|
العراق سيكون في مقدمة أولويات وزير الخارجية الأميركي الجديد
حسين كركوش
الحوار المتمدن-العدد: 5383 - 2016 / 12 / 26 - 14:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بالعكس مما يقال ، نرى شخصيا أن العراق سيعود يتصدر اهتمام إدارة الرئيس دونالد ترامب ( وهل غاب العراق يوما عن السياسة الأميركية طوال ربع القرن الماضي ؟ )، وربما هذه المرة بزخم أكثر ، وهناك مؤشرات على ذلك:
أولا : إن ترامب و جميع الشخصيات التي اختارها حتى الآن لمناصب حساسة ، يضعون إيران في مقدمة اهتماماتهم ، و يريدون التعامل معها بعيدا عن سياسة الريلبولتيك ، و الدبلوماسية الهادئة التي رافقت سياسة أدارة أوباما.
و بالطبع ، إذا ذُكرت إيران ذُكر العراق ، فقد أصبح العراق وإيران بعد عام 2003 توأمين سياميين يرى ترامب وكبار مساعديه أن الوقت حان لفصلهما ، سياسيا وعسكريا. وهم يعتقدون أن على أمريكا أن تجعل إيران تدرك و تعرف حجم نفوذها الحقيقي داخل العراق ، باللين وبالدبلوماسية ، أولا ، وإلا فبالقوة إذا فشلت الطريقة الأولى.
بالطبع ، هذا الواقع كانت أميركا تعرفه لكنها ظلت تغض النظر عنه خلال السنوات السابقة لأنها، ببساطة، كانت بحاجة شديدة للجهد الإيراني لتهدئة الوضع في العراق. ومن يعيد قراءة التقرير الموسع الذي أعدته (مجموعة دراسة العراق Iraq Study Group) الصادر من الكونغرس عام 2006 ، أي وقت وصول أميركا إلى حافة اليأس من تحسن الوضع في العراق ، و كانت الأمور تسير وقتذاك نحو الهاوية ، يتأكد من أن أمريكا كانت ترى أن التدخل الإيراني كان (شر) لا بد منه. لكننا الآن في عام 2016 والأوضاع تغيرت كثيرا في العراق ، والولايات المتحدة اكتنزت خبرة واسعة من التجربة العراقية.
و الحقيقة أن أدارة أوباما ، وليست أدارة ترامب ، هي التي بدأت في أيامها الأخيرة تسعى باتجاه إضعاف المحور العراقي الإيراني ، لصالح انفتاح عراقي على المحيطين العربي و الإسلامي.
ففي كلمته أمام أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بتاريخ 21/6/2016 تحدث السفير الأميركي الجديد لدى العراق ، دوغلاس سيليمان ، عن العلاقات العراقية الإيرانية بحالتها التي يعرفها الجميع ، و عن علاقات العراق مع العالمين العربي والإسلامي ، أيضا بشكلها الذي يعرفه الجميع . السفير قال لأعضاء الكونغرس : "أنا لست أعمى عن هذه الحقائق." وأكد السفير على أن "أولوية الأوليات" في برنامج عمله المستقبلي هي "تشجيع الحكومة العراقية على توسيع التزامها مع دول مجلس التعاون الخليجي ، ومنظمة التعاون الإسلامي ، وبقية الدول العربية". أما عن العلاقات العراقية الإيرانية فاكتفى السفير الأميركي بالقول : " نحن نعترف بوجود العلاقة بين العراق وإيران." وبينما لا يثير السفير موضوع التدخل بالشأن العراقي عندما يتحدث عن الدول العربية ، فأنه يثيره ، بغضب وبنبرة تهديدية ، عند ذكره لإيران، فقال "علينا أن نضمن بأن إيران تحترم السيادة العراقية و أن لا تتدخل في إشعال نار التوترات الطائفية." ولا نظن أن تصريح وزير الدفاع الحالي ، اشتون كارتر ، حول ضرورة زيادة عديد القوات الأميركية وضرورة بقائها داخل العراق حتى بعد القضاء نهائيا على داعش ، ليس له علاقة بحديث السفير العراقي.
ثانيا : إن (عقل) الولايات المتحدة الأميركية التي يخطط لها ما تريد فعله ، أي وزارة الخارجية ، سيقودها رجل (ريكس تيلرسون) يعرف خارطة العراق شبرا شبرا ، أن لم يكن لأغراض سياسية ، فلأهداف مالية صرف تتعلق بالنفط العراقي ، وكان تيلرسون زار العراق قبل سنوات لهذا الغرض. وإذا تذكرنا تصريحات ترامب التي تنم عن هوس مرضي فيما يخص النفط العراقي ومطالباته بضرورة ان تستولي أميركا عليه ، نعرف أهمية الدلالة الرمزية والعملية لقرار ترامب في اختيار ( ملك النفط) ، تيلرسون ، لهذا المنصب.
