أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل الياسري - الانسان العربي والاستلاب السلطوي















المزيد.....


الانسان العربي والاستلاب السلطوي


اسماعيل الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 5388 - 2016 / 12 / 31 - 11:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الانسان العربي والاستلاب السلطوي . .
تشكل القيم الانسانية من حق وعدالة ومساواة وحرية ,علامات مهمة في تاريخ الامم ولا يستدل على رقي شعب الا بمساحة ما يملك من هذه القيم الإنسانية, ولو توغلنا بالقدم, لوجدنا ان المكونات الانسانية الاولى تؤكد على حقوق الفرد بالحياة الكريمة , من (حمورابي) البابلي الذي وضع اول مدونة حقيقية لحقوق الانسان ,الى (كونفوشيوس)الصيني (وبوذا ) الهندي و(صولون ) اليوناني, التي جسدت اهمية الذات الانسانية وحقها في العيش بحياة حرة كريمة, في حين مازالت مجتمعاتنا العربية تنتهك فيها حقوق الانسان وحريته وارادته وكرامته, حتى اصبح التسلط في اوطاننا عادة والطغيان عبادة, واصبح الانسان العربي من المحيط الى الخليج يعيش تحت سيطرة انظمة حكم هي من اسوأ الانظمة السياسية في العالم, ومن اكثرها بطشا وظلما وفسادا وتخلفا اداريا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا وفتكا بشعوبها, بل من اكثرها انتشارا لخطاب سياسي وثقافي وديني ممسوخ, يبجل ويسبح بحمد الطغاة تعظيما وتمجيدا, فقد ورث الحكام العرب ماضي اجدادهم السياسي وتجذر فيهم ,وتعلموا منهم الدروس في كيفية السيطرة على الشعب وحكمه بالقوة ,وان يكون السلطان هو ظل الله في الارض, ليجعلوا من فلسفة( ارى رؤوساً قد اينعت وحان قطافها) شعاراُ لهم, فأستلب النظام الحاكم المجتمع من وظائفه الحيوية واحتكرها لنفسه وجرد الشعب من حقوقه الانسانية, وفرض هيمنته الكاملة على الشعب , وبدأت هذه الانظمة العربية محاولتها لترويض المواطن وغرس روح العجز واليأس في داخله , ليصبح اداة بيد هذه الانظمة الشمولية الدكتاتورية تحركه حسب اهوائها , والتي جاءت الى الحكم بعد سلسلة من الانقلابات استولت بها على مقاليد السلطة , بعد انتهاء حقبة الحكم العثماني والسيطرة الاجنبية , وأصبحت تستخدم كل الوسائل المتاحة لديها لتوطيد سلطتها , وتحول الحكام العرب الى طغاة يحكمون بإسم القانون الذي وضع بناء على توصياتهم وفصل بما يتناسب
وطموحاتهم , وأصبحت هذه الانظمة تحكم شعوبها بالنار والحديد , والخداع والتضليل والتزييف والترهيب والترغيب , وتحيل الشعب بكل طبقاته الى كائنات عاجزة في علاقتها بالمؤسسات العامة وبذاتها, وبات الشعب مغلوبا على امره مستلب الحقوق ماديا ومعنويا ومهدداَ في صميم حياته وكيانه , بعد ان استأثرت هذه الانظمة بالسلطة على حساب الشعب وهمشته وكبرت على حسابه, فتبددت كل القيم الانسانية, وغُيبت كل الممارسات الديمقراطية للإنسان العربي ,بسبب سعي هذه الانظمة الدكتاتورية تدمير الانسان وتحطيم قيمته, وتحويل الشعب الى جماجم وهياكل عظمية تسير في الشارع بلا وعي, او تحويله الى شخصيات تنتابها مشاعر الدونية والعجز واللا جدوى, لان الانسان إذا فقد ((أدميته ووعيه الذاتي او شخصيته, يٌقتل فيه الابداع والابتكار ويصبح مٌدّمجا ضمن كتلة لا تمايز فيها كقطيع من الاغنام))(1) ليس له رأي او ارادة , بل مغلوب على امره, تحيط به اجهزة الدولة ومخابراتها وازلامها من كل مكان, وتحصي عليه انفاسه وتعد خطواته, واصبح الحاكم العربي مالك الارض ومن عليها, فهو من يفكر بالنيابة