أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 5378 - 2016 / 12 / 21 - 13:22
المحور:
الادب والفن
تابع سعدي طريقه، وهو يدرك جيدًا بأنه سيتصدى مرة أخرى لكل المحرمات، في هذه القصبة التي فيها يُلْزِمُ كل واحد نفسه بالمحرمات أكثر من أي مكان آخر في العالم. وصل به الزقاق إلى طريق مسدود. كان السلم في مكانه. كل شيء على ما يرام. تسلقه كلص. كانت هناك، وهي ترتدي الأزرق، وتضفر الأسود، وابتسامتها تريه السُّهى، ويريها القمر. جذب السلم، وأنامه على السطح، بينما هي تردد: "يا حبي، يا حبي!" كانت طريقتها في استقباله. تقدمت منه، وهي تردد على التقريب آليًا "يا حبي، يا حبي!" كانت تختلج، فحزر أن لديها شيئًا تقوله له، شيئًا جسيمًا. كانت هكذا كلما كان لديها مشكل: كانت تبدو مفرِطة الحيوية، عديمة الصبر، متهيجة. لم يكن سعدي يحب هذا. كان يجد نفسه منزعجًا في كل مرة. فكر في الذهاب بأسرع ما يمكن، ووجد عذرًا، ألم الرأس أو ألم البطن. وإذا اتضح أن الأمر خطير بالفعل، ادَّعى أن أباه قد حضر إلى الجزائر خِصيصًا، وقد طلب منه اللحاق به حالاً.
تعانقا، والليل ينشر سواده، سواده الملعون. اختلط جسد حسيبة الفتان جدًا مع ذلك بذكرى سوط أبيه في لحظة، وبدا عليه أنه يشعر بحبل من مسد يلسع بدنه. كانوا يعاقبونه. أن يلمس جسد المرأة الشابة أخذ يثير من الآن فصاعدًا في نفسه رد فعل من الخوف. كان هو المذنب. بغلطته، لم تعد حسيبة تتصرف كمسلمة صالحة. "أنت رجل، رجل! أنت رجل، عقلة الصغير! اختر، يا وليدي، يا رجلي! خذها كرجل أو اتركها! كرجل! لكن اختر، يا وليدي! الاختيار هو رجولة الرجل الحقيقي والقوي. الخير، الشر، هذا لا يهم. أنت وأنت فقط من يقرر. أنت السيد. عليك أن تستعمل سوطك كما أستعمله أنا."
جرته، واعتزلت العالم معه على انفراد في ركن معتم. كانت تخشى أن يلاحظ أبواها شيئًا، مع أنهما أقاما صلاة العشاء، وكعادتهما ناما بعد ذلك في الحال. منذ الزمن الاستعماري، زمن كل الأخطار، حيث كان الجزائري من مصلحته أن يقعد عاقلاً، كانوا يحبسون أنفسهم هكذا أبًا عن جد. كانوا يقفلون المصاريع عند هبوط الليل، ثم يتعشون، يقيمون الصلاة، ويذهبون إلى الفراش. كانوا ينامون، وهم يقفلون على أنفسهم بين جدرانهم الأربعة. كانت الحرية التي لهم. حرية أسيرة نوعًا ما، لكنها كانت حرية يمتلكونها. سلام النفوس المطمئنة. كانوا ينامون، بينما يسبح الراديو بحمد الله، وهم يحلمون بمكان في الماوراء: جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.
يتبع المِصراع الأول الفصل الأول3
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