|
الخبيئة - للمخرج النمساوي مايكل هانيكه: من الإرهاب الشخصي إلى الإرهاب الكولونيالي
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1425 - 2006 / 1 / 9 - 10:10
المحور:
الادب والفن
ربما يكون الحدث الأكثر أهمية في الدورة الثامنة عشر لمهرجان الفيلم الأوروبي في برلين هذا العام هو فوز فيلم " الخبيئة " للمخرج النمساوي مايكل هانيكه بست جوائز مهمة وهي جائزة أفضل فيلم أوروبي، وأفضل مخرج أوروبي، وأفضل ممثل أوروبي، وأفضل كاتب سيناريو، وأفضل مُمنتج، وأفضل مصوِّر سينمائي. كما سبق لهذا الفيلم أن حصد العديد من الجوائز في مهرجان " كان " لعام 2005 ومن بينها جائزة أفضل مخرج، وجائزة التحكيم، كما رُشح لجائزة السعفة الذهبية لكنها ذهبت لفيلم " الطفل " للأخوين داردين. كما نال الممثل الأسكتلندي الشهير شين كونيري بجائزة تقديرية عن مجمل إنجازاته السينمائية خلال مشواره الفني الطويل، بينما فاز الفنان جورج كلوني بجائزة أفضل ممثل غير أوروبي عن دوره في فيلم " ليلة سعيدة، حظاً سعيداً ". كما حصد المخرج الهولندي من أصل فلسطيني هاني أبو أسعد جائزة أفضل سيناريو عن فيلمه " الجنة الآن ". وفي السياق ذاته فازت الفنانة الألمانية جوليا جنتش بجائزة أفضل ممثلة. وجدير ذكره أن المخرج النمساوي مايكل هانيكه غني عن التعريف، فهو فنان مثير للجدل، سواء في رؤيته الفنية أو في تقنياته اللافتة للانتباه. ولكي نسلّط الضوء على هذا الفيلم الدرامي المثير لا بد من التوقف عند أبرز المحطات الفنية في حياته، فقد ولد مايكل هانيكه في 23 مارس " آذار " عام 1942 في ميونيخ، بفاريا، ألمانيا وهو ابن المخرج والممثل فريتس هانيكه والممثلة بياتريكس فون ديغين سخيلد. عمل أستاذاً لمادة للإخراج في أكادمية الفيلم في فيينا. بدأ مهنته ككاتب مسرحي لمسرح سودفيست فينك عام 1967. ثم عمل كمخرج حر للتلفاز والمسرح عام 1970. نشأ في مدينة فينر نوستات في النمسا، ثم درس مؤخراً علم النفس والفلسفة والعلوم المسرحية في جامعة فيينا في النمسا. ومن أفلامه المهمة التي حصدت العديد من الجوائز الكبيرة أو رُشحت لها نذكر "الخبيئة 2005، زمن الذئب 2003، عازف البيانو 2001، الشيفرة المجهولة 2000، القصر 1997، ألعاب مسلية 1997، القارة السابعة 1989، تنويع 1983، بعد ليفيربول 1974" إضافة إلى أفلام أخر لا مجال لذكرها الآن. ولا بد من الإشارة إلى أن هذا الفيلم تحديداً، وبقية الأفلام المتنافسة الـ " 46 " قد خضعت لتحكيم " 1600 " عضو في أكادمية الفيلم الأوروبية، ومرّت عليهم قبل أن تحصد هذه النتائج المذهلة، علماً بأن جوائز هذا المهرجان تُقارن الآن بجائزة الأوسكار ذائعة الصيت. وفي حفل تسليم الجوائز قال المخرج هانيكه" إن هذا يشبه الإحساس بتجربة شيء في السابق مع أنه يتم اختباره للمرة الأولى، أشعر بنوع ما كأنه عيد الميلاد". يرى بعض من النقاد أن إسناد الأدوار الرئيسة في هذا الفيلم لممثلين مبدعين من طراز الفنان دانييل أوتويل والفنانة جولييت بينوش هو الذي منح الفيلم كل هذه الأهمية بحيث تقاطرت عليه الجوائز من كل حدب وصوب، بينما يرى البعض الآخر أن الثيمة المرعبة، والمثيرة كانت هي السبب، ويرى طرف ثالث بأن الرؤية والتقنيات العالية التي يتمتع بها المخرج هي التي دفعت بالفيلم إلى مصاف الأفلام العظيمة التي لا تغادر الذاكرة بسهولة. وبغض النظر عن هذه الآراء القيمة الثلاثة دعونا نتوقف عن المنجز الفني لكلا الفنانين اللذين أديا الدورين الرئيسين في الفيلم وهما دانييل أوتويل وجولييت بينوش. ودانييل للمناسبة فرنسي من أصل جزائري، وهو يقيم في الجزائر الآن، وقد اشترك خلال حياته الفنية بأكثر من " 70 " فيلماً أهمها " فعل عدواني، اغتصاب الحب، الرجال يفضلون الفتيات الممتلئات، بضعة أيام معي، المجرم الأنيق، في سريرك رجل، الطفل الثمانون، طفل الليل، تحت الحراسة، الخصم، الجريمة الغريبة، و لِمَ لا؟ ". أما الفنانة الفرنسية جوليين بينوش، فهي بنت ممثلة ونحّات، كانت في الثالثة والعشرين عندما لفتت انتباه مهرجان نقاد الأفلام العالمي من خلال فيلمها " ضوء الكينونة الذي لا يطاق " عام 1988. وقال عنها بعض النقاد السينمائيين " أنها كانت أثيرية في جمالها وبراءتها " وكانوا يركزون على أنها بالغة الرقّة حقاً ". ومعروف عن هذه النجمة أنها تتقاضى أعلى أجر في تاريخ السينما وهو 35 مليون دولار! وعن فيلمها " المريض الإنكليزي " عام 1996 نالت جائزة الأوسكار عن دور أفضل ممثلة ثانوية، وفي فيلم شوكولات عام 2000. ومن بين أبرز أفلام هذه النجمة نذكر " موعد، مرتفعات وذيرنغ، العشاق على الجسر، أرملة القديس بيير، الشيفرة المجهولة، وموسم النحل ". هل ثمة خبايا وأسرار في قصة الفيلم؟ يعتمد هذا الفيلم على حبكة قوية، مشوّقة. ففكرة الفيلم تنطلق من نتوء واقعي، لكنها تتعمّق شيئاً فشيئاً حتى تعوم في منطقة هي أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع، وربما يتداخل الواقع والخيال في كثير من الأحيان. ولكي نسلط بعض الضوء على حبكة الفيلم، وبنيته الدرامية المثيرة لا بد من الوقوف قليلاً عند طبيعة الأحداث، ونموها، وتفجرها عندما تبلغ الذروة. ثمة عائلة باريسية ميسورة الحال، مؤلفة من الأب جورج " دانييل أوتويل " يعمل مقدماً لأحد البرامج التلفازية المتخصصة في مراجعة الكتب الصادرة حديثاً، وتقييمها نقدياً من خلال هذا البرنامج الأدبي، والأم آنا " جولييت بينوش تعمل في مؤسسة للنشر، ولديهما صبي يدعى بييرو، ويعيشون ثلاثتهم حياة هادئة لا يعكّر صفوها شيء. فجأة تستلم العائلة مجموعة أشرطة فيديو من شخص مجهول فيها بعض الرسوم التحذيرية التي ظلت غامضة كي يكون الفيلم مشوّقاً، ودرامياً، يبعث على الحيرة، والترقب، والإنتظار لحل هذا الإشكال المُلغز. فعندما تشاهد العائلة الشريط الثاني يكتشف الأبوان أن الشريط مُصوَّر إما من الشارع المقابل لهما أو ربما من مدخل منزلهما، فثمة شخص ما يراقبهم، ويتابع تحركاتهم، ومن خلال الشريط الثاني تبيّن أن هذا الشخص المجهول يعرفهما جيداً ولا بد أنه يسعى لتصفية حسابات قديمة مع هذه العائلة الباريسية " المُسالمة ". وكما في أفلام العنف، والجريمة، والتجسس تشعر العائلة بمخاطر هذه التهديد الذي يأتي من مصدر مجهول، خصوصاً وأن جورج يخشى على ابنه وزوجته كثيراً، ولقد تفاقمت هذه الخشية حينما أبلغ مركز الشرطة، لكن الشرطة رفضوا تقديم المشاعدة بحجة عدم وجود تهديد مباشر! هنا تأخذ الحبكة بُعداً درامياً متوتراً، إذ يبدأ جورج بمراجعة تاريخه الشخصي ويكتشف بسرعة كبيرة أن ثمة خللاً ما موجود في ماضية، ولكن هذا الخلل أو لنقل هذه الخبيئة أو السر الدفين كان محجوباً عن زوجته وابنه، الأمر الذي يجعلهما يفقدان الثقة فيه، ويحاولان الإطلاع على تاريخه الشخصي المجهول. قد يبدو الفيلم في كثير من تفاصيله فيلم رعب ومطاردة وجريمة، وهو كذلك، لكن المسحة الفنية والإنسانية هي الغالبة على هذه التفاصيل، وربما يكون الجانب السايكولوجي هو الذي عمّق الفيلم ومنحه أبعاداً جديدة. فرجل العائلة المستقيم والذي يعمل في الحقل الأدبي والفكري يُفترض أن يكون واضحاً مع أسرته في الأقل، ولا يدعهم يجابهون هذه المواقف الصادمة من دون سابق إنذار، فحينما تظهر الأشرطة تتصدع أواصر العلاقة المتينة، ليس بين الزوج وزوجته، وإنما بين الأب وابنه، فهذا الأخير بدأ ينظر لوالده بريبة وحذر شديدين. يتفاقم الوضع النفسي لجورج، وتغلي