة دراسة أزمة السلطة، ومن خلالها يمكن أن نعمل على التوسط والتدرج بين اللونين الأبيض والأسود في مشروع غير ضبابي ولا رمادي، وإنما مشروع الطيف اللوني الذي يمنح العقل العربي قدرة على خرق هذه الثنائية المملة والأسرة لأنطلاقته نحو أفاق وأبواب جديدة للأنتاج والتصرف.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تلعن الريح ...... ولا تلعن الخطيئة
-
سؤال وجواب
-
الدخول إلى قلب المدينة ح 9
-
الدخول الى قلب المدينة ح8
-
الدخول الى قلب المدينة ح7
-
الدخول الى قلب المدينة ح6
-
الدخول إلى قلب المدينة ح5
-
الدخول إلى قلب المدينة ح4
-
الدخول إلى قلب المدينة ح3
-
الدخول إلى قلب المدينة ح2
-
الدخول إلى قلب المدينة ح1
-
أزمة الهوية الدينية ... الألحاد والتكفير
-
رسالة من الفرات إلى النيل النبيل
-
الخوف والتردد في نقد التابو (المحرم المقدس) ودوره في تحرير ا
...
-
حوار صامت 33 الأخير
-
حوار صامت 32
-
بين الحرية السياسية وحقوق الإنسان نقتل مرتين
-
صوت الصمت العالي
-
حوار صامت 31
-
حوار صامت 30
المزيد.....
-
العقل المدبر وراء -ديب سيك-: من هو ليانج وينفينج؟
-
بانتظار قرارات القضاء.. البحرية الإيطالية تنقل إلى ألبانيا 4
...
-
احتجاجات حاشدة في دالاس ضد سياسات ترامب للهجرة وترحيل الأسر
...
-
العراق.. الأمين العام لمنظمة -بدر- يعلق على إقالة رئيس هيئة
...
-
رويترز: صور تظهر تشييد الصين منشأة كبيرة للأبحاث النووية
-
مجلس الشيوخ الأمريكي يعرقل مشروع قانون لفرض عقوبات على الجنا
...
-
انفجار في سفينة حاويات في البحر الأحمر
-
إعلام إسرائيلي يكشف عن وعد -حماس- لأسرتي البرغوثي وسعدات
-
رئيسة الحكومة الإيطالية تخضع للتحقيق القضائي بعد قرار الإفرا
...
-
مصر.. الجامعات تحسم مصير طلاب المنح الأمريكية بعد تعليق إدار
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|