|
دليلك الى كتابة رواية في 777 صفحة، بمساعدة شبح!
باسم المرعبي
الحوار المتمدن-العدد: 5369 - 2016 / 12 / 12 - 04:43
المحور:
الادب والفن
أنا رجل ثري، لا شيء ينقصني، بل على العكس لديّ أكثر مما يجب، حتى اني أمتلك طائرة خاصة لتنقلاتي. ذات صباح وأنا جالس الى مكتبي وأُدخّن سيجاري متفكراً في آخر صفقة عقدتها، دخلت عليّ إحدى الموظفات لدي، وبعد أن تأملتني اقتربت مني لتنحني على اذني هامسة: لا ينقصك سوى أن تظهر ككاتب روائي! منذ تلك اللحظة ورغبة وضع اسمي على رواية أو كتابتها تتملكني. كم حلمت بكتب مزينة بصوَري، في بوزات مختلفة خصوصاً مع سيجار كوبي، يتطاير دخانه قي الصورة. لا مشكلة مع الصور فلديّ أفضل مصور خاص. المشكلة الحقيقية مع الورق الأبيض؟ كيف أبدأ كتابة رواية، كيف أُنهيها وكيف أجعل الناس في هذه الرواية يفكرون وينطقون؟ أسئلة كبيرة وممضة لا أعرف لها جواباً. أول خطوة أتخذتها لمشروعي، هي تخصيص أحد قصوري لهذا الهدف، مُطلقاً عليه اسم قصر اصطياد الأفكار الروائية. عينّتُ سبع سكرتيرات لمختلف أغراض الكتابة وتبييض المسودات، كما استأجرتُ عدداً من الأشخاص يروون لي مختلف الحكايات لاحتمال الاستفادة منها وتوظيفها في عملي. وضعت برنامجاً صارماً منذ اليوم الأول، حيث الاستيقاظ بكامل طاقم قصر اصطياد الأفكار في الخامسة صباحاً ـ في هذا تقليد لبعض الكتّاب المشهورين ـ الأوامر معروفة سلفاً بإعداد القهوة والفطور الصباحي وجلب علب التبغ اللازمة للكتابة. فاتَ الشهر الأول والبرنامج يتكرر بحذافيره دون أن أفلح بكتابة صفحة واحدة! رغم استهلاكي تسعين علبة تبغ من أجود أنواع التبوغ الافرنجية، كما يُكتب على علب الدخان عادةً، وأكثر من ثلاثين كيلو غراماً من البن البرازيلي، لي ولكامل طاقم القصر الروائي، عدا عن الوجبات الجاهزة التي كانت تُنقل لنا ساخنة من المطاعم. لم نكسب شيئاً سوى زيادة الوزن! عند هذه النقطة أيقنت أن المشكلة تكمن في القصر ذاته، فهو على ما يبدو طاردٌ للأفكار بدل من أن يكون جالباً لها. أخذت السكرتيرات وطرتُ في جولة حول العالم علّ الإلهام ينزل عليّ دفعةً واحدة. كان الوقت صيفاً وكنت أحجز جناحاً كاملاً لي ولسكرتيراتي في الفنادق الفخمة المطلّة على الشواطىء التي نحلّ فيها. مع تعسّر الأفكار ـ المتعسرة أصلاً ـ كنتُ آمر السكرتيرات أن ينزلن الظهيرةَ بملابس السباحة، بينما أقفُ في شرفتي المطلة على الشاطىء، أدخّن سيجاري وأرقبهنّ وهن يسرحن ويمرحن في الماء! قلتُ لنفسي وأنا أُتابع مشهدهن لمدة اسبوع، هل أنا بصدد كتابة رواية صيفية؟ ماذا سيقول النقاد عني، هل سيطلقون علي لقب احسان عبد القدوس الجديد؟! بعد فشل تجربة الكتابة باستيحاء الساحل ومنظر السكرتيرات السابحات، قلت لنتنكّر في هيآت متشردين ومتسولين ونجوب الشوارع علّ مثل هذا التنكّر يكون، هذه المرة، بداية انفجار الملَكة السردية. ـ أنا رجل عنيد حدّ الجنون ومستعد أن أفعل أيّ شيء من أجل كتابة هذه الرواية المستحيلة ـ. لاقيت صدوداً واستهجاناً للفكرة من أغلب السكرتيرات، إلا واحدة كانت تكنّ لي مشاعر خاصة، على ما يبدو، استحسنتِ الفكرة وطالما أبدت حماسها لما أشطح به، لكأنها تقرأ هذه الأفكار والشطحات مسبقاً. لكن ليس أمام الباقيات إلا الإذعان لرغبتي بما انهن لا يستطعن التصرّف، بالأحرى، الصرف من دوني. بعد ان تنكّرنا، جميعاً، بملابس قديمة مستعملة نزلنا الى الشارع لنرى أنفسنا في اللحظة ذاتها أمام دورية للشرطة مهمتها