هاله ابوليل
الحوار المتمدن-العدد: 5363 - 2016 / 12 / 6 - 15:16
المحور:
الادب والفن
الأدب ودموع قيصر
Reading made Don Quixote
a gentleman, but believing what he read
made him mad.
,,,عندما جائته الطعنة لم يكن يتوقع حينها قيصر أن تكون ممن يراه أمامه ولكنها حدثت فعلا ,,مما جعله لا يصدق عيناه ,,,فصرخ مستهجنا, وغير مصدق -هذه الخيانة من صديق عمره فخرجت صيحته المدويّة من أعمق أعماقه :
" حتى أنت يابروتس" .وأصبحت بعد ذلك تلك العبارة عبارة الغدر والخيانة لكل خائن وصديق مزيّف مثلما اصبحت عبارة السيدة ماكبث مقولة الحسم للسياسيين حينما أوصت زوجها في الفصل الأول من رواية شكسبير قائلة :" إن كان لابد من قتله ,,فليتم القتل بسرعة .
أيضا ,,,جليفير في اسفاره - االتى رمته الأمواج العاتية على شواطىء إحدى الجزر البعيدة ,,استيقظ ليجد نفسه مربوطا بأحبال صغيرة أحكموا ربطها اقزام,لا يتعدى طول الواحد منهم 6 بوصات
يا ترى , ماذا كانوا يرون فيه غير عملاق جاء ليبطش بهم!
حتى دونكيشوت وهو مزمع لمحاربة طواحين الهواء التي كان يراها بعين لا ترى ما نراه من شياطين أرضية تتحرك معنا حتى مع صديقه الوفي (سا نشوبانزا) الذي لم يعارضه ,, وعندما يتحطم سيفه في أول مواجهة ,يعرف أن ثمة شيء لم يفهمه بعد يفوق معرفته عن إندثار زمن البطولة والأبطال .
الرجل – الوحيد الذي حملته أمواج قاربه المتكسر لجزيرة مهجورة ,ليبقى فيها 27 سنة لم يجد له مؤنسًا في وحدته سوى ببغاء مشاكسة تناديه بين الحين والآخر
مسكين يا روبنسون كروزو !!!
مسكين !!!
ولكن كيف عرفت الببغاء المشاغبة اسمه لولا إنه كان يصرخ بالماء المحيط به مناديا سفن النجاة التي كانت تلوح له من بعيد " انقذوني :أنا روبنسون كروزو ,أقبع هنا من سنين بإنتظار نجدتكم التي لم تأت بعد .
العجوز سانتياغو بدوره- في عرض البحر - يصارع سمكة القرش ويصرخ بغريمته : " أيتها السمكة إنني أحبك كثيراً وأحترمك، لكنني بالتأكيد سأنال منك".
الطفل ذو القدرات السحرية, يرتدي قميص الإخفاء الذي أهداه له أحدهم من السحرة , ويذهب إلى مكتبة مدرسته ( هوجو ورتس ) - التي تعلم التلاميذ السّحر , بحثا عن كتاب !
لينقلنا في مغامرة شيقة لنتجول في مملكة هاري بوتر الأسطورية.
لمن ينتمي هؤلاء !
ومن أين يخرجون ؟
من مجلدات الكتب العتيقة ورائحة ماضي مفعم بالأساطير والخرافات وليالي الشتاء الطويلة حول قصص الخراريف والعجائز والخبز المحمص
وكم نتوق لتلك الجلسات التي كنا نتسمر بها ببقية الليالي الطويلة متدثرين بالحكايا والجن المرافق والتعاويذ الممسوسة حتى كبرنا وعرفنا أن هذا ما يسميه الكبار "الأدب "
ربما هو الأدب !
