أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى فؤاد عبيد - ثنائية العالِم والمثقف العربي في العصر الحديث














المزيد.....

ثنائية العالِم والمثقف العربي في العصر الحديث


مصطفى فؤاد عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 5385 - 2016 / 12 / 28 - 22:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ثنائية العالِم والمثقف العربي في العصر الحديث

بقلم: مصطفى فؤاد عبيد

عند التأمل في التاريخ العلمي والثقافي للأمة العربية في العصور السابقة، والذي لا زلنا نفخر به حتى لحظة كتابة هذه السطور، فإننا سنجد الكثير من الأسرار التي ساهمت وأسست للريادة العربية التي سادت في ذلك الزمان، بدءاً من الإبداع الفردي الخالص الذي تتميز به العقلية العربية، وانتهاء بالظروف المحيطة والأوضاع التي كانت تسود المنطقة العربية برمتها وتضيء الطريق للعالم أجمع كأمة رائدة في جميع المجالات، تلك الظروف التي أدت إلى تشجيع العلماء العرب لبذل المزيد من الجهد والعطاء وفقاً لإحساسهم بالمسئولية العلمية والثقافية تجاه مختلف المجتمعات في كل أنحاء العالم.

وبمقارنة بسيطة لما يجري الآن على أرض الواقع وما كان سائداً في تلك الأزمنة فإننا سنجد أن الأمور وكأنها سارت بشكل معكوس لدى العرب حتى وصلنا لما نحن عليه الآن من تخلف، بحيث أننا تراجعنا للخلف وأصبحنا نستورد العلم بعد أن كنّا نصدّره، بنفس الوقت الذي تقدمت فيه الأمم الأخرى للأمام وأصبحت في طليعة الأمم علمياً وحضارياً.

ومهما تكن الظروف والعوامل المتعددة التي ساهمت في هذا التراجع، سواء كانت استعمارية خالصة أو تبعية غير مقصودة أو حتى بسبب الفساد المستشري في المجتمع، إلاّ أن السبب الأهم باعتقادي والسرّ الأكبر الذي يكمن وراء تلك المعضلة وهذا التراجع الذي حدث، ولا زال يحدث، في الوطن العربي، هو ما يمكن وصفه بشكل دقيق على أنه تباعد وفرقة عميقة حدثت بين شخصيتين في المجتمع العربي، الشخصيتين اللتين تمثلان كل من العالِم والمثقف، بحيث أصبح من الصعب أن نجد شخصاً يجمع بين كونه عالماً ومثقفاً في آنٍ معاً.

وبالعودة لتاريخنا السابق، فإننا سنجد أن الشخصية العربية قديماً كانت تتميّز بتلك السمة "السحرية"، والتي ربما تكون أهم سمة على الإطلاق، وهي الجمع بين العلم والثقافة على حدٍ سواء، لدرجة أننا من السهل أن نجد بينهم علماء كبار، بل ومبدعين أيضاً، في مجال العلوم الطبيعية كالفيزياء والكيمياء والأحياء والرياضيات بمختلف فروعها وبنفس الوقت يتمتعون بثقافة عالية ومتنوعة، قد تصل أحياناً إلى حد التمّيز والإبداع أيضاً، في مجالات أخرى كالفلسفة والمنطق وعلم النفس والاجتماع واللغة العربية وحتى الشئون الدينية، العقائدية والفقهية، وسائر العلوم الإنسانية الأخرى، وكانوا غالباً يكتبون ويؤلفون ويقدمون الكثير في كل تلك المجالات بجانب معالجتهم لقضايا الأمة المختلفة. لدرجة قد تؤدي للخلط فيما بينهم أو نسيان تخصصاتهم الأصلية نظراً لتميز الكثير منهم وإبداعهم في عدة مجالات بنفس الوقت.

بالمقابل، وعند التدقيق في المسألة العلمية والثقافية السائدة الآن في الوطن العربي، فإنه من السهل أن نكتشف حقيقة المعضلة التي نعيشها اليوم من خلال ما نستشعره من تباعد كبير حدث بين شخصية كل من العالم والمثقف. فنادراً، أو ربما يستحيل، أن نجد عالماً في أحد مجالات العلوم الطبيعية وبنفس الوقت من يمكن اعتباره مثقفاً بشكل عام بالقدر الذي يمكّنه من الخوض بشكل إبداعي في تخصصات أخرى غير العلم الذي يتقنه، بحيث يقدم للمجتمع ما يمكن أن يكون مُصاغاً بطريقته وأدواته الخاصة التي مكّنته من العلم المتخصص الذي يتقنه ويبدع فيه، كما أننا نادراً ما نجد مثقفاً أو مفكراً على مستوى عالِ من الثقافة ويكون بنفس الوقت ملماً أو متمكناً من أحد أو معظم العلوم الطبيعية والإنسانية ويعلم خفاياها، أو حتى الإلمام بأساسياتها على أقل تقدير.