عن الشعب ويعرف مصالحه, و له حق التصرف بالموارد والثروات والمقدرات والمصير البشري, وله حق هدر انتماء الانسان وحق المواطنة ومُصادرة هوية الانسان , وزج الشعب بحروب لا طائل من ورائها سوى ارضاء غرورة , بل يتعالى الزعيم المقدس على الشعب ويترفع , وكلما تعالى الزعيم المقدس بصفاته المفترضة , ازداد الاعجاب بشخصه من قبل حاشيته وازلام حزبه ومواليه, ممن اغراهم بأقواله وأمواله, او من هم قليلو الثقافة و الوعي والادراك ,فتراهم يبحثون عن تبرير له , اذا ما اكتشفوا ضعفا او تجاوزا او انحرافا عما يعلنه من مبادى في الخطاب السياسي , وتبدو اعذار مواليه موزعة ما بين عدم معرفته بما يحصل من انحراف وفساد , وتنزيه ذاته من الاخطاء , وتحميل بطانته مسؤولية كل الشرور التي تلوح اثارها بالمجتمع, ليصل
هذا التبجيل الى اضفاء العصمة على شخص الزعيم وتقديسه, وهي ظاهرة متجذرة باللاوعي الفردي والاجتماعي عند الناس, طيلة الفترة الممتدة من بداية الحكم الاموي الى الوقت الحاضر, من خلال التماهي بالمدنس وتقديسه واضفاء عالم العظمة عليه, وممارسة طقوس العبادة والولاء له, باعتباره هبة الله والقدر للناس, فالزعيم المقدس لا ينتمي الى الوطن , بل الوطن من ينتمي اليه ,وأن الخلاص من التجزئة والتخلف والظلم والهيمنة الاستعمارية وانقاذ الشعب من محنتهم وفقرهم , وقيادة الشعب في معارك التحرير لاستعادة الكرامة لا تتم الا عن طريق الزعيم المقدس المعبود(2) الذي يصبح السلطة التشريعية والتنفيذية المطلقة, و يستحوذ هو واعوانه وزمرته المُطبّلة له, على خيرات البلد وثرواته, اما الكتلة البشرية الباقية من الشعب فهم كتلة فائضه لا لزوم لها والتي تضيق السلطات بوجودها وباحتياجاتها وحقوقه, واي نقد على قراراتها او اعتراض فهو عصيان ضد السلطة, ليتحول المواطن العربي الى كائن مستلب الإرادة والحرية و غريبا في وطنه, وفاقدا للمشاركة في أية فعالية ,وأداء اي دور في خدمة المجتمع او المشاركة في عملية التغيير او صنع القرارات المصيرية, او المشاركة في بناء الوطن, بل يعيش على الهامش, وفي سعيها من اجل ترسيخ حكمها بشتى الوسائل, تلجأ السلطة الى استخدام اسلوب الترهيب والترغيب في قمع المواطن العربي في جل رغباته وتطلعاته ,ففي اسلوب الترهيب تستخدم كل وسائل القمع المعنوية والمادية التي تردع الناس عن مس الاسس التي يرتكز عليها النظام وإضفاء صفة القدسية عليه ,ليكون النظام رادعا لكل شخص يحاول مس الذات السلطانية , اما في اسلوب الترغيب , فمن خلال تقديم الدعم للموالين للنظام , و السيطرة على وسائل الاعلام المرئية والمقروءة وتسخيرها لخدمة النظام وقواه السياسية المتحكمة , وعقد المؤتمرات والمهرجانات التي هدفها التهليل للسلطة وازلامها , وغزو عقول الناس وبث
المفاهيم والصور والاخبار والبرامج التي تحًسن سمعة السلطة , وتقديم الدعم لكل من يوالي النظام و تجريم المعارضين له, من اجل تشكيل راي عام يؤمن بايدلوجية السلطة وحاكمها, وبهذه الأساليب يتم ترويض المواطن وإبعاده عن التفكير والنقد والتساؤل والاعتراض, لتتحول عملية القمع الى عملية قمع وتهجين ، ويصبح الهمّ الأساسي للنظام السياسي, استمرار قهره واستبداده وتسلطه على الناس، وبذلك تتم صياغة وتشكيل شخصيات امتثالية بالإكراه تتميز بالجمود والانقياد والسكون, وبينما ينخرط الجميع في ولاء كاذب، يصبح الاقتصاص هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة أولئك الذين لم يمتثلوا بعد, بل لأولئك الذين كان سوء طالعهم قد