مطاردة المشرّدين. عدنا بأسمالنا الى الفندق، مع رعب حقيقي في أن نكون عرضة للتوقيف والمساءلة. بعد هذه المحاولات المتعثرة، حزمتُ أمري على العودة الى البلاد. ما ان بلغنا القصر حتى أوعزتُ للسكرتيرات بالانصراف الى بيوتهن فقد انتهت مهمتهن، كذلك صرفتُ الرواة الكسالى الذين لم يكن لهم من هم سوى الأكل والنوم والشخير. خلا القصر تماماً كأنّ ريحاً عاصفة قد كنست كلّ ما فيه. وها أنا أعيش صمت وهدوء ما بعد العاصفة. قلتُ لن يرتاح لي جفن هذه الليلة دون كتابة شيء، أي شيء. قررت عدم الأكل، فالجوع يصفي الفؤاد، كما يقول الصوفية. أوقدت شموعاً ووضعتها أمامي على الطاولة ورحتُ أحدّق في نقطة غير مرئية في الجدار. وعلى لهب الشموع الساكن وبين اغفاءة مفاجئة وانتباهة، رأيت كأنّ شيئاً انبثق من الجدار، بهيأة جسم مضبّب، متأبطاً كتاباً سميكاً جداً بحجم روايات هذه الأيام، صحيح اني خفت قليلاً غير ان رؤية الكتاب قد سكّن من روعي. نطق الجسم المضبّب قائلاً، جئتك بالكتاب الذي تحلم به، مددتُ يدي، فتراجع الى الخلف قائلاً، ماذا تظن..؟ اذا أردت الحصول على رواية باسمك فعليك أن تتنازل عن كل ثروتك. وبدون تردد قلت له موافق، اعطني الكتاب، قال ليس قبل أن نمضي العقد، قلت في نفسي ومن سيصدّق أو يُجيز تعاقداً مع شبح! بعد التوقيع ترك الكتاب على الطاولة وغار في الجدار ثانية. قمت، متلهفاً، لأتصفح الكتاب. توقفت عند العنوان الذي صعقني: دليلك الى الكتابة: كيف تكتب رواية في 777 صفحة بمساعدة شبح! كان العنوان ساطعاً وبلغة غير مألوفة، لا أعرف كيف فهمتها!
#باسم_المرعبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجزرة قاعة الخلد.. ملامح احتلت وجه وطن بأكمله!
-
صورة الإرهابي آكل الساندويتش
-
السلام بأيّ ثمن سوريا مثالاً
-
المِلح بالكردي والعربي
-
منشورات الثور المجنّح شذرات*
-
رواية الوهم... مصادر -فرانكشتاين في بغداد-!
-
العرب موحّدون كما لم يتوحّدوا من قبل!
-
الفرق بين سردشت عثمان وفخري كريم
-
يوميات/ مواقف وتأملات نقدية
-
حين يُفيق الرئيس فلا يجد نفسه رئيساً أو أما آنَ للرئيس أن يم
...
-
أما آنَ للرئيس أن يموت..؟
-
أعوامُ الفلول هل حدثت الثورة، حقاً!
-
دعوة الى تأسيس البرلمان الثقافي
-
عن ثقافة التضليل والشعارات وفصائل المرتزقة من الكتّاب والمثق
...
-
بلاد بين شارعين
-
بغداد عاصمة لأي شيء؟ عن تداعيات مقال الكاتبة لطفية الدليمي،
...
-
الرؤوس الكبيرة تتهاوى... فمَن يُدير آلة القتل في سوريا؟
-
صورة لأطفال المزابل مع ضيوف المربد
-
صفّحوا ضمائرَكُم قبلَ أن تُصفّحوا سياراتِكُم
-
صوَر بالأبيض والأسوَد
المزيد.....
-
شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43
...
-
اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
-
ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران-
...
-
80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع
...
-
بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب
...
-
مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند
...
-
كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت
...
-
إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
-
هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف
...
-
كرنفال البندقية.. تقليد ساحر يجمع بين التاريخ والفن والغموض
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|