أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد الأطلسي - الموسيقى روح العالم:














المزيد.....

الموسيقى روح العالم:


رشيد الأطلسي

الحوار المتمدن-العدد: 5387 - 2016 / 12 / 30 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


لايمكن للانسان بمفهومه النتشوي، اي الانسان الذي يتجاوز انسانيته، أن يعيش ككائن بيولوجي فقط يلبي حاجاته العضوية بدون أن يلتفت إلى تكوين جوهره باعتباره كائنا يسمو بوجوده إلى مستوى آخر يتحقق كذات. لهذا صدق القول "ليس بالخبز فقط يعيش الانسان" فروح الفرد لابد أن تتغدى كما يتغدى جسده، وغداء الروح في نظري هو الفن، فالفن فيه يتحقب المطلق، وتنجلي العبقرية، كما يصف ذلك شوبنهاور في كتابه "العالم ارادة وتمثلا" فارادة الحياة لايمكن تجاوزها والتغلب عليها في في نظر شوبنهور إلا عن طريق، مجالات تتنصل من قبضة إرادة الحياة العمياء، ومن بين هذه المجالات الموسيقى، فهي روح العالم، وهي لحظة تنصهر فيها الذات الانسانية لتسمو بروحها إلى مراتب المطلق بمفهومه الفلسفي،ويعتبر العزف واللحن مظهرا من تمظهرات العبقرية،والفنون كلها تحقق هذه الغاية. لكن تظل الموسيقى، لغة العالم التي توحد، لأن فيها عنصرا يمكنه أن يخترق أي نفس بشرية مرهفة، فكل البشر أينما وجدوا، يحسون ويشعرون، ويتوفرون على عاطفة،ولغة العاطفة الأكثر نفادا الى جوهرها هي الموسيقى، وليس هنا الموسيقى بمفهومها الشعبي، بل العبقرية الموسيقية، كما برزت مع العمالقة الكبار، أمثال بيتهوفن وموزارت وتشايكوفسكي وفردي وفاجنر وفيفالدي ...وغيرهم ممن أبدعوا معزوفات ستظل خالدة. لأن فيها عنصرا أصيلا لا يمكن للتاريخ أن يتجاوزه، فهذه المعزوفات التي تنتمي الى القرن 18 والقرن 19م مازالت تأسر قلوب المستمعين، لأن فيها من الأصالة والعظمة ما يجعلها متجددة باستمرار ، ولابد للمتلقي هنا أن يتوفر على قدر معين من فن الاصغاء، وأن يمتلك روحا تحسن الإصغاء،لا روحا تألف السفاسف من الأمور، الروح الملوثة بالعبث وثقافة الرعاع الوضيعة والضعيفة لايمكن أن تكتشف عبقرية الموسيقى العالمية، فكم من جاهل قد يعتبر موسيقى فيردي، مملة ومزمجرة لاتحسسه بشيء، لكن صاحب الروح المرهفة والإحساس الراقي،سينظر إلى هذه الموسيقى على أنها قطعة من العالم، ونفسا من أنفاس الآلهة،لكن المجتمعات المتخلفة ومن بينها المجتمعات العربية الاسلامية، تعاني من صعوبة كبيرة في تقبل الموسيقى خصوصا والفنون عموما، فهي مازالت تستند الى نظرة الفقهاء الذين حرموا الموسيقى، واعتبروها"مزمارا من مزامير الشيطان" لأن العقل الديني المتزمت، دائما، ما ينظر إلى كل ماهو جميل على أنه تعبير عن أمور محرمة، لأن الفكر الذي يقدس ثقافة الموت، ويقدس مابعد القبور، كيف له في نظري،أن ينظر نظرة استحسان الى كل ماهو جميل؟ لهذا السبب كثيرا مانجد بعض التأويلات الرجعية الظلامية، التي تعتبر النغمة، واللون، والطرب...لهوا ولغوا وانصياعا للشيطان. ويكفينا هنا أن نتأمل في تراثنا لنجد أن أهم فترة في تاريخ الحضارة العربية الاسلامية، كانت خلال العصر العباسي، ومعلوم أن العباسيين شجعوا الفنون والفلسفة والعلوم والآداب، فظهور الفن في حضارة معينة، تعبير جلي عن ازدهارها وتطورها، وغياب الفن والفكر والآداب دليل على الأزمة والتخلف. فمجالس الخلفاء العباسيين كانت مجالس خمر ورقص وشعر وموسيقى، لأنهم لم يولوا مسائل العقيدة المتحجرة اهتماما كبيرا، بل بالعكس قد حاربوا هذه النظرة، ولا أدل على ذلك تبنيهم للفقه المعتزلي، الذي يعتبر العقل جوهرا أساسيا في فكرهم،وقمعهم للفكر الحنبلي المتزمت والتكفيري الذي سيسود بعدهم حينما ستنهار حضارتهم في بغداد.