ولكن ما الأدب ؟
لم يكن سارتر جاهلا هذا السؤال ,عندما جعله عنوانًا لكتابه الأول, ولكن ما حدث
أن جعلنا نفكر بذلك الشغف للركض وراء نثر أدبي مكتوب , متسائلين
ما هذا الأدب الذي يجعلّنا ننفق أوقاتا طويلة و نحن عاكفون على قراءة تفاصيل حياة الشخصيات – التي - نعرف أنها خيالية ,ومع ذلك نحث الخطى, لإنهاءها ,بدون الشعور بالملل. وخاصة بالليالي الشتائية الطويلة
( يقال أن رواية ذهب مع الريح, أنقذت الآفا من البشر,,,, ليس من الموت ,,, بل من الضجر) !
ما سر تلك اللغة الرشيقة التي تسحبنا للغوص في تيارها الجارف لكي نعيش عوالم أخرى.!
( يقال إنه في القرن السابع عشر(1) , كانوا يعتبرون أن قراءة القصص و مطالعة الروايات تفسد أفكار القراء , و تخلق فيهم أوهاما تافهة وخطيرة , باعتبار أن من يطالع القصص والكتب الخيالية, يصعب عليه العيش في الواقع, ويصبح فريسة للضجر والملل ..
ما هذا -الأدب - الذي يجعلك تنفق مالا من أجل شراء رواية أو قصة أو مسرحية في حين يمكنك شراء وجبة ساخنة لذيذة بدلا منها .
ولكن أليس للعقل وجبة غذاء تكفيه, فما هو غذاءه -إن لم يكن فكرا وفلسفة ولغة وعلوم وديانات و إجتماع و تاريخ و جغرافيا .
و إذا ما كنت راغبا بإلتهام كل تلك المعارف مرة واحدة , فليس عليك سوى الذهاب إلى الأدب
الذي يحوي الفنون جميعها ,
حيث تجلس الحكمة بإنتظارك لكي تسمعها من أفواه الشخصيات و الأبطال على حد سواء ,فهي وأن كانت سخيّة معك , لم تمنحك بعد إمكانية الولوج إليها لتتقافز بداخلها مثل جندب ضائع حتى الآن . فنهر الأدب عميق وعليك أن تكون سباحا ماهرا لتعرف كيف للموجة القادمة أن تحميك
وبعد معرفة ذلك الشوق لقراءة الأدب صار الوقت متاحا للسؤال بعد ذلك عن
ماذا تكتب ؟
أو بالأحرى لماذا تكتب ؟!
يقال أن قيصر روسيا بكى, عندما قرأ رواية الفقراء لديستوفاسكي (2) قائلا:"أيكون في شعبي أناس مسحوقين على هذا النحو ؟ بائسون إلى هذه الدرجة ؟
ولا نعرف شيئا عن صدق هذه القصة - وأن كنا لا نعرف أيضا شيئا عن حقيقة هذا القيصر-الجاهل الذي ربما بكى بكاء مريرا
أو ربما هي دمعة أو دمعتين , فهذا ما نجهله في هذه القصة التي لا نعرف صدقها!
وهل فعلا يحتاج القيصر لرواية ليعرف ما يعانيه شعبه !
وأن كان ذلك صادقا ,فربما تكون تلك هي الإجابة على السؤال الذي طرحناه
"لماذا تكتب"
ومع علامات تعجب كثيرة بخصوص هذا الأمر , لن نفاجىء بذلك الميل الأبدي - منذ الأزل في توثيق الإنسان البدائي وتصويراته وخربشاته على جدران الكهوف الصخرية .
لماذا نكتب!
لأن هناك ظلمًا و فقرا وجوعا , وهناك أناسا عراة ومكسورين و مهمشين ,وهناك حياة زائفة و تسلق ونفاق و طبقة تصعد على أكتاف طبقة أخرى ,طالما هناك تحايل ودسائس و مؤامرات .
من أجل كل هذا وجد الإنسان طريقه للكتابة ولتدوين كل تلك المآسي والشرور ,لعل ذلك يزيح بعضا مما يقلقه عند التفكر بكل تلك المآسي بل قد يساهم بجعل الحياة المفروضة علينا قسرا ,حياة محتملة !
