مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 13:55
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
1 – أنا لا أعرف الجواب . ربما يمكننا تغيير العالم من دون الاستيلاء على السلطة . ربما لا . نقطة البداية بالنسبة لنا – جميعا كما أعتقد – هي عدم اليقين , عدم المعرفة , البحث المشترك عن طريق إلى الأمام
2 – نحن نبحث عن طريق إلى الأمام لأنه أصبح أكثر وضوحا من ذي قبل أن الرأسمالية هي كارثة على البشرية . و أصبح التغيير الجذري لتنظيم المجتمع , أي الثورة , أكثر إلحاحا من أي وقت مضى . و هذه الثورة يجب أن تكون ثورة عالمية كي تكون ناجحة
3 – لكن من غير الممكن تحقيق هذه الثورة العالمية بضربة واحدة . هذا يعني أن الطريقة الوحيدة التي يمكننا فيها أن نحقق الثورة هي الثورة الخلالية أو في الفراغات , ثورة تحدث في الفجوات داخل الرأسمالية ( التشققات داخل الرأسمالية ) , ثورة تحتل فضاءات في عالم ما يزال رأسماليا . السؤال هو كيف نتصور و نحقق هذه الفجوات , سواء فكرنا فيها على أنها دول او غير ذلك
4 – عند التفكير في هذا , علينا أن نبدأ من حيث نحن , من الانتفاضات و التمردات العديدة التي أوصلتنا إلى بورتور أليجري ( مكان عقد المنتدى الاجتماعي العالمي ) . العالم يمتلئ بهذه الانتفاضات , ببشر يقولون لا للرأسمالية : لا , لن نعيش حياتنا حسب أوامر رأس المال , و سنفعل كل ما نراه ضروريا أو مطلوبا لا ما يأمرنا رأس المال بأن نفعله . أحيانا نرى الرأسمالية كنظام شامل للهيمنة و ننسى أن تلك الانتفاضات موجودة في كل مكان . في بعض الأحيان قد تكون صغيرة لدرجة أن المنخرطين فيها حتى لا يرونها كذلك , لكنها غالبا ما تكون مشاريع جماعية للبحث عن طريق بديل للمضي إلى الأمام و أحيانا تكون ضخمة مثل غابة لاكاندون ( التي تمتد من التشاباس في المكسيك حتى غواتيمالا و كانت سببا للنزاع بين المدافعين عن البيئة و من كان يود استصلاحها للزراعة ) أو انتفاضة ( 2001 ) في الأرجنتين قبل ثلاث سنوات أو ثورة بوليفيا قبل عام ( كتب هذا المقال عام 2005 ) . كل هذه الانتفاضات تتميز بالميل أو باندفاع نحو التنظيم الذاتي , بحافز يقول "لا , لن تملوا علينا ما نفعل , سنقرر بأنفسنا ما الذي علينا فعله" . يمكن أن نرى هذه الانتفاضات كشقوق في نظام الهيمنة الرأسمالية . ليست الرأسمالية نظامام اقتصاديا ( في المقام الأول ) , بل نظام هيمنة ( إصدار أوامر ) . يأمرنا الرأسماليون باستخدام المال , يقولون لنا ما الذي يجب علينا فعله . أن نرفض الخضوع يعني رفض الانصياع لأوامر رأس المال . يصبح السؤال المطروح أمامنا عندها هو كيف نجعل هذه الانتفاضات تتكاثر و تتوسع , كيف نكبر هذه الشقوق في بنية الهيمنة
5 – هناك طريقتان للتفكير في ذلك :
أ – تقول الأولى أن هذه الحركات , هذه الانتفاضات العديدة , تفتقر إلى النضج و التأثير إذا لم تصبح موجهة , إلا إذا أصبحت تسعى نحو هدف ما . لكي تكون مؤثرة أو ناجحة , يجب أن تسعى للاستيلاء على سلطة الدولة – إما من خلال الانتخابات أو عبر الإطاحة بالدولة القائمة و إقامة دولة جديدة , ثورية . و الشكل التنظيمي لتوجيه كل هذه الانتفاضات نحو هذا الهدف هو الحزب . مسألة الاستيلاء على سلطة الدولة ليست نفسها قضية نوايانا المستقبلية بخصوص التنظيم الحالي ( للمجتمع ) . كيف ننظم أنفسنا في الوقت الحالي ؟ هل ننضم إلى حزب , شكل تنظيمي يوجه غضبنا نحو الاستيلاء على سلطة الدولة ؟ أم ننظم أنفسنا بطريقة مختلفة ؟
ب – طريقة التفكير الثانية لتكثير و توسيع هذه الانتفاضات هي أن نقول "لا , يجب ألا نسخر كل هذه الانتفاضات ( و النضالات ) في سبيل تشكيل حزب ما , بل يجب أن تترك لتنتعش بحرية , لتذهب في الطريق الذي يقودها فيه النضال" . هذا لا يعني أنه يجب ألا يكون هناك تنسيق , لكن يجب أن يكون تنسيقا أكثر حرية . و قبل كل شيء ألا تكون نقطة تركيزنا الاستراتيجية هي الدولة , بل المجتمع الذي نريد أن نخلقه .