ثالثا : إن (اليد) الضاربة التي تنفذ ما يخطط له العقل الأميركي ، أي وزارة الدفاع ، سيقودها رجل ( جيمس ماتيس) خبر العراق وسكانه عن كثب وتجول في مدنهم وقاتل بعضا منهم.
فيما يخص الشخص المرشح لتولي حقيبة الخارجية ، تيلرسون ، فأنه من المرجح بل المؤكد أن يزور العراق ، بحكم موقعه الجديد ، مثلما فعل زملاءه الذين سبقوه. وإن فعل ذلك فلن تكون زيارته الأولى للعراق. تيلرسون ، كما ذكرنا ، زار العراق عام 2013 بصفته الرئيس التنفيذي لشركة (إكسون موبيل) النفطية العملاقة ، والتقى قادة الحكم ، وتناقش معهم في قضايا تتعلق بعصب البلاد الاقتصادي وحياة العراقيين ، النفط ، و اختلف معهم فيما يخص العقد الذي وقعته شركته مع حكومة إقليم كردستان. وإذا كان ريكس تيلرسون ، أو أحد (أبرع مبرمي الصفقات في العالم) ، على حد وصف ترامب ، زار بغداد آنذاك كرجل أعمال و كصاحب شركة تجارية ، يخفض للمسؤولين الحكوميين جناح الذل من الرحمة ، فيتذلل لهم ويحاورهم ولا يخالفهم فيما أحبوا ، فأنه سيزور العراق هذه المرة وزيرا يأمر وينهي ويفرض شروط بلاده وليست شركته. تيلرسون سيذهب هذه المرة إلى بغداد حاملا معه (صلابته وخبرته الواسعة وإلمامه بالأمور الجيوبوليتكية) ، ليغير (مسار سنوات من السياسة الخارجية الأميركية الخاطئة) ، كما قال و توعد ترامب ، أيضا. ترامب على حق عندما يتحدث عن خبرة تيلرسون الواسعة في قضايا الجيوبولتيك. فهو ليس كما تصوره الكتابات الصحفية السريعة ، مجرد رجل أعمال ثري وصاحب شركة عملاقة يبحث عن أرباح المساهمين فيها ، فحسب. تيلرسون ليس بعيدا عن السياسة بمعناها الواسع. فهو ، بحكم إدارته لإمبراطورية إكسن موبيل ، يتعامل مع أكثر مع خمسين دولة في العالم ، و ظل يتبرع بالملايين من أمواله الخاصة للحملات الانتخابية الرئاسية في أميركا لصالح مرشحين يدعم أفكارهم. وهو القيم والممول لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS . ( عقد فرع المركز في البحرين ندوة في المنامة قبل شهرين شارك فيها من العراق نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي) ، وله أرائه الخاصة به ، خصوصا فيما يخص الصراع العربي الفلسطيني.
حسنا ، كيف كان مسار السنوات السابقة للسياسة الأميركية في العراق ، و أي أخطاء ارتكبتها إدارة أوباما ويريد الآن الرئيس الجمهوري ترامب من وزير خارجيته تيرلسون أن يصححها في العراق ؟ (نؤكد على العراق وليس غيره لأنه هو المعني في هذا المقال). ترامب ضد احتلال العراق ، أصلا. وهو يرى أن أميركا أخطأت الطريق عندما ذهبت إلى العراق عام 2003 ، وكان عليها أن ترسل قواتها نحو المكسيك وتحتلها ! بمعنى أوضح ، أن ترامب لا يعارض الاحتلال الأميركي لأسباب مبدأية. معارضة ترامب لاحتلال العراق كانت لأسباب (تقنية) ، وليست لأسباب (مبدأية).
وبما أن احتلال العراق مضى وانقضى وأصبح حقيقة تاريخية مرت عليها ثلاث عشر سنة ، فأن ترامب الآن ومن اختارهم حتى الآن في مناصب رفيعة في أدارته يريدون تصحيح الأخطاء السابقة التي ارتكبتها أميركا في العراق ، وخصوصا خلال ولايتي أوباما ، لكن مع إبقاء العراق في أولوية اهتمامهم).
و طبقا لتصريحات ترامب ورجاله فأنه يريد تصفية تركة الثلاثي ، اوباما و وزيري خارجيته هيلري كلينتون وجون كيري ، وربما العودة لسياسية جورج بوش.
لماذا نرجح أن يعود ترامب وطاقم أدارته الجديدة لسياسة بوش ، وعلى أي حيثيات نعتمد ؟ لأن ترامب جمهوري أكثر من الجمهوريين ، وأفكاره تقترب من أفكار أشد الصقور شراسة في إدارة بوش ، ولأن كبار مساعديه الذين اختارهم حتى الآن ينتمون لنفس فلسفة إدارة بوش ، وبعض منهم يتطابقون مع أفكار ومواقف (المحافظين الجدد) في أدارة بوش الذين اقترحوا وساهموا ونفذوا مشروع احتلال العراق عام 2003.
إما فيما يخص تيلرسون ، فأن الذين نصحوا ترامب أن يختاره وزيرا للخارجية هم أنفسهم الذين أيدوا بقوة احتلال العراق و شاركوا في أدارة بوش ونفذوا بحماسة سياسته في العراق عسكريا وأشرفوا على تطبيقها ونّظروا لها ايدولوجيا و سياسيا ، وعارضوا انسحاب مبكر للقوات الأميركية من العراق. وبعض منهم له علاقات شخصية حميمة مع تيلرسون. ومن هولاء :
كوندوليزا رايس ، مستشارة الأمن القومي و وزيرة الخارجية السابقة ، والمقربة جدا من مايك بنس الذي عينه ترامب نائبا له. والمعروف عن رايس مواكبتها للأوضاع في العراق قبل وخلال الاحتلال ، وبعده بسنوات.
ومنهم روبرت غيتس وزير الدفاع السابق في عهدي بوش و أوباما (2006-2011) ، و المقرب جدا من ترامب ومستشاره وناصحه. و غيتس يؤيد العبادي بسبب عدم تعصبه الطائفي ، وله موقف مناهض للمالكي بسبب سياسته الطائفية ، حسب قوله. و غيتس يرى ان الوقت حان لوضع استراتيجية أميركية جديدة واضحة في العراق ، بعد فشل سياسة أوباما التي كانت تفتقر في رأيه لأي وضوح ، وكادت أن تؤدي إلى تمزق العراق على الطريقة اليوغسلافية ، حسب رأيه.
ومنهم جيمس بيكر وزير الخارجية والمستشار الشخصي للرئيس بوش سابقا ، وأحد معدي تقرير (مجموعة دراسة العراق) الذي صدر من الكونغرس نهاية عام 2006 بخصوص الوضع العراقي ومشاكله. و بيكر هو الذي قاد حملة إلغاء ديون العراق ، و هو الداعم لمنح المحافظات و المناطق العراقية صلاحيات إقليمية ليشارك سكانها مشاركة حقيقية في الحكم.
ومنهم المخضرم برنت شوارزكوف مستشار الأمن القومي الأسبق في أدارة الرئيس بوش (وكان أيضا مستشارا في إدارتي الرئيسين جيرالد فورد وبوش الأب) ، والذي وقف بشراسة ضد انسحاب مبكر للقوات الأميركية من العراق.
ومنهم ستيفن هادلي مساعد مستشار الأمن القومي في إدارة بوش ، ومن الذين تم تداول أسمه لمنصب وزير الدفاع في إدارة دونالد ترامب. وإذا كان هولاء ، الذين اقترحوا أن يكون تيلرسون وزيرا للخارجية وأقنعوا ترامب بمقترحهم ، بعيدين عن الحكم الآن ، فأن تيلرسون سيعمل تحت إشراف مباشر من قبل مايك بنس ، نائب الرئيس الجديد ، و أشد المتحمسين لغزو العراق واحتلاله والبقاء فيه لأمد طويل ، والذي يعتبر العراق قضيته الشخصية.
#حسين_كركوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الدولة العراقية لها (عقل) تفكر به و لها (مصلحة وطنية) تدا
...
-
السياسة الأميركية في العراق : نعم ، أميركا جاءت لنشر الديمقر
...
-
السياسة الأميركية في العراق : حذاء الزيدي وضحك بوش وسيف الحج
...
-
السياسة الأميركية في العراق : هل بدأ العد التنازلي للانتقال
...
-
السياسة الأميركية في العراق بين الثوابت والمتغيرات
-
عراق ما بعد داعش هو (الجوهر) ومعركة الموصل (تفاصيل)
-
القبائل في العراق لا مساهمات لها في بناء الحضارة المدينية
-
العشيرة منزوعة الدسم
-
هل المجتمع العراقي عشائري أولا و حَضَرَي ثانيا أم العكس ؟
-
جماهير التيار الصدري : الفتات المبعثَر على موائد أثرياء الشي
...
-
( لي سان كيلوت ) : نار الثورة الفرنسية و رمادها
-
عراقيون مظهرهم تقدمي و أفكارهم رجعية
-
ماذا يحدث بالضبط للتحالف الوطني هذه الأيام ؟
-
هل يكتب العراقيون معاهدة ويستفاليا جديدة خاصة بهم ؟
-
هل تصح المقارنة بين مقتدى الصدر وبين المرشح للرئاسة الأميركي
...
-
حكام آل سعود يعيشون هذه الأيام في رعب وتنتظرهم أيام عصيبة
-
روحاني يؤكد أن إيران تقاتل في العراق دفاعا عن مصالحها القومي
...
-
الأزمة التي تتعمق في العراق: السبب في (السايبا) وليس في سائق
...
-
(الهمج الرعاع) في العراق يحولون حياة النخب السياسية والدينية
...
-
العراق في غرفة الإنعاش والعبادي يروي نكات عن التكنوقراط
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|