عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5381 - 2016 / 12 / 24 - 23:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سؤال _ لو كنت بدل ميكافيلي وكلفك الحاكم السياسي أن تكب له منهج كامل ببضعة أسطر فقط فماذا سيكون ردك عليه؟
أنا _ من الممكن أن أختصر كل ذلك بما يلي (حتى تكون حاكما مخلدا وناجحا عليك أن لا تكون سياسيا تبحث عن مجد ولا دينيا تتحرى الجنة ولا تربط منهج حكمك بنظرية ولا تعتمد على خيارات مقننة، فقط أتبع إحساسك الإنساني وأستشر عقلك ولا تقطع بحجة ما لم تعرضها للنقد أكثر من مرة وشارك العقلاء حجتهم، كن فقيرا في ذاتك عندما تتخذ قرارا ما للناس أو عليهم، وكن خائفا من ضميرك ولا تدعه يغفل لحظة عندما تقدم على أمر مهم، وتأكد أن كل شيء خلاف العقل والمنطق لا يمكن أن يدوم لك ولا لغيرك، وأن الحياة رحلة تنتهي سريعا فأجعل من وجودك عنوان للعقلاء، وتحرى الصادقين ولو أبكوك لكنهم لا يضروك، وتجنب الحمقى والمتسللين إليك فإنهم يسعدوك في لحظة وينسونك العمر كله، وتذكر أن ما من أمة إلا ما لعنت سابقتها وأظهرت فيها كل عيوب الدنيا، وأخيرا لا يصح في النهاية إلا ما كان للحق والخير وعاء)....
سؤال _ من قراءة الجواب لم نجد منهج بقدر ما هي وصية أخلاقية كلية يمكن ألا تؤسس لفكرة عامة أو لا تمثل رؤية شمولية واضحة؟
أنا _ مثلما قيل سابقا (إنما الأخلاق أمم) يكون القول مطابقا (إنما الأخلاق قمم) بمعنى لا يمكن أن تكون قمة مجتمع صالح إن لم تكن هذه القمة أخلاقية، ولا يمكن أن يكون الفكر قمم إن لم يكن هذا الفكر وروحه أخلاقيا، وإن لم يكن الدين قمم في الأخلاق لم يكن هذا الدين ضروريا ولا حتى يمثل مستوى ما من الأحترام، لذا قال النبي محمد ص (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولم يقول بعثت لأكون مجتمع أو أنشيء دولة أو أؤسس أمة، الأخلاق الفاضلة تصنع من الإنسان قمة وليس العكس، حينما يدع البعض أن الفرد هو من يجعل للأخلاق قيمة حينما يمارس دوره في أحترامها وتقديمها للناس وإن كان في بعض الصور التي تساق في هذا الأطار صحيحة لو نظرنا لها من زاوية الإيمان بالأخلاق.
سؤال _ في ظل عالم شديد المادية ووفق نظريات صراع المصالح ومنافع القوة والأقتصاد المتأطر بالأيدولوجيا لا أظن أن للقيم الأخلاقية دورا ما في هذا الزحام المادي شديد التطرف أحيانا حتى لا يبالي إن سحق الإنسان تحت مقتضيات هذا الصراع المجنون؟
أنا _ هنا يجب أن يكون دور الفكر محوريا في حياة الإنسان والحفاظ على عالمه الخاص من البربرية الإنسانية المقيتة، لقد لعبت الأفكار المادية المتطرفة والتي قاعها الأول وبيئتها التي ولدت فيها بيئة دينية عنصرية ترى في العالم الكبير هذا مجرد مطمع لها وهدفا مشروعا للأستغلال بزعم أن الرب مكنهم وأمرهم وأختارهم، لقد نفت هذه الأيديولوجية الديني كل إمكانية للجوء إلى العقل والأخلاق، وترى في قوة بقائها والسر الذي يمكنها من الأستمرار بالتسلط والهيمنة هي فصل الأخلاق عن السياسة والأقتصاد والفكر والمعرفة، وهكذا ولد هذا الشرخ بين الإنسان وعالمه، بين الإنسان وأدواته التي يصنع بها مجتمعا فاضلا وسعيدا، لذا لا يمكن أن تستمر المهزلة ولا بد من التأكيد على القيمة الأخلاقية للوسائل والمسائل التي تدار فيها الحياة ومنها السياسة والأقتصاد.
