|
قحطانيات16: عبد الله مطلق القحطاني
أفنان القاسم
الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 17:44
المحور:
الادب والفن
التعارض النسبي في مقالة "عذرًا يا وطن أنا ألعنك وأبغضك"، هناك تعارض من العنوان بين الاعتذار للوطن وبين لعنته وبغضه، فالقحطاني يحب وطنه، وما كل هذا البغض إلا لكل هذا الحب، لهذا كان التعارض نسبيًا، أبعد ما يكون عن اللفظ الكلي في الفلسفة، اللفظ الجازم، لنبتعد عن المعنى المستنبط من المقولات لدى كانط، ولنقترب من الرمز الذي يُبنى منه السرد، ككل قطعة شعرية، نسبية التعارض فيها كيلا يكون الربط بين الكلمات والجمل لعبة بين الصحيح والغلط فيما يقال، وكيلا يكون الرمز عائقًا أمام التجانس بين الكلمات والجمل المتعارضة، وبالتالي كيلا يتراجع الفك أمام التفكك، فك الكلمات والجمل –كما سنفعل- أمام تفكك مفترض لهذه الكلمات والجمل يعبر عنه التفاوت بين البغض والغضب.
الربط بين الكلمات والجمل "عذرا يا وطن ؛ عذرا يا وطن ؛ لن أنافقك ولن أخدعك فأنا أكرهك وأبغضك وألعنك ؛ عذرا يا وطن لن أجاملك ولن أنافقك بشعارات الانتماء المزيفة والتغني بحبك وأن حبك من الإيمان ؛ لن أنافقك يا وطن ولن أخدعك بل أنا ألعنك وأبغضك وألعن ساعة ولادتي على ترابك ؛ ألعن نفسي قبلك يا وطن وألعن لحظة ولدت بها بك يا وطن فعذرا يا وطن أنا أبغضك وألعنك". يرتبط الاعتذار بعدم الخداع والنفاق، فما سيقال لا يقال: كره الوطن وبغضه ولعنته. إذن التعارض بين الاعتذار على ما يقال وما يقال نسبي لا نهائي، هو بالأحرى عامل ربط "ناراتيفي" سردي أساسي، بين كلمة عذرًا وكلمة وطن، وبين جملة عذرأ يا وطن وجملة لن أنافقك ولن أخدعك فأنا أكرهك وأبغضك وألعنك، وقس على ذلك باقي الكلمات والجمل. ويظهر التعارض النسبي أكثر ما يظهر في الفقرة السابقة عندما يقول المتكلم ألعن نفسي قبلك يا وطن، فيشمل هذا التعارض كل النص، هناك لعنة الوطن وهناك لعنة النفس، إحداهما تنبني على الأخرى، ألعن لحظة ولدت بها بك، يقول المتكلم، فليس إذن أنا على خطأ لأني أكرهك أو أنا على صواب لأني أحبك، نحن هنا ننأى عن المثالية، ليكون التعارض عامل ربط تركيبي إضافة إلى كونه عامل ربط سردي.
الفك بين الكلمات والجمل "أنت يا وطن قتلتني وقتلت غيري ؛ نعم يا وطن أنت وحدك الجاني والجلاد ؛ أم تراك يا وطن أنت أيضا ضحية مثلنا ؟!" الوطن القاتل الجاني الجلاد، لا يوجد تعارض هناك بين الوطن وبين كونه قاتلاً وجانيًا وجلادًا بل تجانس، وكما كان التعارض نسبيًا التجانس نسبي كذلك، فالفك بين الكلمات قاتل وجانٍ وجلاد لن يتوقف هنا، وهو يغترف من قاموس القمع كلمات أخرى كثيرة متشابهة، فالتجانس ما بينها عامل فك بين الكلمات التي قيلت والكلمات التي لم تُقَل أو التي ستقال، عامل فك بين الجملة الأولى التي تعرض للوطن كقاتل وبين الجملة الثانية التي تعرض للوطن كضحية، نقول عامل فك لا عامل ربط بسبب السؤال أم تراك يا وطن أنت ضحية مثلنا، سؤال يشكك في كون الوطن قاتلاً وجانيًا وجلادًا، ويجعل من هذا التجانس تجانسًا نسبيًا، فتتجانس الكلمات من ناحية بفضل الرمز الذي يعبر عنه الوطن كقاتل وجانٍ وجلاد مرة وكضحية مرة، وهذا هو المستوى الناراتيفي السردي، لهذا قام التجانس كعامل فك بين الوطن كوطن (أرض وسماء وبيت) وبين الوطن كرمز (ضحية وقاتل وجانٍ وجلاد) مقام التعارض كعامل ربط الوطن بما يرمز إليه، وهذا هو المستوى التركيبي البنيوي، ليكون التجانس عامل فك تركيبي إضافة إلى كونه عامل فك سردي.
