|
الماركسية والفلسفة (4/4)
طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 5365 - 2016 / 12 / 8 - 20:38
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المادية التاريخية يشكل تطور القوى المنتجة المحتوى الأساسي للتطور الاجتماعي. ولكن علاقات الملكية والبنية الفوقية المعقدة من العلاقات القانونية والدينية والمذهبية تنشأ على اساس من القوى المنتجة. تشكّل البنية الفوقية الاشكال التي تعبّر فيها القوى المنتجة عن نفسها. يمكن للمحتوى والشكل أن يدخلا في تناقض، ولكن في نهاية المطاف، فإن المحتوى هو الذي يحدد دائما الشكل.
يتغيّر المحتوى بشكل أسرع من تغيّر الأشكال، وهذا يخلق تناقضات يجب حلها. البنية الفوقية التي عفا عليها الزمن تعيق تطور القوى المنتجة. وهكذا، في الوقت الحاضر، القوى المنتجة, التي حققت تطورا بمستويات لم يُحلم بها من قبل، تجد نفسها في صراع مفتوح مع الملكية الخاصة والدولة القومية. الأشكال القديمة تخنق تطور القوى المنتجة, ولذلك ينبغي ازالتها لحل التناقض, والاستعاضة عنها بأشكال جديدة تنسجم مع احتياجات القوى المنتجة.
وبشكل عام، يمكن تقسيم المجتمع البشري إلى أربعة اصناف (إذا استثنينا النمط الآسيوي من الإنتاج، والذي كان مسدود الافق تاريخيا). سادت المشاعية البدائية لأكثر من مليون سنة. وقد ألغيت، في الغرب، بواسطة نظام العبودية الذي استمر لحوالي 10،000 سنة. تسبب سقوط الإمبراطورية الرومانية، التي تمثل العبودية في شكلها الأكثر تطورا، في البداية في انهيار الحضارة، ثم إحياءها ببطء لاحقا في ظل النظام الإقطاعي الذي استمر أكثر من ألف سنة. وأخيرا، يستمر النظام الرأسمالي طوال ال200-300 الاخيرة.
وكان لكل من هذه الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية قوانينها الخاصة للحركة التي اختلفت جذريا عن الانظمة الآخري. ولذا فمن غير المجدي محاولة اكتشاف قوانين الاقتصاد السياسي "بشكل عام". ومن الضروري اكتشاف القوانين الخاصة التي تحكُم كل نظام، وهذا هو ما فعله ماركس. لا تستطيع فوضى الإنتاج التحكّم في متطلبات الصناعة الحديثة والتكنولوجيا والعلوم. والسبيل الوحيد لحل التناقضات الرأسمالية التي هي سبب الجوع والفقر والحروب والإرهاب هو التحول الاشتراكي للمجتمع.
ومن المهم أن نلاحظ كيف أن عملية التطور البشري قد خضعت لتسارع مستمر. استمر الإقطاع لفترة أقصر من العبودية، وتوجد الرأسمالية منذ قرنين أو ثلاثة قرون فقط. وعلاوة على ذلك، فإن وتيرة تطور القوى المنتجة في ظل الرأسمالية حتى الآن هي أكثر سرعة بما لا يقاس مما كانت عليه في أي مجتمع سابق. ويتفوق عدد الاختراعات بشكل هائل في هذه الفترة من التاريخ عدد جميع اختراعات المجتمعات من قبل. لكن هذا التطور المحموم للصناعة والعلوم والتقنية دخل في صراع مع الحدود الضيقة للملكية الخاصة والدولة القومية/الوطنية. لم تعد الرأسمالية في فترة شيخوختها وانحطاطها قادرة على تطوير القوى المنتجة كما فعلت في الماضي. هذا هو السبب الرئيسي للأزمة الحالية، التي بدأت تهدد وجود البشرية ذاته.
الاشتراكية أو البربرية “Even a whole society, a nation,´-or-even all simultaneously existing societies taken together, are not the owners of the globe. They are only its possessors, its usufructuaries, and, like boni patres familias, they must hand it down to succeeding generations in an improved condition.” حتى المجتمع كله، الأمة، أو حتى المجتمعات القائمة جميعها في وقت واحد مجتمعة، لا يمتلكون العالم. أنها ليسوا سوى منتفعون منه، ومثل رب العائلة الجيد, عليهم أن يسلمّوه للأجيال القادمة في حالة أفضل." (ماركس)
قال ماركس ذات مرة أن الزراعة العفوية وغير المخطَطَة بوعي تخلّف الصحارى وراءها. رأسمالية القرن ال21 هي في مجرى تحويل كوكب الأرض إلى صحارى. التدخل الفوضوي في الطبيعية، وإزالة الغابات غير المُقيد، والصيد وصيد الأسماك غير المنضبط، وتلوث البيئة، وتسمم الطعام الذي نأكله، والهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه، يزعزع توازن الطبيعة على نطاق واسع ويضع علامة استفهام حول مستقبل هذا الكوكب، وربما الحياة على الأرض.
يستمر اغتصاب كوكب الأرض طالما أن النظام الاقتصادي الذي يحكم العالم خاضع لدافع الربح. تتطلب هيمنة الاقتصاد العالمي الاقتصاد المخطط: اشتراكية العالم. تغيّر المناخ، وتدمير البيئة، وما إلى ذلك، لا يمكن حلها عن اي طريق مختلف أو وسيلة أخرى.
