|
الأمازيغية بين -الحفاظ على البيئة- و-التغيرات المناخية- (حوار)
الحسين أيت باحسين
الحوار المتمدن-العدد: 5362 - 2016 / 12 / 5 - 03:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشعب الأمازيغي هو الشعب الأكثر حفاظاً على البيئة وهو في نفس الوقت الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، لماذا في نظركم؟ بداية أشكر جريدة العالم الأمازيغي على اهتمامها بهذا الموضوع الذي أصبح حجر الزاوية على مستوى علاقات المنتظم الدولي حاليا، وقد يصبح أكثر إلحاحا في مستقبل قريب إن لم تتخذ له الحلول الناجعة. وسأركز على مفهومين أساسيين وردا في سؤالكم وهما "الحفاظ على البيئة" و"التغيرات المناخية"؛ وذلك قبل إبداء رأيي حول موقفكم من المشكل. لقد طُرح مفهوم "الحفاظ على البيئة" منذ ظَهر اختلال التوازن البيئي نتيجة نشأة المجتمع الصناعي والتقني، ونتيجة ظهور المدن الصناعية التي بدأت تلوث كثيرا من عناصر البيئة كماء الأنهار والبحار وكذا المياه الجوفية والهواء والمساحات الخضراء بمطارحها الملوثة المتعددة، ونفاياتها الصلبة، ومياهها العديمة، وانبعاث غازات مصانعها، إلى غير ذلك من أشكال التلوث. كما تجدر الإشارة إلى أن بروز الاقتصاد الرأسمالي وازدياد سكان العالم قد ساهما أيضا في اختلال التوازن البيئي هذا، نظرا لكونهما خلقا طلبا زائدا في الاستهلاك أمام العرض البيئي المتوفر. وقد أدت هذه العوامل إلى "التغيرات المناخية" التي تشتكي منها كل المنتظمات الدولية، وخاصة منها ما يسمى ب"الدول السائرة في طريق النمو"، وبصفة أخص المناطق التي تعتمد اقتصادياتها، في مجملها، على الفلاحة والزراعة والموارد الطبيعية غير المصنعة. فإضافة إلى ازدياد الحرارة على مستوى كوكب الأرض، والكوارث الطبيعية الكبرى كالفيضانات والتصحر وذوبان جليد قطبي الكرة الأرضية وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات والتمدد الحراري؛ ثم اللجوء إلى الاستغلال الجائر للثروات الطبيعية من طرف الإنسان سواء منها الكيماوية أو النباتية أو الحيوانية، كما تم اللجوء إلى صناعة منتوجة مضرة بالبيئة؛ الشيء الذي زاد من تعميق اختلال التوازن البيئي. وبذلك وجدت كل الشعوب نفسها، وبدون استثناء، أمام "التغيرات المناخية" وأمام ضرورة "الحفاظ على البيئة"؛ ومن بينها شعوب دول شمال إفريقيا ودول جنوب الصحراء كمجال جغرافي تربطه علاقات التأثير والتأثر بيئيا وبشرية منذ أزمنة عريقة.