سؤال _ رجعنا إلى الدين وكأنك تتهم من طرف خفي هذه الأيديولوجية بمضاعفة معاناة الإنسان وحرصها على أن تكون عنصرية ضد من لا يؤمن بها، هنا تقول من حيث لا تريد أنه يجب فصل الدين عن الممارسة السياسية لكي ينجو الإنسان من هذه العنصرية، أليس كذلك؟
أنا _ لم أقل أن الدين هو المجرم الذي يجسد عنصرية الإنسان المؤمن به ضد أخيه الإنسان، الدين وكما أكدت مرارا وتكرار مجرد فكرة ومجرد معرفة صحيح أنها تختلف بمصدريتها وخطابها المثالي، ولكنها تخضع أولا وأخيرا إلى ترجمان واقعي، هذا الترجمان هو الإنسان العاقل الذي يقرأ وفقا لمقدمات وأساسا على تحصيلات الواقع، فهو ينقل واقعه على أصل فكرة الدين والنتيجة التي تظهر يسميها دين والحقيقة هي ليست كذلك، إنها صورة الإنسان عن الدين وفكرته عما فهم ويبقى الدين كما هو، تتطور القراءات وتتضخم الأفكار وتتنوع المناهج والنتائج والإنسان يسمى هذا الكم كله دين، هنا المفارقة أنك تسمي ما لا يسمى على أنه ما تفترض أنت لا ما فيه أصلا.
الدين واحد من ضحايا الإنسان والخطيئة الأولى التي أرتكبها البشر أنه قرأ النص بمعزل عن فكرة الناص (الديان) هنا ضاع الإنسان وضيع الكنز الذي منحته له الفرصة ليكون أكثر إنسانية وأعظم خلقا، ويبقى الإنسان صاحب النوازع والنزوات هو الذي يصول ويجول في حياته دون أن يقف مرة ليسأل نفسه هل حقا أن الدين يأمرني بأن أستعبد أخي أو أقتل نظيري في الخلق لمجرد أنه لا ينتمي لمجموعتي الدينية، ولو حصل على جواب العقل والضمير لما حصل الذي حصل، الخلاصة أن الدين ليس مجرما ولا مقصرا ولا محرضا على الفساد، من يجب أن يفصل عن السياسة هو تأثير الأنا وعزلها كوباء واجب التحرز منها ومن شرورها على الذات أولا وعلى الأخر المماثل والمختلف.
سؤال _ عندما أسست الأمم كياناتها الحديثة وعرفت سر تطورها يكمن في أعتماد النظرية العقلية القائمة على طرفي معادلة واقعية نجحت في أجتياز أزمة الدين حينما يتحول إلى تدين قاتل لطموح الإنسان في غد سعيد وحياة معقولة مرتكزها توفير حاجات الإنسان من غير أن يستعبد أو يستلب من قوة غيبية، هل ترى أن المعادلة أوجدت حلا حقيقيا أم أن التجربة ما زالت وليدة؟
أنا _ لمجرد أن الإنسان أدرك أن الغيب ليس عالمه المثالي الذي يبني له أستشعار حقيقي بالوجود فقد نجح في العبور إلى الفكرة التالية، فكرة أن الحياة نفسها تستحق أن نبنيها بالواقعية العقلية ونجعل من وجودنا أنتاج وليس فرض على البقاء وقرار ملجئ لا خلاص منه، طالما أننا في هذه الرحلة علينا أن نستمتع أولا بما فيها وأن نصنع فرص للمزيد من المتعة، إن قدرنا أن نلحق نتائجها فهي فرصة مضافة وإن غادرنا فهي هديتنا لجيل قادم مثلما أهدانا جيل سابق نفس الهدية، هكذا أفهم المعادلة تريد السعادة عليك أن تبني وتترك لك أثر في الوجود أما أنك معلق بفرضية ولو كانت لها قدسية ما فلن تكون أكثر من رحلة في قطار مجهول على سكة لا نعرف إلى أي نقطة تصل وتتوقف والأكثر أن ما في الرحلة مجرد أحلام لا يمكن التنبؤ بما في واقعها.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