أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - قراءة في -الساهرات أصبحن خارج البيت- ل زهيرة زقطان














المزيد.....

قراءة في -الساهرات أصبحن خارج البيت- ل زهيرة زقطان


خالد درويش

الحوار المتمدن-العدد: 5369 - 2016 / 12 / 12 - 00:34
المحور: الادب والفن
    


قراءة في "الساهرات أصبحن خارج البيت" لـ زهيرة زقطان

"الساهرات أصبحن خارج البيت"* كتابٌ موّجهٌ لقارئٍ ذكيٍّ، يعرفُ الكثير.
كتابٌ لقارئٍ يُتقنُ التنقلَ برشاقةٍ بين الألفيات؛ يسمعُ رنينَ الصنوج على أبواب المعابد البعيدة وهو يودّعُ شهيداً محمولاً على النعشِ في الطريقِ إلى مقبرةِ الشهداء في واحدةٍ من الحروبِ الجديدةِ على البلاد.
لقارئ يستطيعُ المشيَ في أسواقِ أوغاريتْ بحثاً عن خواتمَ وقلائدَ خرجتْ طازجةً من بيتِ النارْ، ويعرفُ كيف يركضُ في طريق الملاجئ من قصفِ طائراتِ الأعداءْ على بيروت المحاصرة.
في هذه المجموعة ذات العنوان الخلّاب "الساهراتُ أصبحنَ خارجَ البيت" تحمل زهيرة وقائع حياتنا المألوفة وتحلقُ بها في آفاق لم نألفها في ما نعرفه من تجارب الكتابة والابداع في ثقافتنا الوطنية.
تداخلُ الأزمنة هو ما يميّزُ عوالمَ زهيرة، كما في مطرّزاتها اللافتة باستخدام الرموز، والمعارف الأكاديمية عن الفلسطيني الأول، كذلك في أشعارِها المبثوثةِ في هذه المجموعة.
هنا نعثرُ، بلا عناء، على مرجعيات ثقافية في ميدان الميثولوجيا تعززها تفاصيلُ تجربةٍ عايشتْها الشاعرة، ووظفَتْها بشكل بارعٍ وهادفْ من خلالِ المزاوجة بين ما كانَ هناكْ، في الماضي السحيقْ وما يكونُ هنا والآن.
تقولُ زهيرة في قصيدةِ "تُهتُ في زحمةِ القادمين من البحر":
"في سوقِ اوغاريتْ،
في زحمةِ القادمينَ إلى السوقِ من البحر
أضعتُ أمي،
ثم أضعتُ قلائدي وأساوري
ثم أضعتُ كفَّ الباب
ثم تُهتُ في الطريقِ إلى البيت،
ما الذي تبقى لابنةٍ أضاعتْ أمَّها،
ثم طريقَها إلى سوقِ النحاس؟"
باختزال يتطلع إلى التكثيف (وهو سمةُ الشعرِ الحيّ) لا تقفُ زهيرة عندَ الحدثِ الطارئ، إلا لتجعلَ منه رمزاً له طابع الديمومة.
ففي قصائدِ حصارِ بيروتْ والحربِ الضاريةِ على المحاصرين تعرضُ الشاعرة صورَ الأحبةِ على الجدار وقلائدَ النرجسِ عند سرير الحبّ الذي نالتْ منه قذائفُ الأعداء، وتشيرُ إلى الأرملة التي تنظفُ مقاعدَ المقهى من دخانِ القصفِ، وهي تُعيدُ المفارشَ الطائرة إلى الموائد.
وفي مراثي خروجِ المحاصرين على مَتنِ سفنِ الاغريق تُشعرُنا بحرمانِ المقاتلِ من تذوقِ فاكهةَ الصيف، ومن وقائعِ فاجعة صبرا وشاتيلا تنتقي موتَ الحصانِ الأبيض كمداً وغمّاً على موت صاحبه.
لغةُ المجموعة، على تباينِ موضوعاتها، بسيطة كماء الينابيع، خفيفة مثلَ سلامٍ عابر بينَ غريبين في عربة القطار، ولكنها تُنشئ أجواءَ غاية في الحميمية والدفء، تلامسُ القلبَ قبلَ أنْ تصلَ الذهنَ البارد. إنها لغةٌ تشبه كلامَ الآلهة المرسَلَ إلى الناس محمولاً على نداءِ الرسلِ وبشاراتِ النبيين.
هنا، في أجواءِ المجموعة الكثيرُ من الحروب، وما من كراهية، ضجيج العنف يعتري كلَّ شيء، والكلام يجاورُ البوحَ والسكينة.
هنا الدم والعويل، ولكن الأملَ شاخصٌ كسحابةٍ ماطرةٍ في الطريقِ إلى الصحراء.
هنا امرأة ثكلى بوحيدها الجميل... ولكن موتَهُ الطويل الثقيل على الروح لا يعدو كونه إغفاءةَ تعبٍ قصيرة.
من أينَ أتتْ زهيرة بهذه الشحنةِ العالية من القدرة على مواجهة الكارثة!
لنصغي إلى هذه الحالةِ الوجدانيةِ الكثيفة في مقطعٍ من قصيدة "هو لي.. وأنا للغياب":
"عادَ من نوبةِ الحراسةِ منْ أحبّ
نائماً ومتعباً في عربةِ الجنود
مستغرقاً في النوم،
وحتى لا أوقظَ نومَه
خلعتُ أساوري؛ كيّلا ترِنُّ أجراسُها
قلتُ للنساجات:
لا أوقظهُ حتى يشاء.
فقلنَ:
أنتِ عاشقةٌ خائبة
تمارسُ خرافَتَها؛
هو ليس نائم،
هو ميّت.".
البطلُ الثاني في الحكاية، ذلك المجهول الذي يختفي عادةً وراءَ شخصيةِ البطلِ الأولِ الساطعة، يتقدم في قصائدِ "الساهرات اصبحن خارج البيت" بكلِّ الزخَمِ والانفعالات المكنونةِ في شخصيتِه. فجلجامش، بطلُ الملحمةِ التي تحملُ اسمَهُ تائهٌ بالأسئلة، في حين يبدو البطلُ الثاني (أنكيدو) في دورِ الذي يرى ويسمع ويعرف..
تقول القصيدة:
"جلجامش
الذي لم يرَ كلَّ شيء
والذي لم يعرفْ،
تائهٌ بالأسئلة:
أنكيدو، يا صديقي الذي أحببتْ:
هل رأيتَ الذي تُرِك جسدُه غيرُ مدفونٍ في البريّة؟
رأيتُه. كان هناك، لا أم ولا أب يُسندانِ رأسَه
وروحُه طائرةٌ لا يعتني بها أحد.
وهل سمعتَ صوتَ الذي لم يُدفنْ جسدُه في البريّة؟
سمعتُه.
كان وحيداً وجائعاً، وكان يبكي".
ومن فضاءات هذه المجموعة ارتأيتُ أن نقرأ معا المقطعَ الأخير من قصيدةِ "بغداد":
"على خشبةِ المسرح
صعدَ المتفرجون لأداء العرض
مثلوا قصصَ حبٍّ خاسرة
لنصٍّ بلا خلود
عن عشبةٍ ميّتة"
هنا، في هذ النصِّ الفقيرِ بمفرداتِه، الغنيِّ بدلالاتِه ومعانيه، لا تقول زهيرة أكثر من عبارة يحيا الموت، والمجد للخسارات!.
إنها فلسفة عميقة نواجه تجلياتَها في حياتِنا اليومية البسيطة تعبّر عنها الشاعرة ببضع كلمات.
لنقرأ، أيضا:
"على الطرفِ الأخيرِ من اليابسة
تفردُ مملكةُ يَم الصامتة
حِجرَها لهزائمِ النساء
وفي حِجرِها المُعتِمِ
تنامُ نساءٌ يُشبِهنَني،
وتصمِتُ على ركبتِها أغاني أخواتي.".
في ختام هذه المجموعة، تغادرُ زهيرة سفوحَ الحقائقِ الكبرى المتصلةِ بكينونةِ الفلسطينيِّ الأول وكيانات المنافي، وتأخذنا بيدٍ حانيةٍ متعبة إلى منعرجات روحها. حيث الحديثُ الهادئ مع الأمِّ عن شجرةٍ لا تتساقطُ أوراقُها في الشتاء عند قبرِ الأبِ في الرصيفة، ورحلةُ الأمِّ وأخواتِها الثلاث إلى مرابع الصبا في قريةِ زكريا بحمولةِ المنفى الطويل، وسيرةُ الأمِّ التي تبدأ بشرفةِ عربةِ القطار ذات الستائرِ القديمة، وتنتهي عند الخزانةِ البيضاء المكشوفةِ للأولاد، وعلبةِ الصورِ والرسائلِ التي فرغتْ من الحلوى.
---------------
* "الساهرات أصبحن خارج البيت" مجموعة شعرية جديدة للشاعرة الفلسطينية زهيرة زقطان، صدرت حديثا عن "الدار الأهلية" في عمان.






