أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!














المزيد.....


صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5399 - 2017 / 1 / 11 - 20:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



كنت أقودُ سيارتي وتوقفتُ في إشارة ميدان روكسي. لمحتُ رجلا في ملابس رثّة يتوكأ على عصا كأن بساقه عجزًا خفيفًا، يحمل بعض علب المناديل الورقية لبيعها أو للتسوّل بها. أشرتُ له فجاءني مستبشرًا، فمددتُ يدي له بعشرة جنيهات ثم لوحت له بتحية وابتسامة. لكنّه أصر في كبرياء أن يهبني علبة مناديل ورقية مقابل نقودي الهزيلة. فاندهشتُ لشممه واعتزازه بكرامته ورفضه أن يكون متسوّلا بل بائعًا محترمًا. أخدتُ منه العلبة، وشكرته كثيرًا. لكنني فوجئتُ به يمطرني بسيل من الدعوات المكثّفة والغزيرة، بما لا يتناسب مطلقًا مع الورقة المالية البسيطة التي منحته إياها! تلك التي لم تعد تكفي مجرد شراء ساندوتش من الفول! بعدها دخلتُ محطة البنزين. وبعد انتهاء العملية مددتُ يدي في كيس نقودي لأعطي العامل حقّه، فعرفتُ سرَّ الدعاء الغزير، غير المبرّر، الذي منحنيه بائعُ المناديل الورقية. لقد أعطيته ورقة المائة جنيه المخصصة لبنزين السيارة، وقد ظننتُها عشرة! ضحكتُ كثيرًا، وقلتُ لنفسي: "بالتأكيد كان ذلك الرجل بحاجة إلى المال اليوم أكثر مني.” ثم رحتُ أُقلّبُ حقيبتي رأسًا على عقب لأفتّش في جيوبها وبين ثناياها عن ثمن البنزين، وأنا ألهجُ بالدعاء إلى ربّي ألا يتركني أمرَّ بلحظة صعبة مع عامل المحطّة. ولم يخذلني اللهُ بكل تأكيد، هو القائلُ: "أنا عند ظنِّ عبدي بي.”
أخبرتُ صديقي السفير رأفت إسكندر بهذه الطُرفة، وضحكتُ وأنا أشيرُ إلى علبة المناديل الورقية قائلة: “هذا أغلى صندوق مناديل ورقية في التاريخ!" فهالني أن قال لي: “بل تلك صدقةٌ إجبارية. اللهُ أراد لك أن تفعلي خيرًا لم تقصديه، ليمنحكِ ثوابًا غير مُحتسَب.” يا لها من فكرة مدهشة، وصوغ عبقري! تأملتُ الفكرة طويلا، وأيقنتُ أنها حساباتُ الله المعقّدة التي لا ندركها نحن بحساباتنا الأرضية البسيطة وعقولنا البشرية المحدودة. شكرتُ اللهَ العظيمَ كثيرًا هو الذي لا يدبّر أمور حياتنا وفقط، ولا يُسيّر أعمال رئتينا للتنفس وقلبنا للخفق وعقلنا للتفكير ومعدتنا للهضم وووو، وفقط، هو الذي لا يستجيب إن دعوناه وفقط، ولا يرحم ضعفنا ويغفر سيئاتنا وفقط، ولا يُسخّر لنا الشمسَ والقمر والنجوم والرياح ويُنبتُ الزهرَ والشجر ويُسيّر المجرّات والأفلاك والكواكب بقَدرٍ، وفقط، وهو الذي لا يحسب لنا حسناتنا وصدقاتنا وفقط، إنما كذلك يُنبّهنا إن تأخرنا عن الخير برهةً، ليدّخر لنا من فضله وكرمه في صندوق الخير الذي نلاقيه به يوم القيامة.
حدثت تلك الواقعةُ الجميلة الطريفة قبل شهرين مضيا. لكنني تذكرتُها بالأمس حين أرسل لي صديقي د. محمد العدل، المنتج الكبير، الحكاية التالية التي لاأعرفُ بطلها. كتب يقول:
"واحد صاحبى بيحكي لي: كنت قاعد في المسجد بعد صلاة الجمعة قام الإمام ودعا الناسَ للتبرّع للفقراء والأطفال اليتامى. قمت دخلت إيدي في جيبي وطلّعت جنيه مبهدل وحشرته في فتحة صندوق التبرع اللي قدامي. بعدها جاء رجل عجوز وقف ورائي وهزّني من كتفي وأعطاني ثلاث ورقات من فئة المائتي جنيه، وحوالي أربع ورقات من فئة المائة جنيه، وحوالي عشر ورقات من فئة الخمسين جنيها، وورقتين من فئة العشرة جنيهات. قمتُ بحشرها جميعًا في فتحة الصندوق، ورقةً ورقة. وبعد انتهاء المهمة، استدرتُ لأواجه الرجلَ العجوز وأنا أحدوه بنظرة إعجاب، ثم شكرته قائلا: “ربنا يكرمك ويتقبّل منك يا حاج.” فقال لي العجوز مبتسمًا: “العفو يا ابني على ايه بتشكرني؟! هذه النقود سقطت منك وأنت تُدخل يدك في جيبك منذ قليل.”
شكرًا لك يا ربُّ لأنك تُذكّرنا إن نسينا أن نذكرك، وتمنحنا من خيرك لنفعل الخيرَ للمعوزين والفقراء، حتى وإن لم نقصد إلى ذلك.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوسادةُ الإلهية …. كنزُك
- بيكار … ريشةٌ ملونة طمسها الظلام
- متى ينتهي كتابي عن الإمارات؟
- لأن الله يرى ولأن مصر تستحق!
- طائرةٌ للفاسدين والسد العالي الجديد
- الأقباط … يركلون أمريكا
- لأن الله يرى!
- الشنطة بيني وبينك
- المصري اليوم تحاور الشاعرة فاطمة ناعوت
- على هامش البطرسية
- أيها الجندي … أنت تجرحني!
- الجميلةُ المغدورة، اليومَ عيدُها
- من حشا الحزام الناسف بالشظايا؟
- قُبلة يهوذا
- لهذا لم أحادثك يا صبحي!
- دموعُ الفارس | إلى محمد صبحي
- شجرةٌ وأربعُ عيون
- محاكمة نجيب محفوظ وأجدادنا والفراشات
- مشيرة خطاب أمينًا عامًا لليونسكو
- إيزيس


المزيد.....




- هيغسيث: إسرائيل حليف مثالي للولايات المتحدة
- علماء يكشفون كيف وصلت الحياة إلى الأرض
- ماسك يرد على ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام
- برلماني أوكراني: زيلينسكي يركز جهوده على محاربة منافسيه السي ...
- رئيس جنوب إفريقيا يحذر نظيره الرواندي من عواقب الفشل في وقف ...
- مستشار سابق في البنتاغون: على واشنطن وموسكو إبرام اتفاقية أم ...
- منعا للتضليل.. الخارجية الروسية تدعو إلى التحقق بعناية من تص ...
- ترامب -يعلن الحرب- على دعم فلسطين داخل المؤسسات التعليمية
- لوبان لا تستبعد استقالة ماكرون
- ترامب يوقع أول قانون بعد عودته إلى المنصب


المزيد.....

- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فاطمة ناعوت - صدقةٌ جبرية …. منحةٌ من الله!