ان الاقتصاد الاشتراكي المخطط هو السبيل الوحيد لحماية البيئة الطبيعية والقضاء على تلوث المحيطات والغلاف الجوي، وبالتالي انقاذ الكوكب من كارثة بيئية. الاستخدام الرشيد للطبيعة، واكتشاف واستخدام مصادر جديدة للطاقة النظيفة سوف يفتح إمكانية تحقيق التنمية المستدامة، والتي يتحدث علماء البيئة بخصوصها ولكنهم عاجزون عن تحقيقها. فمن الممكن تماما اطعام سكان العالم على أساس من التكنولوجيا الموجودة حاليا. المشكلة ليست في أننا لا نملك الوسائل لحل المشكلة، بل أن القوى المُنتجة مقيّدة بدافع الربح.
ومن شأن الاقتصاد الاشتراكي المخطط تحرير العلوم والتكنولوجيا من أغلال نظام الربح. فإنه سيسرّع بشكل كبير من التقدم الاقتصادي للبشرية، مع الحفاظ على ثروات العالم الطبيعية التي تهددها اقتصاديات السوق الرأسمالية. على حد قول ماركس "في ظل الاشتراكية, يمكن للناس أن تنظّم تفاعلها مع الطبيعة واخضاعها لسيطرة مشتركة، بدلا من تركها لتحكم قوى عمياء، حيث يتحقق هذا بأقل نفقات للطاقة وفي ظل ظروف أكثر ملائمة واحتراما لطبيعة الإنسان".
فمن الواضح لأي شخص يفكر بعقلانية أن النظام الرأسمالي هو نظام قمعي وغير إنساني بشكل مفزع, مما يعني تعاسة لا توصف ومرض وقهر وموت ملايين الناس في العالم. فمن المؤكد أن من واجب أي شخص يمتلك مشاعرا إنسانية هو دعم الكفاح ضد هذا النظام. ومع ذلك، من أجل مكافحة فعالة، فمن الضروري العمل على وضع برنامج جدي واتباع سياسة ذات منظور يمكنّ من ضمان النجاح. ونحن نعتقد أن الماركسية (الاشتراكية العلمية) هي التي توفر هذا المنظور.
يدعوا الماركسيون الرجال والنساء إلى الكفاح من أجل تحويل حياتهم وخلق مجتمع إنساني حقيقي الذي من شأنه أن يسمح للجنس البشري للاعلاء بنفسه إلى مكانتة الحقيقية. ونحن نعتقد أن البشر يمتلكون حياة واحدة فقط، ويجب ان يكرْسوا أنفسهم لجعل هذه الحياة جميلة وان يضمنوا تحقيق ذواتهم. نحن نقاتل من أجل الجنة على هذه الأرض، لأننا لا نعتقد بوجود جنة آخرى.
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماركسية والفلسفة (3)
-
الماركسية والفلسفة (2)
-
الماركسية والفلسفة (1)
-
بعد رحيل كاسترو, الطريق الامثل (او الوحيد) لحماية الثورة الك
...
-
فشل اليسار النيوليبرالي وتسبيبه بانتخاب ترامب
-
جامعة واسط (العراق) واحالة الناس الى قطيع!
-
ان تزوير الانتخابات هو تقليد أميريكي
-
تضليل فكري يمارسه الحزب الشيوعي العراقي وتشويهه الفظ للماركس
...
-
رفع العراقيين دعوى ضد الحكومة الامريكية
-
شمعون بيريز -صانع السلام!-: دماء وجثث محترقة!
-
-بياتريس لمبكين- شيوعية واكاديمية فريدة الطراز
-
معضلة المشروع الثوري: -أيديولوجية الرقيق-!
-
الماركسية, نقادها, التحليل النفسي, وامثلة من العراق
-
الامبريالية الجديدة وخصائصها
-
حزب نيوليبرالي يتَجَلبَبَ بجِلْبَابَ الشيوعية!
-
باراك اوباما الوجه -الاسود- للامبراطورية!
-
غزو العراق ومنطق ديكارت السقيم
-
تقرير تشيلكوت يُثبِت صحة ما قلناه مرارا وتكرارا
-
هجمات إرهابية تهز نظام بغداد العميل
-
النقد الذاتي/الجلد الذاتي في الحزب الشيوعي العراقي
المزيد.....
-
منشور يشعل فوضى في منتجع تزلّج إيطالي.. ماذا كتب فيه؟
-
-أم صوفيا-.. سلمى أبو ضيف تنجب طفلتها الأولى
-
رداً على تصريحات ترامب بشأن -تهجير- أهل غزة، دعوات إلى التظا
...
-
اللجنة المحلية للحزب في الديوانية: ندين الاعتداء على المحتجي
...
-
حادث مطار ريغان يربط موسكو وواشنطن في مباحثات إنسانية
-
غزة.. انتشال 520 جثة من تحت الأنقاض منذ وقف إطلاق النار
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير 6 بلدات في كورسك ودونيتسك وخاركوف
...
-
وقفة صامتة أمام السفارة الأمريكية في تل أبيب للمطالبة بالإفر
...
-
بيسكوف: التعليق على تكهنات حول -قوات كوريا الشمالية في كورسك
...
-
فنلندا.. منع طالب من زيارة محطة نووية بسبب جنسيته الروسية
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|