|
لحظات موجعة / قصة قصيرة
محمد الطيب بدور
الحوار المتمدن-العدد: 5361 - 2016 / 12 / 4 - 23:44
المحور:
الادب والفن
جلس على عتية منزله في ذلك المساء ...وضع راحته على خده و أخذ يتأمل المارة ...يلتقط آخر تفاصيل الحياة البسيطة قبل انقضاء ساعات اليو م و سماع آذان المغرب ...اجتاحته فجآة ريح حزينة و حنين و هو الذي تابع حلو الحياة و مرها بين أحضان حيه و الزقاق الذي يسكنه منذ خمسين عاما ...لم تعد التفاصيل تعبق بنداءات الباعة و رائحة رمضان و بآخر ازدحام الصبية أمام منزل أم الهناء للحصول على كسرة ساخنة قبل الافطار...فبعد قليل سيقفر المكان و تغلق أبواب المنازل و الأسوار...و لن يكون بالامكان التفطن حتى لعابر السبيل أو لطالب خدمة ما ... توارى ...و دب الصمت في المكان حتى من الأطفال الذين سارعوا لبيوتهم ...و غرفهم.. و عالمهم الذي بقي مجهولا من قبل الكثيرين ... في بداية السهرة لاحظ نبيل اختفاء زوجته ...فقد تعودت مجالسته و لو لبعض الوقت للحديث حول عملها كأجيرة في الضيعة الفلاحية المجاورة و عن العلاقة بين العمال و الفلاحين و عن معاناته و هو البناء الذي تقدمت به السن ...و عن متطلبات ابنهما هيثم و سعاد الدراسية ...فهما في سنتهما قبل الباكالوريا و الجامعة على الأبواب .... ناداها...كما نادى ابنته ....جاء هيثم ...و قال ...أمي ممددة على سريرها قالت انها متعبة قليلا و تريد أن تنال قسطا من الراحة .... تولى بنفسه على غير عادته اعداد الشاي...أخذ كأسا مركزة كما تشتهيها زوجته و دخل الغرفة ...رآها نائمة ...حركها بهدوء...فتحت عينين مثقلتين بالأرق و حركت ببطء جسما أنهكه تعب يوم لم ينته الا منذ قليل ...تناولت الشاي ...بسرعة و عادت للنوم من جديد ... تركها لترتاح ...و انتقل بين غرفتي سعاد وهيثم ...ثم جلس وسط السكون الجاثم يقلب القنوات التلفزية دون أن يستقر ...انشغل بحالة زوجته ...فقصد غرفتها ثانية ...وجدها تشيح بوجهها الى الجدار و هي ممددة ....تذرف الدمع في صمت ...تمسحه من حين لآخر بكف يدها و بفوطة صغيرة ...سالها في حيرة ...ما الذي جرى ؟ أنت لست متعبة فقط ...بمن يتعلق ألأمر ؟ هل بالولدين ؟ بأحدهما ؟ بمن ؟ نطر ت اليه كأنها تستجديه اعفاءها من الكلام...مشيرة باصبعها الى الولدين ...أغلق باب الغرفة و جلس على السرير قبالتها ...تناول يدها و نظر اليها محاولااستنطاق ملامحها ...قال ...تتألمين لوحدك ...و لست أدري منذ متى و أنت على هذه الحال ؟ حينها ...قالت أرجوك ...لا داعي لتكبير الموضوع فقد صعبت علي نفسي و خفت من الاستسلام قبل أن نواصل مشوار دراسة هيثم وسعاد ...اليوم أدركت كم نحن صغار ..حتى في أعين أبنائنا ...عرفتني طاقة أبدية في حاضرك و خلال غيابك عنا في مناسبات كثيرة ...اليوم جد شيء آلمني كثيرا ...و ذكرني بأمر كدت أنساه....و لعلك لا تعلمه ....لم أرد اخبارك به و لم أفعل حتى تظل الحياة دون تغيير في أعين هيثم و سعاد ...المرض الخبيث في آخر مراحله ....اكتشافه كان صدفة منذ أشهر عندما كنت في غياب استوجبه عملك باحدى الولايات القريبة ... استوت جالسة و أسندت ظهرها الى وسادتين ...أمسكت بيده المرتعشة و نظرت مليا في تقاسيم وجه أخذ طريقه الى الشحوب و الحيرة ...