6 – النقد الأساسي ضد الفكرة الأولى هو أنها تقودنا في الاتجاه الخاطئ . ليست الدولة شيئا , مشروعا طبيعيا : إنها شكل من أشكال العلاقات الاجتماعية , شكل من أشكال التنظيم , طريقة لتنظيم الأمور تطورت على مدى قرون عديدة بهدف الحفاظ على دور رأس المال و تطويره . إذا ركزنا كل نضالنا على الدولة , أو إذا انطلقنا من الدولة كنقطة ارتكاز استراتيجية , علينا عندها أن نفهم أن هذه الدولة ستأخذنا معها في اتجاه معين . إنها ستسعى أولا لتفرض علينا أن نعزل نضالنا عن المجتمع , ستحول نضالنا إلى نضال باسم هذا المجتمع , نيابة عنه . هذا سيؤدي إلى فصل القادة عن الجماهير , فصل الممثلين عمن يمثلهم , ستقودنا إلى طريقة تفكير مختلفة . تدفعنا نحو التصالح مع الأمر الواقع , الذي هو واقع الرأسمالية : شكل تنظيم اجتماعي يقوم على الاستغلال و انعدام العدل , على القتل و التدمير . إنها تدفعنا ضمن حدود مكانية محدودة لتسيير أمورنا , إلى تعريف مكاني يقوم على تمييز واضح بين أراضي الدولة و العالم الخارجي , بين المواطنين و الأجانب ( غير المواطنين ) . إنها تدفعنا نحو تعريف مكاني محدود للنضال ليس له أي أمل في مواجهة حركة رأس المال العالمية . هناك فكرة مركزية واحدة في كل تاريخ اليسار الذي يتمحور حول الدولة ( الدولتي ) , و هي فكرة الخيانة . مرة تلو أخرى , خان القادة الحركة , ليس بالضرورة لأنهم أشخاص سيئون , بل لأن الدولة كشكل تنظيمي تفصل القادة عن الحركة و تدفعهم للتصالح مع رأس المال . ترجع كل تلك الخيانات إلى الدولة كشكل تنظيمي . هل يمكننا مقاومة ذلك ؟ نعم , بالطبع يمكننا , و هذا يحدث طول الوقت . يمكننا أن نرفض أن نسمح للدولة بأن تعين قادة أو ممثلين دائمين للحركة , يمكننا أن نرفض أن يقوم المندوبون بالتفاوض سرا مع ممثلي الدولة . لكن هذا يعني أن نفهم أن أشكال تنظيمنا يجب أن تكون مختلفة جدا عن أشكال التنظيم الدولتية , لا يوجد تشابه بينها . الدولة هي تنظيم "نيابة عن" , ما نريده اليوم هو تنظيم يقوم على التسيير الذاتي , شكل من التنظيم يسمح لنا بأن نعبر عما نريد , نقرر ما نريد , ما نراه ضروريا أو مناسبا . ما نريده هو بكلمات أخرى شكل تنظيمي لا تكون الدولة نقطة ارتكازه .
7 – النقد الموجه ضد استخدام الدولة كنقطة ارتكاز في نضالنا واضح , لكن ماذا عن الفكرة الأخرى ؟ يمكن رؤية النضال المتمحور حول الدولة على أنه نقطة مركزية لتطوير النضال حولها . قد يقال أنه هناك نقطة مركزية تدور حولها كل النضالات , هي الاستيلاء على سلطة الدولة . أولا نركز كل جهودنا على الاستيلاء على الدولة , ننظم أنفسنا لذلك الهدف , و بعدها , عندما نحقق ذلك الهدف يمكننا أن نبدأ بالتفكير بأشكال أخرى , مختلفة , للتنظيم , يمكننا عندها أن نفكر بتثوير المجتمع . أولا نسير في اتجاه , لكي نتمكن من السير في اتجاه آخر بعد ذلك : المشكلة هنا هو أن الديناميكية التي تظهر في المرحلة الأولى سيكون من الصعب أو المستحيل تفكيكها في المرحلة الثانية . تركز الفكرة الثانية مباشرة على نوع المجتمع الذي نريد أن نخلقه , دون المرور بالدولة . لا يوجد هنا نقطة مركزية : التنظيم هو شيء قبل رمزي , مباشر , يرتبط مباشرة بالعلاقات الاجتماعية التي نسعى إلى خلقها . بينما يرى المفهوم الأول أن التحول الجذري للمجتمع سيبدأ فقط بعد الاستيلاء على السلطة , يصر الثاني على أنه يجب أن يبدأ الآن ( فورا ) . لا تقوم الثورة عندما يكون "الوقت مناسبا" بل هنا و الآن . هذه الرؤية المسبقة , عن الثورة هنا و الآن , هي قبل كل شيء قوة دافعة أو محفزة نحو التسيير الذاتي . لا يمكن للتسيير الذاتي أن يوجد في مجتمع رأسمالي . ما يوجد و يمكن أن يوجد هو الدافع نحو التسيير الذاتي : التحرك ضد أن يقرر عنا الآخرون . مثل هذه الحركة ضد أن يقرر عنا الآخرون هي حركة تجريبية بالضرورة ( تقوم على التجربة فقط ) , لكن هناك ثلاثة أمور واضحة فيما يتعلق بها :
أ – الدافع نحو التسيير الذاتي هو بالضرورة دافع لحركة ضد السماح للآخرين بأن يقرروا نيابة عنا . إنها لذلك حركة ضد الديمقراطية التمثيلية و نحو خلق شكل ما من الديمقراطية المباشرة .
