كمال عبود
الحوار المتمدن-العدد: 5380 - 2016 / 12 / 23 - 22:54
المحور:
الادب والفن
الشيخ ونّوس المجنون .. هو مجنونُ القريةِ .. ألفتهُ طرقات القريةِ وأهلها ، في العقد الرابعِ من العمر، ألفناهُ نَحْنُ الأطفال بعد أن تلبّسنا الرعبُ مِنْهُ ..
مرّةً مشيتُ خلفهُ ، قلتُ لَهُ وأنا أرتجِفُ خوفاً: مرحبا ...
لم يردّ المجنون ...
تابعتهُ وقلتُ ثانيةً وأنا أقلُّ خوفاً : مرحبا ...
لم يردّ ...
وحين وصلنا دكان (السبيل ) على مفرق القرية ، جلس على صندوق خشبي وأشار إليّّ ، تقدّمتُ إليهِ مرتاحاً لوجود صاحب الدكان على مقعدٍ خشبيٍ آخر، مدّ المجنون يدهُ أخذ مني الدفتر والقلم وكتب بخطٍ جميلٍ : المجنون .. لا يَقْتُل!
كان الوقت صيفاً ... عمّي ( عبد الجليل) أمام دكانه في مفرق ( العوّا) ، وأنا وراء الشيخ ونّوس المجنون لأرى ماذا سيفعل ؟
دخل الشيخ ونوّس أخذ حبّة بندورة وخياره وخرج قائلاً : المجنون لا يسرق .. وتقدم هامِساً في أذنِ عمّي : ولا يزني ..
كنتُ في العاشرةِ من عمري .. وكنتُ أراقبُ نساء الحيّ وهُنّ يخبِزن على التّنور حين ظهر الشيخ ونّوس ، أخذ بعض الأرغفةِ من المئزر وراح الى بيتِ الأرملة ( فاطمة) أم الخمسةِ أطفال الذي توفّي زوجها منذ شهرٍ .. استدار راجعاً ، قال حين رأني : المجنون يعطي الخبز!
أذكُرُ مرّة أَنَّهُ كسر عوداً من شجرةِ تينِ ، مشى به خطواتٍ شكّهُ في الأرض وقال : المجنون يزرعُ التين!
ِالتقى بالحمقاء ( أم سمير ) وهي تضربُ بقسوةٍ ولدها الصغير وتجرُّه والولدُ يصرخُ ويستنجد ( أمان .. أمان .. دخيل الله ....) أفلت من يدِ أمهِ .. راح إلى الشيخ ونّوس الذي حملهُ .. وقبّلهُ وأشار بإصبعيه الى عيني الأم كأنّه يقول : أطفالُنا هم أعيننا!
من مأثرة الشيخ المجنون أنّ رجالاً كانوا ( تحت شجرة المشمش الكبيرة في المزرعه) يتجادلون: من المُخطئ ( الشماليون أم القبيليون) ؟
حين سألهُ أحدهم : شو رأيك يا شيخ ونّوس ؟
طلب كأس حليب .. فقدموا له .. ثمّ طلب كأس لبنٍ فاستغربوا وأعطوه ما طلب ... أخذ المجنون الكأسين وخلطهما مع بعض وقال : هذا من هذا ... الشيخ ونّوس لايفصُلْ!
سأحكي لكم كثيراً يا من تديرون هذه الحرب الكريهةِ ( مثلكم) عن الشيخ ونّوس المجنون الذي طبّق تعاليم الرسلِ ومنجزات الحضارة الأخلاقية ...
اعتبروا قليلاً بالشيخ ونّوس المجنون!
#كمال_عبود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