جعلهم مختلفين عن كل ذلك في حقبة سابقة، بسبب انتماءاتهم الطبقية أو الدينية أو العرقية أو المهنية، فلا يدان المرء على حاضره فحسب إنما على ماضيه أيضاً (3)،ولذلك يجري تنقيب دقيق في سيرته الشخصية من النواحي الفكرية والعرقية والطبقية والروحية ، ويقع التشهير به لكل نأمة طالت حياته قبل ظهور المؤسسة الشمولية المستبدة، ليبقى الذعر متقداً في وسط الجميع ,فلا يأتمن أحد أحداً، ولا يعرف ماذا سيقع له بعد لحظة، فالترقب والرعب والقلق والخوف يحكم الجميع. ويتحول كل شخص الى(( ملف والميت يعرف من ملفه, وحتى عندما يستدعى انسان بصفة شخصية فهو ليس شخصا بل حالة))(4), ويسود الظلم والقهر والاستعباد والاستلاب التام للذات الانسانية , فيصبح كل شيء في المجتمع الشمولي واضحاً وغامضاً في الوقت نفسه ، واضحاً لأنَّ الكل فُرض عليهم أن يفكروا بطريقة واحدة ، وغامضاً إذ لا احد يعرف الحدود التي ينبغي عدم تجاوزها ، حتى انصارها وازلامها لم يسلموا من عقابها , لأن الأيديولوجية الشمولية تحتاج الى تذكير أنصارها بأنَّ العقاب يلحق بكل من ينطوي على إثم الاختلاف ، بل انها تضع الجميع موضع الشك والريبة ، ويصل الأمر بالمؤسسة الاستبدادية أن تجري بين وقت وآخر فتكا بكبار أنصارها
ومؤيديها بتهم كاذبة , حتى تتخلص من اصحاب الطموحات الكبيرة, و تضمن الولاء وتزرع الخوف في نفوس من يفكر بالتآمر عليها, وهذا ما يدفع انصارها وأزلامها الى المزيد من الولاء والرضوخ طمعا في نعمتها وخشية من انتقامها, وخلال كل ذلك يجري تنميط عام لكل شيء، وتمنع الاجتهادات وشيوع روح الابتكار والتفكير الحر الذي لا يمتثل لأطرها ،وفي سعيها المحموم لاستباحة الوجود الانساني ككل, تقوم السلطة بالحجر على العقل البشري العربي وصولا الى اقصائه وتكريس الجهل المعرفي والثقافي والسياسي بين ابنائه,(5) ليصبح الكل صاغرين مسبحين بحمدها , لذا تتخذ السلطة موقفا من كل الذين تميزوا بأفكارهم وأدوارهم في معارضة السلطة الحاكمة من المثقفين والمفكرين والأدباء والعلماء ورجال الدين والسياسيين, وكل النخب التي تميزت بثرائها الروحي أو الفكري أو السياسي أو الاجتماعي, فتحاول ان تقهرهم وتذلهم وتجعلهم تابعين لها معبرين عن أيدولوجيتها, من خلال اهانتهم وملاحقتهم من قبل مجاميع من الرعاع المتخمين بإيديولوجيات التماثيل والأصنام فيجرّمون ويقرّعون على ذنوب لم يجر اقترافها في غالب الأحيان، او يجد المرء نفسه متهما منذ البداية دون ((ان يدري ماهو الاتهام الموجه اليه وطبيعة الجرم الذي ارتكبه))(6) وكثير منهم يُقتل أو يُخوّن أو يُنفى أو يُهان , او يُجرد من كل شيء، حتى يدخل الجميع ضمن قطيع الطاعة العمياء , لذا انقسم المثقفون العرب الى اقسام عدة, بعضهم تحول مع النظام الحاكم وطبل له, وبعضهم الاخر هرب مهاجرا من القمع والتسلط , اما من بقي فقد اتخذ طابع الاعتكاف على النفس , وبات مستلب الارادة والحرية ليس له صوت يسمع , ليظل المثقف العربي محاصراً بايدلوجية ثلاثية المسكوت عنه( السياسة, الدين, الجنس) , فتموت عنده روح الابداع , لان الطاقات المبدعة لا يمكن أن تستنبت في اجواء القمع والارهاب
والاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي وغياب الحرية وحقوق الإنسان(7) , كذلك ووظفت السلطة الدين لأغراضها, وأولته بما يخدم مصالحها, وجعلته اداة لتنفيذ مآربها وتقوية سلطتها , من خلال ادعائها الاهتمام والتأكيد على انها سلطة ذات طابع ديني, محاولة ترسيخ العرف الذي يخدم مصالحها ويعزز سطوتها من خلال التركيز على آيات واحاديث تشير الى التمسك بالسلطة ,وجعل الجماهير تقبل بالسلطة على انها الامر الواقع, والثورة عليها كفر وخروج على ولي الامر, اما الجانب الثوري من الدين الذي يؤكد على العدل والمساوة والجهاد في سبيل كرامة الانسان, فتحاول السلطة التستر عليه وعدم ابرازه, إذ يعد كل ما هو عصري يساعد الانسان على التحرر وامتلاك زمام مصيره بدعة , وكل توكيد على الحق والعدالة زندقة , فيتحول الدين الى سلاح مسلط على الانسان العربي , ومن خلال اسلوب التحريم الذي يمارسه رجال دين باعوا انفسهم للسلطة وحاكمها, والتجريم السلطوي , يقع الانسان ضحية بين ثنائية التجريم السلطوي والتحريم الديني ,ويكون كل مذهب او طائفة او دين او قومية او فكر يخالف السلطة وسياستها فهو كفر ومروق, لأن الدين الحقيقي هو دين السلطة, وهي الفرقة الناجية وتعتنق الاسلام الصحيح والناس على دين ملوكهم ,اما الباقون فهم كفرة وملحدون ويجب تصفيتهم واستلاب ارادتهم وحقوقهم وحريتهم وتهميشهم والقضاء عليهم ,فهم مواطنون من الدرجة الثانية لا يستحقون الحياة,(8),وقد ادى هذا الى استلاب تام للذات الانسانية وانسحاب المواطن وانكفائه على نفسه وعزلته , لأن الانسان المستلب يبقى يشعر دائما انه مهدد بحياته وقوته وحريته, ويجد نفسه في النهاية مغلوبا على امره مستلب الإرادة لا حول له ولا قوة , مما يجعله منسحبا مستسلما خوفا من العاقبة ويائسا من امكانية التصدي للسلطة التي تمتلك كل أدوات البطش , فيحاول ان يدير ظهره للسلطة و الابتعاد
عنها وعن كل رموزها وتجنبها , وقطع اي صلة بها, خوفا من أن يلحقه الاذى من السلطة وادواتها , ويتهرب من المشاركة في كل ما هو عام ,ولا ينخرط في اي نشاط, بل يحاول ان يستخدم اسلوب السلطة في التعامل مع الاخرين, من الكذب والخداع والتضليل وهي اللغة التي تستخدمها السلطة في مخاطبة الجماهير, وهكذا يصبح الكذب بين المتسلط والانسان المستلب يعمم على كل العلاقات إذ يؤدي التسلط والقهر والاستلاب الى انتشار الكذب والنفاق بالمجتمع كذباً بالمعرفة كذباً بالدين , كذباً بالصداقة , كذباً بالقيم السامية, يكذب الرئيس على الشعب ويكذب المسؤول على المواطن ويكذب الموظف على صاحب الحاجة ,كذباً في كل التعاملات في الحياة اليومية, وينتشر النفاق والرشوة والمحسوبية,وقد يلجا الانسان المستلب الى الكسل والخمول الذي يشيع في اوساط الفئات الاكثر بؤسا وتأخرا بالمجتمع, فيضطر الانسان المستلب التهجم على السلطة من خلال التعبير اللفظي المقنع , مثل النكات والاشعار الشعبية على اختلاف انواعها التي يحاول من خلالها النيل من السلطة و التعبير عن سخطه عليها وعلى رموزها والاستهزاء بها , كذلك يمكن ان يظهر الانسان المستلب اكثر عدوانية ضد السلطة عندما تتاح له الفرصة بذلك, من خلال تخريب الممتلكات العامة وسرقتها وحرقها, وهي سلوكيات تظهر في ظروف فورة الشعب ضد السلطة ,لاعتقادهم أنهم بعملهم التخريبي يهاجمون رموز النظام المتسلط عليهم, اذ يشعر الانسان المستلب بالغربة في وطنه وانه لا يمتلك شيئاً فيه, فعندما يخرب المرافق العامة للدولة ومنشآتها الحيوية , فانه يعبر عن عدوانيته ضد السلطة , وكل ما يمثلها, وتعبيرا عن الحقد والاحباط والكبت الذي يعاني منه منذ سنوات(9) ولا يقتصر الاستلاب في المجتمع العربي على السلطات الحاكمة فقط ,بل ظهر الاستلاب بأوجه اخرى, ومسميات متعددة عملت جميعا على خنق الانسان العربي وتكبيله وزادت من استلابه, بدءاً من التقاليد العشائرية والقبلية وما تفرضهم من قيود