الربط والفك بين الكلمات والجمل "يا وطن هل تعرف أن كل من سكن أرض وطنه انتسب لعبق ترابه الطاهر إلا أنت يا وطن !! ؛ يا وطن كل وطن في العالم ينتخب شعبه ويعرف عملية الاقتراع إلا أنت يا وطن ؛ يا وطن كل وطن ظُلم جلاوزته لا يدوم إلا أنت يا وطن". يا وطن هل تعرف... إلا أنت يا وطن، يا وطن كل وطن في العالم... إلا أنت يا وطن، يا وطن كل وطن ظُلم جلاوزته... إلا أنت يا وطن. نلاحظ هنا أن وظيفة جعل الكلمات والجمل كلماتٍ وجملاً في عملية عادية تتطلب الربط والفك على المستوى الناراتيفي السردي وعلى المستوى التركيبي البنيوي، فهناك تعارض بين الوطن وكل وطن (الربط في الفك)، وهناك تجانس بين الوطن وكل وطن (الفك في الربط)، التعارض في الانتساب وعدمه، في الانتخاب وعدمه، في العدل وعدمه، والتجانس في الانتساب وفقط، في الانتخاب وفقط، في العدل وفقط، فيكون التعارض المستوى الناراتيفي السردي، ويكون التجانس المستوى التركيبي البنيوي، الأول ممكن، والثاني غير ممكن.
المنطق الثنائي "يا وطن أتبني بيوت شعوب أخرى ؟! ؛ يا وطن أتُنعم على غير شعبك بالمال والنفط وتحرمنا ؟!! ؛ يا وطن أتمنعنا من الدراسة والعمل والسفر والسكن وتذلنا وبثرواتنا تجود على غيرنا ؟!" المنطق السردي ثنائي: أتبني لغيرنا ولا تبني لنا، أتُنعم على غيرنا ولا تُنعم علينا، أتجود على غيرنا ولا تجود علينا وتذلنا وتمنعنا. هناك سرد عادي، عما يكون عليه الوطن، وهناك سرد افتراضي، عما يفترض أن يكون عليه الوطن. الوطن كما يكون عليه وطن يبني للغير وينعم على الغير ويجود على الغير، والوطن كما يفترض أن يكون عليه وطن يبني لنا وينعم علينا ويجود علينا، بينما من المفترض أن الوطن كما يكون عليه وطن يبني لنا وينعم علينا ويجود علينا، وأن الوطن كما يفترض أن يكون عليه وطن يبني للغير وينعم على الغير ويجود على الغير، فيصبح ما هو افتراضي في النظام السردي عاديًا، وما هو عادي افتراضيًا. لهذا السرد ثنائي في منطقه، وفي نفس الوقت انطباقي.
بيان الوقائع والأسباب "يا وطنَ ظلمٍ الأوطانُ تأتي ساعةَ يُرفع وظلمك بشع من المهد حتى اللحد !! ؛ يا وطن قيمتك بخسة وتأشيرة العمل والإقامة بك رخيصة !! فمن أرخصك يا وطن ؟!! ؛ يا وطن أصبحت سائبا منتهكا يسكنك المجهولون والمخالفون وكل من هم مثلهم ؛ يا وطن ينعم بخيرك غيرنا ؛ يا وطن يسكنك غيرنا ؛ يا وطن لا قيمة لي بك ؛ يا وطن كيف لي أن أشعر بحبك والانتماء إليك وأنا لا أنسب إلى ترابك ؟!!" نحن لم نزل مجروفين بما هو عادي وبما هو افتراضي، لكن بيان الوقائع والأسباب يزداد بشكل كلاسيكي بشكل تقليدي: تكون الأوطان أوطانًا عندما يُرفع الظلم، لماذا الأوطان ليست أوطانًا (الواقعة)، لأن الظلم باقٍ (السبب). تزداد قيمة الأوطان ارتفاعًا عندما تعطى تأشيرة العمل والإقامة بصعوبة، لماذا قيمة الأوطان بخسة (الواقعة)، لأن الوافدين أكثر مما يجب (السبب). الشيء نفسه بخصوص الوطن السائب، وقيمة الفرد فيه، ولنقص قيمة الفرد فيه يكون السؤال الإشكالي التالي: يا وطن كيف لي أن أشعر بحبك والانتماء إليك وأنا لا أُنسب إلى ترابك ؟! ليسه الفك السردي كما رأينا، إنه الانفكاك الوجودي.