وليس للكاتب من سلاح فتاك سوى القلم وطلقاته هي الكلمات , فعندما أطاح الجنرال بينوشيه (3 ) بالحكومة الإشتراكية المنتخبة ديمقراطياً , وقتلوا الرئيس سلفادور الليندي,
هجم الجنود على بيت الشاعر "بابلو نيرودا "
وعندما سألهم
ماذا يريدون
أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح
فأجابهم الشاعر أن الشعر
هو سلاحه الوحيد. .
فقد قيل قديما عن سلاح الكلمة الجارح (4)
جس الطبيب خافقي وقال لي:
هل هنا الألم ؟؟
قلت له : نعم
فشق بالمشرط جيب معطفي
واخرج القلم !!
هز الطبيب رأسه.. ومال وأبتسم
وقال لي: ليس سوى قلم
فقلت :لا يا سيدي
هذا يد ...وفم
ورصاصة.. ودم
وتهمة سافرة....
تمشي بلا قدم !”
فالقلم سلاح يخشاه الطغاة في كل العصور لأن القلم يعريهم ويكشف مفاسدهم . وهم راغبون بالبقاء على عروشهم لذا يحاربون كل من يحمل قلما فتاكا .
فلا يطيح الطغاة غير المثقفين , لذا كان حديث السلطة والمثقف مطروحا على مرّ العصور . خيط ممدود ما بين الشد والرّخو , ولكنه قائم من أجل البقاء ,لذا تستميله السلطة حينا بالإغراء والمناصب والأوسمة ولكنها تبقى خائفة منه , ولا تثق به .
ولكن هل كل ما يكتب على صفحات الكتب يكون صادقا ومعبرا عما يحدث ,أم أن هناك تلفيق وتزوير للحقائق والتاريخ ,فقد قيل قديما أن التاريخ يكتبه المنتصرون ولا يعرف أحد رأي الخاسرون , وهذا يحيلنا لصدق الكتابة , ومحاكاتها للواقع المعاش .
فديستوفاسكي كان فقيرا عندما كتب روايته الفقراء وكان لاعبا للقمار(5) ,عندما كتب رواية" المقامر".
وكان مسجونا في سيبيريا لأربع أعوام عندما كتب روايته "ذكريات من البيت الميت ".
ولكن كما هو الواقع الموحش أيضا كان لابد من الخيال المفعم بالإثارة والدهشة مثل
قصص عن آكلة لحوم البشر , الفانوس السحري والمارد الذي يخرج منها , كان لابد من شكسبير وغيرهم لكي يصبح الأدب اشد إمتاعا فتنوعت , التصنيفات الأدبية و إنقسمت تبعا للدول
فقد كان الأدب(6) في إنكلترا في القرن السادس عشر وفي فرنسا في القرن السابع عشر هو المسرحية الشعرية , في حين كانت الملهاة النثرية في إنجلترا - القرن السابع عشر . ثم طغت في القرن الثامن ما يسمى المقالة نثرا وشعرا ,لأن شعراء ذلك الزمان كانوا يسمون قصائدهم "مقالات" أما في القرن العشرين نجد أن النتاج الذي تميز به في كل مكان تقريبا هو الرواية في النثر والقصيدة الغنائية في الشعر.
وهكذا أستمر الإنسان في كتابته حتى بدون أن يدرك ربما لماذا يكتب , حتى جاء من يذكره بذلك.
يقول " خافيير مارياس أن كتابة الروايات تتيح للروائي أن يقضي كثيراً من وقته في عالم خيالي، وهذا في الحقيقة هو المكان الوحيد الذي يمكن احتمال الوجود فيه.