وتعتبر مسالة الجمع بين العلم والثقافة أمراً ضرورياً لعدة أسباب، فدراسة العلوم بكافة أنواعها هي الوسيلة المثلى لاكتساب كل من "الأدوات" و"الأساليب" التي ستمكِّن من تحليل وتقييم الكثير من الأمور وتقديمها للمجتمع بالطريقة التي تتلاءم معه وتناسب احتياجاته وبالشكل الذي يكون مُقنعاً أيضاً، والعالِم المثقّف سيكون بمقدوره تقديم إبداعه الشخصي في مجال تخصصه بالإضافة للمجالات الأخرى باستخدام أدواته وأسلوبه العلمي الخاص، بحيث يكون أقرب للمجتمع الذي يعيش فيه وتنسجم أفكاره وطروحاته وكل ما يمكن أن يقدمه مع الواقع المحيط به بحيث يمكن تطبيقها والاستفادة منها.

فمن جهة، سيتمكن المثقف من تحسين أدواته عند إلمامه بأسس العلوم الطبيعية التي تهذب وتغذي العقل وسيتمكن من تقديم كل إبداعاته التي يأمل بها بشكل أكثر إقناعاً وبأسلوب فيه الكثير من الاستناد للمنطق العلمي، الذي عادة ما يكون مقنعاً، ومن جهة أخرى فإن العالِم أيضاً مطالب بأن يكون مثقفاً ومُلماً بالكثير من المجالات الأخرى البعيدة عن تخصصه حتى يكون أكثر انفتاحاً على المجتمع الذي يعيش فيه ويتمكن من التواصل مع جميع شرائحه بكافة تخصصاتهم، بالطبع سيكون قادراً كذلك على تقديم إبداعاته العلمية أيضاً بشكل يتناسب مع متطلبات هذا المجتمع واحتياجاته الحقيقية لحل مشكلاته والمساهمة في مسيرته التنموية.

هذا إذن هو أحد أهم أسرار تراجع الأمة العربية، والفُرقة والتباعد الكبير الذي حدث بين العالِم والمثقف وجعلهما شخصيتين تختلف كل منها عن الأخرى هو من أهم الأسباب التي أدت لما نحن عليه الآن. وبهذا يكون من الواجب على طرفي هذه المعادلة الصعبة أن يعملا بجد واجتهاد للوصول للطرف الآخر بحيث نصل بالنهاية إلى تعزيز وجود الشخصية العربية المبدعة، الشاملة والمتكاملة، التي سادت في الأزمنة السابقة وسيكون لدينا عندئذٍ أحد أهم مقومات نجاح وتفوق الأمة العربية والمتمثلة بوجود مثل تلك الشخصيات فيها.



#مصطفى_فؤاد_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو التطوير الإستراتيجي للنظم القانونية (3) استقراء القاعدة ...
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة التربية والتعليم (6) مفارقة ...
- تصورات نقدية حول نظرية المؤامرة
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة التربية والتعليم(5) تعدد فتر ...
- نظريات تطوير المناهج التعليمية الحديثة (3) التطوير التفاعلي
- نظريات تطوير المناهج التعليمية الحديثة (2) المعايير العقلية ...
- نظريات تطوير المناهج التعليمية الحديثة (1) نظرية الثبات الكم ...
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة الأمن (6) نظريات الإدارة الأ ...
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة الفساد (2) درجات الفساد
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة الفساد (1) مخارج الطوارئ
- نظريات الإدارة الأمنية الإستراتيجية (5) التنسيق والتعاون الأ ...
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة التدريب والتنمية البشرية (1) ...
- نحو تطوير الفنون والثقافة الفنية والتذوق الفني – 4 تطوير الش ...
- نحو إصلاح وتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي(5) ثقاف ...
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة الأمن (4) مفارقة شخصية رجل ا ...
- أسرار التنمية الإستراتيجية الحديثة (1) مركز الثقل التنموي
- نحو التطوير الإستراتيجي لمنظومة التربية والتعليم(4) المناهج ...
- نظريات الإدارة الأمنية الإستراتيجية (3) استقلالية وحياد تحلي ...
- نحو تخطيط التنمية الإستراتيجية المستدامة للاقتصاد الوطني في ...
- حواء العصر الحديث


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى فؤاد عبيد - ثنائية العالِم والمثقف العربي في العصر الحديث