تَوافق الكلمات "يا وطن لن أخدعك ولن أنافقك ولن أداهنك مثلهم !! ؛ يا وطن أنا ألعنك وأبغضك ؛ ألعنك منذ ساعة ولادتي المشئومة حتى ساعة وفاتي البائسة ؛ ألعنك عدد لحظات ودقائق وساعات وأيام وأسابيع وأشهر وسنين ظلمك وقمعك وذلك وهوانك واحتقارك لي ؛ ألعنك وأبغضك كل أيام ظلمي وجوعي وهواني على يدك ؛ نعم يا وطن لن أخدعك ولن أنافقك فأنا أبغضك وألعنك سرا وجهرا". نبدأ في هذه الفقرة بعدم الخداع والنفاق وننتهي بعدم الخداع والنفاق، إذ بين بداية الكلمات ونهايتها لا تعارض ولا تجانس، لا يوجد أي رمز، انتهى كل عائق. وبينما يبدي السرد "موضوعيته" بخصوص لعنة الوطن وبغضه، يبدي في الوقت نفسه "ذاتيته" بخصوص وضع السارد ومحنته: ظلمه قمعه، ذله، هوانه، احتقاره، جوعه. انتهى المنطق الثنائي، ولم يبق سوى المنطق الأحادي، منطق السارد.
المنطق الأحادي "يا وطن متى أغادرك وأتركك غير آسف ولا باك ولا حزين ؛ يا وطن أتباع الأوطان ؟! ؛ يا وطن أتبغض الأوطان ؟! ؛ يا وطن أتنسى الأوطان ؟! ؛ لا يا وطن إلا أنت يا وطن فجورك فجور وقربك نار ؛ وهل أنت يا وطن تنتمي اسما إلى ترابك ابتداءً لتطلب منا الانتماء إليك !! ؛ هل عدلت يا وطن أم شبكت أراضيك ونهبت خيراتك وسلبت ثرواتك وعشنا بكنفك بقمع وذل وقهر ؟!! ؛ يا وطن إلى متى خيرنا لغيرنا ؟! ؛ يا وطن إلى متى ظلمك قائم ؟! ؛ يا وطن أأنت ظالم أم مظلوم مثلي يا وطن ؟!! ؛ يا وطن إن كنت ظالما أم مظلوما فلن أخدعك وسأصدقك : أنا أكرهك وأبغضك وألعنك يا ووووطن". يشير السرد إلى انعكاس في صفات بطل السرد، الوطن، وخصائصه، فالوطن لا يُباع، لا يُبغض، لا يُنسى، لكن المنطق الأحادي يجعل منه وطنًا يُباع، يُبغض، يُنسى، لمحنة السارد، لمعاناته، إلى درجة يجد نفسه فيها مضطرًا لتركه دون أسف. وكذلك يشير السرد إلى انعكاس في صفات نظام السرد، الأسلوب، وخصائصه، وذلك بتقديم تمني السارد بترك الوطن، وتأخير أسباب الترك لغاية إنسانية، فالصرخة الأخيرة صرخة إنسان عاشق للحرية.
يتبع قحطانيات: المقدمة
#أفنان_القاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قحطانيات15: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات14: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات13: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات12: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات11: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات10: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات9: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات8: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات7: عبد الله مطلق القحطاني
-
قحطانيات6: عبد الله مطلق القحطاني
-
بيروت تل أبيب النص الكامل
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل الحادي عشر والأخير
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل العاشر2
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل العاشر1
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل التاسع3
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل التاسع2
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل التاسع1
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل الثامن2
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل الثامن1
-
بيروت تل أبيب القسم الثاني تل أبيب الفصل السابع2
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|