على حرية الانسان وارادته وتحكم في مسار حياته , إذ غدت كل حركة فكرية نقدية للعشيرة اثما يستحق العقاب الشديد والنبذ والتصفية الجسدية, وكل موقف نقدي من نمط الحياة السائدة الذي يصب في مصلحة العناصر المتسلطة على العشيرة, يصبح اعتداء على المحرمات والمقدسات التي لا يجوز المساس بها ,فابن القرية والعشيرة كلاهما ملك لعشيرته وقريته, ولا يجوز لهما التمرد على قوانين العشيرة وهذا يؤدي الى استلاب حريتهم وارادتهم ثم يأتي الاب وما يفرضه من تسلط على الاسرة من خلال التسلط الابوي الذي يجعل من الاب هو المتحكم بالعلاقة ويفرض عدم مناقشته, اذ تتعرض المرأة والبنت الطفل والشاب في داخل الاسرة لسيل من النواهي باسم التربية الخلقية وعدم التجاوز على تقاليد المجتمع, ويفرض عليه ان يسمع ويطيع دون نقاش, وهذا يشل تفكيره ويغرس في ذهنه نظام القهر والتسلط , ثم تتابع المدرسة عملية القهر والتدجين والشلل الذهني من خلال سلسلة من القوانين والانظمة والعلاقات التسلطية يفرضها نظام تربوي متخلف ومعلمون عاجزون للوصول الى ذهنية الطالب , بسبب ما فرض عليهم من تسلط, بدءاً من الاسرة والمجتمع وصولا الى السلطة .
والمرأة هي الاخرى يقع عليها جزء كبير من الاستلاب في المجتمع العربي ,اذ تتعرض لاستلابات شتى في جل رغباتها وحريتها , من سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية, وذلك بسبب ظروف المجتمعات العربية و التخلف الذي تعاني منه هذه المجتمعات, وخاصة الاوساط المتخلفة ذات القوانين العشائرية والطائفية, التي تحاول تطويقها بقسوة من اجل ترويضها وبالتالي تعويدها على الرضوخ غير المشروط لهذه القوانين ,لذا تتعرض لجزء كبير من القهر والظلم ومصادرة لحريتها,وما يفرض عليها من رضوخ وتبعية وانكار لوجودها وانسانيتها , ويتم بخس قيمتها , وبخاصة في البيئات المتخلفة ثقافيا وفكريا , إذ تتحول المرأة الى
شيء او آلة, فهي تباع وتشترى, لا حرية لها ولا ارادة ولا كيان , انها ملكية الاسرة منذ ان تولد حتى تموت وتستلب ارادتها وقدرتها على الاختيار او في الزواج والتعليم , فهي اداة لانجاب الأولاد, اذ تحول الى ((مجرد رحم قيمته في درجة خصوبته, بل وقدرته على انجاب الصبيان, والا سوف تستلب كل قيمتها وحريتها, كذلك تتحول المرأة الى اداة لزيادة التلاحم بين العشائر ,فيتم تزويجها بالإكراه من عشيرة اخرى ,ويحاول الرجل تعويض قهره ومهانته وضغوطه النفسية, من خلال لعب دور السيد الذي يخضع المرأة ويستعبدها ويستغلها ويحولها الى اداة لخدمته و تنجب الذرية ,التي تعزز رجولته, فتتحول الى وعاء لمتعته بشكل اناني ,لا يراعي حاجاتها ورغباتها, وتموت هي نفسيا لكي يبقى هو السيد المطاع, كذلك تستلب سياسيا من خلال تعرضها الى الانتهاك والاعتقال والضرب والاعتداء حتى شرفها , اذ تبين لدى السلطة معارضة احد ذويها للسلطات, كما تسلب اقتصاديا من خلال توزيع النشاطات بين المرأة والرجل , فهي تعطى دائما الادوار الثانوية ,ويبخس حقها في العمل والاجور رغم ما تبذله من جهد, بل ان بعض الاسرة تستنزف جهد المرأة وتستغلها الى اقصى حد من خلال دفعها للعمل كخادمة في بعض البيوت, لقاء بعض الاجر الذي يستحوذ عليه الاب او الاخ بالرغم مما تتعرض له من قسوة العمل ,وربما اعتداء على شرفها , كما تستلب كرامة المرأة في بعض المجتمعات من خلال تحويلها الى اداة للإعلان والترويج للسلع المختلفة ,حيث يروج للسلعة من خلال جسد المرأة ومفاتنها, اوتبيع جسدها من اجل العيش عندما لا تجد مصدرا للرزق.