ب – الحركة نحو التسيير الذاتي لا تتوافق مع الدولة , التي هي شكل تنظيمي يقرر فيه الآخرون نيابة عنا و بالتالي يستبعدوننا عن عملية اتخاذ القرارات
ج – ليس للحركة نحو التسيير الذاتي معنى ما لم تتضمن هذا التسيير الذاتي لعملنا , لأفعالنا , كنقطة مركزية لها . إنها موجهة بالضرورة ضد التنظيم الرأسمالي للعمل . إننا لا نتكلم فقط عن الديمقراطية بل أيضا عن الشيوعية , لا نتكلم فقط عن التمرد بل الثورة .
8 – بالنسبة لي , أعتقد أنه يجب علينا أن نركز على الفكرة الثانية . لا تعني حقيقة أننا نرفض المقاربة المستندة إلى الدولة أن المقاربة الثانية التي لا تتمحور حول الدولة ليست بلا مشاكل أو صعوبات . إني أرى فيها ثلاثة مشاكل أساسية , لكني لا أرى أن أيا منها تصلح كحجة أو مبرر للعودة إلى فكرة الاستيلاء على سلطة الدولة :
أ – القضية الأولى هي كيف نتعامل مع قمع الدولة . لا أعتقد أن الجواب هو بتسليح أنفسنا بحيث يصبح بإمكاننا أن نهزم الدولة في مواجهة مفتوحة : من غير المرجح أن ننتصر في مثل هذه المواجهة و في كل الأحوال فإن مثل هذه المواجهة تحمل احتمال إعادة إنتاج نفس العلاقات الاجتماعية السلطوية التي نحاربها . كما لا أعتقد أن الرد هو أن نعمل على الاستيلاء على الدولة بحيث نسيطر على الجيش و قوات الشرطة : إن استخدام الجيش و الشرطة نيابة عن الشعب ( باسم الشعب ) يتعارض بوضوح مع نضال أولئك الذين لا يريدون من أحد أن يقرر أو يفعل نيابة عنهم ( باسمهم ) . هذا يضعنا أمام محاولة إيجاد طرق أخرى لنحول دون ممارسة الدولة لعنفها ضدنا : قد يتضمن ذلك درجة ما من المقاومة المسلحة ( كما في حالة الزاباتيستا ) , لكنه يجب أن يعتمد قبل كل شيء على القوة الآتية من دمج الثورة في المجتمع .
ب – القضية الثانية هي كيف يمكننا أن نطور نشاطات بديلة ( نشاطات إنتاجية بديلة ) داخل الرأسمالية , و إلى أي حد يمكننا خلق رابطة أو شبكة اجتماعية بديلة بين هذه النشاطات , عن طريق آخر غير القيمة ( الرأسمالية ) . هناك العديد من التجارب التي تدلنا على الحل ( حركة الاستيلاء على المصانع في الأرجنتين مثلا ) و ستعتمد الاحتمالات هنا على اتساع الحركة نفسها , لكن هذه ستبقى مع ذلك مشكلة كبيرة . كيف يمكننا أن نفهم التعريف الاجتماعي للإنتاج و التوزيع ذلك الذي يمكن أن ينشأ من الأسفل إلى الأعلى ( من الثورات الخلالية أو الفراغية , أي في شقوق النظام الرأسمالي ) لا عبر هيئة تخطيط مركزية
ج – المشكلة الثالثة هي تنظيم التسيير الذاتي الاجتماعي . كيف يمكننا تنظيم نظام ديمقراطية مباشرة على مستوى أكبر من المستوى المحلي في مجتمع معقد ؟ الجواب الكلاسيكي هنا هو فكرة المجالس المرتبطة معا بمجلس المجالس الذي سيذهب إليه مندوبون عن المجالس يمكن استدعائهم أو تغييرهم في أي لحظة . يبدو هذا صحيحا من حيث المبدأ , لكن من الواضح أن سير الديمقراطية أمر إشكالي ( صعب ) حتى في المجموعات الصغيرة , لذلك فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن إقامة الديمقراطية المباشرة ( أو فهمها ) هو كعملية دائمة أو مستمرة للتجربة و التعلم الذاتي .
9 – هل يمكننا تغيير العالم دون الاستيلاء على السلطة ؟ الطريقة الوحيدة لمعرفة ذلك هو بأن نحاول القيام به
جون هولواي , 6 أبريل نيسان 2005
نقلا عن
http://anarchistnews.org/content/can-we-change-world-without-taking-power-john-holloway
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