#خالد_درويش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البسملة في ضوء السريانية
- تفسير سورة الاخلاص استنادا إلى الآرامية/السريانية
- أركان الاسلام بالآرامية/السريانية
- في فضاء الفيس بوك..
- الفاتحة السريانية
- معاني -الم-، -الر-، -كهيعص-..
- لا قداسة لنص بعد كلام الله
- سأعود الى ذات الفندق
- مايا، ليوسي، ومحمود درويش
- ان تكون صديقي
- ثلاث صور..
- وما من سماء
- يا رب الجنود
- محطات قديمة
- 10 قصائد
- عفرين
- وداعا فيصل قرقطي
- كوابيس انتفاضة الأقصى
- ندى
- سيّان


المزيد.....




- مصر.. تأييد لإلزام مطرب المهرجانات حسن شاكوش بدفع نفقة لطليق ...
- مصممة زي محمد رمضان المثير للجدل في مهرجان -كوتشيلا- ترد على ...
- مخرج فيلم عالمي شارك فيه ترامب منذ أكثر من 30 عاما يخشى ترح ...
- كرّم أحمد حلمي.. إعلان جوائز الدورة الرابعة من مهرجان -هوليو ...
- ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
- الكويت ولبنان يمنعان عرض فيلم لـ-ديزني- تشارك فيه ممثلة إسرا ...
- بوتين يتحدث باللغة الألمانية مع ألماني انتقل إلى روسيا بموجب ...
- مئات الكتّاب الإسرائيليين يهاجمون نتنياهو ويطلبون وقف الحرب ...
- فنان مصري يعرض عملا على رئيس فرنسا
- من مايكل جاكسون إلى مادونا.. أبرز 8 أفلام سيرة ذاتية منتظرة ...


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد درويش - قراءة في -الساهرات أصبحن خارج البيت- ل زهيرة زقطان