ولم تكتف بعض الانظمة العربية بكل ذلك ,بل شجعت على اعادة انتاج الاصولية السلفية وتنميتها وتشجيعها , من اجل مواجهة الدعوات وبعض التيارات الدينية الاصلاحية المعارضة لها والتي تشكل خطراً على بقائها , وقد جَرّت هذهالسلفية التكفيرية الويلات على الامة العربية بأفكارها المتطرفة ومحاولة الغاء الاخر وتكفيره , فهي لا تتوانى في نفيه والغائه وتغييبه بحد السيف فهي (( اجترارية تكرارية لا تنتج الا ذاتها, ولا تتصالح الا مع نفسها, ولا تعيش مع الاخر, لأنها ترى الاخر الا حربا جهادية))(10) , لهذا استلبت كل ارادة, بل استلبت الانسانية استلابا سياسيا وثقافيا وفكريا ودينيا ,واستخدمت كل اصناف التعذيب والتنكيل بكل من يعارض افكارها .
________________________________________________________________
(1)-امام عبد الفتاح امام, الطاغية , . الكويت:المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب . سلسلة عالم المعرفة. العدد183, 1997 ,ص6-7.
(2)- ينظر : سعد غالب ياسين, المدنس بالسلطة-مجلة اضافات, مجلة فصلية محكمة ,(بيروت : الجمعية العربية لعلم الاجتماع مركز دراسات الوحدة العربية, العدد الثاني , 2008 ) ص205-207-
(3)-ينظر : حسين جميل , حقوق الإنسان في الوطن العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ,1986)، ص 16.
(4)- ارنست فيشر, ضرورة الفن . ترجمة : اسعد حليم . القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب،1998.
,ص115.
(5)-ينظر توفيق المديني, المجتمع المدني والدولة السياسية بالوظن العربي, مصدر سابق, ص85.
(6)- ارنست فيشر, مصدر سابق,ص115.
(7)- ينظر:فؤاد زكريا,خطاب الى العقل العربي,(القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب,2010) ص50
(8)-ينظر: ضمد كاظم وسمي ,الفكر العربي وتحديات الحداثة,(بيروت: مطبعة ليل الغربة,2009)ص58-59.
(9)-ينظر: مصطفى حجازي, التخلف الاجتماعي,ط 9(الدار البيضاء:المركز الثقافي العربي, 2005)ص172
(10)-- ضمد كاظم وسمي, مصدر سابق, ص61.

د. اسماعيل الياسري



#اسماعيل_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيدة المسافات
- مسرح العبث واللامعقول وتأثيراته على المسرح العربي
- قراءت نقدية في مسرحية الباب ليوسف الصائغ
- تعددية المذاهب والتيارات والاساليب المسرحية في النص المسرحي ...
- تحولات رجل عاشق


المزيد.....




- مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا ...
- وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار ...
- انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة ...
- هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟ ...
- حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان ...
- زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
- صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني ...
- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف ...
- الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل ...
- غلق أشهر مطعم في مصر


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل الياسري - الانسان العربي والاستلاب السلطوي