قالت : لم تكن مقصرا يوما و ما كنت كذلك...أحلامنا الصغيرة باتت تتحطم على واقع يجعلنا نصغر و نصغر كل يوم ...كنت أتألم لنبض الحياة الذي يؤلم طفلينا ...الأن و قد كبرا ...أدركا عجزنا ...كنت أرى في جواربي الممزقة تقزز ابنتي و هي ترمي بها جانبا لأرتديها في اليوم الموالي ....كنت أداري دمعي و أنا أعد لهما الطعام و قد رأيت في عيني ابنتي قرفها من خربشات كفي و سواد الخطوط جراء عملي في الضيعه .... لزمت الصمت الا ما ندر...لأتفادى ضحكات ابني و هو يعقب على كلماتي التي لم تعد تلائم عصره ....و ثورته على قناعة ستبقيه وريثا للفقر ...و في خضم كل هذا نسيت أنا و أنت في غيابك المتكرر ...و حتى في وجودك ...أننا كنا نتحدث نادرا ...أرجع مهدودة و تبقى وحيدا ...و يظل الطفلان كل في عالمه ...و ألهتنا مشاغلنا عن حياة ألفناها في بداية زواجنا ...افترق روحانا ...و سكن الليل أعماقنا ....كنت أدرك جيدا تحاملك على نفسك و أنت تكابد رائحة السماد العالق في ثيابي....و عدم اهتمامي بلياقتي ...حتى أني أكون مفاجأة الجميع يوم أتزين لمناسبة ....أو لفرح ....لم نخلقه لنحتفل به ...و لم يعمر قلوبنا لنحياه ....و في الأخير ...يأتي المرض ليسدل الستار على فصول حياتي و لم أهنأ بعد بما ضحيت من أجله ....كنت أقاومه كل يوم في عيني هيثم و سعاد ....اليوم أتلاشى لأن أمهما باتت عبئا يتستران عليه ....هو كالعار الذي لم أقترفه ..... كان لكلامها وقع المصيبة على نفسه ...التفت الى الباب الذي كان مغلقا....لم يعد كذلك... فقد سمعت ابنته كل شيء....ارتمت في حضن أمها ....و بكت ...بل صرخت....فزع هيثم و اختلطت الدموع و تشابكت الأحضان في لحظات موجعه.....موجعه.....
#محمد_الطيب_بدور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمي تتغير / قصة قصيرة
-
سيدة النساء / خاطره
-
المتمردة / قصة قصيرة
-
بطعم الذهول / قصة قصيرة
-
لقاء أخير / قصة قصيرة
-
تعاف يا وطنا / خاطره
-
لم يعد سرا / قصة قصيرة
-
هل أدركت الآن ؟ / قصة قصيرة
-
في جنح الظلام / قصة قصيرة
-
بين الضفتين / قصة قصيرة
-
الزقاق / قصة قصيرة
-
هل لي بزهرة ؟
-
قولي للربيع لا تأت / قصيد
-
حنين / خاطره
-
نبض الروح / خواطر شعرية
-
نهاية السفر / قصة قصيرة
-
ليس اختياري
-
ابتسامة و انهيار / قصة قصيرة
-
المصير / قصة قصيرة
-
رصيد معطلة عن العمل
المزيد.....
-
-الشارقة للفنون- تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة
-
فيلم -الحائط الرابع-: القوة السامية للفن في زمن الحرب
-
أول ناد غنائي للرجال فقط في تونس يعالج الضغوط بالموسيقى
-
إصدارات جديدة للكاتب العراقي مجيد الكفائي
-
الكاتبة ريم مراد تطرح رواية -إليك أنتمي- في معرض الكتاب الدو
...
-
-ما هنالك-.. الأديب إبراهيم المويلحي راويا لآخر أيام العثمان
...
-
تخطى 120 مليون جنيه.. -الحريفة 2- يدخل قائمة أعلى الأفلام ال
...
-
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي تكرِّم المؤسسات الإع
...
-
نقل الموناليزا لمكان آخر.. متحف اللوفر في حالة حرجة
-
الموسم السادس: قيامة عثمان الحلقة 178 باللغة العربية على ترد
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|