أعماقه، فلا يدري هل يشفق على روحه الملتاعة من هذا الموقف أم يوبخها، ولكن الشيء الأكيد بالنسبة له هو شعوره العميق بالخوف والرعب من تلك الحادثة البعيدة التي قمعها منذ وقت طويل، وقد آن الأوان لأن تتفجر، وتصعد إلى السطح ليجد نفسه قريباً جداً من ذلك الماضي البعيد حينما أعتدى في الشارع، وعلى مرأى من الناس على شاب أسود، فتذكر صورة مرعبة لصبي تناثرت دماءه بسبب ذلك العدوان السافر عليه، ولم يكن ذلك الشخص سوى مجيد " موريس بينوشوا " الرجل الجزائري الذي كان يعمل والداه في مزرعة والدي جورج عام 1961. هنا يأخذ الفيلم منحى أيديولوجياً، لنرى طبيعة العلاقة بين المُستعمِر والمُستعمَر، خصوصاً عندما تبلغ هذه العلاقة ذروة عنفها، وقمعها للجزائريين. وبالرغم من أن مجيداً ينكر معرفته بهذه الأشرطة أول الأمر، ويقنعهم بذلك، ولكن حينما لا يعود الابن بيير من المدرسة في أحد الأيام يقبض جورج وزوجته آنا على مجيد. ثم يُسلط الضوء على الحياة الشخصية لمجيد، ونتعرّف على الكثير من جوانبها، ثم يتحول الفيلم من دراما عائلية، وأسرار مخبأة إلى أطاريح فكرية وأخلاقية، بل أن هذه القضية برمتها تخرج عن إطار فرنسا، ومسؤوليتها تجاه الجزائر، لكي تصبح مسؤولية أمريكا وأوروبا تجاه العراق وأفغانستان، وكل ما يحدث على الساحة الدولية بفعل العصر الكولونيالي الجديد. وربما يكون من المفيد أن نركز على الجملة الأكثر أهمية في الفيلم ومفادها " لقد أرهبوني وأرهبوا عائلتي، وسوف يندمون " فالفيلم ليس بعيداً عن الإرهاب بمفهوماته المتعددة، سواء أكان إرهاباً شخصياً يقوم به شخص محدد نتيجة لوثة عقلية، أو إرهاب ديني نتيجة لثقافة دينية متطرفة، أو إرهاب دولي نتيجة لفكر كولونيالي متطرف أيضاً. بقي أن نقول إن الفيلم مدته " 117 " دقيقة، وباللغة الفرنسية، وهو إنتاج مشترك بين " فرنسا، النمسا، ألمانيا، وإيطاليا ".
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دجلة يجري هادئاً وسط الضفاف المضطربة: قراءة نقدية في الفيلم
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي ذياب
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية: الشاعر عواد ن
...
-
أطفال الحصار - للمخرج عامر علوان: ضحايا اليورانيوم المنضّب و
...
-
الخادمتان- باللغة الهولندية ... العراقي رسول الصغير يخون جان
...
-
خادمات - رسول الصغير: البنية الهذيانية والإيغال في التغريب-
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية/ الروائي جاسم
...
-
في ضيافة الوحش - لطارق صالح الربيعي: سيرة ذاتية بإمتيار يتطا
...
-
الفيلم التسجيلي - مندائيو العراق- لعامر علوان: فلسفة الحياة
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي/ الشاعر وديع العبيدي: -
...
-
-استفتاء الأدباء العراقيين من المنافي العالمية /مهدي علي الر
...
-
(استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر كريم
...
-
رسام الكاريكاتير الجنوب أفريقي زابيرو جونثان شابيرو ينال الج
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين: زهير كاظم عبّود: إن العراق حاضر ف
...
-
الإرهاب الأسود يغيّب المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي روّج أ
...
-
تقنية - الوسائط المتعددة - في مسرحية ( أين ال - هناك -؟ ) تم
...
-
فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يزور هولندا بعد ثلاثة قرون: هول
...
-
عزلة البلَّور
-
د. نصر حامد أبو زيد يفوز بجائزة - ابن رشد للفكر الحر - لسنة
...
-
استفتاء الأدباء العراقيين في المنافي العالمية / الشاعر باسم
...
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|