في عام (1946 ) كتب جورج أورويل (7) مقالة " لماذا أكتب !!! ليخرج لنا فيما بعد برواية من أدب الديستوبيا (7) تمثل الأخ الكبير ذو العين الكبيرة التي تراقب الناس , أو ما تسمى برواية (1984) المشهورة والكل يعرف أن جورج أورويل صاحب" مزرعة الحيوان" مشهور بأنه كون اسمه الصحفي من خلال مهارته في تمسيد شعر قطته إلى الوراء "(8)
فهل نستدل بذلك إن كان من مهارات الكتابة - إثارة المشاكل .
ونفس الشيء ينطبق على مقالة للكاتب الوجودي – سارتر بعنوان " لماذا اكتب"!. والجميع ممن حملوا القلم بدلا من المسدس تساءلوا :لماذا نكتب !
ورغم إختلاف كل منهم في تفسير ذلك الميل للكتابة ,إلآّ أن ثمة إتفاق بينهم ,وهو أن إذا لم نكتب سوف نصاب باليأس أو الإحباط
يقول (9)عن ذلك كثير من الشعراء والكتاب " و مما قاله نزار قباني
أكتب..
حتى أنقذ العالم من أضراس هولاكو.
ومن حكم الميليشيات،
ومن جنون قائد العصابه
أكتب..
حتى أنقذ النساء من أقبية الطغاة
من مدائن الأموات،
من تعدد الزوجات،
من تشابه الأيام،
والصقيع، والرتابه
أكتب..
حتى أنقذ الكلمة من محاكم التفتيش..
من شمشمة الكلاب،
من مشانق الرقابه.. "
ولكن عن أي كتابة يقصدون ,هناك تهويمات فلسفية وعبثية و هستيريا واقعية وخيالات
هل هذه كتابات واقعية أم أن في الأمر تنفيسًاعن المكبوت والمحرّم والممنوع !
وبإعتبار أن كتابتك المفهومة خرجت عن طور التهويمات, كيف لك أن تعرف أن ما تكتبه قد يؤثر بغيرك
وكيف تعرف أنك صرت كاتبا و أفسح لك مكانا في حضرة الأدب والأدباء .
سؤال يخطر ببال كل من يكتب ولكنه يقف حائرا في مكانه و هو لا يتحرك قيد إنمله , وكأنه يملأ الصفحات بالترهات و يمضي وحيدا , ويجد من هو أقل منه موهبة قد أنطلق سريعًا على حصان الشهرة و راجت كتبه ,وصار من المشاهير ,
كيف لك أن تلقي شعرك واقفا وأنت ترى المتنبي جالسا في حضرة سيف الدولة يلقي شعره جلوسا على عكس البقية
فنتساءل
ما الذي منحه تلك الحصانة والشجاعة والقوة والإحترام والعزة لكي يحظى بهذه المرتبة وهذه المكانة !
ولكن بتتبع جزالة ألفاظه وعمق أشعاره , يجعلنا لا نحتاج لمثل هذه المفاوضات حول موقعه الشعري , فهو الذي أسمعت أشعاره من به صمم ! أليس كذلك!
ولكن هذا لا يمنع أن تظل وفيا للكتابة و لا يسعنا إلا أن نقول لك ولأمثالك المهمشين
لن تحتاج لقدم ميداس لكي تمشي فوق الرمل فتحوله إلى ذهب
فقط أكتب
وأكتب ,
فقد كتب ابن بائع الدجاج الأمي جورج سيمنون أكثر من 400 رواية " لاتقل ياللهول سأقولها بدلا عنك
ياللهول ياللهول
اذهب بعيدا في الكتابة , ولا تهتم بالآخرين
فهنا في عصر الرواية الذهبي قد تأخذك الكتابة والحروف إلى الثراء .!؟ "
من كتاب عصر الرواية الذهبي للكاتبة – قيد النشر
يقول برنارد شو "القراءة جعلت من دون كيشوت رجلاً نبيلاً، لكن تصديق ما قرأه جعله مجنوناً" .
#هاله_ابوليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