هل في الثقافة الامازيغية ما يحيل على أن هناك اهتمام بالطبيعة والتوازن البيئي ؟ عودة إلى علاقة الأمازيغية بالبيئة وبالتغيرات المناخية، يمكن القول بأن في الثقافة الأمازيغية كثيرا من العناصر التراثية المادية واللامادية التي تدل على الحرص على "الحفاظ على البيئة"، سواء على مستوى الأعراف (تدبير المياه وتدبير استغلال الغابات وتدبير الزراعة، وغيرها مما يشكل التنوع الإيكولوجي في بيئة هذه الثقافة) أو المؤسسات (مؤسسة أكدال كمثال) أو السلوكات الجماعية أو الفردية (المسؤولية الجماعية والفردية في التدبير، وخاصة ما يتعلق بتدبير الندرة التي تتصف بها بيئات حاملي هذه الثقافة). وتتضمن الثقافة الأمازيغية كثيرا من المعارف التقليدية والمعارف الأدائية-التقليدية، وكثيرا من الطقوس والعادات والتقاليد المرتبطة بالحفاظ على البيئة واحترام عناصرها، بل وتقديس البعض منها حفاظا لها. لكن إلى جانب هذا الحرص على "الحفاظ على البيئة" نجد أن الوعي ب"اختلال التوازن البيئي" وب"التغرات المناخية" هو وعي لا يرقى إلى الفهم العلمي والأكاديمي، ولا يتأسس على تثمين تلك المعارف التقليدية (Savoirs traditionnels) والمعارف-الأدائية التقليدية (Savoirs-Faire traditionnels). ونتيجة للتشبث بتلك الممارسات التقليدية وبتلك المعارف التقليدية، التي لا يتم تثمينها في هذا المجال، يصبح حاملو ذلك الوعي أكثر تضررا من "التغيرات المناخية"؛ هذا بالإضافة إلى مسؤولية الدولة التي لا زالت تتقاعس في النهوض بتلك الثقافة تعليما وإعلاما؛ وبالنهوض بمناطق حاملي تلك الثقافة وفك العزلة عنها اجتماعيا واقتصاديا. والسؤال المطروح اليوم هو كيف يمكن إيجاد جسر بين المعارف التقليدية والمعارف العلمية والأكاديمية المرتبطة بالبيئة وبتغيرات المناخ، وكيف يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية للوصول إلى العدالة البيئية من أجل الحفاظ على التنوع الإيكولوجي مع التكيف والتأقلم مع التغيرات المناخية من خلال العدالة المناخية. الى أي مدى يساهم الأمازيغ وسكان الجبال في الحفاظ على البيئة؟ نظرا لكون واجب "الحفاظ على البيئة"، بالمعنى الحديث، لم يظهر إلا في السنوات الأخيرة؛ فالثقافة الأمازيغية وسكان الجبال الذين تعتبر أغلبيتهم الساحقة من حاملي هذه الثقافة، إن لم نقل كلهم؛ يجدون أنفسهم اليوم أمام إشكالية يتداخل فيها "حق الامتلاك" و"حق الاستغلال"؛ كما يتداخل فيها "التدبير العرفي للقبائل" مع "تدبير الدولة للثروات الوطنية". وأعتقد أنه بقدر ما يشعر السكان بأن ما يستغلون هو "ملك لهم"، أو على الأقل، هو "ملك لهم أيضا"، بقدر ما يحرصون على الحفاظ عليه، وبقدر ما يشعرون بأن ما يستغلون ليس لهم، بقدر ما يتنصلون، بشكل من الأشكال، عن مسؤولية الحفاظ عليه. لكن أمام التغيرات المناخية الحالية أصبح الجميع؛ أي مختلف الأطراف المسؤولة عن تدهور البيئة ومختلف الأطراف المعنية بالحفاظ على البيئة؛ مضطرا على التفاهم من أجل الوقوف ضد هذا التدهور والعمل من أجل إيجاد قنوات الربط بين المعارف العلمية والأكاديمية وبين المعارف التقليدية لكي تستفيد، من قنوات الربط هذه، كل من المبادرات المحلية والمبادرات الدولية معا. الا تتحمل الدولة المغربية مسؤولية زحف الإسمنت على المناطق الخضراء خصوصا في المناطق الجبلية وبالتالي التغاضي على التلوث البيئي؟ إذا أخذنا بعين الاعتبار فقط مجال غابة أركان؛ الذي يعتبر، بامتياز، حصنا ضد التصحر، وبمثابة تراث مغربي أصيل: لا وجود له في أية بقعة أخرى في العالم، ومجال عيش أزيد من ثلاثة ملايين ونصف من السكان إضافة إلى مواشيهم التي تعيش بواسطته؛ وأخذنا بعين الاعتبار مجموع المتدخلين في استغلال غابة أركان مع كثرتهم؛ وأخذنا بعين الاعتبار التوسع الحضري على حساب غابة أركان، وأخذنا بعين الاعتبار الطرق السيارة التي استحدثت على حساب غابة أركان؛ وأخذنا بعين الاعتبار الرعي الجائر، وقطع خشب أركان الجائر، وتقهقر أو انقراض المؤسسات والقوانين العرفية التي كان يتم تدبير غابة أركان بواستطتها، وتقلص كثير من الأجناس الثقافية التي كانت تحفز على الحفاظ على الترواث الطبيعية لغابة أركان، سواء من حيث رعاية الشجرة أو استغلال فواكهها؛ فإن مسؤولية الدولة قائمة، إلا أنه لا ينبغي، أيضا، استبعاد مسؤولية كل المتدخلين الآخرين المستغلين لغابة أركان، وما أكثرهم. لكن، مع وجود تعاونيات لاستخراج زيت أركان والدعوة إلى الحفاظ على مجموعة من الأعراف التدبيرية لغابة أركان حفاظا عليها على المستوى المحلي، ووجود مؤسسات تهتم بشجرة أركان بيئيا وثقافيا على المستوى الوطني، مثل "مؤسسة محمد السادس للبحث والحافظ على شجرة الأركان"، ومع إدراج اليونيسكو عنصر أركان كممارسات ومعارف مرتبطة بشجرة أركان ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي (Patrimoine Culturel Immatériel/PCI) للإنسانية منذ سنة 2014 وكذا التزامات واتفاقيات مؤتمر الأطراف أمام تغير المناخ على المستوى الدولي؛ يبقى الأمل كبيرا من أجل ضرورة تفاهم كل المتدخلين في غابة أركان للحفاظ عليها وجعلها أداة للتنمية المستدامة لساكنتها ولاستمرار دورها كصور واق ضد التصحر، ومن أجل بيئة نقية وطاقة نظيفة واستغلال عادل للثروات الطبيعية، ومن أجل تمتيع أجيالنا القادمة بحقهم في بيئة غير ملوثة عملا بالحكمة البيئية القائلة: "غرسوا فأكلنا، ونغرس ليأكلوا". الحسين أيت باحسين باحث في الثقافة الأمازيغية، وعضو مؤسسة محمد السادس للبحث والحفاظ على شجرة الأركان. قام بالاستجواب الإعلامي السيد منتصر إثري، جريدة العالم الأمازيغي. 16 نونبر 2016
#الحسين_أيت_باحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ي تدبير استراتيجي لمأسسة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 201
...
-
أي تدبير استراتيجي لمأسسة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 20
...
-
أي تدبير استراتيجي لمأسسة الأمازيغية بعد ترسيمها في دستور 20
...
-
الأمازيغية بالوسط الحضري في المغرب بين -مثلثات برمودا- و-شوا
...
-
حين تُصقَل الموهبة بالتكوين الأكاديمي والعلمي (تكريم الفنا
...
-
سوس والبحر من خلال أعلام سوس البحرية
-
كفى من التمييز ضد المرأة !
-
عموري مبارك المبدع والمجدد للأغنية الأمازيغية (1)
-
أية مقاربة تشاركية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ؟
-
الأمازيغية المُرَسَّمَة وسؤال تأجيل تفعيل قوانينها التنظيمية
-
الاحتفال ب-السنة الأمازيغية- من أجل تجديد الارتباط بالأرض وب
...
-
السنة الأمازيغية : بعد احتفالي، حدث تاريخي ومطلب سياسي
-
رحيل الحنجرة الشاعرية الجذابة أو الراحل – الحاضر: المرحوم ال
...
-
مسار المطالبة بترسيم الأمازيغية بالمغرب
-
الهوية الأمازيغية (مفهوما وواقعا) (1)
-
«بيان» العلامة محمد المختار السوسي حول ضبط الأعلام الأمازيغي
...
-
الرحيل في زمن المحرمات الثقافية الكبرى بالمغرب (تكريما للمرح
...
-
«الولوج إلى عالم الغناء المقرون بطرد واقتناص الوعول في الجبا
...
-
تأخّر القانون التنظيمي للأمازيغية أمْلاه -التجويد التشريعي-
...
-
-كهفنة- القضية الأمازيعية (-Guettoisation de l’Amazghe-)
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
المزيد.....
|