إن النهضة الأروبية خلال القرن التاسع عشر، كان من أهم تمظهراتها ظهور الفنون من رسم وموسيقى وهندسة،وقد كان في البداية مرتبطا بالكنيسة التي قامت بتوظيفه فيما هو طقوسي، فقد دخل الفنانون العظام إلى الكنيسة ورسموا فيها الأجساد العارية للقديسين والآلهة والأنبياء، كلوحة خلق آدم التي رسمها رافاييل في كنيسة سيكستين،كما دخلت الموسيقى كذلك في طقوس العبادة،إذ أصبحت القداسات تقام، على إيقاعات موسيقية، كما هناك بعض الموسيقيين الكبار اشتغلوا في الكنيسة كفيفالدي مثلا.
إن الفن لم يدخل في صراع مع الدين، بل إنه تسلل إلى مقولاته، فقوض الديانة الظلامية، وخلق دينا تنويريا يؤمن بالفن، فمن خلال الفنون التشكيلية، تصالحت أروبا مع الجسد، الذي لم يعد مرعبا ومخيفا، بل إن الجسد أصبح أول من تحرر. في موازاة مع تحرر الفكر بطبيعة الحال. كما أن الموسيقى، منحت الروح استقلاليتها، ولم تعد الفنون، تجليا للشيطان، بل شهد الدين وفق هذه التحولات، انقلابا ناعما،فمثلا حينما انتهى رافاييل من لوحة خلق آدم، عرضها على البابا، وحينما رآها البابا، صفع رافاييل، وصفعة البابا، شكلت اندهاشه ورهبته في آن واحد. وهو فعلا ما وقع مع توالي الأحداث، حيث جاء الاصلاح الديني مع مارتن لوثر وتم بعدها إعادة النظر في مجموعة من المقولات الدينية التقليدية، وانطلق التنوير الذي سينتصر في الأخير على الظلامية، وسينفصل الدين في نهاية المطاف بعد صراع طويل بينه وبين الفكر والفنون.
وبعودتنا إلى سياق الحضارة العربية الاسلامية، نجد أننا مازلنا نعيش زمانيا في القرون الوسطى، فمعابدنا يحرم الرسم فيها، ومازلنا لم نتحرر بعد من رهاب الجسد، ومازال الكثير ينظر الى الفن نظرة التحريم ويعتبره فسقا وفجورا، لذلك اعتبرت دائما أن مواجهة الظلامية لايتحقق بالفكر وحده، بل إن الفنان والرسام والموسيقي والمسرحي والأديب،لابد أن يشكلوا جبهة موحدة ضد الثقافة الظلامية، ولازم كل اللزوم أن نؤسس لدولة الحرية، ووسيلتنا في ذلك، الكلمة والنغمة واللحن وضربة الفرشاة،يجب لهذه الغاية،أن تنتشر الفنون خاصة الموسيقى وتعزف في الشوارع، ولابد أن تشيد المنحوتات والتماثيل في شوارعنا، ولابد أن ترسم اللوحات في مساجدنا وأن تتطور طقوس العبادة، لم لاندخل الموسيقى الى المساجد ، ونرسم على جدرانها، ونقضي بدون رجعة على الظلام الذي يسود عالمنا؟ ونؤسس للمجتمع الذي نحلم به جميعا وهو مجتمع الحرية والكرامة وسيادة الانسان.
فيا أيها الفنانون أبدعوا، وارسموا، وخططوا، وانحتوا...لأن التغيير بيدكم.
كاتب مغربي



#رشيد_الأطلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد الفلسفي والنقد الايديولوجي:
- النزعة الظلامية ورهان التنوير:


المزيد.....




- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...
- الشارقة تختار أحلام مستغانمي شخصية العام الثقافية


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رشيد الأطلسي - الموسيقى روح العالم: